عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > عمان > عبد الله بن علي الخليلي > روح البردة

عمان

مشاهدة
1946

إعجاب
0

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

روح البردة

أمن تذّكر جيران بذى سلم
سريت تهوى بقلب منك محتدم
أم من بَوادٍ بِواد مسها لهب
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة
وفاض منك سواد العين عن ندم
أم جادك المزن فياّضا بصيِّبه
وأومض البرق في الظلماء من إضم
فما لعينك أن قلت اكففا همتا
بعارض هتن ينهلّ كالديم
وما لحبك كالأفعى للامسها
وما لقلبك أن قلت استفق بهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم
والبيض تقدح زند البيض بالضرم
وللجفون تبارٍ في مدامعها
ما بين منسجم منه ومضطرم
لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل
ولا رقبت الدجى في طفرة الحلم
ولا هرقت دَماً بالدمع ممتزجا
ولا ارقت لذكر البان والعلم
فكيف تنكر حبا بعدما شهدت
به عليك عيون منك لم تنم
واكّدَت صدق ما أملت عدالتها
به عليك عدول الدمع والقسم
واثبت الوجد خطي عبرة وضنى
كالزهر في الورد أو كالزهر في السلم
كأن خطيه في لونيهما ارتسما
مثل البهار على خديك والعنم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني
فرحت أسبح في بحر من الغمم
فالحِب لا تخطئ الألباب رميته
والحب يعترض اللذات بالألم
يا لائمي في الهوى العذري معذرة
فالقلب من عذرة فاعذره أو فلُم
تلومني والهوى في ثوبه صلة
منى إليك ولو انصفت لم تلم
عدتك حالي لا اسّرى بمستتر
ولا عزامى بمحمي من التهم
ولا فؤادي له ستر يجنبه
عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
محضتنى النصح لكن لست أسمعه
ولا أميل إليه فهو كالعدم
أما سمعت مقالا جاء في مثل
أن المحب عن العذال في صمم
أني اتهمت نصيح الشيب في عذلي
ولم يرعني منه هدره لدمي
ولا أصنحت لموّال يردده
والشيب ابعد في نصح عن التهم
فإن اماّرتي بالسوء ما اتعظت
وكيف يتعظ المختار في الوهم
ولا ثناها لداعي الله مزدجر
عن جهلها بنذير الشيب والهدم
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى
لطارق مدلج في ناب ملتهم
فلو عدت شؤمها الليمن كان قرى
ضيف ألمّ برأسي غير محتشم
لو كنت أعلم أني ما أو قِّره
ولا اوقّره خوفاً من الوصم
ولا أقبله في حسن طالعة
كتمت سرا بدالي منه بالكتم
من لي برد جماح من غوايتها
حتى تكون من العلياء في القمم
لكنني رضتها في الله فارتدعت
كما يردَّ جماح الخيل باللجم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها
فأنها السبع الضاري بلا رُحُم
ولا تدعها على لذات مطعمها
أن الطعام يقوي شهوة النهم
فالنفس كالطفل أن تهمله شب على
سبّحة فيه أن تحمد وأن تُذَم
ففيم تطمعه بعد الطفولة في
حب الرضاع وأن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليّه
فإنما هو شيطان بلا ذمم
وانبذ هواك ولا تقنع بحجته
أن الهوى ما تولى يُصْم أو يَصم
وراعها وهي في الأعمال سائمة
ولا تشق بهواها غير منتظم
ولا ترعها بقاس في سجيتها
وأن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذة للمرء قاتلة
وبغضت منه فيه سورة الهمم
وكم سقته سلاف الحب في خدع
من حيث لم يدر أن السم في الدسم
واخش الدسائس من جوع ومن شبع
تسلم من الكيد في حرب وفي سلم
واحذر من الجوع جنح الليل يستره
فربَّ مخمصة شر من التخم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت
من خشية الله فارفضّت دماً بدم
وأسبل الدمع تحت الخوف منسجما
من المحارم والزم حمية الندم
وخالف النفس والشيطان واعصهما
حتى تجوز الحمى في عزم مقتحم
ودعهما والترامي في سبيلهما
وأن هما محضاك النصح فاتهم
ولا تطع منهما خصما ولا حكما
لو سوّداك على دنياك عن عظم
ولو أطاعاك في حكم على جنف
فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
استغفر الله من قول بلا عمل
جرى بحِّر دمى خبطاً بلا لجم
فياله من حديث فيه شبه ريا
لقد نسبت به نسلا لذى عقم
إمرتك الخير لكن ما ائتمرت به
والأمر بالخير من يلزمه يستقم
وما ازدجرت لزجر الله متقياً
وما استقمت فما قولي لك استفم
ولا تزودت قبل الموت نافلة
والزاد كم يسِّر المسعى لمقتحم
ولم اعد لنصر الله سابحة
ولم أصلِّ سوى فرض ولم أصم
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى
أن فاضت الروح منه دونما سأم
وبات مثل اللقى تحت الظلام إلى
أن اشتكت قدماه الضر من ورم
وشد من سغب أحشاءه وطوى
في الله لله منه نفس ذي عُزُم
وراضها لهواه وهي طاوية
تحت الحجارة كشحاً مترف الأَدم
وراودته الجبال الشم من ذهب
واخضو ضعت لهواه برة القسم
وعاودته لكي تغريه في طمع
عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته
وللضرورة سلطان كمحتكم
لكنها لم تطق إطماعه فنبت
أن الضرورة لا تعدو على العصم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
أوحى أن اخشو شنت فالخير لم يدم
من اصطفاه إله العرش جلّ ومن
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
محمد سيد الكونين والثقل
لين الأمثلين كريم الخيم والشيم
خليفة الله من أوفي على الملأي
ن والفريقين من عرب ومن عجم
نبينا الأمر الناهي فلا أحد
أرعى جواراً ولا احنى على يتُم
تالله ما طلعت شمس على بشر
أبرُّ في قول لا منه ولا نعم
وهو الحبيب الذي ترجى شفاعته
وهو المقدم بين الناس كلهم
وهو المرجىّ إذا ما عن من خطر
لكل هول من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به
في ذمَّة الله لا يخشون من وصم
وهم على ركنه الأعلى وحميته
مستمسكون بحبل غير منفصم
فاق النبيين في خَلق وفي خُلق
وطالهم فتعالى كل محتكم
فأطلقوا الساق جريا خلف موكبه
فلم يدانوه في علم ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس
إشراقة تملأ الحيزوم للحُزُم
فما أطاقوا ولا نالوا سوى نُغب
غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وواقفون لديه عند حدِّهم
وهم حيارى على شوق سما بهم
واستوقفتهم أياديه على لمع
من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهو الذي تم معناه وصورته
واستكمل الخلق العالي فلم يصم
وأخلصت منه للقدوس نزعته
ثم اصطفاه حبيباً بارئ النسم
منزّه عن شريك في محاسنه
إذِ الجمال به من صنعة الحكم
فدلنا عرفة عن طيب معدنه
مجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادّعته النصارى في نبيهم
فقل هو الشمس أو فت من على أُطم
وأنه الجوهر الفرد المصون فقل
واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف
فليس من شرف إلا إليه نمى
وانسب إلى ذاته الأنوار ساطعة
وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له
من غاية يدَّ عيها علم ذي حِكم
ولا يرام له في سبق مستبق
حد فيعرب عنه ناطق بفم
لونا سبت قدرة آياته عظماً
ما بات ينسبها في المجد ذو إرم
ولو تعالت إلى عليائه شرفاً
أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
لم يمتحنا بما تعي العقول به
في الدين حتى بلغنا منتهى القمم
إذ ساسنا بالهدى والرفق يغمرنا
حرصاً علينا فلم نرتب ولم نهم
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى
منه على السر إلا الرمز في الرقم
ولا يرى في سماء الحب منعطف
في القرب والبعد منه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعد
حسرى تجانف عن درك لذي نسم
لكنها تتراءى وهي نائية
صغيرة وتكل الطرف عن أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته
سار سرى يخبط الظلماء وهو عمي
أم كيف يبلغ علو الشأن منه به
قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فمبلغ العلم فيه أنه بسُر
لكن علا حيث ما الأملاك لم تحم
وأنه خير من سارت به قدم
وأنه خير خلق الله كلهم
وكل آي أتى الرسل الكرام بها
فإنما هي نبع منه فاحترم
وكل نيّرة سادوا بسؤددها
فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضل هم كواكبها
على سماء بنور الله مبتسم
والأنبياء عليها كالنجوم بها
يظهرن أنوارها للناس في الظلم
أكرم بخلق نبي زانه خلق
فيه عظيم أتى في محكم الكلم
أعظم بأحمد في سمت وفي سمة
بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في تَرَف والبدر في شرف
والمزن في وكف والنوء في ديم
كالآي في حِكم والنور في حَكم
والبحر في كرم والدهر في همم
كأنه وهو فرد في جلالته
في عالم من جلال القدس منتظم
تخاله وكأن الدهر فيه به
في عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنه اللؤلؤ المكنون في صدف
يضيء منه الدجى في حالك الظلم
كأنه الجوهر الشفاف عن شرف
من معدني منطق منه ومبتسم
لا طيب يعدل ترباً ضم أعظمه
أنعم بساع إليه في هدى إضم
يستنشق الترب من تلك الرفات فيا
طوبى لمنتشق منه وملتثم
أبان مولده عن طيب عنصره
وشف معدنه عن طاهر الشيم
وطيّب الخالقين عرفه سحراً
يا طيب مبتدئاً منه ومخنتتم
يوم تفرّس فيه الفرس إنهم
على شفا جرف هار من الغمم
وأنهم في صياصيهم وعزتهم
قد أنذر وابحلول البؤس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدع
يهوى به ساحق لكن إلى العدم
ينبت تحت الدجى لكنه مزعاً
كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسف
تبكي بدمع لها يرفضّ كالحمم
والدهر من جزع ينفتّ عن حُرق
عليه والنهر ساهي العين في سدم
وساء ساوت إن غاضت بحيرتها
فلا تلمها على دمع لها سجم
ولا تلمها على حزن وقد نكبت
وردّ واردها بالغيظ حين ظمي
كأنّ بالنار ما بالماء من بلل
وأنّ بالشمس ما بالدجن من ظلم
بالسما ما على الأرضين من جزع
حزناً وبالماء ما بالنار من ضرم
والجن تهتف والأنوار ساطعة
شوقاً إلى المصطفى يا شوقه احتكم
ولآي تسكب أنواء مكثفة
والحق يظهر في معنى وفي كلم
عموا وصمتوا فإعلان البشائر لم
تدر على بالهم يوماً ولم تحم
كأنما هي من وقع الأعنّة لم
تسمع وبارقة الأنذار لم تشم
من بعدما أخبر الأقوام كاهنهم
عماّ سيد همهم من حازب عرم
إذ قال مصيب في تكهنه
بأنّ دينهم المعوج لم يقم
وبعدما ما عاينوا في الأفق من شهب
كأنها النار خلف المارد النهم
أو أن حرّاسها في أفقها شرراً
منقضة وفق ما في الأرض من صنم
حتى غدا عن طريق الوحي منهزم
يتيه من خوفه في شر منهزم
والله يستحق بالأقدار منهزماً
من الشياطين يقفوا إثر منهزم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة
إنّ السجود له ضرب من النعم
واستقبلته جمادات الفضا شغفاً
تمشي إليه على ساق بلا قدم
كأنما سطّرت سطراً لما كتبت
أكفّها من رقوم بالهدى تُسَم
وخطّت السعد هلهالاً تنمقه
فروعها من بديع الخط في اللّقم
مثل الغمامة أنىّ سار سائرة
عناية الله ترعاه على الذمم
وتدفع النفس ولأنفاس عن شغف
تقيه حرّ وطيس للهجير حمي
أقسمت بالقمر المنشق أنّ له
في النفس عاصمة تعلو على العصم
وأنّ بالآي والأنوار تكلؤها
من قلبه نسبة مبرورة القسم
وما حوى الغار من خير ومن كرم
ومن خوارق عادات لذي سلم
والمصطفى في سبيل الله قائدها
وكل طرف من الكفّار عنه عمي
فالصدق في الغار والصدّيق لم يرما
وآية الله تحمي الحق من وصم
والمشركون بجنب الغار في أسف
وهم يقولون ما بالغار من إرم
ظنوّا الحمام وظنّوا العنكبوت على
نور الهداية لم ترأم ولم تهم
قالوا العناكب ضعفاً والحمام على
خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفة
وقوة الله كم أربت على العزم
ونصرة الله كم أغنت مظفّرها
عن الدروع وعن عال من الأطم
ما سامني الدهر ضيماً واستجرت به
إلاّ رجعت بعزّ منه لم يُرَم
ولا لجأت إليه خوف نازلة
إلاّ ونلت جواراً منه لم يُضَم
ولا التمست غنى الدارين من يده
إلاّ وعدت بفضل منه كالعرم
ولا اتجهت إلى أبوابه أملاً
إلاّ استلمت الندى من خير مستلم
لا تنكر الوحي من رؤياه إنّ له
إرادة لم يعقها نوم مغتلم
ولا تخوضنّ في رؤياه إنّ له
قلباً إذا نامت العينان لم ينم
وذاك حين بلوغ من نبوته
إذ لا يهومّ منه الطرف في الحلم
لكنماّ هو في الحالين معتدل
فليس ينكر فيه حال محتلم
تبارك الله ما وحي بمكتسب
ولا جلال بلا وعي بمغتنم
ولا تجلٍّ بلا آي تباركه
ولا نبي على غيب بمتهم
كم أبرأت وَصَباً باللمس راحته
وبّرأت من رمي من غمزة التهم
وكم برت سدكاً في غيهّ فهوى
وأطلقت أرباً من ربقة اللّمم
وأحيت السنة الشهباء دعوته
حتى غدت بين مخضل ومدلهم
وباركت منه آيات على دهم
حتى حكت غزّة في الأعصر الدهم
بعارض جاد أو خلت البطاح بها
فيض تحدّر عن منهلةّ الديم
وجادها النوء يسري في حمولته
سيب من اليمّ أو سيل من العرم
دعني ووصفي آيات له ظهرت
بين المعالم كالأنوار في الظلم
حتى يلوح علينا السعد منتظماً
ظهور نار القرى ليلاً على علم
فالدرّ يزداد حسناً وهو منتظم
وأشنب الثغر يجلو الحسن في نظم
فجوهر الحسن يسبي القلب منتظماً
وليس ينقص قدراً غير منتظم
فما تطاؤل آمال المديح إلى
عليائه وهو في علياء لم ترم
قد شفّ جوهره عنه فدلَّ على
ما فيه من كرم الأخلاق والشيم
آيات حق من الرحمن فحدثة
لله فيها تجلّ باهر العظم
أكرم بها في تجليّ النور وهي به
قديمة صفة الموصوف بالقِدم
لم تقترن بزمان وهي تخبرنا
عماّ حوى الكون من آتٍ ومنصرم
وعن زوايا طواها الغيب فيه به
عن المعاد وعن عادٍ وعن إرم
دامت لدينا ففاقت كل معجزة
من عصمة الذكر فيها خير معتصم
لذاك قصّر عنها كل معجزة
من النبيين إن جاءت ولم تدم
محكّمات فما تبقين من شبه
مستحكمات على الدنيا بمنحسم
مذللات على التقوى عناصرها
لذي شقاق وما تبغين من حكم
ما حوربت قطّ إلاّ عاد من حَرَب
سلطان من حاربت يهوي بلا قدم
ولا استجا شت دماً إلاّ رأيت بها
أعدى الأعادي إليها ملقى السلم
ردّت بلاغتها دعوى معارضها
واستعرضت في حماها بالغ الحكم
وردّت الفيلق الجرّار منهزماً
ردّ الغيور بد الجاني عن الحرم
لها معانٍ كموج البحر في مدد
يكاد يغرق فيها كل ملتطم
واستخدمت من شعاع الفكر جوهرة
وفوق جوهره في الحسن والقيم
فلا تعدّ ولا تحصى عجائبها
أو ينقضي الدهر عنها خاوي القدم
ولا يحيط بها ذو نهية فطن
ولا تسام على الإكثار بالسّأم
قرّت بها عين قاريها فقلت له
أبشر كرعت الهدى من نبغ دي إضم
ورحت في غبطة الحسنى أقول له
لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
إن تتلوها خيفة من حرّ نار لظى
وقيت من لفحها بالجاحم الضرم
وإن مزجت دموع العين في دمها
أطفأت حرّ لظىً من وردها الشيم
كأنما الحوض تبيضّ الوجوه به
في ذمة الله منه رِيّ كل ظمي
تهفو إليه جاء الله أفئدة
من العصاة وقد جاؤه كالحمم
وكالصراط وكالميزان معدِلة
لأنما هي تنزيل من الحكم
رسا بها العدل في أقساطه علماً
فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لا تعجبن لحسود راح ينكرها
لما انبرت في براهين من الحِكم
حتام بو غل في النكران من حسد
تجاهلاً وهو عين الحاذق الفهم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وتنكر الأذن قرع الصوت من صمم
وتنكر الأنف عرف المسك من خلل
وينكر الفم طعم الماء من سقم
يا خير من يمّم العافون ساحته
يحدوهم الحب في شوق إلى الحرم
تراهم زمراً مثل الحجيج أتوا
سعياً وفوق متون الأنيق الرسم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبر
ومن هو الرحمة المهداة للأمم
ومن هو الطود للعلياء شامخة
ومن هو النعمة العظمى لمغتنم
سريت من حرم ليلاً إلى حرم
وأنت في عين من يرعاك في الذمم
تسري إلى الشوق جرياً في أعنته
كما سرى البدر في داج من الظلم
وبتّ ترقى إلى أن نلت منزلة
يخطّ عن شأوها العالي من القمم
حتى بلغت بعين الله مرتبة
من قاب قوسين لم تدرك ولم تُرم
وقد متك جميع الأنبياء بها
على الصفوف تؤم الكل عن أمم
فالأنبيا غبطة أن قدّموك بهم
والرسل تقديم مخدوم على خدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم
سعياً وتفتتح الأقفال في شمم
لله في الله من سلطان محتكم
في موكب كنت فيه صاحب العلم
حتى إذا لم تدع شأواً والمستبق
على عنان ولإجنحا لمقتحم
ولا مناراً به تفضي إلى زلف
من الدنو ولا مر في لمستنم
حفضت كل مقام بالإضافة إذ
جزمت من فعله آتٍ على عُزُم
ولا نصبت لذكر الله في نصب
نوديت بالرفع مثل المفرد العلم
كما تفوز بوصل أيّ مستتر
عن مبصر وتجوز القصد في همم
وتسبق الطرف في رمز تغيب به
عن العيون وسرّ أيّ مكتتم
وحزت كل فخار غير مشترك
ورضت كل سبيل غير منهزم
وطلت كل مطال لا يرام علا
وجزت كل مقام غير مزدحم
وجلّ مقدار ما أو ليت من رتب
وطال جاهك عن عال ومستنم
وزيّن الكون ما أو تيت من شرف
وعزّ إدراك ما وليتّ من نعم
بشرى لنا معشر الإسلام إنّ لنا
بفخره شيمة تعلو على الشيم
ومن مقامته الكبرى لنا وبنا
من العناية ركناً غير منهدم
لماّ دعا الله داعينا لطاعته
قدنا إليه نفوساً قط لم تصم
وحينما اختارنا الباري لحجته
بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
راعت قلوب العدا أنباء بعثته
وها لهم منه قهار بلا غشم
وحينما راعهم من نصره نفروا
كنبأة أجفلت غفلاً من الغنم
مازال يلقاهم في كل معترك
حتى أطاح بهم أشلاء كالرمم
وساقهم زمراً بالحتف يحصدهم
حتى حكوا بالقنا لحماً على وضم
ودوا الفرار فكانوا يغبطون به
من لم يسلّ حساماً فيه للنقم
حتى إذا غادرتهم خيله مزعاً
أشلاء شالت مع العقبان والرخم
تمضي الليالي ولا يدرون عدتها
لما أتتهم بوطئ الحافر القدم
يقضون أبيضها يسودّ عن دمهم
ما لم تكن من ليالي الأشهر الحرم
كأنما الدين ضيفاً حلَّ ساحتهم
وهم له بين بّطاش ومحترم
لكنه بات يرمهم مباغته
بكل قَدم إلى لحم العدا قَرِم
يجرّ بحر خميس فوق سابحة
كأنه عرم ينحّط عن قمم
ويرتمي والفضا آذيّه شمم
يرمي بموج من الأبطال ملتطم
من كل منتدب لله محتسب
يهوي بمحتكم منه ومحتدم
يعدو إلى الموت في صمصامة ذكر
يسطو بمستأصل للكفر مصطلم
حتى غدت ملة الإسلام وهي بهم
في خير حاميه تحمى الحمى بهم
وأصبحت في حماها وهي آمنة
من بعد غربتها موصولة الرحم
مكفولة ابداً منهم بخير أب
وخير راع من التقوى عن الوصم
يحوطها بكتاب الله ذولبد
وخير بعل فلم تيم ولم تئم
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم
وللردى أخذة المصدوم بالصدم
أيّان شدّوا عليه في تصادمهم
ماذا رأى منهم في كل منصدم
وسل حنيناً وسل بدراً وسل أُحُداً
وسل قريضة إذ أجلو عن الحرم
وسل مواقعهم عنهم فتلك لهم
فصول حتف لهم أدهى من الوخم
المصدري البيض حمراً بعدما وردت
بحر المنايا تروّي من دم بدم
والراكبين عتاق الخيل قاصمة
من العدا كلّ مسوّدٍ من اللمم
والكاتبين بسمر الخط ما تركت
رماحهم صدر مقدام بدون فم
ولم تغادر غداة الكرّ في عُزُم
أقلامهم حرف جسم غير منعجم
شاكي السلاح لهم سيما تميّزهم
وميزة الفحل بالأقدام لا القِدم
بهم صفات من الإيمان طادية
والورد يمتاز بالسيما عن السلم
تهدي إليك رياح النصر نشرهم
كأنَّ في نفحتيه عيش ملتثم
تسري به نفحات من ملائكها
فتحسب الزهد في الأكمام كلِّ كمي
كأنهم في ظهور الخيل نبت ربا
أو أفرغوا فوقها عن قالب اللجم
أو أنهم ولدوا في عز صهوتها
من شدة الحَزم لا من شّدة الحُزُم
طارت قلوب العدا من بأسهم فَرقاً
فأصبحوا في الفضا كالعهن في الحمُم
أو كالفراش إذا ما انبتَّ منتشراً
فما تفرِّق بين البُهمْ والبُهَم
ومن تكن برسول الله نصرته
يدن له الكون مطواعاً بلا لُجُم
فإن من نصر المختار فهو حرٍ
أن تلقه الأسد في آجامها تجم
ولن ترى من وليٍّ غير منتصرٍ
به ولا من وفيٍّ غير ملتزم
ولا صديق له إلاّ سما شرفاً
به ولا من عدوّ غير منفصم
أحلَّ أمَّته في حرز ملّته
لماّ دعاهم إلى مرضاة ربهم
تراه إذ حلَّ فيهم منهموا بهم
كاللَّيث حلَّ مع الأشبال في أُجم
كم جدَّ لت كلمات الله من جدِل
قد حارب الله في كَلْم وفي كلِم
وكم أرادت به كيداً فما نجحت
فيه وكم حطّم البرهان من خصم
كفاك بالعلم في الأميّ معجزة
جاءت ببرهان صدق غير منكتم
وأيّدته بسلطانيْ هدى ودها
في الجاهليَّة والتأديب في اليتم
خدمته بمديح أستقيل به
أخطاء منغمس منيّ ومجترم
أكاد أفنى حياء ما ذكرت به
ذنوب عمر مضى في الشعر والخدم
إذ قلّداني ما تخشى عواقبه
وألبساني رداء غير محترم
حتى تخبطت في يهماء دامسة
كأنّني بهما هدي من النعمّ
أطعت غيّ الصبا في الحالتين وما
وصلت منه به الاَّ إلى الحَرَم
هبني توغّلت في أحشائه فوهل
حصلت إلاّ على الآثام والنقم
فيا حسارة نفس في تجارتها
قد ارتضت عاجلاً عن عنبطة النعم
يا ويحها وهي في الهواء تائهة
لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
ومن يبع آحلاً منه بعاجله
يخسر حياتيه بين السمّ والدسم
ومشتري الغرض الغاني بباقية
بين له الغبن في بيع وفي سلم
إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقض
ولا ذمامي عن التقوى بمنفصم
ولا صِلاتي بمنبثّ أو واصرها
من النبي ولا حبلي بمنصرم
فإنَّ لي ذمّة منه بتسميتي
باسم والله والله ملَتزَمي
دعني أرددّ شدوي في اسمه دأبا
محمداً وهو أو في الخلق بالذمم
عن لم يكن في معادي آخذاً بيدي
إلى السويِّ فلحماني على وضم
وإن غُلبت على طبعي فأكرمني
فضلا وإلا فّقل يا زلة القدم
حاشاه أن يحرم الداجي مكارمه
والجود طادية فيه من الشيم
أو يستغيث به الدعي فيحرمه
أو يرجع الحار منه غير ومحترم
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه
رأيت منه الجدا ينهّل كالديم
ومذ تركت قياد الأمر في يده
وجدته لخلاصي خير ملتزم
ولن يفوت الغنى منه يداً تربت
به عادت إلى جدواه للغُنُم
إذا نبتت في حقولي فضلها كرماً
إنَّ الحيا ينبت الأزهار في الأكم
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت
يد الأديب على إعطائها السجِم
ولا طويت على نصل لقطعهما
يد ازهير بما أثنت على هرم
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به
ومن أصدّبه خوفي من النقم
وما اعتمدت على ركن أعزّ به
إلاّك عند حلول الحادث العرم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي
والنشر في غمم والحشر في حمم
فإنما أنا حِبّ في تزلفُّه
إذا الكريم تحلى باسم منتقم
فإنَّ من جودك الدنيا وضرّتها
وأنت أكرم من أوفي على قدم
وفي يديك كنوز العلم ما ثلة
ومن علومك علم اللوح والقلم
يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت
فإنما الله أهل العفو والكرم
واستغفوي من عظيم الذنب موجدة
إنّ الكبائر في الغفران كاللَّمم
لعل رحمة ربيّ حين يقسمها
تكون من أوفر الأقسام في القيم
أو أنها لعصاة الله عن كرم
تأتي على حسب العصيان في القسم
ياربّ واجعل رجائي غير منعكس
واجعل هواي نقيّ الحبيب والأدم
واجعل لحّبيك في قلبي مكانته
لديك واجعل حسابي غير محترم
والطف بعبدك في الدارين أنَّ له
تصرّفاً طالما أرداة في الردم
وانظر إليه بعين اللطف إن له
قلباً متى تدعه الأهواء ينهزم
وأذن لسحب صلاة منك دائمة
لخاتم الرسل خير الخلق كلهم
تنساب منها يمين الله سارية
على النبي بمنهلّ ومنسجم
مارخّت عذبات البان ريح صبا
فأصبحت الصب في أشواقه الدهم
ورقّمت آيها في الخدّ كاتبة
وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
ثم الرضا عن أبي بكر وعن عمر
ضجيعي المصطفى أكرم بقربهم
وعن فدائيّ خير الرسل في أحُد
وعن عليّ وعن عثمان ذي الكرم
والآل والصحب ثم التابعين فهم
من روّضوا الخيل تحت السيف واللجم
وهم شموس الهدى في نورهم وهم
أهل التقى والنقا والحكم والكرم
عبد الله بن علي الخليلي

من ديوان المجتليات
بواسطة: حمد الحجري
التعديل بواسطة: حمد الحجري
الإضافة: الأحد 2017/03/05 05:46:01 مساءً
إعجاب
مفضلة


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com