جَعَلتُ حُلاها وَتِمثالَها |
عُيونَ القَوافي وَأَمثالَها |
وَأَرسَلتُها في سَماءِ الخَيالِ |
تَجُرُّ عَلى النَجمِ أَذيالَها |
وَإِنّي لِغِرّيدُ هَذي البِطاحِ |
تَغَذّى جَناها وَسَلسالَها |
تَرى مِصرَ كَعبَةَ أَشعارِهِ |
وَكُلِّ مُعَلَّقَةٍ قالَها |
وَتَلمَحُ بَينَ بُيوتِ القَصيد |
حِجالَ العَروسِ وَأَحجالَها |
أَدارَ النَسيبَ إِلى حُبِّها |
وَوَلّى المَدائِحَ إِجلالَها |
أَرَنَّ بِغابِرِها العَبقَرِيُّ |
وَغَنّى بِمِثلِ البُكا حالَها |
وَيَروي الوَقائِعَ في شِعرِهِ |
يَروضُ عَلى البَأسِ أَطفالَها |
وَما لَمَحوا بَعدُ ماءَ السُيوف |
فَما ضَرَّ لَو لَمَحوا آلَها |
وَيَومٍ ظَليلِ الضُحى مِن بَشنَسَ |
أَفاءَ عَلى مِصرَ آمالَها |
رَوى ظُلُّهُ عَن شَبابِ الزَمانِ |
رَفيفَ الحَواشي وَإِخضالَها |
مَشَت مِصرُ فيهِ تُعيدُ العُصورَ |
وَيَغمُرُ ذِكرُ الصِبا بالَها |
وَتَعرِضُ في المِهرَجانِ العَظيمِ |
ضُحاها الخَوالي وَآصالَها |
وَأَقبَلَ رَمسيسُ جَمَّ الجَلالِ |
سَنِيَّ المَواكِبِ مُختالَها |
وَما دانَ إِلّا بِشورى الأُمورِ |
وَلا اِختالَ كِبراً وَلا اِستالَها |
فَحَيّا بِأَبلَجَ مِثلِ الصِباحِ |
وُجوهَ البِلادِ وَأَرسالَها |
وَأَوما إِلى ظُلُماتِ القُرونِ |
فَشَقَّ عَنِ الفَنِّ أَسدالَها |
فَمَن يُبلِغُ الكَرنَكَ الأَقصُرِيَّ |
وَيُنبِئُ طَيبَةَ أَطلالَها |
وَيُسمِعُ ثَمَّ بِوادي المُلوكِ |
مُلوكَ الدِيارِ وَأَقيالَها |
وَكُلَّ مُخَلَّدَةٍ في الدُمى |
هُنالِكَ لَم نُحصِ أَحوالَها |
عَلَيها مِنَ الوَحيِ ديباجَةٌ |
أَلَحَّ الزَمانُ فَما اِزدالَها |
تَكادُ وَإِن هِيَ لَم تَتَّصِل |
بِروحٍ تُحَرِّكُ أَوصالَها |
وَما الفَنُّ إِلّا الصَريحُ الجَميلُ |
إِذا خالَطَ النَفسَ أَوحى لَها |
وَما هُوَ إِلّا جَمالُ العُقولِ |
إِذا هِيَ أَولَتهُ إِجمالَها |
لَقَد بَعَثَ اللَهُ عَهدَ الفُنونِ |
وَأَخرَجَتِ الأَرضُ مَثّالَها |
تَعالَوا نَرى كَيفَ سَوّى الصَفاةَ |
فَتاةً تُلَملِمُ سِربالَها |
دَنَت مِن أَبي الهَولِ مَشيَ الرَؤومِ |
إِلى مُقعَدٍ هاجَ بَلبالَها |
وَقَد جابَ في سَكَراتِ الكَرى |
عُروضَ اللَيالي وَأَطوالَها |
وَأَلقى عَلى الرَملِ أَرواقَهُ |
وَأَرسى عَلى الأَرضِ أَثقالَها |
يُخالُ لِإِطراقِهِ في الرِملِ |
سَطيحَ العُصورِ وَرَمّالَها |
فَقالَت تَحَرَّك فَهمَ الجَماد |
كَأَنَّ الجَمادَ وَعى قالَها |
فَهَل سَكَبَت في تَجاليدِهِ |
شُعاعَ الحَياةِ وَسَيّالَها |
أَتَذكُرُ إِذ غَضِبَت كَاللُباةِ |
وَلَمَّت مِنَ الغيلِ أَشبالَها |
وَأَلقَت بِهِم في غِمارِ الخُطوبِ |
فَخاضوا الخُطوبَ وَأَهوالَها |
وَثاروا فَجُنَّ جُنونُ الرِياحِ |
وَزُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزالَها |
وَباتَ تَلَمُّسُهُم شَيخَهُم |
حَديثَ الشُعوبِ وَأَشغالَها |
وَمَن ذا رَأى غابَةً كافَحَت |
فَرَدَّت مِن الأَسرِ رِئبالَها |
وَأَهيَبُ ما كانَ يَأسُ الشُعوبِ |
إِذا سَلَّحَ الحَقُّ أَعزالَها |
فُوادُ اِرفَعِ السِترَ عَن نَهضَةٍ |
تَقَدَّمَ جَدُّكَ أَبطالَها |
وَرُبَّ اِمرِئٍ لَم تَلِدهُ البِلادُ |
نَماها وَنَبَّهَ أَنسالَها |
وَلَيسَ اللَآلِئُ مِلكَ البُحورِ |
وَلَكِنَّها مِلكُ مَن نالَها |
وَما كَعَلِيٍّ وَلا جيلِهِ |
إِذا عَرَضَت مِصرُ أَجيالَها |
بَنَوا دَولَةً مِن بَناتِ الأَسِنَّ |
ةِ لَم يَشهَدِ النيلُ أَمثالَها |
لَئِن جَلَّلَ البَحرَ أُسطولُها |
لَقَد لَبِسَ البَرُّ قِسطالَها |
فأَمّا أَبوكَ فَدُنيا الحَضا |
رَةِ لَو سالَمَ الدَهرُ إِقبالَها |
تَخَيَّر إِفريقيا تاجَهُ |
وَرَكَّبَ في التاجِ صومالَها |
رِكابُكَ يا اِبنَ المُعِزِّ الغُيوثُ |
وَيَفضُلنَ في الخَيرِ مِنوالَها |
إِذا سِرنَ في الأَرضِ نَسَّينَها |
رِكابَ السَماءِ وَأَفضالَها |
فَلَم تَبرِحِ القَصرَ إِلّا شَفيتَ |
جُدوبَ العُقولِ وَإِمحالَها |
لَقَد رَكَّبَ اللهُ في ساعِدَيكَ |
يَمينَ الجُدودِ وَشيمالَها |
تَخُطُّ وَتَبني صُروحَ العُلومِ |
وَتَفتَحُ لِلشَرقِ أَقفالَها |