لَعَمْرِي وما دَهْرِي بِتَأْبِينِ هَالِكٍ
|
ولا جَزَعٍ مِمَّا أَصَابَ فَأَوْجَعَا
|
لَقَدْ كَفَّنَ المِنْهَالُ تحتَ رِدَائِهِ
|
فَتًى غيرَ مِبْطانِ العَشِيَّاتِ أَرْوَعَا
|
ولا بَرَمًا تُهْدِي النِّساءُ لِعِرْسِهِ
|
إذا القَشْعُ مِن حَسِّ الشِّتَاءِ تَقَعْقَعَا
|
لَبِيبٌ أَعَانَ الُّلبَ مِنهُ سَمَاحَةٌ
|
خَصِيبٌ إذاما رَاكِبُ الجَدْبِ أَوْضَعَا
|
تَرَاهُ كَصَدْرِ السَّيفِ يَهْتَزُّ لِلنَّدَى
|
إذا لم تَجِدْ عندَ امرئِ السَّوْءِ مَطْمَعَا
|
ويومًا إذاما كَظَّكَ الخَصْمُ إِنْ يَكُنْ
|
نَصيرَكَ منهمْ لا تكنْ أنتَ أَضْيَعَا
|
وَإِنْ تَلْقَهُ في الشَّرْبِ لا تَلْقَ فَاحِشًا
|
على الكأسِ ذا قَاذُورَةٍ مُتَزَبِّعَا
|
وَإِنْ ضَرَّسَ الغزوُ الرِّجالَ رَأَيْتَهُ
|
أَخَا الحربِ صَدْقًا في الِّلقاءِ سَمَيْدَعَا
|
وما كان وَقَّافًا إذا الخيلُ أَجْمَحَتْ
|
ولا طَائِشًا عندَ الِّلقاءِ مُدَفَّعَا
|
ولا بِكَهَامٍ بَزُّهُ عن عَدُوِّهِ
|
إذا هو لاقى حَاسِرًا أو مُقَنَّعَا
|
فَعَيْنَيَّ هَلاَّ تَبْكِيانِ لِمَالِكٍ
|
إذا أَذْرَتِ الرِّيحُ الكَنِيفَ المُرَفَّعَا
|
ولِلشَّرْبِ فابْكِي مَالِكًا وَلِبُهْمَةٍ
|
شَدِيدٍ نَوَاحِيهِ على مَن تَشَجَّعا
|
وَضَيْفٍ إذا أَرْغَى طُرُوقًا بَعيرَهُ
|
وعانٍ ثَوَى في القِدِّ حتى تَكَنَّعَا
|
وأَرْمَلَةٍ تَمْشِي بأشعثَ مُحْثَلٍ
|
كَفَرْخِ الحُبَارَى رَأْسُهُ قدْ تَضَوَّعَا
|
إذا جَرَّدَ القومُ القِدَاحَ وَأُوقِدَتْ
|
لهمْ نَارُ أَيْسَارٍ كَفَى مَن تَضَجَّعَا
|
وَإِنْ شَهِدَ الأَيسارَ لم يُلْفَ مَالِكٌ
|
على الفَرْثِ يَحْمِي الَّلحمَ أَنْ يَتَمَزَّعَا
|
أَبَى الصَّبْرَ آياتٌ أَرَاها وَأَنَّنِي
|
أَرَى كلَّ حَبْلٍ بعدَ حَبْلِكَ أَقْطَعَا
|
وَأَنِّي متى ما أَدْعُ بِاسْمِكَ لا تُجِبْ
|
وكنتَ جَدِيرًا أَنْ تُجِيبَ وتُسْمِعَا
|
وَعِشْنَا بِخَيْرٍ في الحياةِ وَقَبْلَنَا
|
أصابَ المَنَايَا رَهْطَ كِسْرَى وَتُبَّعَا
|
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا
|
لِطُولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا
|
وكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيْمَةَ حِقْبَةً
|
مِن الدَّهرِ حتى قيلَ لنْ يَتَصَدَّعَا
|
فإِنْ تَكنِ الأيَّامُ فَرَّقْنَا بَيْنَنَا
|
فقدَ بانَ مَحْمُودًا أَخِي حينَ وَدَّعَا
|
أَقولُ وقدْ طارَ السَّنَا في رَبَابِهِ
|
وَجَوْنٌ يَسُحُّ الماءَ حتى تَرَيَّعَا
|
سَقَى اللهُ أَرْضًا حَلَّها قَبْرُ مَالِكٍ
|
ذِهَابَ الغَوَادِي المُدْجِنَاتِ فَأَمْرَعَا
|
فَآثرَ سَيْلَ الوَادِيَيْنِ بِدِيْمَةٍ
|
تُرَشِّحُ وَسْمِيًّا مِن النَّبْتِ خِرْوعَا
|
فَمَجْتَمَعَ الأَسْدَامِ مِن حَوْلِ شَارِعٍ
|
فَرَوَّى جِبَالَ القَرْيَتَيْنِ فَضَلْفَعَا
|
فَواللهِ ما أُسْقِي البلادَ لِحُبِّها
|
ولكنَّني أُسْقِي الحبيبَ المُوَدَّعَا
|
تَحِيَّتُهُ مِنِّي وَإِنْ كانَ نَائِيًا
|
وأمسى تُرَابًا فَوْقَهُ الأَرْضُ بَلْقَعَا
|
تقولُ ابنةُ العَمْرِيِّ مَا لَكَ بعدَما
|
أراكَ حَدِيثًا نَاعِمَ البالَ أَفْرَعَا
|
فقلتُ لها: طولُ الأَسَى إِذْ سَأَلْتِنِي
|
وَلَوْعَةُ حُزْنٍ تَتْرُكُ الوَجْهَ أَسْفَعَا
|
وفَقْدُ بَنِي أُمٍّ تَدَاعَوا فلمْ أَكُنْ
|
خِلافَهُمُ أَنْ أَسْتَكِينَ وَأَضْرَعَا
|
ولكنَّني أَمْضِي على ذاك مُقْدِمًا
|
إذا بعضُ مَن يَلْقَى الحروبَ تَكَعْكَعَا
|
وغَيَّرَنِي ما غالَ قَيْسًا وَمَالِكًا
|
وَعَمْرًا وَجَزْءًا بالمُشَقَّرِ أَلْمَعَا
|
وما غالَ نَدَمَانِي يَزيدَ وَلَيْتَنِي
|
تَمَلَّّيْتُهُ بالأهلِ والمالِ أَجْمَعَا
|
وَإِنِّي وَإِنْ هَازَلْتِنِي قدْ أَصَابَنِي
|
مِن البَثِّ ما يُبْكِي الحَزِينَ المُفَجَّعَا
|
ولستُ إذا ما الدَّهرُ أَحْدَثَ نَكْبَةً
|
وَرُزْءًا بِزَوَّارِ القَرَائبِ أَخْضَعَا
|
قَعِيدَكَ أَلاَّّ تُسْمِعِيني مَلامَةً
|
ولا تَنْكَئِي قَرْحَ الفُؤَادِ فَيَيْجَعَا
|
فَقَصْرَكِ إِنِّي قدْ شَهِدْتُ فَلَمْ أَجِدْ
|
بِكَفِّيَ عَنْهمْ لِلْمَنِيَّةِ مَدْفَعَا
|
فلا فَرِحًا إِنْ كنتُ يومًا بِغِبْطَةٍ
|
ولا جَزِعًا مِمَّا أَصَابَ فَأَوْجَعَا
|
فلو أَنْ ما أَلْقَى يُصِيبُ مُتَالِعًا
|
أوِ الرُّكْنَ مِن سَلْمَى إِذن لَتَضَعْضَعَا
|
وما وَجْدُ أَظْآرٍ ثَلاثٍ رَوَائِمٍ
|
أَصَبْنِ مَجَرًّا مِن حُوَارٍ وَمَصْرَعَا
|
يُذَكِّرْنَ ذا البَثِّ الحَزِينِ بِبَثِّهِ
|
إذا حَنَّتِ الأُولى سَجَعْنَ لَهَا مَعَا
|
إذا شَارِفٌ مِنهنَّ قَامَتْ فَرَجَّعَتْ
|
حَنِينًا فَأَبْكَى شَجْوُهَا البَرْكَ أَجْمَعَا
|
بَأَوْجَدَ مِنِّي يومَ قامَ بِمَالِكٍ
|
مُنَادٍ بَصِيرٌ بالفِرَاقِ فَأَسْمَعَا
|
ألمْ تَأْتِ أَخْبَارُ المُحِلِّ سَرَاتَكمْ
|
فَيَغْضَبَ منكمْ كلُّ مَن كان مُوجَعَا
|
بِمَشْمَتِهِ إِذْ صَادَفَ الحَتْفُ مَالِكًا
|
وَمشْهَدِهِ ما قَدْ رَأَى ثمَّ ضَيَّعَا
|
أآثَرْتَ هِدْمًا بَالِيًا وَسَوِيَّةً
|
وَجِئْتَ بِهَا تَعْدُو بَرِيدًا مُقَزَّعَا
|
فلا تَفْرَحَنْ يومًا بنفسِك إِنَّنِي
|
أَرَى المَوْتَ وَقَّاعًا على مَنْ تَشَجَّعَا
|
لَعَلَّك يومًا أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ
|
عليكَ مَن الَّلائِي يَدَعْنَكَ أَجْدَعَا
|
نَعَيْتَ امْرَأً لو كانَ لَحْمُكَ عندَه
|
لآوَاهُ مَجْمُوعًا لَهُ أَو مُمَزَّعَا
|
فلا يَهْنِئِ الوَاشِينَ مَقْتَلُ مَالِكٍ
|
فقدَ آبَ شَانِيهِ إِيَابًا فَوَدَّعَا
|