عَلى أَيِّ الجِنانِ بِنا تَمُرُّ |
وَفي أَيِّ الحَدائِقِ تَستَقِرُّ |
رُوَيداً أَيُّها الفُلكُ الأَبَرُّ |
بَلَغتَ بِنا الرُبوعَ فَأَنتَ حُرُّ |
سَهِرتَ وَلَم تَنَم لِلرَكبِ عَينُ |
كَأَن لَم يُضوِهِم ضَجَرٌ وَأَينُ |
يَحُثُّ خُطاكَ لُجٌّ بَل لُجَينُ |
بَلِ الإِبريزُ بَل أُفقٌ أَغَرُّ |
عَلى شِبهِ السُهولِ مِنَ المِياهِ |
تُحيطُ بِكَ الجَزائِرُ كَالشِياهِ |
وَأَنتَ لَهُنَّ راعٍ ذو اِنتِباهِ |
تَكُرُّ مَعَ الظَلامِ وَلا تَفِرُّ |
يُنيفُ البَدرُ فَوقَكَ بِالهَباءِ |
رَفيعاً في السُمُوِّ بِلا اِنتِهاءِ |
تَخالُكُما العُيونُ إِلى اِلتِقاءِ |
وَدونَ المُلتَقى كَونٌ وَدَهرُ |
إِلى أَن قيلَ هَذا الدَردَنيلُ |
فَسِرتَ إِلَيهِ وَالفَجرُ الدَليلُ |
يُجيزُكَ وَالأَمانُ بِهِ سَبيلُ |
إِذا هُوَ لَم يُجِز فَالماءُ خَمرُ |
تَمُرُّ مِنَ المَعاقِلِ وَالجِبالِ |
بِعالٍ فَوقَ عالٍ خَلفَ عالي |
إِذا أَومَأنَ وَقَّفَتِ اللَيالي |
وَتَحمي الحادِثاتُ فَلا تَمُرُّ |
مَدافِعُ بَعضَها مُتَقابِلاتُ |
وَمِنها الصاعِداتُ النازِلاتُ |
وَمِنها الظاهِراتُ وَأُخرَياتُ |
تَوارى في الصُخورِ وَتَستَسِرُّ |
فَلَو أَنَّ البِحارَ جَرَت مِئينا |
وَكانَ اللُجُّ أَجمَعُهُ سَفينا |
لِتَلقى مَنفَذاً لَلَقينَ حَينا |
وَلَمّا يَمسَسِ البوغازَ ضُرُّ |
وَبَعدَ الأَرخَبيلُ وَما يَليهِ |
وَتيهٍ في العَيالِمِ تيهِ |
بَدا ضَوءُ الصَباحِ فَسِرتَ فيهِ |
إِلى البُسفورِ وَاِقتَرَبَ المَقَرُّ |
تُسايِرُكَ المَدائِنُ وَالأَناسي |
وَفُلكٌ بَينَ جَوّالٍ وَراسي |
وَتَحضُنُكَ الجَزائِرُ وَالرَواسي |
وَتَجري رِقَّةً لَكَ وَهيَ صَخرُ |
تَسيرُ مِنَ الفَضاءِ إِلى المَضيقِ |
فَآناً أَنتَ في بَحرٍ طَليقِ |
وَآوِنَةً لَدى مَجرىً سَحيقٍ |
كَما الشَلّالُ قامَ لَدَيهِ نَهرُ |
وَتَأَتي الأُفقَ تَطويهِ سِجِلّاً |
لِآخَرَ كَالسَرابِ إِذا أَضَلّا |
إِذا قُلنا المَنازِلُ قيلَ كَلّا |
فَدونَ بُلوغِها ظُهرٌ وَعَصرُ |
إِلى أَن حَلَّ في الأَوجِ النَهارُ |
وَلِلرائي تَبَيَّنَتِ الدِيارُ |
فَقُلنا الشَمسُ فيها أَم نُضارُ |
وَياقوتٌ وَمُرجانٌ وَدُرُّ |
وَدِدنا لَو مَشَيتَ بِنا الهُوَينا |
وَأَينَ الخُلودُ لَدَيكَ أَينا |
لِنَبهَجَ خاطِراً وَنَقَرَّ عَيناً |
بِأَحسَنِ ما رَأى في البَحرِ سَفرُ |
بِلَوحٍ جامِعِ الصُّوَرِ الغَوالي |
وَديوانٍ تَفَرَّدَ بِالخَيالِ |
وَمِرآةِ المَناظِرِ وَالمَجالي |
تَمُرُّ بِها الطَبيعَةُ ما تَمُرُّ |
فَضاءٌ مُثِّلَ الفِردَوسُ فيهِ |
وَمَرأَىً في البِحارِ بِلا شَبيهِ |
فَإيهٍ يا بَناتِ الشِعرِ إيهِ |
فَمالَكِ في عُقوقِ الشِعرِ عُذرُ |
لِأَجلِكِ سِرتُ في بَرٍّ وَبَحرِ |
وَأَنتِ الدَهرَ أَنتِ بِكُلِّ قُطرِ |
حَنَنتِ إِلى الطَبيعَةِ دونَ مِصرِ |
وَقُلتِ لَدى الطَبيعَةِ أَينَ مِصرُ |
فَهَلّا هَزَّكِ التِبرُ المُذابُ |
وَهَذا اللَوحُ وَالقَلَمُ العُجابُ |
وَما بَيني وَبَينَهُما حِجابُ |
وَلا دوني عَلى الآياتِ سِترُ |
جِهاتٌ أَم عَذارى حالِياتُ |
وَماءٌ أَم سَماءٌ أَم نَباتُ |
وَتِلكَ جَزائِرٌ أَم نَيِّراتُ |
وَكَيفَ طُلوعُها وَالوَقتُ ظُهرُ |
جَلاها الأُفقُ صُفراً وَهيَ خُضرُ |
كَزَهرٍ دونَهُ في الرَوضِ زَهرُ |
لَوى نَحرٌ بِها وَاِلتَفَّ بَحرُ |
كَما مَلَكَت جِهاتِ الدَوحِ غُدرُ |
تَلوحُ بِها المَساجِدُ باذِخاتِ |
وَتَتَّصِلُ المَعاقِلُ شامِخاتُ |
طِباقاً في العُلى مُتَفاوِتاتِ |
سَما بَرٌّ بِها وَاِنحَطَّ بَرُّ |
وَكَم أَرضٍ هُنالِكَ فَوقَ أَرضِ |
وَرَوضٍ فَوقَ رَوضٍ فَوقَ رَوضِ |
وَدورٍ بَعضُها مِن فَوقِ بَعضِ |
كَسَطرٍ في الكِتابِ عَلاهُ سَطرِ |
سُطورٌ لا يُحيطُ بِهِنَّ رَسمٌ |
وَلا يُحصي مَعانيهِنَّ عِلمُ |
إِذا قُرِئَت جَميعاً فَهيَ نَظمُ |
وَإِن قُرِئَت فُرادى فَهيَ نَثرُ |
تَأَرَّجُ كُلَّما اِقتَرَبَت وَتَزكو |
وَيَجمَعُها مِنَ الآفاقِ سِلكُ |
تُشاكِلُ ما بِهِ فَالقَصرُ فُلكُ |
عَلى بُعدٍ لَنا وَالفُلكُ قَصرُ |
وَنونٌ دونَها في البَحرِ نونُ |
مِنَ البُسفورِ نَقَّطَها السَفينُ |
كَأَنَّ السُبلَ فيهِ لَنا عُيونٌ |
وَإِنسانُ السَفينَةِ لا يَقِرُّ |
هُنالِكَ حَفَّتِ النُعمى خُطانا |
وَحاطَتنا السَلامَةُ في حِمانا |
فَأَلقَينا المَراسِيَ وَاِحتَوانا |
بِناءٌ لِلخِلافَةِ مُشمَخِرُّ |
فَيا مَن يَطلُبِ المَرأى البَديعا |
وَيَعشَقهُ شَهيداً أَو سَميعا |
رَأَيتَ مَحاسِنَ الدُنيا جَميعاً |
فَهُنَّ الواوُ وَالبُسفورُ عَمرو |