غَرامٌ سَقى قَلبي مُدامَتَهُ صِرفا |
وَلمّا يُقم لِلعَذلِ عَدلاً وَلا صَرفا |
قَضى فيهِ قاضي الحُبِّ بِالهَجرِ مُذ غَدا |
مَريضاً بِداءٍ لا يُطَبُّ وَلا يُشفى |
نَهارِيَّ نَهرٌ بَينَ جَفنَيَّ وَالكَرى |
وَلَيلِيَّ بَحرٌ مُرسَلٌ دونَهُ سَجفا |
جَريحُ سِهامِ الحُبِّ عاثَ بِهِ الهَوى |
فَأَبدى الَّذي أَبدى وَأَخفى الَّذي أَخفى |
تَوَطَّنَتِ الأَشواقُ سَوداءَ قَلبِهِ |
فَتَرفَعُهُ ظَرفاً وَتَحفِضُهُ ظَرفا |
يُحاوِلُ سُلواني الأَحِبَّةَ عُذَّلي |
وَهَل يَجِدُ السُلوانَ مَن يَفقِدُ الإِلفا |
سَهِرنا فَناموا ثُمَّ عابوا جُفونَنا |
لَقَد صَدَقونا المُرهُ لا تُشبِهُ الوُطفا |
فَحَسبُ المُحِبِّ الصادِقِ الوِدِّ قَلبُهُ |
جَفاءً بِشَكواهُ مَرارَةَ ما يُجفى |
وَما ضَرَّ أَوصالَ المُحِبِّ مُقَوَّتاً |
رَجاءَ وِصالِ الحِبِّ اِسناتُها عَجفا |
لَئِن فاتَنا عَينُ الحَبيبِ فَإِنَّما |
بِآثارِهِ الحُسنى اِكتِفاءُ مَنِ اِستَكفى |
فَإِن لَم تَرَ النَّعلَ الشَريفَةَ فَاِنخَفِض |
لِتِمثالِها وَاِعكُف عَلى لَثمِها عَكفا |
وَقِف رائِماً إِشمامَ رَيّا عَبيرِها |
حُشاشَةَ نَفسٍ وَدَّعَت جِسمَها وَقفا |
وَلا تَرضَ في تَقبيلِ إِلفٍ تُحِبُّهُ |
إِذا أَمكَنَ التَقبيلُ أَلفاً وَلا ضِعفا |
بَدَت رَوضَةً مِسكِيَّةَ النَّشرِ أَوشَكَت |
لِطيبِ شَذاها العَينُ أَن تَحسُدَ الأَنفا |
أَيُمكِنُ رَأسٌ ضَمُّهُ الفَمَ دونَها |
أَيَملِكُ جَفنٌ غَضَّهُ دونَها الطَرفا |
تَرُدُّ الرَدى المَحشِيَّ وَشكُ بَلائِهِ |
وَلَولا قَضاءٌ سابِقٌ رَدَّتِ الحَتفا |
وَتَجلِبُ في سوقِ التَكَسُّبِ طُرفَةً |
وَتَجنُبُ في مِضمارِ نَيلِ العُلى طِرفا |
وَرُمحاً رُدَينِيّاً وَسَهماً مُفَوَّقا |
وَسَيفاً سُريجِيّاً وَسابِغَةً زَغفا |
فَشَمِّر وَأَظهِر كُلَّ سِرٍّ تَضُمُّهُ |
وَإِيّاكَ وَالإِضمارَ في الشَرحِ وَالحَذفا |
وَحَكِّم لَها مَن هُنَّ بِالفَضلِ حُكَّمٌ |
ثَلاثَتَهُنَّ الشَرعَ وَالعَقلَ وَالعُرفا |
مَضى سَلَف في خِدمَةِ النَعلِ صالِحٌ |
فَكُن خَلَفاً فيما تَعاطَوهُ لا خَلفا |
رَأَوا تِلكَ في الدُنيا الدَنِيَّةِ قُربَةً |
إِلى اللَهِ في الأُخرى مُقَرَّبَةً زُلفى |
أَرى الشُّعَراءَ الهائِمينَ تَشَبَّبوا |
بِذِكرِ المُحاكي مَن يُحِبّونَهُ وَصفا |
يُذيعونَ ذِكرَ البانِ وَالحِقفَ ذي النَّقى |
وَيُطرونَ ذاتَ الخِشفِ بِالقَولِ وَالخِشفا |
فَها أَنا في تِمثالِ نَعلِكَ سَيِّدي |
مَضَيتُ عَلى التَّحقيقِ في الوَصفِ كَالإِشفا |
وَإِنّي وَتوصافي بَديعَ حُلاهُما |
كَمَن هَمَّ بِالبَحرَينِ يُفنيهِما غَرفا |
مُوازي تُرابِ النَعلِ بِالتَبرِ سائِمٌ |
جِبالَ شَرَورى الشُمَّ أَن تَزِنَ الزِّفا |
أَيا مَن سَقَت أَلفاً ظِماءً بَنانُهُ |
كَما وَهَبَت أَلفاً كَما هَزَمَت أَلفا |
يَدٌ سُمِّيَت في فادِحِ الفَقرِ راحَة |
كَما سُمِّيَت في كَفِّها لِلعِدى كَفّا |
وَمَن قامَ في الإِسراءِ وَالحَشرِ خَلفَهُ |
نَبيّو إِلَهِ الحَقِّ كُلُّهُمُ صَفّا |
نَبِيٌّ وَقانا صَرفَ الدَهرِ يُمنُهُ |
فَها نَحنُ لا أَزلا نَخافُ وَلا عُنفا |
لَهُ مِكنَةٌ في عِلمِ كُلِّ خَبيئَةٍ |
يَقيناً وَلَم يَحطُط عَلى مُهرَقٍ حَرفا |
تَناهى إِلَيهِ عِلمُ ما كانَ أَودَعَت |
بَناتُ لَبيدٍ بِئرَ ذَروانَ وَالجَفا |
وَما في ذِراعِ الشاةِ مِمّا تَعَمَّدَت |
يَهودُ وَلَكِن ما أَعَفَّ وَما أَعفا |
وَما مَلكوتُ العَرشِ عَنهُ مُغَيَّباً |
يُعايِنُهُ وَالعَينُ نائِمَةٌ كَشفا |
يَجوزُ عَلَيهِ النَومُ شَرعاً وَما سَها |
لَهُ قَلبُهُ اليَقظانُ قَطُّ وَما أَغفى |
وَما أَرضَة البَيتِ الحَرامِ تَعَقَّبَت |
كِتابَ قُرَيشٍ إِذ نَفَت كُلَّ ما يُنفى |
لِمَولِدِكَ المَيمونِ آيٌ شَهيرَةٌ |
شَفَت غُلَّةَ الراوينَ مِن قَولِها الشَّفّا |
وَفيما رَأَت عَينا حَليمَةَ مُذ رَأَت |
تَبَنّيكَ هُوَ الأَحظى شِفاءَ مَنِ اِستَشفى |
وَلَو لَم يُجِبكَ البَدرُ لَمّا دَعَوتَهُ |
لِما شِئتَ لَم يَنفَكَّ نِصفَينِ أَو نِصفا |
وَلَم تَكُ أُمُّ المُؤمِنينَ وَإِن سَخَت |
لِتُفنِيَ لَولا كَيلُها ما عَلا الرَفّا |
إِلى مُعجِزاتٍ أَنجُمُ الجَوِّ دونَها |
نُمُوّاً وَحُسناً وَاِرتِفاعاً وَمُصطَفّى |
فَلا الدَهرُ يُحصيهِنَّ عَدّاً وَلَو غَدَت |
مِداداً لَياليهِ وَأَيّامُهُ صُحفا |
بِكَ اللَهُ نادى عالَمَ العَقلِ بالِياً |
فَأَغواهُمُ عَدلاً وَوَفَّقَهُم لُطفا |
تَأَثَّلَ مِنكَ النَجمُ كَيفِيَّةَ الهُدى |
وَشَمسُ الضُحى الإِشراقَ وَالعَنبَرُ العَرفا |
وَرُشدُكَ ما أَبداهُ فَاِنكَشَفَ العَمى |
وَوَجهُكَ ما أَبهى وَقَلبُكَ ما أَصفى |
وَنَوَّرتَ أَضغانَ العَدُوِّ مُوالِياً |
عَلَيهِم هُدى الأَياتِ يُشرِقنَ وَالزَحفا |
وَلي فيكَ عَينٌ ما إِنِ العَينُ ثَرَّةً |
حَكَتها وَلا هامي الحَيا مِثلُها وَكفا |
وَخَدٌّ كَما تَحتَ المُحيطِ مِنَ الثَرى |
فَآلَيتُهُ لا جَفَّ إِلّا إِذا جَفّا |
وَفِكرَةُ حَيرانِ الحِجا قَذَفَت بِهِ |
نَوىً شُطُرٌ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِب قَذفا |
وَقَلبٌ تَوَلّى الحُبُّ تَصويرَ شَكلِهِ |
صَنَوبَرَةٌ ثُمَّ اِستَبَدَّ بِهِ حِلفا |
فَكانَ سَواءً عَذبُهُ وَعَذابُهُ |
عَلَيهِ فَما اِستَعفاهُ قَطُّ وَلا أَعفا |
وَشِعرٌ بَديعٌ لَو حَوى الفَتحَ شينُهُ |
تَمَنَّت عَذارى الحَيِّ وارِدَهُ الوَحفا |
فَإِن لَم يَكُن حَقُّ النَبِيِّ فَزُخرُفٌ |
إِذا زُلزِلَت لِلحَشرِ أَلفَيتَهُ كَهفا |
قَفَوتُ بِها الشامِيَّ في الفاءِ موقِناً |
بِأَنّي وانٍ دونَ إِدراكِهِ ضُعفا |
أَنا التابِعُ النَعّاتُ فيكَ مُؤَكِّداً |
بَيانَهُمُ أَرجو بِهِ عِندَكَ العَطفا |
تَخِذتُكَ كَهفاً دونَ ما أَنا خائِفٌ |
فَلَم أَخشَ في أَعقابِ حادِثَةٍ لَهفا |
فَرِشني وَمَن راشَت يَداكَ جَناحَهُ |
يَكُن آمِناً ما عاشَ في دَهرِهِ النَتفا |
وَأَطلِق سَراحي مِن ذُنوبٍ عَظيمَةٍ |
تَعاظَمَني إيثاقُها لَيتَني أُكفى |
عَلَيكَ صَلاةُ اللَهِ جَمعاء كُلُّها |
وَتَسليمُهُ ما طاشَ عَقلٌ وَما أَلفى |
وَآلِكَ وَالصَحبِ الَّذينَ عُلاهُمُ |
أَقَلَّنهُمُ أَرضاً أَظَلَّتهُمُ سَقفا |