عرفتُ الفنَّ من صِغري وأهله |
فرافقتُ الأصيلَ وكنتُ خِلّهْ |
وأهلُ الفنِّ كُثرٌ في ازديادٍ |
ولكنْ مَنْ سموا بالفنِّ قِلّهْ |
شكا الأصحابُ مِنْ زمنٍ رتيبٍ |
وقالوا صارَ أيّاما ً مُمِلّهْ |
فقلتُ لهم إذا صدحتْ بلحنٍ |
لنا ميّادةٌ ننساهُ كُلّهْ |
وإنّي لستُ أشكو مِنْ زمانٍ |
ولكنْ مِنْ حبيبٍ لنْ أملّهْ |
عليلٌ بالهوى لكنْ مُعافى |
فما في الجسمِ مِنْ مرضٍ وعِلّهْ |
بقلبي النارُ لا بردى ستطفي |
لظاها لا ولا أمواجُ دِجلهْ |
دعوا الأوتارَ تعزف لحنَ شوقٍ |
لعلَّ اللحنَ يشفيني لعلّهْ |
وأحيوا اليومَ في طربٍ فيومٌ |
كهذا فيهِ يحيي الفنّ حفلهْ |
بمولدِ زهرةٍ بينَ الأقاحي |
بلونِ الياسمين وعطرِ فُلّهْ |
عمالقةُ الغناءِ مضوا جميعا |
ولمْ يتبقَ منهمْ غيرُ قِلهْ |
وكمْ في الفنِّ مِنْ نجمٍ تسامى |
وفنّكِ لمْ يَنلْ أحدٌ مَحلّهْ |
فلا عجبٌ إذا حسدوكِ يوما |
هلالٌ أنتِ ما بينَ الأهلّهْ |
مُميّزةٌ بدنيا الفنِّ حتّى |
سحرتِ بصوتكِ الفتّانِ أهلهْ |
ولستُ مُبالغا إنْ قلتُ يوماً |
لمن قَصَدَ الأصالةَ أنتِ قِبْلهْ |
فيا قيثارةَ الأجيالِ غنّي |
فصوتُكِ للذي عانى تَعِلّهْ(1) |
شجيٌّ ساحرٌ أضفى عليهِ |
أداؤكِ مِنْ جمألِ الروحِ حُلّهْ |
أحسُّ إذا استمعتُ إليهِ أنّي |
بدنيا مِنْ ليالي ألفِ ليلهْ |
هوَ المأوى الذي آوي إليهِ |
كما تأوي إلى الأزهارِ نحْلهْ |
يفيضُ عليّ شعراً ما حوتهُ |
دواوينٌ ولا أنشدتُ مثْلهْ |
فلا تستفهمي عنّي فإنّي |
صدى يمتدُّ لمْ يبلغْ محلّهْ |
أنا الرجلُ الذي لمْ تبصريهِ |
ولنْ تجديهِ في ناسٍ ومِلّهْ |
تغرّبَ سندباداً منذُ دهْرٍ |
وخلّفَ في بلادِ الشرقِ ظِلّهْ |
ولمْ يخشَ البحارَ ولا دجاها |
فَمَِنْ وَهَجِ المحبّةِ فيهِ شُعْلهْ |
وفيٌّ لمْ يَبِعْ وطناً رعاهُ |
ولمْ ينكرْ برغْمِ البُعْدِ أهلهْ |
يؤرّقهُ إلى الماضي حنينٌ |
وَهلْ ينسى كريمُ الأصْلِ أصْلهْ |
يخصّكِ بالسلامِ وبالتهاني |
وذي بغدادُ قدْ حيّتكِ قَبْلَهْ |
وذي حلبٌ شفاهٌ ظامئاتٌ |
ستطبعُ في جبينكِ ألفَ قُبْلهْ |
فأنتِ اليوم مثل الأمسِ نجمٌ |
يشعُّ إلى غدٍ فينيرُ ليلَهْ |
يمرُّ العامُ تلْوَ العامِ لكنْ |
أحسّكِ دائمأً ما زلتِ طفْلهْ |
وما ميّادةٌ إلّا ملاكٌ |
يثيرُ الحُبَّ والإعجابَ حَوْلَهْ |
لها سحْرٌ على الجمهورِ بادٍ |
إذا حيّتْ ببسمتها مُطِلّهْ |