أبى الدَهرُ أَن يَلقاكَ إِلّا مُحارِباً | |
|
| فَجَرِّد لَهُ سَيفاً مِن العَزمِ قاضِبا |
|
وَلا تَلقَهُ مُستَعتِباً مِن ظُلامَةٍ | |
|
| فَما الدَهرُ سَمّاعاً لِمَن جاءَ عاتِبا |
|
وَجانِب بَنيهِ ما اِستَطَعتَ فَإِنَّهُم | |
|
| عَقارِبُ لَيلٍ لا تزالُ ضَوارِبا |
|
وَإِن كُنتَ ذا جَهلٍ بِهم فَاِغدُ أَو فَرُخ | |
|
| عَلَيَّ أُخبِّركَ الأُمورَ العَجائِبا |
|
بَلَوتُهُمُ دَهراً طَويلاً وَغَرَّني | |
|
| تَلألُؤ آلٍ يُرجِعُ الطَّرفَ كاذِبا |
|
وَجَرَّبتهُم حَتّى إِذا ما عَرَفتُهُم | |
|
| عَرَفتُ رَزايا جَمَّةً وَمَصائِبا |
|
وَصاحَبتُ أَقواماً أَلا لَيتَ أَنَّني | |
|
| تَبَدَّلتُ زِنجاً مِنهُمُ وَصَقالِبا |
|
ظَنَنتُهُمُ ظِلّاً ظَليلاً وَجنَّةً | |
|
| فَكانُوا سَموماً يَومَ صَيفٍ وَحاصِبا |
|
بُليتُ بِهِم كَالوَردِ يلقى معاطِساً | |
|
| أَحَقُّ بِأَن يَلقى أَكُفّاً خَواضِبا |
|
سَعوا في دَمي بِالجُهدِ حَتّى كَأَنَّني | |
|
| مِنَ الرُومِ قَد أعلمتُ جَيشاً مُحارِبا |
|
وَلَم يَكفِهُم قَيدٌ ثَقيلٌ وَخَشبَةٌ | |
|
| بِرِجليَ في دَهماءَ تُنسي المَصائِبا |
|
وَأَشياءُ لَو عَدَّدتُها طالَ شرحُها | |
|
| وَلَم أُحصِها في مُحكَمِ النَّظمِ حاسِبا |
|
جَزى اللَّهُ خَيراً كُلَّ ثاوٍ رَأَيتُهُ | |
|
| بِبَغدادَ لا يَنفَكُّ بِالدَربِ سارِبا |
|
فَلَم أَلقَ مِنهُم يَومَ نَحسٍ وَلَم أَبِت | |
|
| أُحاذِرُ مِنهُم جانِياً أَو مُواثِبا |
|
وَأَعقَبَ سوءاً شامِتاً سُرَّ قَلبُهُ | |
|
| بِضَيمي وَأَضحى عاثِرَ الجدِّ خائِبا |
|
فَهَل سَرَّهُ إِلّا اِختلاقُ نَميمَةٍ | |
|
| وَما زَالَ سَهماً لِلنَّميمَةِ صائِبا |
|
فَلا تَحسَبُ الأَعداءُ أَنّي لِما جَرى | |
|
| تَضعضَعتُ أَو أَعطَيتُ حبلي مُشاغِبا |
|
فَقَبلي قَضى النُعمانُ في السِّجنِ نَحبَهُ | |
|
| وَغُودِرَ مَسلوباً وَقَد كانَ سالِبا |
|
وَعاشَ اِبنُ ذي الجدَّينِ في الغُلِّ بُرهَةً | |
|
| لَياليَ يَدعو قَومَهُ وَالعَصائِبا |
|
فَجلّت بُنو ذُهلِ بن شَيبانَ هَمَّهُ | |
|
| بِمَلمومَةٍ تُزجي العِتاقُ الشَوازِبا |
|
أَفاؤوا بِها أَنفالَ كِسرى وَلَم تَزَل | |
|
| تُفِيءُ السَّبايا خَيلُهُم وَالحَرائِبا |
|
وَلَو غَيرُ قَومي رامَ ظُلمي لَقَلَّصت | |
|
| خُصاهُ وَأَضحى قاصِرَ الخَطوِ لاغِبا |
|
لعايَنَ دوني عُصبَةً عَبدَلِيَّةً | |
|
| تَسامى فُرادى لِلعُلا وَمُقانِبا |
|
أَبوها أَبي إِن أَدعُها وَجُدودُها | |
|
| جدُودي إِذا عَدَّ الرِّجالُ المناسِبا |
|
وَمِن آلِ إِبراهيمَ كُلّ مُذَبِّبٍ | |
|
| عَنِ المَجدِ يَحتَلُّ الذُرى وَالغَوارِبا |
|
أَلا لَيتَهُ مِن غَيرِهم فَأَردُّهُ | |
|
| بِهم فَيَروحُ الدَهرُ خَزيانَ ناكِبا |
|
فَيا راكِباً تَطوي بِهِ البِيدَ جَسرَةٌ | |
|
| وَتَغتالُ غيطانَ الفَلا وَالأَخاشِبا |
|
إِذا أَنتَ أَلقَيتَ العِصيَّ مُخَيِّماً | |
|
| بِالاِحسا وَجاوَرتَ المُلوكَ الأَطايِبا |
|
فيمِّم لِجَرعاءِ الشَّمالِ فَإِنَّ لِي | |
|
| بِها خِلَّةً أَشتاقُها وَمَلاعِبا |
|
وَقِف وَقفَةً بِالدَّربِ غَربِيَّ بابِها | |
|
| فَثَمَّ تلاقي أُسرَتي وَالأَقارِبا |
|
فَتَلقى مُلوكاً كَالأَهِلَّةِ لَم تَزَل | |
|
| تَهشُّ إِلى الجُلّى وَتَأبى المَعايِبا |
|
وَإِن تَأتِ قَصرَ القُرمُطِيِّ تَجِد بِهِ | |
|
| جَماجِمَ قَومي وَالقُرومَ المَصاعِبا |
|
ذَوي المُلكِ وَالتيجانِ وَالمَنصِبِ الَّذي | |
|
| سَما فَعلا فَخراً فَجازَ الكَواكِبا |
|
فَقُل لَهُمُ بَعدَ السَلامِ مَقالَةً | |
|
| تَعمُّ بِها عَنّي شَباباً وَشائِبا |
|
أَلا يا لَقَومي وَالفَتى حينَ يَرتَمي | |
|
| بِهِ الدَهرُ يَدعو قَومَهُ لا الأَجانِبا |
|
كَفى حزناً أَنّي بِبَغدادَ مُفرَدٌ | |
|
| عِنِ الأَهلِ أَلقى كُلَّ يَومٍ عَجائِبا |
|
وَيَشتاقُكُم قَلبي فَأَذكُرُ دونَكُم | |
|
| مَهامِهَ لا أَشتاقُها وَسَباسِبا |
|
فَيسهلُ عِندي خَوضُها فَيعزُّ لي | |
|
| تَذَكُّرُ حالاتٍ أَشَبنَ الذَوائِبا |
|
وَلا عارَ في ضَيمِ المُلوكِ عَلى الفَتى | |
|
| وَما زَالَ حُكمُ السَيفِ في الأَرضِ غالِبا |
|
بَلى إِنَّ ضَيمَ الأَقرَبينَ وَجَدتُهُ | |
|
| أَشَدَّ عَلى الأَحشاءِ حرّاً وَلاهِبا |
|
أَلا إِنَّهُ الداءُ العَياءُ وَإِنَّهُ الش | |
|
| شجا في التَراقي وَالمُزيلُ المَراتِبا |
|
وَلَولا بَناتُ العامِرِيَّةِ لَم أَكُن | |
|
| لِأَلوي إِلى دارِ المَذَلَّةِ جانِبا |
|
لَقَد كانَ لِي بِالأَهلِ أَهلٌ وَبِالغِنى | |
|
| فِناءٌ وَأَلقى بِالمُصاحِبِ صاحِبا |
|
وَلَكِنَّني أَخشى عَلَيهنَّ أَن يَرى | |
|
| بِهِنَّ عَدوٌّ مالَهُ كانَ طالِبا |
|
مُقاساة ضُرٍّ أَو مُعاناة غُربَةٍ | |
|
| تُريهنَّ أَنوارِ الصَّباحِ غَياهِبا |
|
وَآنفُ أَن يُصبِحنَ في غَيرِ مَعشَري | |
|
| فَأُصبِحُ قَد رَدّوا عَلَيَّ النَصائِبا |
|
فَيُصبِحنَ قَد أُنكِحنَ إِمّا مُدَرَّعاً | |
|
| لَئيماً يَرى الإِحسانَ لِلفَقرِ جالِبا |
|
وَإِمّا اِبنَ ضِلٍّ تائِهٍ في ضَلالَةٍ | |
|
| مِنَ الغيِّ تَدعوهُ الطَواغيتُ راهِبا |
|
كَما نُكِحَت بِنتُ المُهَلهلِ إِذ غَدا | |
|
| مِنَ الضَّيمِ في سَعدِ العَشيرَةِ هارِبا |
|
بِأَيسَرِ مَهرٍ عِندَ أَلأَمِ خاطِبٍ | |
|
| وَوالِدُها غَيظاً يَعضُّ الرَواجِبا |
|
وَلَو أَصبَحَت في دارِ بَكرٍ وَتَغلِبٍ | |
|
| لَما رامَ أَن يَأتي لَها النَّذلُ خاطِبا |
|
فَيا اِبنَ أَبي رِفقاً بِهنَّ وَكُن أَباً | |
|
| مُديباً عَلى إِكرامِهِنَّ مُواظِبا |
|
وَصِل وَاِحتَمِل وَاِخفِض جَناحَكَ رَحمَةً | |
|
| لَهُنَّ وَلا تَقطِب عَلَيهنَّ حاجِبا |
|
وَحاذِر عَلَيهنَّ الجَفاءَ فَإِنَّني | |
|
| أَرى المَوتَ أَن يَمشينَ شُعثاً سَواغِبا |
|
فَإِن سَلِمَت نَفسي لَهُنَّ هَنيئَةً | |
|
| مِنَ الدَهرِ جاوَرنَ النُّجومَ الثَواقِبا |
|
وَعادَ إِليَّ الدَهرُ بَعدَ غَرامِهِ | |
|
| يعفِّرُ خَدَّيهِ عَلى الأَرضِ تائِبا |
|
كَما جاءَ قَبلي مُستَكيناً إِلى أَبي | |
|
| وَقَد همَّ أَن يَلوي عَلَيهِ المَخالِبا |
|
وَلِلّهِ فينا عادَةٌ مُستَمِرَّةٌ | |
|
| يُجلّلُنا النُّعمى وَيُعطي الرَغائِبا |
|
فَشُكراً لَهُ مِن مُنعِمٍ مُتَفَضَّلٍ | |
|
| عَلَينا وَحَمداً ينفذُ الدَهر واصِبا |
|