شَيَّعوا الشَمسَ وَمالوا بِضُحاها | |
|
| وَاِنحَنى الشَرقُ عَلَيها فَبَكاها |
|
لَيتَني في الرَكبِ لَمّا أَفَلَت | |
|
| يوشَعٌ هَمَّت فَنادى فَثَناها |
|
جَلَّلَ الصُبحَ سَواداً يَومُها | |
|
| فَكَأَنَّ الأَرضَ لَم تَخلَع دُجاها |
|
اِنظُروا تَلقَوا عَلَيها شَفَقاً | |
|
| مِن جِراحاتِ الضَحايا وَدِماها |
|
وَتَرَوا بَينَ يَدَيها عَبرَةً | |
|
| مِن شَهيدٍ يَقطُرُ الوَردَ شَذاها |
|
آذَنَ الحَقُّ ضَحاياها بِها | |
|
| وَيحَهُ حَتّى إِلى المَوتى نَعاها |
|
كَفَّنوها حُرَّةً عُلوِيَّةً | |
|
| كَسَتِ المَوتَ جَلالاً وَكَساها |
|
مِصرُ في أَكفانِها إِلّا الهُدى | |
|
| لُحمَةُ الأَكفانِ حَقٌّ وَسُداها |
|
خَطَرَ النَعشُ عَلى الأَرضِ بِها | |
|
| يَحسِرُ الأَبصارَ في النَعشِ سَناها |
|
جاءَها الحَقُّ وَمِن عادَتِها | |
|
| تُؤثِرُ الحَقَّ سَبيلاً وَاِتِّجاها |
|
ما دَرَت مِصرٌ بِدَفنٍ صُبِّحَت | |
|
| أَم عَلى البَعثِ أَفاقَت مِن كَراها |
|
صَرَخَت تَحسَبُها بِنتَ الشَرى | |
|
| طَلَبَت مِن مِخلَبِ المَوتِ أَباها |
|
وَكَأَنَّ الناسَ لَمّا نَسَلوا | |
|
| شُعَبُ السَيلِ طَغَت في مُلتَقاها |
|
وَضَعوا الراحَ عَلى النَعشِ كَما | |
|
| يَلمَسونَ الرُكنَ فَاِرتَدَّت نَزاها |
|
خَفَضوا في يَومِ سَعدٍ هامَهُم | |
|
| وَبِسَعدٍ رَفَعوا أَمسِ الجِباها |
|
سائِلوا زَحلَةً عَن أَعراسِها | |
|
| هَل مَشى الناعي عَلَيها فَمَحاها |
|
عَطَّلَ المُصطافَ مِن سُمّارِهِ | |
|
| وَجَلا عَن ضِفَّةِ الوادي دُماها |
|
فَتَحَ الأَبوابَ لَيلاً دَيرُها | |
|
| وَإِلى الناقوسِ قامَت بيعَتاها |
|
صَدَعَ البَرقُ الدُجى تَنشُرُهُ | |
|
| أَرضُ سورِيّا وَتَطويهِ سَماها |
|
يَحمِلُ الأَنباءَ تَسري موهِناً | |
|
| كَعَوادي الثُكلِ في حَرِّ سُراها |
|
عَرَضَ الشَكُّ لَها فَاِضطَرَبَت | |
|
| تَطَأُ الآذانَ هَمساً وَالشِفاها |
|
قُلتُ يا قَومُ اِجمَعوا أَحلامَكُم | |
|
| كُلُّ نَفسٍ في وَريدَيها رَداها |
|
يا عَدُوَّ القَيدِ لَم يَلمَح لَهُ | |
|
| شَبَحاً في خُطَّةٍ إِلّا أَباها |
|
لا يَضِق ذَرعُكَ بِالقَيدِ الَّذي | |
|
| حَزَّ في سوقِ الأَوالي وَبَراها |
|
وَقَعَ الرُسلُ عَلَيهِ وَاِلتَوَت | |
|
| أَرجُلُ الأَحرارِ فيهِ فَعَفاها |
|
يا رُفاتاً مِثلَ رَيحانِ الضُحى | |
|
| كَلَّلَت عَدنٌ بِها هامَ رُباها |
|
وَبَقايا هَيكَلٍ مِن كَرمٍ | |
|
| وَحَياةٍ أَترَعَ الأَرضَ حَياها |
|
وَدَّعَ العَدلُ بِها أَعلامَهُ | |
|
| وَبَكَت أَنظِمَةُ الشورى صُواها |
|
حَضَنَت نَعشَكَ وَاِلتَفَّت بِهِ | |
|
| رايَةٌ كُنتَ مِنَ الذُلِّ فِداها |
|
ضَمَّتِ الصَدرَ الَّذي قَد ضَمَّها | |
|
| وَتَلَقّى السَهمَ عَنها فَوَقاها |
|
عَجَبي مِنها وَمِن قائِدِها | |
|
| كَيفَ يَحمي الأَعزَلُ الشَيخُ حِماها |
|
مِنبَرُ الوادي ذَوَت أَعوادُهُ | |
|
| مِن أَواسيها وَجَفَّت مِن ذُراها |
|
مَن رَمى الفارِسَ عَن صَهوَتِها | |
|
| وَدَها الفُصحى بِما أَلجَمَ فاها |
|
قَدَرٌ بِالمُدنِ أَلوى وَالقُرى | |
|
| وَدَها الأَجبالَ مِنهُ ما دَهاها |
|
غالَ بَسطورا وَأَردى عُصبَةً | |
|
| لَمَسَت جُرثومَةَ المَوتِ يَداها |
|
طافَتِ الكَأسُ بِساقي أُمَّةٍ | |
|
| مِن رَحيقِ الوَطَنِيّاتِ سَقاها |
|
عَطِلَت آذانُها مِن وَتَرٍ | |
|
| ساحِرٍ رَنَّ مَلِيّاً فَشَجاها |
|
أَرغُنٌ هامَ بِهِ وِجدانُها | |
|
| وَأَذانٌ عَشِقَتهُ أُذُناها |
|
كُلَّ يَومٍ خُطبَةٌ روحِيَّةٌ | |
|
| كَالمَزاميرِ وَأَنغامِ لُغاها |
|
دَلَّهَت مِصراً وَلَو أَنَّ بِها | |
|
| فَلَواتٍ دَلَّهَت وَحشَ فَلاها |
|
ذائِدُ الحَقِّ وَحامي حَوضِهِ | |
|
| أَنفَذَت فيهِ المَقاديرُ مُناها |
|
أَخَذَت سَعداً مِنَ البَيتِ يَدٌ | |
|
| تَأخُذُ الآسادَ مِن أَصلِ شَراها |
|
لَو أَصابَت غَيرَ ذي روحٍ لَما | |
|
| سَلِمَت مِنها الثُرَيّا وَسُهاها |
|
تَتَحَدّى الطِبَّ في قُفّازِها | |
|
| عِلَّةُ الدَهرِ الَّتي أَعيا دَواها |
|
مِن وَراءِ الإِذنِ نالَت ضَيغَماً | |
|
| لَم يَنَل أَقرانَهُ إِلّا وِجاها |
|
لَم تُصارِح أَصرَحَ الناسِ يَداً | |
|
| وَلِساناً وَرُقاداً وَاِنتِباها |
|
هَذِهِ الأَعوادُ مِن آدَمَ لَم | |
|
| يَهدَ خُفّاها وَلَم يَعرَ مَطاها |
|
نَقَلَت خوفو وَمالَت بِمِنا | |
|
| لَم يَفُت حَيّاً نَصيبٌ مِن خُطاها |
|
تَخلِطُ العُمرَينِ شيباً وَصِباً | |
|
| وَالحَياتَينِ شَقاءً وَرَفاها |
|
زَورَقٌ في الدَمعِ يَطفو أَبَداً | |
|
| عَرَفَ الضَفَّةَ إِلّا ما تَلاها |
|
تَهلَعُ الثَكلى عَلى آثارِهِ | |
|
| فَإِذا خَفَّ بِها يَوماً شَفاها |
|
تَسكُبُ الدَمعَ عَلى سَعدٍ دَماً | |
|
| أُمَّةٌ مِن صَخرَةِ الحَقِّ بَناها |
|
مِن لَيانٍ هُوَ في يَنبوعِها | |
|
| وَإِباءٍ هُوَ في صُمِّ صَفاها |
|
لُقِّنَ الحَقَّ عَلَيهِ كَهلُها | |
|
| وَاِستَقى الإيمانُ بِالحَقِّ فَتاها |
|
بَذَلَت مالاً وَأَمناً وَدَماً | |
|
| وَعَلى قائِدِها أَلقَت رَجاها |
|
حَمَّلَتهُ ذِمَّةً أَوفى بِها | |
|
| وَاِبتَلَتهُ بِحُقوقٍ فَقَضاها |
|
اِبنُ سَبعينَ تَلَقّى دونَها | |
|
| غُربَةَ الأَسرِ وَوَعثاءَ نَواها |
|
سَفَرٌ مِن عَدَنِ الأَرضِ إِلى | |
|
| مَنزِلٍ أَقرَبُ مِنهُ قُطُباها |
|
قاهِرٌ أَلقى بِهِ في صَخرَةٍ | |
|
| دَفَعَ النَسرَ إِلَيها فَأَواها |
|
كَرِهَت مَنزِلَها في تاجِهِ | |
|
| دُرَّةٌ في البَحرِ وَالبَرِّ نَفاها |
|
اِسأَلوها وَاِسأَلوا شائِنَها | |
|
| لِمَ لَم يَنفِ مِنَ الدُرِّ سِواها |
|
وَلَدَ الثَورَةَ سَعدٌ حُرَّةً | |
|
| بِحَياتَي ماجِدٍ حُرٍّ نَماها |
|
ما تَمَنّى غَيرُها نَسلاً وَمَن | |
|
| يَلِدِ الزَهراءَ يَزهَد في سِواها |
|
سالَتِ الغابَةُ مِن أَشبالِها | |
|
| بَينَ عَينَيهِ وَماجَت بِلَباها |
|
بارَكَ اللَهُ لَها في فَرعِها | |
|
| وَقَضى الخَيرَ لِمِصرٍ في جَناها |
|
أَوَ لَم يَكتُب لَها دُستورَها | |
|
| بِالدَمِ الحُرِّ وَيَرفَعُ مُنتَداها |
|
قَد كَتَبناها فَكانَت صورَةً | |
|
| صَدرُها حَقٌّ وَحَقٌّ مُنتَهاها |
|
رَقَدَ الثائِرُ إِلّا ثَورَةً | |
|
| في سَبيلِ الحَقِّ لَم تَخمُد جُذاها |
|
قَد تَوَلّاها صَبِيّاً فَكَوَت | |
|
| راحَتَيهِ وَفَتِيّاً فَرعاها |
|
جالَ فيها قَلَماً مُستَنهِضاً | |
|
| وَلِساناً كُلَّما أَعيَت حَداها |
|
وَرَمى بِالنَفسِ في بُركانِها | |
|
| فَتَلَقّى أَوَّلَ الناسِ لَظاها |
|
أَعَلِمتُم بَعدَ موسى مِن يَدٍ | |
|
| قَذَفَت في وَجهِ فِرعَونَ عَصاها |
|
وَطِأَت نادِبَةً صارِخَةً | |
|
| شاهَ وَجهُ الرِقِّ يا قَومُ وَشاها |
|
ظَفِرَت بِالكِبرِ مِن مُستَكبِرٍ | |
|
| ظافِرِ الأَيّامِ مَنصورِ لِواها |
|
القَنا الصُمُّ نَشاوى حَولَهُ | |
|
| وَسُيوفُ الهِندِ لَم تَصحُ ظُباها |
|
أَينَ مِن عَينَيَّ نَفسٌ حُرَّةٌ | |
|
| كُنتُ بِالأَمسِ بِعَينَيَّ أَراها |
|
كُلَّما أَقبَلتُ هَزَّت نَفسَها | |
|
| وَتَواصى بِشرُها بي وَنَداها |
|
وَجَرى الماضي فَماذا اِدَّكَرَت | |
|
| وَاِدِّكارُ النَفسِ شَيءٌ مِن وَفاها |
|
أَلمَحُ الأَيّامَ فيها وَأَرى | |
|
| مِن وَراءِ السِنِّ تِمثالَ صِباها |
|
لَستُ أَدري حينَ تَندى نَضرَةً | |
|
| عَلَتِ الشَيبَ أَمِ الشَيبُ عَلاها |
|
حَلَّتِ السَبعونَ في هَيكَلِها | |
|
| فَتَداعى وَهيَ مَوفورٌ بِناها |
|
رَوعَةُ النادي إِذا جَدَّت فَإِن | |
|
| مَزَحَت لَم يُذهِبِ المَزحُ بَهاها |
|
يَظفَرُ العُذرُ بِأَقصى سُخطِها | |
|
| وَيَنالُ الوُدُّ غاياتِ رِضاها |
|
وَلَها صَبرٌ عَلى حُسّادِها | |
|
| يُشبِهُ الصَفحَ وَحِلمٌ عَن عِداها |
|
لَستُ أَنسى صَفحَةً ضاحِكَةً | |
|
| تَأخُذُ النَفسَ وَتَجري في هَواها |
|
وَحَديثاً كَرِواياتِ الهَوى | |
|
| جَدَّ لِلصَبِّ حَنينٌ فَرواها |
|
وَقَناةً صَعدَةٌ لَو وُهِبَت | |
|
| لِلسِماكِ الأَعزَلِ اِختالَ وَتاها |
|
أَينَ مِنّي قَلَمٌ كُنتُ إِذا | |
|
| سُمتُهُ أَن يَرثِيَ الشَمسَ رَثاها |
|
خانَني في يَومِ سَعدٍ وَجَرى | |
|
| في المَراثي فَكَبا دونَ مَداها |
|
في نَعيمِ اللَهِ نَفسٌ أوتِيَت | |
|
| أَنعُمَ الدُنيا فَلَم تَنسَ تُقاها |
|
لا الحِجى لَمّا تَناهى غَرَّها | |
|
| بِالمَقاديرِ وَلا العِلمُ زَهاها |
|
ذَهَبَت أَوّابَةً مُؤمِنَةً | |
|
| خالِصاً مِن حَيرَةِ الشَكِّ هُداها |
|
آنَسَت خَلقاً ضَعيفاً وَرَأَت | |
|
| مِن وَراءِ العالَمِ الفاني إِلَها |
|
ما دَعاها الحَقُّ إِلّا سارَعَت | |
|
| لَيتَهُ يَومَ وَصيفٍ ما دَعاها |
|