تولُستويُ تُجري آيَةُ العِلمِ دَمعَها |
عَلَيكَ وَيَبكي بائِسٌ وَفَقيرُ |
وَشَعبٌ ضَعيفُ الرُكنِ زالَ نَصيرُهُ |
وَما كُلُّ يَومٍ لِلضَعيفِ نَصيرُ |
وَيَندُبُ فَلّاحونَ أَنتَ مَنارُهُم |
وَأَنتَ سِراجٌ غَيَّبوهُ مُنيرُ |
يُعانونَ في الأَكواخِ ظُلماً وَظُلمَةً |
وَلا يَملُكونَ البَثَّ وَهوَ يَسيرُ |
تَطوفُ كَعيسى بِالحَنانِ وَبِالرِضى |
عَلَيهِم وَتَغشى دورَهُم وَتَزورُ |
وَيَأسى عَلَيكَ الدينُ إِذ لَكَ لُبُّهُ |
وَلِلخادِمينَ الناقِمينَ قُشورُ |
أَيَكفُرُ بِالإِنجيلِ مَن تِلكَ كُتبُهُ |
أَناجيلُ مِنها مُنذِرٌ وَبَشيرُ |
وَيَبكيكَ إِلفٌ فَوقَ لَيلى نَدامَةً |
غَداةَ مَشى بِالعامِرِيِّ سَريرُ |
تَناوَلَ ناعيكَ البِلادَ كَأَنَّهُ |
يَراعٌ لَهُ في راحَتَيكَ صَريرُ |
وَقيلَ تَوَلّى الشَيخُ في الأَرضِ هائِماً |
وَقيلَ بِدَيرِ الراهِباتِ أَسيرُ |
وَقيلَ قَضى لَم يُغنِ عَنهُ طَبيبُهُ |
وَلِلطِبِّ مَن بَطشِ القَضاءِ عَذيرُ |
إِذ أَنتَ جاوَرتَ المَعَرِّيَّ في الثَرى |
وَجاوَرِ رَضوى في التُرابِ ثَبيرُ |
وَأَقبَلَ جَمعُ الخالِدينَ عَلَيكُما |
وَغالى بِمِقدارِ النَظيرِ نَظيرُ |
جَماجِمُ تَحتَ الأَرضِ عَطَّرَها شَذىً |
جَناهُنَّ مِسكٌ فَوقَها وَعَبيرُ |
بِهِنَّ يُباهي بَطنُ حَوّاءَ وَاِحتَوى |
عَلَيهُنَّ بَطنُ الأَرضِ وَهوَ فَخورُ |
فَقُل يا حَكيمَ الدَهرِ حَدِّث عَنِ البِلى |
فَأَنتَ عَليمٌ بِالأُمورِ خَبيرُ |
أَحَطتَ مِنَ المَوتى قَديماً وَحادِثاً |
بِما لَم يُحَصِّل مُنكِرٌ وَنَكيرُ |
طَوانا الَّذي يَطوي السَمَواتِ في غَدٍ |
وَيَنشُرُ بَعدَ الطَيِّ وَهوَ قَديرُ |
تَقادَمَ عَهدانا عَلى المَوتِ وَاِستَوى |
طَويلُ زَمانٍ في البِلى وَقَصيرُ |
كَأَن لَم تَضِق بِالأَمسِ عِنّى كَنيسَةٌ |
وَلَم يُؤوِني دَيرٌ هُناكَ طَهورُ |
أَرى راحَةً بَينَ الجَنادِلِ وَالحَصى |
وَكُلُّ فِراشٍ قَد أَراحَ وَثيرُ |
نَظَرنا بِنورِ المَوتِ كُلَّ حَقيقَةٍ |
وَكُنّا كِلانا في الحَياةِ ضَريرُ |
إِلَيكَ اِعتِرافي لا لِقَسٍَّ وَكاهِنٍ |
وَنَجوايَ بَعدَ اللَهِ وَهوَ غَفورُ |
فَزُهدُكَ لَم يُنكِرهُ في الأَرضِ عارِفٌ |
وَلا مُتَعالٍ في السَماءِ كَبيرُ |
بَيانٌ يُشَمُّ الوَحيُ مِن نَفَحاتِهِ |
وَعِلمٌ كَعِلمِ الأَنبِياءِ غَزيرُ |
سَلَكتُ سَبيلَ المُترَفينَ وَلَذَّ لي |
بَنونَ وَمالٌ وَالحَياةُ غُرورُ |
أَداةُ شِتائي الدِفءُ في ظِلِّ شاهِقٍ |
وَعُدَّةُ صَيفي جَنَّةٌ وَغَديرُ |
وَمُتِّعتُ بِالدُنيا ثَمانينَ حِجَّةً |
وَنَضَّرَ أَيّامي غِنىً وَحُبورُ |
وَذِكرٌ كَضَوءِ الشَمسِ في كُلِّ بَلدَةٍ |
وَلا حَظَّ مِثلُ الشَمسِ حينَ تَسيرُ |
فَما راعَني إِلّا عَذارى أَجَرنَني |
وَرُبَّ ضَعيفٍ تَحتَمي فَيُجيرُ |
أَرَدتُ جِوارَ اللَهِ وَالعُمرُ مُنقَضٍ |
وَجاوَرتُهُ في العُمرِ وَهوَ نَضيرُ |
صِباً وَنَعيمٌ بَينَ أَهلٍ وَمَوطِنٍ |
وَلَذّاتُ دُنيا كُلُّ ذاكَ نَزورُ |
بِهِنَّ وَما يَدرينَ ما الذَنبُ خَشيَةٌ |
وَمِن عَجَبٍ تَخشى الخَطيئَةَ حورُ |
أَوانِسُ في داجٍ مِنَ اللَيلِ موحِشٍ |
وَلِلَّهِ أُنسٌ في القُلوبِ وَنورُ |
وَأَشبَهُ طُهرٍ في النِساءِ بِمَريَمٍ |
فَتاةٌ عَلى نَهجِ المَسيحِ تَسيرُ |
تُسائِلُني هَل غَيَّرَ الناسُ ما بِهِم |
وَهَل حَدَثَت غَيرَ الأُمورِ أُمورُ |
وَهَل آثَرَ الإِحسانَ وَالرِفقَ عالَمٌ |
دَواعي الأَذى وَالشَرِّ فيهِ كَثيرُ |
وَهَل سَلَكوا سُبلَ المَحَبَّةِ بَينَهُم |
كَما يَتَصافى أُسرَةٌ وَعَشيرُ |
وَهَل آنَ مِن أَهلِ الكِتابِ تَسامُحٌ |
خَليقٌ بِآدابِ الكِتابِ جَديرُ |
وَهَل عالَجَ الأَحياءُ بُؤساً وَشِقوَةً |
وَقَلَّ فَسادٌ بَينَهُم وَشُرورُ |
قُمِ اِنظُر وَأَنتَ المالِئُ الأَرضَ حِكمَةً |
أَأَجدى نَظيمٌ أَم أَفادَ نَثيرُ |
أُناسٌ كَما تَدري وَدُنيا بِحالِها |
وَدَهرٌ رَخِيٌّ تارَةً وَعَسيرُ |
وَأَحوالُ خَلقٍ غابِرٍ مُتَجَدِّدٍ |
تَشابَهَ فيها أَوَّلٌ وَأَخيرُ |
تَمُرُّ تِباعاً في الحَياةِ كَأَنَّها |
مَلاعِبُ لا تُرخى لَهُنَّ سُتورُ |
وَحِرصٌ عَلى الدُنيا وَمَيلٌ مَعَ الهَوى |
وَغِشٌّ وَإِفكٌ في الحَياةِ وَزورُ |
وَقامَ مَقامَ الفَردِ في كُلِّ أُمَّةٍ |
عَلى الحُكمِ جَمٌّ يَستَبِدُّ غَفيرُ |
وَحُوِّرَ قَولُ الناسِ مَولىً وَعَبدُهُ |
إِلى قَولِهِم مُستَأجِرٌ وَأَجيرُ |
وَأَضحى نُفوذُ المالِ لا أَمرَ في الوَرى |
وَلا نَهيَ إِلّا ما يَرى وَيُشيرُ |
تُساسُ حُكوماتٌ بِهِ وَمَمالِكٌ |
وَيُذعِنُ أَقيالٌ لَهُ وَصُدورُ |
وَعَصرٌ بَنوهُ في السِلاحِ وَحِرصُهُ |
عَلى السِلمِ يُجري ذِكرَهُ وَيُديرُ |
وَمِن عَجَبٍ في ظِلِّها وَهوَ وارِفٌ |
يُصادِفُ شَعباً آمِناً فَيُغيرُ |
وَيَأخُذُ مِن قوتِ الفَقيرِ وَكَسبِهِ |
وَيُؤوي جُيوشاً كَالحَصى وَيَميرُ |
وَلَمّا اِستَقَلَّ البَرَّ وَالبَحرَ مَذهَباً |
تَعَلَّقَ أَسبابَ السَماءِ يَطيرُ |