إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
وأنا مثل مغنّ يحمل قيثارا |
يمشي في الحلم ويبكي ويغنّي |
يهبط سقف الليل |
أفتتح كتاب الوحشة أرسم فوق الجدران |
أقمارا أحرقها |
وتمرّ فلول الأيام المنهزمة |
مثل قطار واهن |
يعبر بي مدن الذكرى |
أرتعش وتسقط فوق سريري نجمة |
أبحث في قاموس الأسرار |
عن معنى المطر |
وحزن الآنية المكسورة |
لكنّ الكلمة |
تزرعني ثانية في منطقة اللغز |
ما بين الواقع والأسطورة |
قال أبو حسن اللدّاوي: |
وأبو حسن اللدّاوي هذا يعمل حمّذذالا |
أحيانا ماسح أحذية عامل مقهى |
أحيانا يتجوّل بين الأحياء |
يبيع الترمس للأولاد ويملك صندوق عجب |
في العاشر من أيلول الماضي |
أعولت الدنيا |
وانشقّ جدار البيت |
عن شيخ كان جريحا |
ووقور الحزن مهيب الصمت |
بادرني مثل الدهشة قال: |
* أنا عزّ الدين القسّام |
هل تأذن لي |
أن أقضي الليلة في بيتك؟ |
عزّ الدين القسّام! |
لا أعرف أحدا يحمل هذا الإسم |
* رجل من أرض الشام |
لا يملك عائلة |
لا يملك بيتا |
يتجوّل في أحياء الفقراء |
وكثيرا ما شاهده بعض الفلاحين |
يعبر بين الأشجار |
يبحث عن حبّة تين يابسة |
عن جرعة ماء |
كان يرى بعض النسوة |
يحملن جرارا |
ويطفن على الآبار |
فيمرّ سريعا |
ويحاذر لقيا الأطفال |
والنظر إليهم |
كي لا يبكي |
وتوقف مهموما مثل حصان مجهد |
ليتابع |
أعرف أنّي مجهول منسي |
مجهول المولد مجهول الموت |
ولمحت بعينيه بريقا |
قلت: |
أتبكي يا شيخ؟ |
* لا أملك عينين لأبكي |
فأنا جئت أزور الوطن لأنظر أحبائي |
وأعانقهم |
لا أرثيهم |
قال أبو حسن اللدّاوي: |
واحترت كثيرا في هيئته المأساوية |
في بقع الدم المتجّمدة على الكتفين |
وفوق الصدر |
في هذي الأعشاب النامية |
على جبهته |
والطين العالق في قدميه |
قلت له: |
ما الأمر؟ |
أمعن بعض الوقت |
وعدّل فوق الرأس عمامته البيضاء |
فانتحبت في كفّذذيه عصافير كثيره |
خيّل لي أنّ العزلة |
تسكنه منذ قرون |
أنّ الوحشة بيته |
وكما لو أنّ بلادا واسعة |
تحتلّ مساحة قلبه |
راح يغنّي موّالا شعبيّا |
عن شمس تغرب |
عن وجه يشحب |
عن سفن تشرع نحو المنفى |
عن عشق لم أسمع مثله |
يا الله |
يا الله!! |
بعد قليل ردّد بأسى مفجوع: |
* دار جفتنا يحقّ لنا نعاتبها |
ونجيب فووس النيا ونهدم عواتبها |
أسلم عنق الموّال لمقصلة الصمت |
ولملم نفسه |
هل تعمل شيئا يا شيخ؟ |
* كنت قديما |
أين؟ |
* في الشارع والمسجد والبريّة |
عملي كان |
محصورا ما بين الفقراء |
يأتون إليّ صباح مساء |
فأؤجّج فيهم نار الحكمة |
والموعظة وحب الأرض |
أطعمهم زاد القلب |
وأقرّبهم من ملكوت الرب |
أنت حزين يا شيخ |
ما تحمل في قلبك؟ |
منشورات سرية |
ماذا؟ |
أحمل تذكارات الأمس |
مواويل الجبل وصورا للأطفال الباكين |
أحمل وطنا يتوّجع |
فأنا منذ قتلت |
هاجرت إلى مملكة الأعشاب |
سكنت قلوب الشجر |
وأعراق الزعتر قلت: |
يأتي من يكسر هذا القيد |
يأتي من يشعل أعراس الأرض |
ويحترم الإنسان |
لكن لم يأتوا حتى الآن |
فمتى يأتون |
متى يأتون! |
يا شيخي الطيب |
أحيانا يفلت منّي المعنى |
لكّني أوخذ بالصوت |
والحزن الأخضر في كلماتك |
كيف تقول قتلت وها أنت أمامي؟ |
* الموت رفيقي |
فلذا يسمح لي أحيانا |
أن أتجوّل في مملكتي |
وأطوف على الأحياء |
وجروحك؟ |
* يجمل أن تبقى |
حتى يعرفني الناس |
حتى يستيقظ فيهم شيء ما |
حتى لا يقعوا ثانية |
في هاوية الأخطاء |
ما تفعل لو صادفت الحرّاس؟ |
الشرطة والعسكر والحرّاس |
هم بعض الأعداء |
ومن مصلحة الدولة |
أن تبقى أوراقي مطوّيه |
أطفأت الوابور |
وأنا لا أفهم شيئا |
وسكبت له كباية شاي ساخن |
قلت: تفضّل |
في الخارح كان الليل وحيدا |
إلا من صرصرة الريح |
ورجع خطى مجهولة |
جسمي تقّطع وجرحي طال يا مولاي |
وأقلام صبري براها الهمّ يا مولاي |
نهر الفرات من دمعتي فار |
ودّور طاحون وخشب |
ولا بارك الله في قوم يعبدون الخشب |
أنت تنين ياللي من حديد وخشب |
اشحال أنا من لحم ودما صابر على بلواي |
التمعت عينا الشيخ |
وارتفعت يده تمسح عن وجهه |
شيئا ما |
قلت: |
هذا حمدان الناطور |
وضعت مصلحة البلدية يدها |
فوق مساحات من أرض القرية |
واشتقّت من بيّارته اسفلتا |
جعلت منها منتزها للسيّاح |
قاوم حمدان المشروع بكل قواه |
ولكنّ المقدور وقع |
حمدان جثا فوق الأرض وقبّلها |
رفض التعويض .. بكى |
بين يديّ بيّارته |
وهي تغادر أشجارا |
وترابا |
وسياجا |
وحزنّا معه لكن حمدان |
لم ينس فمن ذاك اليوم |
وهو يدور على الأرصفة بلا وعي |
يذرع طرق القرية |
يزرع قلب الليل موّاويلا حارقة |
ويقول بأنّ له عاشقة |
بين الصبّار |
يطارحها الدمع إذا التقيا |
والضحكة أحيانا |
ويراها في الموّال كما يزعم .. |
* أعرف حمدان الناطور ووقع الموّال |
فكثيرا ما صادفني في الليل |
ورافقني التجوال |
وشربنا الشاي معا بالنّعناع |
ووقفنا فوق الكرمل |
ننتظر القادم بسلال الأفراح |
وأنا أعرف حزن الشجر المقهور |
وأنّته الصامتة وصفرة أوراقه |
إذ تهوى في وجه الريح |
وأعرف زهو الموت وكاميرات السيّاح |
أعرف حمدان الطفل |
الولد اليافع والشاب |
الطعنة والبئر وما فعل الأخوان |
أعرف هذا الزمن الخوّان |
والمدن الطالعة من الصحراء بأزياء عصريّة |
والبدو وحرّاس القصر |
وقاتل حمدان الناطور |
ومن شربوا الرّاح |
عصر اشتعل الحرش |
وصارت خاصرة الجبل وسادة |
والريح كفن |
حين نهضت لإحضار فراش |
كي يرتاح .. |
أوقفني عند العتبة صاح: |
* دهرا نمت وحين استيقظت |
وجدت موانيء ومسالك تنتظر |
وقال المذياع: انتظروا .. |
وتعثّرت بخوذة جنديّ هارب |
وبآخر ملقى .. |
قلت: الطوفان السبيّ |
وقال المذياع: |
لا تهنو .. |
لكنّ القلب الملتاع |
أسقمه ما أسقمه |
للحزن طقوس والأوجاع |
لا ترفق بالقلب وترحمه |
عاوده النوم .. |
ويا دار ما دخلك شرّ |
لكأنك تعنيني يا شيخ وتحكي |
عمّا كان بنفسي |
حين الأقدار أقلّتني من بيتي |
في اللدّ إلى قبية حتى الجلزون |
والله عليم ما قاسيت من الجوع |
ومن ذلّ السير .. |
** لا أعني أحدا |
غرناطة يافا اربد مكّة |
وارميا العربيّ والبكاء |
لا في الغزو ولا في التهليل |
يا مال الشام أضاعوك |
كمال الأيتام أضاعوني |
طال مطال البين |
وما أحد قال |
تعال |
وشال الحمل |
ولا تركوني |
ناديت محبّي همو خدعوني حزني كالبحر عظيم |
لا حنطة للأطفال المغشّي عليهم |
عطشان |
صبايا الحيّ ملأن جرار الماء وغادرن |
فمن يرويني |
ناديت محبّي همو خدعوني |
هوّن يا شيخ عليك |
الدنيا ذاهبة والباقي وجه الله |
والعمل الصالح |
.................. |
* .................... |
وانسلّ خفيفا كالطيف |
توقّف عند الباب |
وتهدّل تعبا كالغصن الملآن |
فانخلع القلب من الرهبة والحزن |
واستودعني اليقظة |
والحيرة والليل وغاب |
................... |
* جسمي تقطّع وجرحي طال يا مولاي |
وأقلام صبري براها الهمّ يا مولاي |
نهر الفرا............................ |