عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > مصر > محمود غنيم > عرش ينوح

مصر

مشاهدة
3905

إعجاب
4

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

عرش ينوح

عرشٌ ينوح أسًى على سلطانه
قد غاب كِسرى الشعر عن إيوانهِ!
طَوَتِ المنُونُ من الفصاحة دولةً
ما شادها هارونُ في بغدانه
في ذمةِ الفنِّ المقدّسِ عازفٌ
لِقيَ الحِمام على صدى ألحانه
لما تهامست الصفوف بنعيه
كاد الفؤاد يكفُّ عن خفقانه
ساءلتُ حين قضى عليٌّ فجأةً:
هل حلّ يومُ الحشر قبل أوانه؟
سقوط المؤبِّنُ وهْو يَسمعُ شعرَه
من ذا يؤبِّنهُ بمثل بيانه؟
وصف الزمانَ لنا، وجادَ بنفسه
لتكونَ بُرهانًا على حدثانه
قال: احذروا غدر الحِمام، معزِّزًا
بحياته ما قاله بلسانه
لا تعجبوا من موته في حفله
إنّ الشجاعَ يموتُ في ميدانه
بطلُ المنابر ماله من فوقها
يهوى، وكم عَرفتْ ثباتَ جنانه؟
إِن خانه ضعفُ المشيبِ، فطالما
قهرَ المنابرَ وهْوَ في ريعانه
كلا لعمري، لم يخُنه مشيبه
لكنّ حِسَّ المَرْءِ من خوَانه
لم يجنها إِلا رقيقُ شعوره
والمرهف الحسّاس من وجدانه
حرٌّ قضى متأثِّرًا ببيانه
ولكن جني فنٌّ على فنَّانه!
يا شاعرًا طار اسمه بقوادمٍ
من عبقريَّته، ومن إتقانه
ما دانَ يومًا للصّغار بصِيتهِ
أو دان للزُّلفى برفعةِ شَانه
والمجدُ منه: زائفٌ، وممحَّضٌ
ولا تَخْلطوا بِلَّورَه بجُمانهِ
ما كلُّ لمَّاعٍ ببرقٍ ممطرٍ
البرقُ غيرُ الآل في لَمَعانه
عرشُ القوافي بعد موتك شاغرٌ
يا طولَ ما يلقاه من أشجانه!
قل للذي يومي إليه بلحظهِ:
هذا مجالٌ لستَ من فُرسانه
لا هُمَّ، حكمك في الورى جارٍ، وما
من حيلة للعبد في جريانه
الطير ملءُ الروض أشكالاً، فينبري
لمكانه لا يُصْمِي سوى كروانه؟
يمضي العظيمُ من الرجال، فينبري
لمكانه خُلفاءُ من أقرانه
والشاعرُ الموهوبُ فلتةُ دهره
إن مات، أعيَا الدهَرْ سدُّ مكانه
قلْ للرياض: قضى عليٌّ نحبهُ
ولطيرها الشادي على أفنانه
الشاعرُ الغَردُ المحلِّقُ في السُّها
بجناحه، وقد كفَّ عن طيرانه
بكت اللآلئُ بعد لآلَها
وتساءَل الياقوتُ عن دهقانه
وتساءل التاريخ عمَّن شعرُه
كان السجلَّ لحادثات زمانه
بكت الكنانة في «علّي» شاعرًا
جعل اسمها كالنجم في دورانه
عفَّ اللسان، مؤدَّبَ الأوزان؛ لم
يتلقّ وحي الشعر من شيطانه
بل كان نفح الخلد أمتعنا به
حينًا، وعاد به إلى رِضوانه
للنيل شادَ بشعره لم يَثِد
فرعونُ والهرمان من بُنيانه
من كلِّ بيتٍ في السُّها شُرفاته
تَتَلأَلأُ الأضواءُ في أركانه
يُعيي الفراعنةَ الشِّدادَ أساسِّه
وبحارُ ذو القرنين في جُدرانه
شعرٌ إذا غنَّى به، لم يبق مَن
لم يَروهِ كالبرق في سريانه
غنَّى الطروبُ به على قِيثارهِ
وترنَّم المحزونُ في أحزانه
بهر العذارى حسنُه، فوددن لو
صِيغَت فلائدُهُنَّ من عِقيانه
ويكادُ سامعه يفسِّرُ لفظه
من قبلِ أن يَسري إلى آذانه
تُغري سلاستُهُ الغريرَ فيَقْتفي
آثارهُ سيرًا على قُضبانه
حتى إذا هَدَّ المسيرُ كيانَه
حَصَب الورى بالصّلدِ من صَوّانه
يا رُبَّ ديوانٍ تأنَّقَ ربُّهُ
في طَبعه وافتنَّ في عُنوانه
لا يسمَعُ اليقظانُ وقعَ قريضه
حتى يدِبَّ النومُ في أجفانه
والشعر: إما خالدٌ، أو مدرَجٌ
من ليلةِ الميلادِ في أكفانه
قالوا: عليٌّ شاعرٌ، فأجبت: بل
ساقٍ؛ عصيرُ الكرم ملءُ دِنانه
قم، سائل الفقهاءَ: هل في شرعهم
حَرَجٌ على ثمِلٍ بخمرةِ حانه؟
كم خطَّ من صور الحياة مدادُه
ما لم يخُطَّ مصوَّرٌ بدهانه
ببراعةٍ لو أدركت موسى، رأى
من سحرها ما غاب عن ثعبانه
أين القصائد كالخرائد، كلُّها
بكرٌ؟ وبكرُ الشعر غيرُ عَوانه
أحيا لنا ابنَ ربيعةٍ تَشبيبُها
وأعادَ للأذهان عهدَ حِسانه
شيخٌ يُحسُّ الشيخُ عند نسيبه
بدم الشباب يَسيلُ في شِريانه
وإذا تحمَّس، قلت حيدرة انبرى
تحتَ العجاجة فوق ظهر حصانه
وإذا تبدَّى، قلتَ: لابس بُردةٍ
قد جاء من وادي العقيق وبانه
وإذا تحضَّر، قلتَ: نسمةُ روضةٍ
من فرط رقَّتهِ، وفرط حنانه
يا طالما حمل الأثير نشيده
وكأَنما هو عازفٌ بكمانه
بغدادُ مُصْغِيَةٌ إلى أنغامه
ودمشق راقصةٌ على عيدانه
وكأنما الحَرَمان عند هُتافه
سمعا بلالاً هاتفًا بأذانه
والشعر مرآةُ النفوس، يُذيع ما
طُوِيَت قرارتُها على كتمانه
من أحرفٍ سوداءَ، إلاَّ أنهُ
نقشٌ يريك الطَّيفَ في ألوانه
والشاعرُ الموهوبُ تقرأُ شعرهُ
فتَرى جمالَ الله في أكوانه
يا ويحَ قومي! كما أشاهدُ بينهم
من شاعرٍ هو شاعرٌ بهوانه!
يا راثيَ الموتى ومُخلدَ ذكرهم
بالخالد السيَّار من أوزانه
أرثيكَ حفظًا للجميل، وإنهُ
دينٌ أعيذُ النَّفسَ من نُكرانه
ماذا يؤَّملُ شاعرٌ من راحلٍ؟
أتراهُ يطمعُ منه في إحسانه؟
وأنا الذي ما سمتُ شعري ذِلَّةً
أو بعتهُ بالبَخس من أثمانه
يا رُبَّ ببيتٍ قد ضَننْتُ ببذله
ضنًّا على من ليس من سُكَّانه
أقسمتُ، ما جاوزت فيك عقيدتي
قسم الأمين البَرِّ في أيمانه
دارُ العلومِ بَنَتْكَ حصنًا شامخًا
للضاد، تلقى الأمنَ في أحضانه
رُزِئت لعمري فيك رُزءَ الدَّوح في
كَرَوانِه، والفُلكِ في رُبَّانه
دارٌ قد انتظمت أَيادِيها الحمى
أشياخَهُ، والنَّشءَ من ولدانه
دارُ العلوم ونيلُ مصرَ كلاهما
بنميره يروي صدى ظمآنه
فاضا على الوادي؛ فكان العلمُ من
فَيَضانها، والماءُ من فَيَضَانه
يا خادم الفصحى، وكم من خادمٍ
تعتَزُّ ساداتٌ بلَثم بَنانِه
أفنَيتَ عُمرَك، ذائدًا عن حوضها
ذودَ الكريم الحرِّ عن أوطانه
أنصفتَها من معشرٍ مُستعجمٍ
الغربُ أصبح آخذًا بعنانه
والضادُ، حسبُ الضادِ فخرًا أنها
كانت لسانَ الله في فُرقانِه!
هي سؤدُدُ العرَبِّي يومَ فخارِهِ
وقِوامُ نهضته، وسرُّ كِيانه
من ذاد عنها، ذاد عن أحسابه
بل عن عقيدته، وعن إيمانه
نم، يا عليُّ، جوارَ ربَّك آمنًا
لك عنده ما شئتَ من غفرانه
لك عند ربِّ العرش أجرُ مجاهدٍ
فانعم برحمته، وعدن جنانه
كم من شهيدٍ ماتَ فوقَ فراشه
جمد الدَّمُ السَّيال في جُثمانه
إنَّ المجاهد من أغارَ بفكره
لا مَن أغارَ بسيفه وسنانه
سيظلُّ شعرك يا عليُّ مردَّدًا
ما غرَّدَ القُمريُّ في بستانه
أقسمتُ، ما نال البِلى من شاعرٍ
يحيا حياةَ الخُلد في ديوانه
محمود غنيم

ألقيت في حفل تأبين المرحوم: علي الجارم بك سنة 1950م.
بواسطة: حمد الحجري
التعديل بواسطة: حمد الحجري
الإضافة: الثلاثاء 2016/01/26 05:30:48 صباحاً
إعجاب
مفضلة


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com