عُجْ بالمَطِيِّ علَى مَعَالمِ بُورِي |
بِمَحَلِّ لَذَّاتِي ورَبْعِ سُرُورِي |
وأَطِلْ بِهَا عنِّي الوقُوفَ فَمَا أرَى |
شَوقاً يُحَرِّكُنِي لها بقَصيرِ |
واسْتنْشِ رَيَّاهَا ففِي عَرَصَاتِها |
عِندَ العُبُورِ بِهِنَّ نَشْرُ عَبيرِ |
واسْتَوصِ نَشْرَ عَبيرِهَا بِي إنَّهُ |
قَمِنٌ بِنَشْرِ عَبيريَ المقْبُورِ |
لَم تجعَلِ العَبَرَاتُ خَدِّي مَعْبَراً |
إلاَّ علَى مَرِّي بِها وعُبُورِي |
لا أَمْطَرَتْ دِيَمُ الرَّبِيعِ بِسَاحتِي |
إنْ لم أَحُلَّ بربعِها الممْطُورِ |
هَلْ لِي إلى تِلكَ المَنَازِلِ عَوْدَةٌ |
تَهدِي بِها نفْسي وفَرْطَ زَفِيري |
فَتكُفَّ من فَيْضِ الدُّمُوعِ فَذَا وَذَا |
مَحَوَا سَوَادَيْ مُقْلَتي وضَمِيري |
إنْ يُصْبِني ذِكْرُ الدِّيَارِ فَإنَّهُ |
لإنَاثِ أَصْبيةٍ بِها وذُكُورِ |
وَجْدِي الصَّغيرُ بها لأَصْغَرِ صِبْيَتِي |
وكَبيرُ أَشْوَاقي بها لكَبيرِي |
وكَريمةُ الطَّرَفينِ جُرَّ على التُّقَى |
والدِّينِ فَاضِلُ ذَيلِهَا المجرُورِ |
وَمُهَفْهَفٌ زُرَّتْ غِلائِلُهُ عَلَى |
غُصْنٍ يَمِيلُ بهِ النَّسيمُ نَضِيرِ |
رَشَأٌ جِرَاحَاتِي جُبَارٌ عِنْدَهُ |
أَبَداً وكَسْرِي ليسَ بالمجبُورِ |
ضَاحِي الجَبينِ وإنَّهُ ليُرِيكَ مِن |
تحتِ الخِمَارِ شَمَائِلَ المخمُورِ |
أنَا أسعدُ الثِّقَلَينِ إنْ أدناهُمُ |
مِنِّي رَوَاحِي نحوَهُمْ وبُكُوري |
فَأَمَا وفَتْلاَءِ المرافِقِ جَسْرَةٍ |
تَخْدِي بِمَشْبوحِ الذِّراعِ جَسُورِ |
إنْ يُعْيِ عيدِيَّ النجارِ بُكُورُهُ |
نَهضَتْ فَطَارَ بِها جَنَاحُ الكُورِ |
يَرْمِي بِها الميقَاتُ غيرَ مُقَصِّرٍ |
حتى يُتِمَّ النُسْكَ بالتقْصيرِ |
لأُجَشِّمَنَّ النَّاجياتِ إليهِمُ |
والسُّفْنَ قَطْعَ مَفَاوِزٍ وبُحُورِ |
ولأُلْقِينَّ بِحَرِّ وَجْهي نحوَهُمْ |
حَرَّينِ حَرَّ هَوًى وحَرَّ هَجيرِ |
فَعَسى ابْتذالُ الصَّونِ يُفضي بي إلى |
مَن صِينَ تحتَ أكلّةٍ وسُتُورِ |
فَأَبِيتُ قد ألقَيْتُ أَعْبَاءَ السُّرَى |
وأرحْتُ ظَهْرَ مَطيَّتي وبَعِيري |
إنْ كَانَ ذَاكَ فَيَا سَعَادَةَ طَالعِي |
ونَجاحَ آمالِي ويُمْنَ طُيُورِي |
إنِّي إذَا هَابَ الزِّيارةَ وَامِقٌ |
يُدْلي بدَعوَى في المحبَّةِ زُورِ |
خَاطَرْتُ بالنَّفْسِ الخطيرةِ في هَوَى |
ظبيٍ كَلِفْتُ بهِ هُنَاكَ غَرِيرِ |
إنْ عَاقَني التفْتيرُ عَنهُ فَلا رَمَى |
قَلْبي بسَهْمٍ رِيشَ بالتقْتِيرِ |
أو حَارَ دُونَ لِقَائِهِ عَزْمي فلا |
مُتِّعْتُ مِنهُ بالعُيُونِ الحُورِ |
يا مَنْ أُسَيِّرُ كُلَّ يَومٍ نَحوَهُمْ |
كُتُبي إذَا أعْيَا عَليَّ مَسِيري |
وأقُولُ مُعتذِراً إذَا سَيّرتُها |
لا يسقُطُ الميْسُورُ بالمعْسُورِ |
لا تحسبُوهَا أنَّها كُتِبَتْ لكُمْ |
بِسَوادِ حِبْرِي بَلْ سَوَادِ نَظِيري |
من لا يُطيقُ فِرَاقَ يومٍ وَاحدٍ |
لكُمُ فَكيفَ يكُونُ بَعْدَ شُهُورِ |
آهٍ وقَلَّ على أوالَ تَأوُّهِي |
فإذَا جُنِنْتُ بِها فغيرُ كثيرِ |
ما كُنتُ مُبتاعاً أزِقَّةَ فَارِسٍ |
بالفِيحِ من عَرَصاتِها والدُّورِ |
هَيْهَاتَ ما شِيرَازُ وَافيةٌ بِمَا |
في تِلْكَ لي من نِعْمَةٍ وحُبُورِ |
بَلَدٌ تَعَادَلَ صَيفُها وشِتَاؤُها |
في الطِّيْبِ للمقْرُورِ والمحْرُورِ |
فَوفَتْ ببَردِ حُشَاشَةِ المحْرُورِ |
عَدْلاً ودِفءِ مَضَاجِعِ المقْرورِ |
يَتكأَّدُ الرِّزقُ العِبَادَ وإنَّهُ |
فِيها على بَاغِيهِ غَيْرُ عَسيرِ |
سِيَّانَ عِيشةُ كَادِحٍ ومُرَفَّهٍ |
فِيها ونِعمَةُ مُوسِرٍ وفَقِيرِ |
إنْ طَبَّقَ المَحْلُ البِلادَ فإنَّنَا |
في رَوْضَةٍ مِن خِصْبِها وغَدِيرِ |
إنْ أنْسَ لا أنْسَ الرَّبيعَ بِها وما |
تجلُوهُ من نَوَّارِهِ والنُّورِ |
رَوْضٌ يَرِقُّ عَلَيْهِ نَاجِمُ زَهرِهِ |
كالصُّحْفِ بينَ فَوَاصِلٍ وعُشُورِ |
يُلْقِي لمُجتَازِ النَّسيمِ كَرَامَةً |
أَنْمَاطَ دِيْبَاجٍ وفُرْشَ حَرِيرِ |
أَمْلَى السَّحَابُ عَلَيهِ مِنْ إنْشَائِهِ |
فأَتَاكَ بالمنْظُومِ والمَنْثُورِ |
والماءُ مِنهُ مُطْلَقٌ ومُقَيَّدٌ |
يلقَاكَ بالممدُودِ والمقْصُورِ |
يستَوقِفُ الأسْمَاعَ بينَ تَدفُّقٍ |
كَرَجيعِ قَهْقَهَةٍ وبينَ خَريرِ |
تتلُو بَلابِلُهُ عَلَيْكَ وَوُرْقُهُ |
أَسْفَارَ إنْجِيلٍ وصُحْفَ زَبُورِ |
إنْ بَثَّ ذَاكَ عليكَ أعلاقَ الأَسَى |
بِصَفيرِهِ ثَنَّاهُ ذَا بِهَديرِ |
حتَّى تَظلَّ بِذَا وذَا مُستَغنياً |
أبَداً عن المِزْمَارِ والطُّنْبُورِ |
فَكَأنَّما اطّرحَ الغِناءَ عليهِمَا |
قَيسٌ وقد غَنَّى بِشِعرِ جَرير |
لا شَيءَ أبْهجُ منْظراً من صَحْوِهِ |
والشَّمْسُ فيهِ كَدَارةِ البَلُّورِ |
ومَتَى أَغَامَ أَرَاكَ خَيمةَ سُنْدُسٍ |
غشَّى سَمَاوَتَها دُخَانُ بخُورِ |
لا عيبَ فِيها غَيرَ أنَّ حِيَاضَها |
شَرْعٌ لِورْدِ الكَلْبِ والخِنزِيرِ |
هِي جَنَّةٌ لو مُيِّزَتْ نَعْمَاؤُها |
ما بَينَ عَبدٍ مُؤْمِنٍ وكَفُورِ |
هذِي مَزَايَاهَا وكمْ عَلِقَتْ يَدِي |
فِيها بِذمَّةِ صَاحِبٍ وعَشيرِ |
هذَا عَلَى سِرِّي الأَمِينُ وذَاكَ إنْ |
خَذلَ النَّصيرُ على الخُطُوبِ نَصِيري |
يا جَادَهَا الهَتِنُ المُلِثُّ فأصْبَحَتْ |
عَرَضاً لمحلُولِ النِّطَاقِ غَزِيرِ |
وأَقَرَّ إخوَاني بِها وأباتَني |
مَعَهُمْ بِطَرْفٍ في الدُّنوِّ قَرِيرِ |