أَبا الهَولِ طالَ عَلَيكَ العُصُر | |
|
| وَبُلِّغتَ في الأَرضِ أَقصى العُمُر |
|
فَيالِدَةَ الدَهرِ لا الدَهرُ شَبَّ | |
|
| وَلا أَنتَ جاوَزتَ حَدَّ الصِغَر |
|
إِلامَ رُكوبُكَ مَتنَ الرِمالِ | |
|
| لِطَيِّ الأَصيلِ وَجَوبِ السَحَر |
|
تُسافِرُ مُنتَقِلاً في القُرونِ | |
|
| فَأَيّانَ تُلقي غُبارَ السَفَر |
|
أَبَينَكَ عَهدٌ وَبَينَ الجِبالِ | |
|
| تَزولانِ في المَوعِدِ المُنتَظَر |
|
أَبا الهَولِ ماذا وَراءَ البَقاءِ | |
|
| إِذا ما تَطاوَلَ غَيرُ الضَجَر |
|
عَجِبتُ لِلُقمانَ في حِرصِهِ | |
|
| عَلى لُبَدٍ وَالنُسورِ الأُخَر |
|
وَشَكوى لَبيدٍ لِطولِ الحَياةِ | |
|
| وَلَو لَم تَطُل لَتَشَكّى القِصَر |
|
وَلَو وُجِدَت فيكَ يا بنَ الصَفاةِ | |
|
| لَحَقتَ بِصانِعِكَ المُقتَدِر |
|
فَإِنَّ الحَياةَ تَفُلُّ الحَديدَ | |
|
| إِذا لَبِسَتهُ وَتُبلى الحَجَر |
|
أَبا الهَولِ ما أَنتَ في المُعضِلاتِ | |
|
| لَقَد ضَلَّتِ السُبلَ فيكَ الفِكَر |
|
تَحَيَّرَتِ البَدوُ ماذا تَكونُ | |
|
| وَضَلَّت بِوادي الظُنونِ الحَضَر |
|
فَكُنتَ لَهُم صورَةَ العُنفُوانُ | |
|
| وَكُنتَ مِثالَ الحِجى وَالبَصَر |
|
وَسِرُّكَ في حُجبِهِ كُلَّما | |
|
| أَطَلَّت عَلَيهِ الظُنونُ اِستَتَر |
|
وَما راعَهُم غَيرُ رَأسِ الرِجالِ | |
|
| عَلى هَيكَلٍ مِن ذَواتِ الظُفُر |
|
وَلَو صُوِّروا مِن نَواحي الطِباعِ | |
|
| تَوالَوا عَلَيكَ سِباغَ الصُوَر |
|
فَيا رُبَّ وَجهٍ كَصافي النَميرِ | |
|
| تَشابَهَ حامِلُهُ وَالنَمِر |
|
أَبا الهَولِ وَيحَكَ لا يُستَقَلُّ | |
|
| مَعَ الدَهرِ شَيءٌ وَلا يُحتَقَر |
|
تَهَزَّأتَ دَهراً بِديكِ الصَباحِ | |
|
| فَنَقَّرَ عَينَيكَ فيما نَقَر |
|
أَسالَ البَياضَ وَسَلَّ السَوادَ | |
|
| وَأَوغَلَ مِنقارُهُ في الحُفَر |
|
فَعُدتَ كَأَنَّكَ ذو المَحبِسَينِ | |
|
| قَطيعَ القِيامِ سَليبَ البَصَر |
|
كَأَنَّ الرِمالَ عَلى جانِبَيكَ | |
|
| وَبَينَ يَدَيكَ ذُنوبُ البَشَر |
|
كَأَنَّكَ فيها لِواءُ الفَضاءِ | |
|
| عَلى الأَرضِ أَو دَيدَبانُ القَدَر |
|
كَأَنَّكَ صاحِبُ رَملٍ يَرى | |
|
| خَبايا الغُيوبِ خِلالَ السَطَر |
|
أَبا الهَولِ أَنتَ نَديمُ الزَمانِ | |
|
| نَجِيُّ الأَوانِ سَميرُ العُصُر |
|
بَسَطتَ ذِراعَيكَ مِن آدَمٍ | |
|
| وَوَلَّيتَ وَجهَكَ شَطرَ الزُمَر |
|
تُطِلُّ عَلى عالَمٍ يَستَهِلُّ | |
|
| وَتوفي عَلى عالَمٍ يُحتَضَر |
|
فَعَينٌ إِلى مَن بَدا لِلوُجودِ | |
|
| وَأُخرى مُشَيِّعَةٌ مِن غَبَر |
|
فَحَدِّث فَقَد يُهتَدى بِالحَديثِ | |
|
| وَخَبِّر فَقَد يُؤتَسى بِالخَبَر |
|
أَلَم تَبلُ فِرعَونَ في عِزِّهِ | |
|
| إِلى الشَمسِ مُعتَزِياً وَالقَمَر |
|
ظَليلَ الحَضارَةِ في الأَوَّلينَ | |
|
| رَفيعَ البِناءِ جَليلَ الأَثَر |
|
يُؤَسِّسُ في الأَرضِ لِلغابِرينَ | |
|
| وَيَغرِسُ لِلآخَرينَ الثَمَر |
|
وَراعَكَ ما راعَ مِن خَيلِ قَمبي | |
|
| زَ تَرمي سَنابِكَها بِالشَرَر |
|
جَوارِفُ بِالنارِ تَغزو البِلادَ | |
|
| وَآوِنَةً بِالقَنا المُشتَجِر |
|
وَأَبصَرتَ إِسكَندَراً في المَلا | |
|
| قَشيبَ العُلا في الشَبابِ النَضِر |
|
تَبَلَّجَ في مِصرَ إِكليلُهُ | |
|
| فَلَم يَعدُ في المُلكِ عُمرَ الزَهَر |
|
وَشاهَدتَ قَيصَرَ كَيفَ اِستَبَدَّ | |
|
| وَكَيفَ أَذَلَّ بِمِصرَ القَصَر |
|
وَكَيفَ تَجَبَّرَ أَعوانُهُ | |
|
| وَساقوا الخَلائِقَ سَوقَ الحُمُر |
|
وَكَيفَ اِبتُلوا بِقَليلِ العَديدِ | |
|
| مِنَ الفاتِحينَ كَريمِ النَفَر |
|
رَمى تاجَ قَيصَرَ رَميَ الزُجاجِ | |
|
| وَفَلَّ الجُموعَ وَثَلَّ السُرَر |
|
فَدَع كُلَّ طاغِيَةٍ لِلزَمانِ | |
|
| فَإِنَّ الزَمانَ يُقيمُ الصَعَر |
|
رَأَيتَ الدِياناتِ في نَظمِها | |
|
| وَحينَ وَهى سِلكُها وَاِنتَثَر |
|
تُشادُ البُيوتُ لَها كَالبُروجِ | |
|
| إِذا أَخَذَ الطَرفُ فيها اِنحَسَر |
|
تَلاقى أَساساً وَشُمَّ الجِبالِ | |
|
| كَما تَتَلاقى أُصولُ الشَجَر |
|
وَإيزيسُ خَلفَ مَقاصيرِها | |
|
| تَخَطّى المُلوكُ إِلَيها السُتُر |
|
تُضيءُ عَلى صَفَحاتِ السَماءِ | |
|
| وَتُشرِقُ في الأَرضِ مِنها الحُجَر |
|
وَآبيسُ في نيرِهِ العالِمونَ | |
|
| وَبَعضُ العَقائِدِ نيرٌ عَسِر |
|
تُساسُ بِهِ مُعضِلاتُ الأُمورِ | |
|
| وَيُرجى النَعيمُ وَتُخشى سَقَر |
|
وَلا يَشعُرِ القَومُ إِلّا بِهِ | |
|
| وَلَو أَخَذَتهُ المُدى ما شَعَر |
|
يَقِلُّ أَبو المِسكِ عَبداً لَهُ | |
|
| وَإِن صاغَ أَحمَدُ فيهِ الدُرَر |
|
|
| وَنورَ العَصا وَالوَصايا الغُرَر |
|
وَعيسى يَلُمُّ رِداءَ الحَياءِ | |
|
| وَمَريَمُ تَجمَعُ ذَيلَ الخَفَر |
|
وَعَمرو يَسوقُ بِمِصرَ الصِحابَ | |
|
| وَيُزجي الكِتابَ وَيَحدو السُوَر |
|
فَكَيفَ رَأَيتَ الهُدى وَالضَلالَ | |
|
| وَدُنيا المُلوكِ وَأُخرى عُمَر |
|
وَنَبذَ المُقَوقِسِ عَهدَ الفُجورِ | |
|
| وَأَخذَ المُقَوقِسِ عَهدَ الفَجِر |
|
وَتَبديلَهُ ظُلُماتِ الضَلالِ | |
|
| بِصُبحِ الهِدايَةِ لَمّا سَفَر |
|
وَتَأليفَهُ القِبطَ وَالمُسلِمين | |
|
| كَما أُلِّفَت بِالوَلاءِ الأُسَر |
|
أَبا الهَولِ لَو لَم تَكُن آيَةً | |
|
| لَكانَ وَفاؤُكَ إِحدى العِبَر |
|
أَطَلتَ عَلى الهَرَمَينِ الوُقوفَ | |
|
| كَثاكِلَةٍ لا تَريمُ الحُفَر |
|
تُرَجّي لِبانيهِما عَودَةً | |
|
| وَكَيفَ يَعودُ الرَميمُ النَخِر |
|
تَجوسُ بِعَينٍ خِلالَ الدِيارِ | |
|
| وَتَرمي بِأُخرى فَضاءَ النَهَر |
|
تَرومُ بِمَنفيسَ بيضَ الظُبا | |
|
| وَسُمرَ القَنا وَالخَميسَ الدُثَر |
|
وَمَهدَ العُلومِ الخَطيرَ الجَلالِ | |
|
| وَعَهدِ الفُنونِ الجَليلَ الخَطَر |
|
فَلا تَستَبينُ سِوى قَريَةٍ | |
|
| أَجَدَّ مَحاسِنَها ما اِندَثَر |
|
تَكادُ لِإِغراقِها في الجُمودِ | |
|
| إِذا الأَرضُ دارَت بِها لَم تَدُر |
|
فَهَل مَن يُبَلِّغُ عَنّا الأُصولَ | |
|
| بِأَنَّ الفُروعَ اِقتَدَت بِالسِيَر |
|
وَأَنّا خَطَبنا حِسانَ العُلا | |
|
| وَسُقنا لَها الغالِيَ المُدَّخَر |
|
وَأَنّا رَكِبنا غِمارَ الأُمورِ | |
|
| وَأَنّا نَزَلنا إِلى المُؤتَمَر |
|
بِكُلِّ مُبينٍ شَديدِ اللِدادِ | |
|
| وَكُلِّ أَريبٍ بَعيدِ النَظَر |
|
تُطالِبُ بِالحَقِّ في أُمَّةٍ | |
|
| جَرى دَمُها دونَهُ وَاِنتَشَر |
|
وَلَم تَفتَخِر بِأَساطيلِها | |
|
| وَلَكِن بِدُستورِها تَفتَخِر |
|
فَلَم يَبقَ غَيرُكَ مَن لَم يَحِف | |
|
| وَلَم يَبقَ غَيرُكَ مَن لَم يَطِر |
|
تَحَرَّك أَبا الهَولِ هَذا الزَمانُ | |
|
| تَحَرَّكَ ما فيهِ حَتّى الحَجَر |
|
نَجِيَّ أَبي الهَولِ آنَ الأَوانُ | |
|
| وَدانَ الزَمانُ وَلانَ القَدَر |
|
خَبَأتُ لِقَومِكَ ما يَستَقونَ | |
|
| وَلا يَخبَأُ العَذبَ مِثلُ الحَجَر |
|
فَعِندي المُلوكُ بِأَعيانِها | |
|
| وَعِندَ التَوابيتِ مِنها الأَثَر |
|
مَحا ظُلمَةَ اليَأسِ صُبحُ الرَجاءِ | |
|
| وَهَذا هُوَ الفَلَقُ المُنتَظَر |
|
|
|
وَيُشيدُ العِزُّ بَأَيدينا | |
|
|
وَطَنٌ بِالحَقِّ نُؤَيِّدُهُ | |
|
| وَبِعَينِ اللَهِ نُشَيِّدُهُ |
|
وَنُحَسِّنُهُ وَنُزَيِّنُهُ | |
|
|
سِرُّ التاريخِ وَعُنصُرُهُ | |
|
| وَسَريرُ الدَهرِ وَمِنبَرُهُ |
|
وَجِنانُ الخُلدِ وَكَوثَرُهُ | |
|
|
نَتَّخِذُ الشَمسَ لَهُ تاجاً | |
|
|
وَسَماءَ السُؤدَدِ أَبراجاً | |
|
|
العَصرُ يَراكُم وَالأُمَمُ | |
|
| وَالكَرنَكُ يَلحَظُ وَالهَرَمُ |
|
أَبني الأَوطانَ أَلا هِمَمُ | |
|
| كَبِناءِ الأَوَّلِ يَبنينا |
|
سَعياً أَبَداً سَعياً سَعياً | |
|
| لِأَثيلِ المَجدِ وَلِلعَليا |
|
وَلنَجعَل مِصرَ هِيَ الدُنيا | |
|
| وَلنَجعَل مِصرَ هِيَ الدُنيا |
|