هاتِ، يا شعرُ، سِحْرَ هاروتَ هات! |
صنعَ السدَّ صانعُ المعجزات |
والسد مِنْ صنع بابل إلا |
وَحْيُ شعر من عندِ هاروتَ آت |
كم رأى الناسُ من جمال فعَالا |
كُلُّهَا من خوارق العادات |
بَطَلٌ كلُّ مستحيل لديه |
يتراءى في حَيِّز الممكنات |
هُوَ لَمْ يعترفْ بلفظِ «محال» |
فَمَحَاهُ مِنْ معجم الكلمات |
لا تقولوا: عجائبُ الأرض سبعٌ |
فَهْي -مِنْ بعد السَّدِّ- سبعُ هنات |
الصخورُ الصَّمَّاء كيف استحالت |
خلفَ أسوانَ أَلْسُنًا ناطقات؟ |
مُفْصِحَاتٌ عن مجد مصر قديمًا |
وحديثًا بِمُحْكَم الآيات |
بين سدٍّ على العُبَاب مُقَام |
وقُصُور في جوفهِ غارقات |
قل لمن شيَّدوا الهياكلَ في مصـ |
ـر، وأَرْسَوْا أهرامَها الشامخات: |
قد بَنَيْتُم بأَذْرُع كادحَات |
وَبَنَينَا للأذرع الكادحات |
وبنيتم لِلْمَوْتِ أنتم، وَلَسْنَا |
نـحن نبني للموت، بَلْ للحياة |
ليس من يَبْتَنِي ليَحْفَظَ رُوحًا |
مثلَ من يَبْتَنِي لحفظ رُفَات |
أيها السدُّ، ما عَهِدْناك إِلاَّ |
مَصْدَرَ اليُمْن، مصدرَ البركات |
نـحن -من قبل أن نَخُطَّك في الأر |
ض- جَنَيْنَا تأميمَ ماء القناة |
منعوا دَرَّهم؛ فقلنا: رويدا |
نـحن نَغنَى بالاكتفاء الذَّاتي |
أجمعوا أمْرَهُم، وجاءوا بليْل |
فَرَمَى الله جمعَهم بالشَّتات |
وظفرنا بدولتين، وأُخرى |
هِيَ في الأرض سُبَّة الدُّولات |
ما بنينا سدًّا؛ ولكن بَنَيْنَا |
مجدَ مصرٍ، ونـحن خيرُ البناة |
وفتحْنا بهِ لمصرَ كِتابًا |
خالدَ الذِّكرِ مشرقَ الصَّفَحَات |
وَمَحوْنَا عن مصرَ وَصْمَةَ عار |
بَرئَتْ أرضُها من الوَصَمَات |
نـحن لو لم نَجِدْ لعَمْرِي صخورًا |
لابْتَنَيْنَا الخَزَّان بالهامات |
وحفرنا أنْفَاقَهُ بالبنان الـ |
رَّخْص، أو بالأَظافر الناعمات |
وجعلنا ملاطهُ من دِمَاء |
غاليات، على الحِمَى طاهرات |
وبَذَلْنا عن طيبِ نفس له الما |
لَ، وعشْنَا عَيْشَ الجِيَاع العُرَاة |
فَلقَ اليَمَّ ناصرٌ بعصاه |
وعصاهُ ليْسَتُ من الحَيَّات |
بَلْ عصا ناصرٍ تَدبُّ على الأر |
ض؛ ريَاضًا خضراءَ، مُعْشَوْشِبَات |
وعصا ناصر تَفُلُّ صواريـ |
ـخ الأعادي، وبِيضَها المرهفات |
أنتِ يا مصرُ من قديم اللَّيالي |
كعبةُ السائحين والسائحات |
أوَ لم يُهْرَعُوا إليك وُفُودا |
ليزوروا آثارَك الخالدات؟ |
قُلْ لمن قَدَّسوا فراعينَ مصر: |
هَلْ رأَيْتُمْ آثارَها المحدَثات؟ |
أيها القوم، طوِّفوا حَوْل مصر الـ |
ـيومَ، في زيِّ مُحْرِمين حُفَاة |
وَقفُوا خلفَ سَدِّها في خشوعٍ |
وقفة المسلمين في عَرفات |
هاهنا الفنُّ قام يَرْوي حديث الْـ |
ـمَجْدِ عنا، والفنُّ خيرُ الرواة |
هاهنا معبدُ الفنون لمن را |
مَ صلاةً، فكَبِّروا للصَّلاة |
أيها النيل، كم شَقَقَتْ طَرِيقًا |
في جبال، ومهيعا في فلاة |
كم نسفت النُّجُودَ نجدًا، فنجدًا |
وفريت الصفاة بعد الصَّفاة |
ماؤك العَذْبُ كان في الصخر أمضى |
من شِفَار الفئوس في اللَّبنات |
تطأ الصخر في أناة ورفق |
فإذا الصخرُ حفنةٌ من فُتات |
ما لأمْوَاهك العَواتي استكانت |
في خشوعٍ خلف الصخورِ العواتي؟ |
وقَفتْ خلف سَدِّ أسوانَ حَيْرَى |
عاجزاتٍ، مشْلولةَ الحَرَكات |
لم تزل تقهرُ الطبيعة، حتَّى |
قَهَرَتْها أيدي البُنَاة الكُمَاة |
أيها النيل -صانك الله- عُذْرًا |
إن تَضَعْ في طريقك العقبات |
ما أرانا إلا أسَرْنَاك أسرًا |
بقيودٍ مشدودةِ الحلَقات |
نـحن لو نستطيع صُنَّاك في الآ |
مَاقِ، بين الجُفُونِ والحَدَقَات |
نـحن من غَيرةٍ بنينا سُجُونًا |
من خُدُود للخُرَّدِ الفاتنات |
القواريرُ تُحفظ الراح فيها |
وتُصَان العطور في الآنيات |
حَسْبُك اليوم أنَّ ماءك حُرٌ |
من قيودِ المستعمرين الطُّغاة |
تعس البحرُ، وهْوَ ملْحٌ أجاجٌ |
كيف يَحْظَى بوصلِ عَذْب فرات؟! |
في سبيل الشيطان ما نال منك الـ |
بحرُ سُحْتًا، في الأعْصُر الخاليات |
ما قَذَفْنَا في البحر ماءك عذبًا |
بل قذفنا في البحر بالأقوات |
وسَقَيْنَا الحيتان عذبًا نميرًا |
وَحَرَمْنا منه جذورَ النبات |
مصر أُم الفنون من سالف الدَّهْـ |
ـر، أَرُوني كمصرَ في الأُمَّهَات |
ما بنت سدها بصخر ومرو |
بل بنَتْهُ بصادقِ العَزَمات |
بِجُهُودٍ تُحوِّل التُّرْبَ تبْرًا |
وتَبُثُّ الحياة في الفَلَوات |
وتشيع الرَّخاء في كلِّ واد |
وتَصُبُّ الغِنَى بكلِّ الجهات |
نَسْلُنا من أكبادنا فَلذاتٌ |
نـحن نبْنِي لهذه الفلذات |
نـحن نبني لنا ثَرَاءً وَمَجْدًا |
ولأَجيالٍ، بعدنا قادمات |
أَسْعِفُوا هذه الفيافيَ بالما |
ءِ، وَرَوُّوا أكبادَها الظامئات |
إنَّ في باطن الصحاري كنوزًا |
فاكشفوا عن كنوزها الخافيات |
ثرْوَةُ الشعب مجده إن أراد الـ |
مَجْدَ، والأَرضُ مصدرُ الثروات |
ما كريمُ الأَحْجَار درٌّ يتيمٌ |
لاَحَ فوق النُّحورِ واللَّبَّات |
بَلْ كريمُ الأحجار ما ادَّخَرَ الما |
ءَ؛ لإِحْيَاء كلِّ أرض مَوات |
حجَرُ السَّدِّ زينة الوطن المحـ |
ـبوبِ، والدُّرُّ حليةُ الغانيات |