إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
كان صديقي خالد |
ممتلئا بالحب |
كان رقيقا وعنيفا كالنسمة والإعصار |
كان معي في هذا البلد يكابد .. |
غربته |
مرتقبا سيل النار |
مسكونا بالفعل الحيّ الصامت |
وكان يعانق في الصحراء |
واحته المنفيّة خلف جدار باهت |
ويحدّثني إذ ألقاه |
عن فقدان المعنى والتيه |
عن تلك الأيام الصفراء |
عن موت الإنسان الضائع |
خلف قناع التمويه |
عن غضب سوف يجيء |
يكنس فينا هذا الفقر المعتم ويضيء |
غرفا في النفس رماديّة |
كان يواجهني بالبسمة |
محتجّا .. |
إذ أسمعه بعض الشعر الأسيان |
يا قيسيّ |
دعنا من هذي السوداويّة |
الحزن خميرتنا يا خالد |
والحزن سلاح لا يغمد |
نغسل أعماق الروح به |
نسمو نتجدّد |
حين يرافقنا في اليقظة والنوم |
يتنفّس معنا ويشاركنا الخبز |
لا نقدر أن نتجاهل هذي النعمة |
يا خالد |
كان جريئا في زمن الصمت |
لا يخفض هام الكلمة |
لا يرسلها زلفى لأمير أو حاكم |
كان يجلّ الصدق |
يحلم بمدائن تحتضن الإنسان |
لا تورده الموت |
لكنّ صديقي خالد |
طولب أن يصمت |
طولب أن يكسر قلمه |
طولب أن يخنق ألمه |
طولب أن يرضى بالأمر الواقع |
أسألكم .. |
من يرضى أن يسقط طوعا؟ |
من يقدر أن يمنع أمّا |
معدمة جوعى |
من أن تحمل سيفا؟ |
وإذا لزم الأمر |
أن تسرق ثمن حليب الطفل الجائع؟ |
طوبى لأبي ذر |
لم يسرق خالد لم يحمل سيفا |
لم يقتل يوما نملة |
كان صديقا للناس محبّا للفقراء |
لكنّ الخوف على أمن الدولة |
يلزمهم أن لا تبقى الكلمة مسموعة |
أن لا يبقى خالد حرّا |
فوجىء خالد ذات صباح |
بدخول الشرطيّ عليه |
يحمل بين يديه |
كومة أصفاد |
في اليوم التالي |
نشرت بعض الصحف اليوميّة |
أمر الإبعاد |
ملاحظة .. |
في ذلك اليوم بكت طفلتان صغيرتان لأن |
أباهما تأخر عن موعده ولم يعد للبيت |
كانت تنتظران أن يحمل لهم حبّا وأمنا |
وحلوى .. |
ربما كانت جائعتين .. |
لم أر خالد ذاك اليوم |
لكّني كنت أرى جبهته |
سارية في الريح منارة |
لم يوهنها الإبحار |
كان الإصرار |
مرسوما في عينيه علامة |
كان يردّد أنّ الصبح |
وإن طال سيأتي |
واحتضن وسامه |
ومضى .. |
يبحث عن أرض |
تطعمه خبزا وكرامة .. |
لا أذكر كم مرّ من الأعوام |
حين تقابلنا أول مرّة |
في باحة فندق |
وسط دمشق |
أذكر كان عناقا |
عبر الصمت مليئا بالصدق |
حيث أعاد إلى سمعي الكلمات الحرّة |
كان كلانا |
يبحث في رحلته عن شاطىء |
عن قطعة أرض غالية |
يسند جبهته المتعبة عليها .. |
تطفىء ظمأ الأيام |
عن شجر يمنحه الظلّ |
عن بيت دافيء |
يؤويه إذا جاء الليل |
وفتحنا كلّ شبابيك الجرح |
كان تراب الوطن العربي |
ما زال طريّا أخضر |
والجثث المقتولة في سيناء |
وغزة والجزلان |
ينهشها الطير ولم تدفن |
وتحدّثنا في ذاك اليوم |
عن الآمال البرّاقة |
وعن السفر الثاني |
وزنود الفتيان الغلاّبة |
إذ تلج بجنح الليل |
أبواب فلسطين بلا تصريح |
مثل الريح |
تحمل شارات الصبح .. |
كنّا نعبر في الطرقات معا |
أحزنني وجه دمشق |
بردى كان بلا صوت |
لاحظت لأول مرّة |
أنّ ملابس خالد كانت كاكيّة |
لكن فيما بعد عرفت |
أنّ صديقي من زمن |
يلتزم بتدريبات يوميّة |
فسرحت ببصري في الصمت |
وتحدّث خالد فاجأني بسؤاله |
ما حال الغربة والأصحاب؟ |
جالت في أعماقي الكلمات المرّة |
.. .. .... ............ |
.................... |
لكنّي أطرقت |
يا أيام الغربة أعطيني إسمي |
أعطيني أوراقي ويدي |
أعطيني قلمي |
آن لنا أن نفترق الآن |
آن لهذا القلب المحكوم عليه |
أن يرتاد الأبعاد |
ركضا خلف خلاص موهوم |
آن له أن يستقبل |
فعل المرتقب المحتوم |
بعد سنّي التجوال |
أزهر يا غربة في أرضي الليمون |
وامتلأ المارس بسنابل معطاءة |
وابتهج الفلاحون |
أمّا الفقراء فقد مدّوا أيديهم |
واحتضنوا قمر الثورة |
يا غربة هاتي كفيّك |
أودعك بها كلماتي المرّة |
ورنين الزمن الجاحد |
إني أرتحل الآن |
فيّاضا بالفرح إلى خالد .. |