هَل تَهبِطُ النَيِّراتُ الأَرضَ أَحيانا |
وَهَل تَصورُ أَفراداً وَأَعيانا |
نَزَلنَ أَوَّلَ دارٍ في الثَرى رَفَعَت |
لِلشَمسِ مُلكاً وَلِلأَقمارِ سُلطانا |
تَفَنَّنَت قَبلَ خَلقِ الفَنِّ وَاِنفَجَرَت |
عِلماً عَلى العُصُرِ الخالي وَعِرفانا |
أُبُوَّةٌ لَو سَكَتنا عَن مَفاخِرِهِم |
تَواضُعاً نَطَقَت صَخراً وَصَوّانا |
هُم قَلَّبوا كُرَةَ الدُنيا فَما وَجَدَت |
أَقوى عَلى صَولَجانِ المَلكِ أَيمانا |
وَصَيَّروا الدَهرَ هُزءاً يَسخَرونَ بِهِ |
حَتّى يَنالَ لَهُم بِالهَدمِ بُنيانا |
لَم يَسلُكِ الأَرضَ قَومٌ قَبلَهُم سُبُلاً |
وَلا الزَواخِرَ أَثباجاً وَشُطّانا |
تَقَدَّمَ الناسَ مِنهُم مُحسِنونَ مَضَوا |
لِلمَوتِ تَحتَ لِواءِ العِلمِ شُجعانا |
جابوا العُبابَ عَلى عودٍ وَسارِيَةٍ |
وَأَوغَلوا في الفَلا كَالأُسدِ وُحدانا |
أَزمانَ لا البَرُّ بِالوابورِ مُنتَهَباً |
وَلا البُخارُ لِبِنتِ الماءِ رُبّانا |
هَل شَيَّعَ النَشءُ رَكبَ العِلمِ وَاِكتَنَفوا |
لِعَبقَرِيَّةٍ أَحمالاً وَأَظعانا |
وَسايَروا المَوكِبَ المَرموقَ مُتَّشِحاً |
عِزَّ الحَضارَةِ أَعلاماً وَرُكبانا |
يَسيرُ تَحتَ لِوائِهِ العَلَمُ مُؤتَلِفاً |
وَلَن تَرى كَجُنودِ العِلمِ إِخوانا |
العِلمُ يَجمَعُ في جِنسٍ وَفي وَطَنٍ |
شَتّى القَبائِلِ أَجناساً وَأَوطانا |
وَلَم يَزِدكَ كَرَسمِ الأَرضِ مَعرِفَةً |
بِالأَرضِ داراً وَبِالأَحياءِ جيرانا |
عَلَمٌ أَبانَ عَنِ الغَبراءِ فَاِنكَشَفَت |
زَرعاً وَضَرعاً وَإِقليماً وَسُكّانا |
وَقَسَّمَ الأَرضَ آكاماً وَأَودِيَةً |
وَفَصَّلَ البَحرَ أَصدافاً وَمُرجانا |
وَبَيَّنَ الناسَ عاداتٍ وَأَمزِجَةٍ |
وَمَيَّزَ الناسَ أَجناساً وَأَديانا |
وَفدَ المَمالِكِ هَزَّ النيلُ مَنكَبَهُ |
لَمّا نَزَلتُم عَلى واديهِ ضيفانا |
غَدا عَلى الثَغرِ غادٍ مِن مَواكِبِكُم |
فَراحَ مُبتَسِمَ الأَرجاءِ جَذلانا |
جَرَت سَفينَتُكُم فيهِ فَقَلَّبَها |
عَلى الكَرامَةِ قَيدوماً وَسُكّانا |
بِلُقاكُمُ بِسَماءِ البَحرِ ضاحِيَةً |
وَتارَةً بِفَضاءِ البَرِّ مُزدانا |
وَلَو نَزَلتُمُ بِهِ وَالدَهرُ مُعتَدِلٌ |
نَزَلتُمُ بِعَروسِ المُلكِ عُمرانا |
إِذِ الفَنارُ وَراءَ البَحرِ مُؤتَلِقٌ |
كَأَنَّهُ فَلَقٌ مِن خِدرِهِ بانا |
أَنافَ خَلفَ سَماءِ اللَيلِ مُتَّقِداً |
يُخالُ في شُرَفاتِ الجَوِّ كيوانا |
تَطوي الجَواري إِلَيهِ اليَمَّ مُقبِلَةً |
تَجري بَوارِجَ أَو تَنسابُ خُلجانا |
نورُ الحَضارَةِ لا تَبغي الرُكابُ لَهُ |
لا بِالنَهارِ وَلا بِاللَيلِ بُرهانا |
يا مَوكِبَ العِلمِ قِف في أَرضِ مَنفَ بِهِ |
يُناجِ مَهداً وَيَذكُر لِلصِبا شابا |
بَكى تَمائِمَهُ طِفلاً بِها وَبَكي |
مَلاعِباً مِن رُبى الوادي وَأَحضانا |
أَرضٌ تَرَعرَعَ لَم يَصحَب بِساحَتِها |
إِلّا نَبِيّينَ قَد طابوا وَكُهّانا |
عيسى اِبنُ مَريَمَ فيها جَرَّ بُردَتَهُ |
وَجَرَّ فيها العَصا موسى بنُ عِمرانا |
لَولا الحَياءُ لَناجَتكُم بِحاجَتِها |
لَعَلَّ مِنكُم عَلى الأَيّامِ أَعوانا |
إِذا تَفَرَّقتُمُ في الغَربِ أَلسِنَةً |
لَيَّنتُمُ كُلَّ قَلبٍ لَم يَكُن لانا |