كلُّ شيء في الصيف يشكو الركودا |
وأرى الثغر وحده في نشاطِ |
قذف البحرُ درَّه المنضودَا |
أرأيتَ الجمان فوق الشاطئ؟ |
يا خَلِيليَّ، أين أين الرداءُ؟ |
أنا مالي بكل ذاك يدانِ |
ذلك ماءٌ أم هذه كهرباءُ؟ |
أم لهذا الخليج تياران؟ |
أنا أخشى عواريَ الأجسادِ |
لست أخشى العبابَ والإِعصارا |
يصرع الموجَ ساعدي، وفؤادِي |
خائرٌ واهنٌ أمام العذارىَ! |
رفعوا في الزوابع الأعلامَا |
ينذرون الأنام بالأخطارِ |
نكِّسوها ثم ارفعوها إذا مَا |
لاح سربٌ من الأوانس عارِ |
أعوارٍ تلك الدُّمى أم كواسِي |
بلباس يفصِّل الأجساما؟ |
|
لا وقاه اللهُ البلى من لباسِ |
إنه كان واشيًا نمامًا؟ |
صاح، ماذا رأيتُ حول الماءِ؟ |
أهْو سربٌ من الحمائم ظامِ؟ |
طيَّب اللهُ خاطرَ الصحراءِ |
أصبح البحر مرتع الآرامِ |
هاهنا: لؤلؤٌ بغير محارِ |
سابح باحث عن الغواصِ |
وظباءٌ لم تدر معنى النّفارِ |
تضع السهم في يد القناصِ |
انظر الشمسَ، والهوى، والهواءَ |
كيف راحت تنسابُ في الأجسامِ؟ |
إن للشمس والهواء شفاءَ |
لا يساوي ما للهوى من سَقامِ |
رب ثغر يداعب الأمواجا |
ينثر الماء كاللجين المذابِ |
تشتهيه النفوس ملحًا أجاجًا |
خارجًا من تلك الثنايا العذابِ |
رب ساقَيْن غاصتا في الماء |
كلجين ينساب وشطَ لجينِ |
بدَتا آيتين في الإِغراءِ |
وهما فيه نصف عاريتينِ |
إن فوق الرمال غيدًا نيامًا |
كالأفاعي؛ لينٌ بغير عظامِ |
ليس سمًا لعابها؛ بل مدامَا |
هو: برءُ السقيم، رِيُّ الظامِي |
قال جاري: ألا تكون رزينًا؟ |
قلتُ: لا تلحني عدمتك جارا |
وتلفتُّ يَسرة ويمينًا |
قال: ماذا أضعتَ؟ قلت: الوقارا |
أيها المشتكي من الإقلالِ |
متِّع النفس بالجمال متاعا |
لم يبيحوا لنا شيوعِ المال |
وأباحوا لنا الجمال مشاعا |
صاح، قل لي: ما بال تلك الصدورِ |
كشفها لا يحل لِلأَحداقِ؟ |
ليتهم حرَّموا ذواتِ الشعورِ |
فهْي عند مثل القذى في المآقي |
لا تضيقوا بالمعصم المكشوفِ |
وتقولوا: خيرُ الجمال المصونُ |
ما غناء الشذى بغير أنوفِ؟ |
قيمة الحسن أن تَراه العيونُ |
لا تقولوا: قد غاض ماءُ الحياءِ |
واقرءوا الآي في وجوه الحسانِ |
رُبَّ عضو من هذه الأعضاءِ |
نمَّ عن سر قدرة الرحمنِ |
أيها الآسف الحزين الباكي |
ابْكِ ما شئتَ ضيعة الأخلاقِ |
قِف -إن اسْطعتَ- دورةَ الأفلاكِ |
أو فِكلْ أمر الخلق للخلاقِ |
هاهنا أعشق الملاحة صِرفَا |
ما عليها من الثياب غشاءُ |
هاهنا ليس بعرف الكحل طرفا |
لا، ولا يغمر الخدودَ طلاءُ |
هاهنا روعة الطبيعة تبدو |
فتراها عذراء بين العذارى |
انظر البحر وهُو جزر ومدُّ |
وانظر الشمس فيه إذْ تتوارى |
أيها البحر، قد نزلتك ضيفًا |
فكأني أغرقت فيك همومي |
ليت عمري جميعَه كان صيفًا |
ينقضي فوق شط بحر الرومِ! |