تجلَّى على الأرضِ عدلُ السَّماء |
يرفُّ بأجنحةِ من ضياء |
ملاكٌ يمسُّ بكف الحنانِ |
جبينَ الشقيّ؛ فيمحو الشقاء |
ويخفضُ للضعفاء الجناحَ |
ويعصفُ كالريح بالأقوياء |
ألا إنما الناسُ من آدمٍ |
وآدمُ كلُّ بنيه سواء |
أصيغ امرؤٌ من نُضارٍ وطيبٍ |
وصيغ امرؤ من تراب وماء؟ |
تباركتَ ربي! أأنت قسمت |
عبادك بين ذئابٍ وشاء؟ |
أمِن بعض خلقك أنت صنعتَ |
عبيدًا، ومن بعضهم أمراء؟ |
ودينُك دينُ المساواة وهْوَ |
من الطبقات -لعمري- براء |
سننت الشرائعَ من أجلها |
وأرسلت من أجلها الأنبياء |
أيبشَمُ بالزاد جوفٌ، وجوفٌ |
يعُزُّ عليه فتاتُ الغذاء؟ |
ويكرُع قوم عتيق المُدامِ |
وقومُ إلى كأس ماءٍ ظِماء؟ |
ويفترشُ الخَزَّ جنبٌ، وجنبٌ |
إذا نام لم يلق إلا العراء؟ |
إذا الفقرُ كان جزاءَ الفقير |
فما بال أطفاله الأبرياء؟ |
وما ذنبُ طفلٍ تَخُطُّ الحياةُ |
له صفحةَ البؤس قبل اللقاء؟ |
وما فضل طفلٍ إذا ما استهلّ |
تلقتهُ في المهد أيدي الإماء؟ |
وما شاد هذا صروح السلامِ |
ولا اعتاد ذلك سفكَ الدماء |
ولو ساد في الأرض عدلُ السماءِ |
لعاش الأنام بها سعداء |
لقد جلب الفقر حبُّ الغنى |
وعجَّل بالموتِ حبُّ البقاء |
وما ضنَّ بالدَّر ضرعُ السحاب |
ولا شحَّ بطنُ الثرى بالنَّماء |
ولا شكَت الأرض من حملها |
ولا ضاق بالناس رحبُ الفضاء |
ولكن تفشّى السُّعارُ، فكان |
ضحيَّةَ هذا السُّعار الرخاء |
تباركتَ يا بارئ الكائناتِ! |
لكَ الأرضُ تورثُها من تشاء |
تحكَّم في أرضك المالكون |
وشنُّوا الحروب على الأُجراء |
فلما قضيتَ بردِّ الحقوق |
إلى أهلها، أجهَشُوا بالبُكاء |
لحُكمك هم أعلَنوا كارهين |
ولو قدرُوا ناصَبُوك العداء |
ألا أيُّها المالكون، كأنِّي |
بكم تتحدَّون حُكم القضاء |
وللهِ في العدل سرٌّ خفيٌّ |
دعوني أُزلْ عنه بعضَ الخفاء |
رضاءُ المكافح عنكم ثراءٌ |
إذا فاتكم فأنتٌ من ثراء |
ولن تأمنُوا شرَّهَ الجائعينَ |
إذا السُّخطُ حلَّ محلَّ الرضاء |
وكم أهلك المالُ من حَازهُ |
إذا المالُ لم يقترن بالسخاء |
دعُوا الأرض يملكُها الكادحون |
فما خُلقت لسوى هؤلاء |
هم استخرجوا التِّبر من بطنها |
وعاشوا على ظهرها أُسراء |
همو قطعٌ من ثراها تَدبُّ |
عليها، وهُم صحبُها الأوفياء |
مساكنُم هي طول الحياةِ |
وأجداثُهم هي بعد الفناء |
وشاطئهُم إذْ يحلُّ المصيفُ |
ومدفؤهم إذ يحلُّ الشتاء |
وديوانهم هي عند الصباحِ |
ومضجعهم هي عند المساء |
إذا ما غفوا فهْيَ نعم الوسادُ |
ونعم الوِطاءُ، ونعم الغطاء |
ومن تُربها يُنضجون الطعامَ |
ومن عشبها يَنسجون الرداء |
يعيشون، ليس لهم في سواها |
ولا في سوى من دحاها رجاء |
وإن أجهدت زراعًا أرضهُ |
فأعيا، شفته بطيب الهواء |
ولم يلتمس من سواها علاجًا |
فكانت هي الداءَ وهْي الدواء |
لأنعامها ودُّهُ صافيًا |
ويا رُبَّ ودٍ بغير صفاء |
وتهفو السَّوامُ إليه، كما |
هفا الأصدقاء إلى الأصدقاء |
ويقنعُ من عيشه بالكفاف |
ويجزي عليه بحسن الثَّناء |
ويدعو السماءَ لمن حرَّروهُ |
فتفتحُ أبوابها للدعاء |
أيا حارثَ الأرض، ما نُؤتَ يومًا |
بما لو تحمَّله الطَّودُ ناء |
صبرتَ على عنت الدهر دهرًا |
طويلاً، فجُوزيتَ حُسن الجزاء! |
دعوتَ جمالاً، فلبَّى جمالٌ |
ومن كجمالٍ يلبِّي النداء؟ |
إذا الضُّعفاء أهابوا به |
يَهبُّ إلى نجدة الضعفاء |
وتمضى به عزمةٌ من حديدٍ |
تُفسِّرُ للسهم معنى المضاء |
إذا ما مشى قُدمًا في الطريق |
فلن يتلفَّتَ نـحو الوراء |