لا تلوموا أبي |
إنّهُ مثلُ آبائهِ الطيبينَ |
يزمّونَ منْ عَرقِ الموتِ خبزَ الحياةِ |
ويقتسمونَ وأهلهمُ |
وجبةَ الحزنِ والخوفِ من غدهمْ، |
غدُهمْ طافحٌ بالضياعِ |
أبي.... |
ذلكَ الشجنُ القرويُّ المعتَّقُ بالأمنياتِ |
يرتِّبُ أحلامهُ في المساءِ |
على غفلةٍ من عيونِ الفراشاتِ |
يسترقُ الضوءَ منهمكاً |
|
رغمَ خبرتهِ ورشاقةِ كفّيهِ |
حتى يسدّدَ |
ما بيعَ بالأمسِ من عمرِنا في ( الإشاراتِ) |
لاشيءَ إلا الفراغُ يضايقهُ |
و بهِ ينتشي حينَ نرجعُ من رحلةٍ |
لا الشتاءُ سعيدٌ بها |
لا، ولا صيفُ أحلامِنا اليابسةْ |
هاهي الآنَ جاهزةٌ |
كلُّ ( كرتونةٍ ) تشتكي حمْلَها |
من سيسمعها، أو سيرحمنا؟! |
.. يا إلهي..! |
وكيفَ سنجعلها في عيونِ الزبائنِ محبوبةً مغريةْ؟! |
* * * |
وحينَ يجيءُ الصباحُ |
يرافقنا، ثمَّ يرفعُ كفّيهِ |
هل كانَ يدعو لنا |
أن نعودَ إلى البيتِ - في غبطةٍ-؟! |
أم تراهُ دعا اللهَ أن لا نعودَ بأحمالنا؟ |
أن تُفّتحَ أبوابُ رحمتهِ |
كي نوفرَ ما يحفظُ الماءَ |
-ماءَ الوجوهِ - |
إذا جاءنا صاحبُ البيتِ |
في غيرِ موعدهِ فاغراً جيبَهُ |
وعلى وجههِ ترقصُ العاصفةْ. |
............... |
.............. |
وبعدَ جفافِ العباراتِ |
مستبشراً |
كانَ يفتحُ جفنيهِ |
كي يوقظَ الشمسَ منْ نومها، |
فتشخَّصُ أبصارُنا، |
والوجوهَ التي ألَّفَتْها الفصولُ |
نراقبُها باسمينَ .. |
تلمّعُ بالغيمِ أسنانها اللازوردْ |
وتغزلُ قمصانها من حريرِ الندى. |
|
تدلّـي ضفائرها فوقَ صدرِ الوجودِ |
الذي لا وجودَ لأمثالِنا فيهِ |
إلا بتعميرِ أيامِنا بالكفاحْ. |
كلُّ شيءٍ لهُ نكهةٌ |
وردهُ الاعتياديُّ |
بوحُ ملامحهِ, |
الزقاقُ الذي منهُ نبدأُ مشوارَنا |
في الطريقِ إلى اللهِ، |
شدوُ العصافيرِ, |
حزنُ النسيمِ, |
وصوتُ أبي |
إذْ يودِّعُنا ويفرِّقُنا للزيادةِ في الرزقِ |
معتقداً أن كلَّ الشوارعِ تعرفنا |
أننا مثلهمْ |
فتيةٌ آمنوا |
رَكِبُوا البرقَ |
من كلِّ فجٍّ إلى لُقمةِ العيشِ ساروا |
بأقدامهمْ طرّزوا الأرضَ |
في زمنِ الجوعِ والقحطِ والأوجهِ العابسةْ. |
وحينَ نعودُ لنعطيهُ رملَ خيبتنا |
بعدَ يومٍ من الكدِّ |
نشتمُّ رائحةَ الفولِ |
تغمرُنا نشوةُ الواصلينَ إلى المشتهى |
القليلُ من الخبزِ يكفيْ |
ليُجلسَنا ويحدّثَنا عن طفولتهِ والشبابِ |
يقلّبُ ألبومَ أيامهِ |
ثمَّ يروي لنا |
-قبلَ أن يسرقَ النومُ أجفاننا- |
من أساطيرِ أجدادهِ الكادحينْ. |
............ |
............ |
.... سألتُ أبي – ذاتَ يومٍ- |
لماذا نعظِّمُ مَنْ سرقوا من براءتنا عِطرها؟! |
من طفولتِنا وردَها |
وبلا رحمةٍ صادروا حقَّنا في الفرحْ؟! |
لماذا نموتُ ونحيا بلا هدفٍ واضحٍ يا أبي؟ |
تعثرتِ الابتسامةُ في شفتيهِ |
تصفّحَنا |
ضَمّنا ملءَ أحضانهِ |
ثم قالْ: |
رُبَّما تتبدّلُ أقدارُنا |
فالحياةُ مراوغةٌ يا بني |
ربما..... |
ربما....... |
ولكنَّ حظَّ الضعيفِ |
ضعيفٌ وأحلامُه باهظةْ. |
................ |
فأدركتُ أن أبي كانَ يعقوبَ أحزانهِ، |
وأنّ السؤالَ |
قميصٌ بلا رائحةْ!!. |