إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
في سوادِ الشارعِ المُظلم والصمتِ الأصمِّ |
حيثُ لا لونَ سوى لونِ الدياجي المدلهمِّ |
حيثُ يُرخي شجرُ الدُفلى أساهُ |
فوقَ وجهِ الأرضِ ظلاَّ، |
قصةٌ حدّثني صوتٌ بها ثم اضمحلا |
وتلاشتْ في الدَّياجي شفتاهُ |
قصةُ الحبّ الذي يحسبه قلبكَ ماتا |
وهو ما زالَ انفجاراً وحياةَ |
وغداً يعصرُكَ الشوقُ إليَّا |
وتناديني فتَعْيَى، |
تَضغَظُ الذكرى على صَدركَ عِبئا |
من جنونٍ، ثم لا تلمُسُ شيئا |
أيُّ شيءٍ، حُلمٌ لفظٌ رقيقُ |
أيُّ شيءٍ، ويناديكَ الطريقُ |
فتفيقُ . |
ويراكَ الليلُ في الدَّرْبِ وحيداً |
تسألُ الأمسَ البعيدا |
أنْ يعودا |
ويراكَ الشارعُ الحالِمُ والدُفْلى، تسيرُ |
لونُ عينيكَ انفعالٌ وحبورُ |
وعلى وجهك حبٌّ وشعورُ |
كلّ ما في عمقِ أعماقِكَ مرسومٌ هناكْ |
وأنا نفسي أراكْ |
من مكاني الداكن الساجي البعيدْ |
وأرى الحُلْمَ السَّعيدْ |
خلفَ عينيكَ يُناديني كسيرا |
..... وترى البيتَ أخيرا |
بيتنا، حيثُ التقينا |
عندما كانَ هوانا ذلك الطفلَ الغَرِيرا |
لونُهُ في شفتَينا |
وارتعاشاتُ صِباهُ في يَدَيْنَا |
وترى البيتَ فتبقى لحظةً دونَ حِراكْ: |
ها هو البيتُ كما كان، هناك |
لم يزلْ تَحجبُهُ الدُفْلَى ويَحنو |
فوقَهُ النَّارنجُ والسروُ الأغنُّ |
وهنا مجلسنا ... |
ماذا أُحسُّ؟ |
حيرةٌ في عُمق أعماقي، وهمسُ |
ونذيرٌ يتحدَّى حُلمَ قلبي |
ربما كانت .. ولكن فِيمَ رُعْبِي؟ |
هي ما زالتْ على عَهد ِهَوَانا |
هي ما زالتْ حَنانا |
وستلقاني تحاياها كما كنا قديما |
وستلقاني ... . |
وتمشي مطمئناً هادئاً |
في الممرِّ المظلم الساكن، تمشي هازئا |
بِهتافِ الهاجسِ المنذر بالوَهْم الكذوبِ: |
ها أنا عُدت وقد فارقتُ أكداسَ ذنوبي |
ها أنا ألمحُ عينيكِ تُطِلُّ |
ربما كنتِ وراءَ البابِ، أو يُخفيكِ ظلُّ |
ها أنا عُدتُ، وهذا السلَّمُ |
هو ذا البابُ العميقُ اللونِ، ما لي أُحجمُ؟ |
لحظةً ثم أراها |
لحظةً ثم أعي وَقْعَ خُطاها |
ليكن.. فلأطرقِ البابَ ... |
وتمضي لَحَظَاتْ |
ويَصِرُّ البابُ في صوتٍ كئيبِ النبراتْ |
وتَرى في ظُلمةِ الدهليزِ وجهاً شاحبا |
جامداً يعكسُ ظلاً غاربا: |
هلْ ..؟ ويخبو صوتُكَ المبحوحُ في نَبْرٍ حزينْ |
لا تقولي إنها... |
يا للجنونْ! |
أيها الحالِمُ، عَمَّن تسألُ؟ |
إنها ماتتْ |
وتمضي لحظتانْ |
أنت ما زلتَ كأنْ لم تسمعِ الصوتَ المثُيرْ |
جامداً، تَرْمُقُ أطرافَ المكانْ |
شارداً، طرفُك مشدودٌ إلى خيطٍ صغيرْ |
شُدَّ في السرْوة لا تدري متى؟ |
ولماذا؟ فهو ما كانَ هناك |
منذُ شهرينِ، وكادتْ شفتاكْ |
تسألُ الأختَ عن الخيطِ الصغيرْ |
ولماذا علَّقوهُ؟ ومتى؟ |
ويرنُّ الصوتُ في سمعكَ: ماتت.. |
إنها ماتتْ.. وترنو في برودِ |
فترَى الخيطَ حِبالاً من جليدِ |
عقدتها أذرُعٌ غابت ووارتها المَنُونْ |
منذ آلافِ القُرونْ |
وتَرى الوجهَ الحزينْ |
ضخَّمتْهُ سحُبُ الرُّعب على عينيكَ . ماتت.. |
هي ماتتْ لفظةٌ من دونِ معنى |
وصَدى مطرقةٍ جوفاءَ يعلو ثم يَفْنَى |
ليسَ يعنيكَ تَواليه الرتيبُ |
كلّ ما تُبصرُهُ الآنَ هو الخيطُ العجيبُ |
أتراها هي شَدَّتهُ؟ ويعلو |
ذلك الصوتُ المُملُّ |
صوتُ ماتتْ داوياً لا يضمحلُّ |
يملأُ الليلَ صُراخاً ودويّا |
إنَّها ماتت صدى يهمسهُ الصوتُ مليّا |
وهُتافٌ رددتُه الظلماتُ |
ورَوَتْهُ شجراتُ السروِ في صوتٍ عميقِ |
أنّها ماتت وهذا ما تقولُ العاصفاتُ |
إنّها ماتتْ صَدىً يصرخُ في النجمِ السحيقِ |
وتكادُ الآنَ أنْ تسمعهُ خلفَ العروقِ |
صوتُ ماتتْ رنَّ في كلِّ مكانِ |
هذه المطرقةُ الجوفاءُ في سَمع الزمانِ |
صوتُ ماتت خانقٌ كالأفعوانِ |
كلُّ حرفٍ عصبٌ يلهثُ في صدركَ رُعبا |
ورؤى مشنقةٍ حمراء لا تملكُ قلبا |
وتَجَنِّي مِخلبٍ مختلجٍ ينهش نَهشا |
وصدى صوتٍ جحيميٍّ أجَشَّا |
هذه المطرقةُ الجوفاءُ: ماتت |
هي ماتتْ، وخلا العالَمُ منها |
وسُدَىً ما تسألُ الظلمةَ عنها |
وسُدَىً تُصغي إلى وقعِ خطاها |
وسُدَىً تبحثُ عنها في القمر |
وسُدَىً تَحْلمُ يوماً أن تراها |
في مكانٍ غير أقباءِ الذِّكَرْ |
إنَّها غابت وراء الأنْجُمِ |
واستحالتْ ومضةً من حُلُمِ |
ثم ها أنت هنا، دونَ حراكْ |
مُتعَبَاً، تُوشِكُ أن تنهارَ في أرض الممرِّ |
طرفُكَ الحائرُ مشدودٌ هناكْ |
عند خيطٍ شُدَّ في السَّرْوَةِ، يطوي ألف سِرِّ |
ذلك الخيطُ الغريبْ |
ذلك اللغزُ المُريبْ |
إنَّه كلُّ بقايا حبِّكَ الذاوي الكئيبْ . |
ويَراكَ الليلُ تَمشي عائدا |
في يديك الخيطُ، والرعشةُ، والعِرْقُ المُدَوِّي |
إنَّها ماتتْ .. وتمضي شاردا |
عابثاً بالخيط تطويهِ وتَلوي |
حول إبْهامِكَ أُخراهُ، فلا شيء سواهُ، |
كلُّ ما أبقى لك الحبُّ العميقُ |
هو هذا الخيطُ واللفظُ الصفيقُ |
لفظُ ماتتْ وانطوى كلُّ هتافٍ ما عداه |