عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
الشعراء الأعضاء .. فصيح > اليمن > يحيى الحمادي > زيارةٌ إلى (أَبي العَلاء) في مَحبَسِهِ الأَخير

اليمن

مشاهدة
985

إعجاب
2

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

زيارةٌ إلى (أَبي العَلاء) في مَحبَسِهِ الأَخير

آتٍ إِليكَ بِحُلَّةٍ بَيضَاءِ
حَيَّ المَوَاجِعِ.. مَيِّتَ الأَعضَاءِ
آتٍ إِليكَ وكُلُّ ما في جعبَتي
قَلَقٌ يُطِلُّ بِدَهشَةٍ خَرساءِ
آتٍ إِليكَ.. ولَستُ أَعلَمُ ما الذي
سَأَقُولُ حِين أُفِيقُ مِن إِغمائي
آتٍ إِليكَ.. ولَستُ أَعلَمُ مَن أَنا..
فَأَنا الضَّريرُ هنا. وأَنتَ الرَّائي
لا عِلمَ لِي.. إِلَّا بِرَعشَةِ غَيمةٍ
نَضَحَت بِآخِرِ ما بِها مِن ماءِ
زَعمًا أَتَيتُ بِكُلِّ شَيءٍ.. إِنَّما
لا شَيءَ مِن كُلِّي ومِن أَشيائي
إِن شِئتَ فَاكتُبنِي مِن الغُرَباءِ، أَو
إِن شِئتَ فَاكتُبنِي مَع الغُرَباءِ
***
كُلُّ الكَلَامِ الآنَ يُولَدُ مَيِّتًا
مَوتَ السَّرابِ بِخَاطِرِ الصَّحراءِ
كُلُّ الأَماكِنِ والجِهاتِ تَحَوَّلَت
شَبَحًا يُسَاقُ بِآلَةٍ حَدباءِ
كُلُّ الأَحِبَّةِ والصِّحَابِ تَدَافَعُوا
نَحوِي.. بِلا حُجَجٍ، ولا إِبطاءِ
حَمَلُوا غِلافَ الرُّوحِ بَعدَ خُلُوِّهِ
مِنها، وبَعدَ تَسَاقُطِ الأَعباءِ
حَمَلُوهُ.. وانطَلَقُوا به، وكَأَنَّهُم
لم يَسكُبُوهُ بِأَعيُنِ القُرَّاءِ
ما أَكثَرَ البَاكِينَ حَولِي.. بَعدَما
بَلَغَ السَّماءَ تَنَهُّدِي وبُكائي!
مَن سَوفَ يَرجِعُ بي لِأَهجُوَ كُلَّ مَن
سَيُحاوِلُونَ وقد رَحَلتُ رِثائي
مَن سَوفَ يَرجِعُ بي لِأَغرِزَ رِيشَتِي
في عَينِ كُلِّ مُنافِقٍ ومُرائي!
ما أَكذَبَ الدُّنيا، وأَقبَحَها.. وما
أَقسَى شُعُورَ مُفَارِقٍ مُستاءِ
***
شَيخَ المَعَرَّةِ.. ما الذي سَيَقُولُهُ
آتٍ إِليكَ بِمُهجَةٍ جَرداءِ؟!
لم تُبقِ في يَدِهِ الحَيَاةُ سِوى فَمٍ
يَنسَاهُ بين إِجابَةٍ ونِداءِ
يَدُهُ على يَدِهِ.. وبين فُؤادِهِ
ويَدَيهِ أَضرِحةٌ بِلا أَسماءِ
والحَربُ تَبدَأُ يَومَها بِوَدَاعِهِ
وتَعُودُ بين مَوَاكِبِ الشُّهَداءِ
حَربٌ تُغَيِّرُ كُلَّ آنٍ شَكلَها
لا فَرقَ بين الحَربِ والحرباءِ
ماذا يَقُولُ فَمٌ أَتَاكَ بِكُلِّ ما
في القَولِ مِن زَحفٍ ومِن إِقواءِ
ها أَنتَذَا تُصغِي.. وها أَنَذا بِلا
لُغَةٍ أُغَالِبُ رَهبَةَ الإِصغاءِ
وأَرَاكَ ذا عَينَينِ واسِعَتَينِ في
وَجهٍ فَصِيحِ السَّمْتِ والسِّيماءِ
عَينَينِ مُشرِقَتَينِ.. أَلمَحُ فيهِما
عَينَيْ مُحَمَّدَ لَيلةَ الإِسراءِ
وعلى الجَبِينِ الرَّحبِ ظِلُّ مَهَابَةٍ
لَيسَت بِنَاطِقَةٍ ولا بَكماءِ
وسَنًا يُضِيءُ الوَجنَتَينِ.. كَأَنَّهُ
دَمعُ المَسيحِ بِوَجنَةِ العَذراءِ
ويَكَادُ يُنطِقُنِي الذُّهُولُ، فَأَكتَفِي
بِالصَّمتِ، بعد الصَّمتِ والإِيماءِ
***
شَيخَ المَعَرَّةِ.. لا اعتِزالَ لِشَاعرٍ
إِنَّ العَذَابَ بِضَاعَةُ الشُّعَراءِ
هذا زَمَانُ اللَّا اعتِزال فَحيثُما
وَلَّيتَ بُؤسَكَ عُدتَ بِالبُؤَسَاءِ
حِين اعتَزَلتَ النَّاسَ لم تَكُ حاضِرًا
عَنهُم، بِكُلِّ وَسَائلِ الأَنباءِ
لكنني شاهَدتُ ماءَ وُجُوهِهِم
يَمتَدُّ مِن ظَمَئِي إِلى استِسقائي
ورَأَيتُ كيف النَّاسُ تَأكُلُ بَعضَها
وتُحارِبُ الأَعداءَ بِالأَعداءِ
وتَلُوكُ أَدمِغَةَ النِّساءِ وتَستَبِي ال
أَطفالَ بين المَهدِ والحِنَّاءِ
تَرَكُوا لُحُومَ الضَّأنِ آمِنَةَ الأَذى
مِن طُولِ ما التَحَمُوا مِن الأَشلاءِ!
يا مُطلِقَ العَقلِ الأَسِيرِ، وآسِرَ ال
عَقلِ الطَّلِيقِ.. أَنا مِن الأُسَراءِ
أَنبَتَّ لِي رِيشًا.. فَجِئتُكَ زاحِفًا
مِن فَرطِ ما لَبِسَ الطَّريقَ حِذائي
وقَذَفتُ نَحو البابِ رِيشَكَ قائِلًا:
ما نَفعُ أَجنِحةٍ بِغَيرِ فَضاءِ!
ورِسَالةُ الغُفرانِ حِرتُ بِذَنبِها
فَبَعَثتُ لِابنِ القارِحِ استِهزائي
بِيَدَيَّ هاتَينِ احتَشَدتُ مُكَبِّرًا
وقَلَعتُ آخِرَ نَجمةٍ بِسَمائي
ولو انَّنِي أَسطِيعُ مَنعَ نِهايَةٍ
لَمَنعتُ أَمسِي أَن يَكونَ وَرَائي
***
أَنا يا رَهِينَ المَحبَسَينِ مَحَابِسِي
شَتَّى.. ووَاحِدةٌ بها أَدوائي
مُتَوَحِّدُ المَأساةِ إِلَّا أَنني
مُتَعَدِّدُ الرَّاياتِ والآراءِ
أَنا مِن بَنِي الغَبراءِ، حيثُ جَهَنَّمُ ال
كُبرَى، وحيثُ القَتلُ كالإِمضاءِ
حيثُ اللُّصُوصُ الأَثرياءُ، بِكُلِّ ما
أُوتُوهُ.. يَتَّجِرُونَ بِالفُقراءِ
ويُؤَجِّجُونَ الحَربَ بين مَجَاعَةٍ
وفَمٍ، وبين جَماجمٍ ودِماءِ
لم يَنتَصِر أَحَدٌ على أَحَدٍ.. فقد
جاعَ الجَميعُ وفازَ ذُو الأَمعاءِ
تَعَبٌ تَقُولُ هي الحَياةُ.. لِأَنَّها
أَدنَى إِلى المَوتَى مِن الأَحياءِ
لو لم تَكُن هذي الحَيَاةُ دَنِيئةً
ما كان سَادَتَها بَنُو اللُّقَطاءِ
***
أَأَبَا العَلاءِ لقد أَتيتُكَ حامِلًا
وِزرَ الذين تَنَاسَلُوا واللَّائي
يَرِثُ الغِنَى الأَبناءُ مِن آبائِهِم
وأَنا وَرِثتُ الفَقرَ مِن أَبنائي!
هذا جَنَاهُ أَبي عَلَيَّ.. جِنَايَةُ ال
أَبناءِ بِنتُ جِنايَةِ الآباءِ
ولِأَنني دَافَعتُ عن يَمَنِيَّتي
ومَنَعتُ رَبَّ المالِ مِن إِغوائي
خَرَجَت مُوَلوِلَةً صَيَادُ تَقُولُ لِي:
لا أَنتَ مِن عَدَنِي، ولا صَنعائي
ما بين مَولِدِ شاعرٍ ووَفاتِهِ
يَومانِ.. لِلضَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ
في فَجرِ يَومِ السَّبتِ وَحدِي جِئتُها
ورَحَلتُ وَحدِي ليلَةَ الثُّلَثاءِ
آتٍ إِليكَ بِأُمَّةٍ لم يَبقَ مِن
نارِ الدُّخانِ بِها بَصِيصُ هَبَاءِ
لكنَّهُ قَدَرُ الكِبَارِ.. تُصِيبُهُ
ويُصِيبُها.. لِتُطِلَّ كالعَنقاءِ
يحيى الحمادي

1-12-2019
التعديل بواسطة: يحيى الحمادي
الإضافة: الأربعاء 2019/12/04 04:23:38 مساءً
التعديل: الأربعاء 2019/12/04 04:26:14 مساءً
إعجاب
مفضلة
متابعة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com