ِشكراً على التأبينِ والإطراءِ |
يا معشرَ الخطباء والشعراءِ |
شكراً على ما ضاعَ من أوقاتكم |
في غمرةِ التدبيـج والإنشاءِ |
وعلى مدادٍ كان يكفي بعضُـه |
أن يُغرِقَ الظلماءَ بالظلماءِ |
وعلى دموعٍ لو جَـرتْ في البيدِ |
لانحلّـتْ وسار الماءُ فوق الماءِ |
وعواطفٍ يغـدو على أعتابها |
مجنونُ ليلى أعقـلَ العقلاءِ |
وشجاعـةٍ باسم القتيلِ مشيرةٍ |
للقاتلين بغيرِما أسمـاءِ |
شكراً لكم، شكراً، وعفواً إن أنا |
أقلعتُ عن صوتي وعن إصغائي |
عفواً، فلا الطاووس في جلدي ولا |
تعلو لساني لهجةُ الببغاءِ |
عفواً، فلا تروي أساي قصيدةٌ |
إن لم تكن مكتوبةً بدمائي |
عفواً، فإني إن رثيتُ فإنّما |
أرثي بفاتحة الرثاء رثائي |
عفواً، فإني مَيِّتٌ يا أيُّها |
الموتى، وناجي آخر الأحياء ! |
*** |
"ناجي العليُّ" لقد نجوتَ بقدرةٍ |
من عارنا، وعلَوتَ للعلياءِ |
إصعـدْ، فموطنك السّماءُ، وخلِّنا |
في الأرضِ، إن الأرضَ للجبناءِ |
للمُوثِقينَ على الّرباطِ رباطَنا |
والصانعينَ النصرَ في صنعاءِ |
مِمّن يرصّونَ الصُّكوكَ بزحفهم |
ويناضلونَ برايةٍ بيضاءِ |
ويُسافِحونَ قضيّةً من صُلبهم |
ويُصافحونَ عداوةَ الأعداءِ |
ويخلِّفون هزيمةً، لم يعترفْ |
أحدٌ بها.. من كثرة الآباءِ ! |
إصعَـدْ فموطنك المُـرّجَى مخفرٌ |
متعددُ اللهجات والأزياءِ |
للشرطة الخصيان، أو للشرطة |
الثوار، أو للشرطة الأدباءِ |
أهلِ الكروشِ القابضين على القروشِ |
من العروشِ لقتل كلِّ فدائي |
الهاربين من الخنادق والبنادق |
للفنادق في حِمى العُملاءِ |
القافزين من اليسار إلى اليمين |
إلى اليسار إلى اليمين كقفزة الحِرباءِ |
المعلنين من القصورِ قصورَنا |
واللاقطين عطيّةَ اللقطاءِ |
إصعدْ، فهذي الأرض بيتُ دعارةٍ |
فيها البقاءُ معلّقٌ ببغاءِ |
مَنْ لم يمُت بالسيفِ مات بطلقةٍ |
من عاش فينا عيشة الشرفاء |
ماذا يضيرك أن تُفارقَ أمّةً |
ليست سوى خطأ من الأخطاءِ |
رملٌ تداخلَ بعضُهُ في بعضِهِ |
حتى غدا كالصخرة الصمّاءِ |
لا الريحُ ترفعُها إلى الأعلى |
ولا النيران تمنعها من الإغفاءِ |
فمدامعٌ تبكيك لو هي أنصفتْ |
لرثتْ صحافةَ أهلها الأُجراءِ |
تلك التي فتحَتْ لنَعيِكَ صدرَها |
وتفنّنت بروائعِ الإنشاءِ |
لكنَها لم تمتلِكْ شرفاً لكي |
ترضى بنشْرِ رسومك العذراءِ |
ونعتك من قبل الممات، وأغلقت |
بابَ الرّجاءِ بأوجُهِ القُرّاءِ |
وجوامعٌ صلّت عليك لو انّها |
صدقت، لقرّبتِ الجهادَ النائي |
ولأعْلَنَتْ باسم الشريعة كُفرَها |
بشرائع الأمراءِ والرؤساءِ |
ولساءلتهم: أيُّهمْ قد جاءَ |
مُنتخَباً لنا بإرادة البُسطاء ؟ |
ولساءلتهم: كيف قد بلغوا الغِنى |
وبلادُنا تكتظُّ بالفقراء ؟ |
ولمنْ يَرصُّونَ السلاحَ، وحربُهمْ |
حبٌ، وهم في خدمة الأعداءِ ؟ |
وبأيِّ أرضٍ يحكمونَ، وأرضُنا |
لم يتركوا منها سوى الأسماءِ ؟ |
وبأيِّ شعبٍ يحكمونَ، وشعبُنا |
متشعِّبٌ بالقتل والإقصاءِ |
يحيا غريبَ الدارِ في أوطانهِ |
ومُطارَداً بمواطنِ الغُرباء ؟ |
لكنّما يبقى الكلامُ مُحرّراً |
إنْ دارَ فوقَ الألسنِ الخرساءِ |
ويظلُّ إطلاقُ العويلِ محلّلاً |
ما لم يمُسَّ بحرمة الخلفاءِ |
ويظلُّ ذِكْرُكَ في الصحيفةِ جائزاً |
ما دام وسْـطَ مساحةٍ سوداءِ |
ويظلُّ رأسكَ عالياً ما دمتَ |
فوق النعشِ محمولاً إلى الغبراءِ |
وتظلُّ تحت "الزّفـتِ" كلُّ طباعنا |
ما دامَ هذا النفطُ في الصحراءِ ! |
*** |
القاتلُ المأجورُ وجهٌ أسودٌ |
يُخفي مئاتِ الأوجه الصفراءِ |
هي أوجهٌ أعجازُها منها استحتْ |
والخِزْيُ غطَاها على استحياءِ |
لمثقفٍ أوراقُه رزمُ الصكوكِ |
وحِبْرُهُ فيها دمُ الشهداء |
ولكاتبٍ أقلامُهُ مشدودةٌ |
بحبال صوت جلالةِ الأمراء |
ولناقدٍ "بالنقدِ" يذبحُ ربَّهُ |
ويبايعُ الشيطانَ بالإفتاءِ |
ولشاعرٍ يكتظُّ من عَسَـلِ النعيمِ |
على حسابِ مَرارةِ البؤساءِ |
ويَجـرُّ عِصمتَه لأبواب الخَنا |
ملفوفةً بقصيدةٍ عصماءِ ! |
ولثائرٍ يرنو إلى الحريّةِ |
الحمراءِ عبرَ الليلةِ الحمراءِ |
ويعومُ في "عَرَقِ" النضالِ ويحتسي |
أنخابَهُ في صحَة الأشلاءِ |
ويكُفُّ عن ضغط الزِّنادِ مخافةً |
من عجز إصبعه لدى "الإمضاءِ" ! |
ولحاكمٍ إن دقَّ نورُ الوعْي |
ظُلْمَتَهُ، شكا من شدَّةِ الضوضاءِ |
وَسِعَتْ أساطيلَ الغُزاةِ بلادُهُ |
لكنَها ضاقتْ على الآراءِ |
ونفاكَ وَهْـوَ مُخَـمِّنٌ أنَّ الرَدى |
بك مُحْدقُ، فالنفيُ كالإفناءِ ! |
الكلُّ مشتركٌ بقتلِكَ، إنّما |
نابت يَدُ الجاني عن الشُّركاءِ |
*** |
ناجي. تحجّرتِ الدموعُ بمحجري |
وحشا نزيفُ النارِ لي أحشائي |
لمّا هويْتَ هَويتَ مُتَّحـدَ الهوى |
وهويْتُ فيك موزَّعَ الأهواءِ |
لم أبكِ، لم أصمتْ، ولم أنهضْ |
ولم أرقدْ، وكلّي تاهَ في أجزائي |
ففجيعتي بك أنني.. تحت الثرى |
روحي، ومن فوقِ الثرى أعضائي |
أنا يا أنا بك ميتٌ حيٌّ |
ومحترقٌ أعدُّ النارَ للإطفاءِ |
برّأتُ من ذنْبِ الرِّثاء قريحتي |
وعصمتُ شيطاني عن الإيحاءِ |
وحلفتُ ألا أبتديك مودِّعاً |
حتى أهيِّئَ موعداً للقاءِ |
سأبدّلُ القلمَ الرقيقَ بخنجرٍ |
والأُغنياتِ بطعنَـةٍ نجلاءِ |
وأمدُّ رأسَ الحاكمينََ صحيفةً |
لقصائدٍ.. سأخطُّها بحذائي |
وأضمُّ صوتكَ بذرةً في خافقي |
وأصمُّهم في غابة الأصداءِ |
وألقِّنُ الأطفالَ أنَّ عروشَهم |
زبدٌ أٌقيمَ على أساس الماءِ |
وألقِّنُ الأطفالَ أن جيوشهم |
قطعٌ من الديكورِ والأضواءِ |
وألقِّنُ الأطفالَ أن قصورَهم |
مبنيةٌ بجماجمِ الضعفاءِ |
وكنوزَهم مسروقةٌ بالعدِل |
واستقلالهم نوعُ من الإخصاءِ |
سأظلُّ أكتُبُ في الهواءِ هجاءهم |
وأعيدُهُ بعواصفٍ هوجاءِ |
وليشتمِ المتلوّثونَ شتائمي |
وليستروا عوراتهم بردائي |
وليطلقِ المستكبرون كلابَهم |
وليقطعوا عنقي بلا إبطاءِ |
لو لم تَعُـدْ في العمرِ إلا ساعةٌ |
لقضيتُها بشتيمةِ الخُلفاءِ ! |
*** |
أنا لستُ أهجو الحاكمينَ، وإنّما |
أهجو بذكر الحاكمين هجائي |
أمِنَ التأدّبِ أن أقول لقاتلي |
عُذراً إذا جرحتْ يديكَ دمائي ؟ |
أأقولُ للكلبِ العقور تأدُّباً: |
دغدِغْ بنابك يا أخي أشلائي ؟ |
أأقولُ للقوّاد يا صِدِّيقُ، أو |
أدعو البغِيَّ بمريمِ العذراءِ ؟ |
أأقولُ للمأبونِ حينَ ركوعِهِ: |
"حَرَماً" وأمسحُ ظهرهُ بثنائي ؟ |
أأقول لِلّصِ الذي يسطو على |
كينونتي: شكراً على إلغائي ؟ |
الحاكمونَ همُ الكلابُ، مع اعتذاري |
فالكلاب حفيظةٌ لوفاءِ |
وهمُ اللصوصُ القاتلونَ العاهرونَ |
وكلُّهم عبدٌ بلا استثناء ! |
إنْ لمْ يكونوا ظالمين فمن تُرى |
ملأ البلادَ برهبةٍ وشقاء ِ؟ |
إنْ لم يكونوا خائنين فكيف |
ما زالتْ فلسطينٌ لدى الأعداءِ ؟ |
عشرون عاماً والبلادُ رهينةٌ |
للمخبرينَ وحضرةِ الخبراءِ |
عشرون عاماً والشعوبُ تفيقُ |
مِنْ غفواتها لتُصابَ بالإغماءِ |
عشرون عاماً والمفكِّرُ إنْ حكى |
وُهِبتْ لهُ طاقيةُ الإخفاءِ |
عشرون عاماً والسجون مدارسٌ |
منهاجها التنكيلُ بالسجناءِ |
عشرون عاماً والقضاءُ مُنَزَّهٌ |
إلا من الأغراض والأهواءِ |
فالدينُ معتقلٌ بتُهمةِ كونِهِ |
مُتطرِّفاً يدعو إلى الضَّراءِ |
واللهُ في كلِّ البلادِ مُطاردٌ |
لضلوعهِ بإثارةِ الغوغاءِ |
عشرون عاماً والنظامُ هو النظامُ |
مع اختلاف اللونِ والأسماءِ |
تمضي به وتعيدُهُ دبّابةٌ |
تستبدلُ العملاءَ بالعملاءِ |
سرقوا حليب صِغارنا، مِنْ أجلِ مَنْ ؟ |
كي يستعيدوا موطِنَ الإسراءِ |
فتكوا بخير رجالنا، مِنْ أجلِ مَن ْ؟ |
كي يستعيدوا موطِنَ الإسراءِ |
هتكوا حياء نسائنا، مِنْ أجلِ مَنْ ؟ |
كي يستعيدوا موطِنَ الإسراءِ |
خنقوا بحريّاتهم أنفاسَنا |
كي يستعيدوا موطِنَ الإسراءِ |
وصلوا بوحدتهم إلى تجزيئنا |
كي يستعيدوا موطِنَ الإسراءِ |
فتحوا لأمريكا عفافَ خليجنا |
كي يستعيدوا موطِنَ الإسراءِ |
وإذا بما قد عاد من أسلابنا |
رملٌ تناثر في ثرى سيناء ! |
وإذا بنا مِزَقٌ بساحات الوغى |
وبواسلٌ بوسائل الأنباءِ |
وإذا بنا نرثُ مُضاعَفاً |
ونُوَرِّثُ الضعفينِ للأبناءِ |
ونخافُ أن نشكو وضاعةَ وضعنا |
حتى ولو بالصمت والإيماءِ |
ونخافُ من أولادِنا ونسائنا |
ومن الهواءِ إذا أتى بهواءِ |
ونخافُ إن بدأت لدينا ثورةٌ |
مِن أن تكونَ بداية الإنهاءِ |
موتى، ولا أحدٌ هنا يرثي لنا |
قُمْ وارثنا.. يا آخِـرَ الأحياءِ ! |