إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
ربما كنتُ في العاشرةْ.. |
مُمعِناً في شرودٍ عميقْ.. |
حينها قال جدي: |
ستصبحُ يا ولدي شاعراً |
لم أكن أعرفُ الشِعرَ ساعتَها |
غيرَ أنِّي ابتسمتُ |
ورُحتُ أبشِّرُ أطفالَ قريتِنا |
حالِماً، داخِلاً في شرودٍ جديد.. |
ستصبحُ يا ولدي شاعراً |
شاعراً؟؟ |
ما الذي كان يعنيهِ؟ |
هل شاعرٌ هذه |
مهنةٌ مثل كلِّ المهن؟ |
إذا صرتُها وتحقَّقَ ما قال جدي! |
تُرى هل سأجني من الشاعريةِ مالاً وفيراً!؟ |
وأبني لعائلتي منزلاً في المدينة؟ |
كان جدي |
نبيَّ الحكاياتِ في قريتي |
كلما هيأَ الوقتُ متَّكأً وجلستُ إليهِ: |
يحدُّثني عن خبايا الزمانِ وأسرارِهِ، وملاحمِ أسفارِهِ |
في دروبِ الحياةِ التي ناصَبَتْهُ الشقاءْ. |
كان جدي يُرَبِّي غصونَ النقاءِ |
ويزرعُ في وجهِ كلِّ الصغارِ ندى الضحكاتِ |
ونخلَ الأمل.. |
كان يحكي |
ويحتشدُ الناسُ من حولِهِ، |
والحصى والشجر.. |
يثمَلُونَ بسحرِ حكاياتِه |
ويغيبونَ في دهشةِ الكلماتِ |
ليتركَهُم بقلوبٍ معلقةٍ في سماءِ الخيال.. |
وحدَهُ روَّضَ الصخرَ، |
لوَّنَهُ |
ثمَّ شكَّلَ من صلبِهِ منزلاً وحقولاً من الأمنياتِ |
وطرَّزَها بالرياحينَ والدفءِ |
حتى دَنَت لتُقَبِّلَ هامَتَهَ |
شامخاتُ الجبال.. |
كان عصفورَ سدرتِنا |
وصديقَ عصافيرِ قريتِنا |
وقصيدةَ بهجتِنا |
وأميرَ مجالسِنا |
وصلاةَ سعادتِنا |
كلما جفَّ عشبُ الفرح.. |
كانتِ الشمسُ |
تصحو إذا ما صحا |
وتصافحُ مِعوَلَهُ |
كلَّ صُبحٍ |
وتحنو على رأسِهِ |
في الضُحى |
وتزفُّ إلى حقلِهِ |
وارفاتِ الغيوم.. |
كان جدي عصيَّاً |
إذا ذُكِرَ الموتُ |
سوَّى عمامتَه باسماً |
وتناول خيطَ مداعتِه |
هازئاً واعتدل.. |
بسرورٍ كثييييرٍ وحزنٍ أقل.. |
المداعةُ كانت عشيقَتَهُ |
بعد أنْ يركعَ الفجرَ |
كان يُعمِّرُها |
وكعشَّاقها المخلصين |
يصفِّي حساباتِهِ معها |
ويودُّعُها للقاءٍ قريب.. |
في الظهيرةِ |
يأكلُ فتَّتَهُ والقَشِير.. بحمدٍ كبير.. |
مادحاً كفَّ فاتنةِ الروحِ |
يرتشفُ الشايَ |
يستلُّ مَرقَحَةَ القاتِ منتشياً، |
ويجرِّدُها من شوائبها.. وينادي: |
المداعةُ يا بنت |
يعني بها جدتي |
فهي لمَّا تَشِخ قطُّ في عينِهِ |
وهو ما زال فارسَها والفتى المنتظر.. |
كان في الحبِّ قيساً |
وفي عينِ كلِّ القرى سندباد |
بعد أن وطأت رجلُه كلَّ تلٍّ وواد... |
كان جدي يقولُ: |
إذا أخذَ الموتُ منَّا أحد |
ستزيدُ السماواتُ نجماً على سطحِ منزلِهِ |
تلك صورتُهُ في الأبد.. |
ها أنا الآن في سطحِ منزلِنا |
ثَمَّ نجمٌ أنيقٌ يُلَوِّحُ لي؛ ذلك النجمُ جدِّي |
سأتلو عليهِ قصيدتَهُ |
يا ترى هل سيسمعني مُغمَضَ العينِ |
مبتسماً مثل عادتِهِ؟ |
كانَ لي خيرُ جدٍّ |
ترى هل أنا كنتُ نِعْمَ الولد؟ |