بَكَيت لِتَغريد الحَمائم في الفَجر | |
|
| وَبرَّح بي وَجدي وزايلني صَبري |
|
وَمِلتُ كَما مالَ النَزيف كَأَنَّما | |
|
| سَقاني حَنين الوَرق كَأساً مِن الخَمر |
|
وَسارَ بِما أَيقينَ لي مِن تَجَلُدي | |
|
| نَسيم بَريّا الظاعِنين أَني يَسري |
|
خُذي جَسَداً بِأَريح يَحكيك رِقَةً | |
|
| فَلاقي بِهِ قَلباً مَع المَركب في أَسرِ |
|
أَيا جسميَ البالي تَجَسَمت مِن ضَناً | |
|
| وَيا كَيدي الحَرا تَكونتِ مِن جَمر |
|
بَراني الأَسى وَالحُزنُ بَعدَ رَحيلُهُم | |
|
| فَلم يتَرُكا مني سِوى عِبرة تَجري |
|
غَدوا يَستحنون المطيَّ عَلى السَرى | |
|
| فَهَل في جُمود الدَمع للصَب مِن عُذر |
|
وَبانوا وَجِسمي فيهِ بَعضُ بَقيةٍ | |
|
| فَلم يَبقَ مِنهُ ما يُصَوَّر في فكر |
|
تَنازَع روحي لِلخُروج يَد النَوى | |
|
| فَتَحبِسُها عَنهُ الأَماني في نَحري |
|
أَعلل قَلبي بِالمُنى أَن سَنَلتَقي | |
|
| وَأَحسبها كَالآل يَلمَع في القَفر |
|
سَفَكتُم دَمي عَمداً وَلَم تَنحَرِجوا | |
|
| وَعاقبتُموني بِالمَنون بِلا وَزر |
|
لَقَد رَقَّ لي ما تَجَرَعت مِن أَسىً | |
|
| فُؤاد عَذولي وَهُوَ أَقسى مِن الصَخر |
|
سُهادٌ وَسقمٌ وَاِشتِياقٌ وَلَوعَةٌ | |
|
| وَصُبحٌ بِلا ضوء وَلَيلٌ بِلا فَجر |
|
وَدَمعٌ بِلا جفن وَعَينٌ بِلا كَرى | |
|
| وَقَلبٌ بِلا أنسٍ وَسِرٌّ بِلا ستر |
|
وَكَم قائِلٍ جَهلاً نسلَّ بِغَيرِهِ | |
|
| وَلا تَجرِ ذِكراهُ بِسرٍّ وَلا جَهر |
|
وَكَيفَ تَرى يَنسى العَليل شِفاؤُهُ | |
|
| وَلَيسَ سلوّ الأَلف مِن خُلُق الحَرّ |
|
وَهَل يَمنَع الظَمآن طالَ بِهِ الظَما | |
|
| مِن أَن يَتمنى بارد الماءِ في السر |
|
أَلا فَأدِر ذِكراهٌ صِرفاً فَإِنَّني | |
|
| أَغيب بِهِ عَن حالة الصَحو وَالسُكرِ |
|
أُحِب نُموّ الوَجد فيهِ صَبابَةً | |
|
| وَإِن كانَ يَفضي بي إِلى البُؤس وَالضَر |
|
فَلو ثمَّ وَجدٌ فَوقَ وَجدي لَعاشِقٍ | |
|
| تَمنيتُهُ أَن يَستَحيل إِلى صَدري |
|
وَلَم أَنسَ إِذ أَحيا قَتيل صُدوده | |
|
| وَقَد زارَ مِن خَوف الوُشاةِ عَلى زَعر |
|
وَقَرطس أَحشائي بِأَسهُم لِحظِهِ | |
|
| رَماني بِها عَمداً عِن النَظَر الشَذر |
|
فَعاطيتُهُ كَأس العِتاب مَشوبَةً | |
|
| بِدَمع حَكى مِن فَيضِهِ زَخرة البَحر |
|
وَأَخجَلتُهُ حَتّى تَلهب خَدهُ | |
|
| تَلهب أَحشائي مِن الصَد وَالَهَجر |
|
وَرضت بِها أَخلاقُهُ وَهِيَ صَعبَةٌ | |
|
| فَلانَت وَأَهوى مِن قُطوب إِلى بَشَر |
|
وَحياً يُمسك عطَّرتهُ أَكُفُهُ | |
|
| وَأَنفاسُهُ أَذكى مِن المسك وَالعُطر |
|
وَبِتنا نُدير الأُنس وَاللَيل قَد سَجا | |
|
| وَقَد غَربت شَمس المُدامَة في البَدر |
|
وَحَليت بِالياقوت فضة نَحرِهِ | |
|
| وَجيد الدُجا حالَ بِأَنجُمِهِ الزُهر |
|
يُخالسني روحي بِسحر جُفونِهِ | |
|
| فَأَقضي بِهِ وَجداً وَاحياً وَلا أَدري |
|
يَقول وَقَد أَوهى النُعاس جُفونَهُ | |
|
| وَأَغمَد سَيف اللَحظ مِنهُ عَلى قسر |
|
أُريدُ نُعيد الأُنس قُلت لَهُ مَتى | |
|
| فَيَوم تَلاقَينا أَبيع بِهِ عُمري |
|
فَقالَ وَبَدر اللَيل لِلغَرب قَد هَوى | |
|
| وَجِفنُ الدُجا يَبكي مِن الهَجر بِالقَطر |
|
إِذا اِمتَلَأَت مِن دَمع هَذا ثُغور ذا | |
|
| فَقُلتُ لَهُ ماذا فَأومى إِلى البَدر |
|
وَأَغفى وَاستار الظَلام تَكشفت | |
|
| قَليلاً وَقَد كادَ الصَباحُ بِنا يَغري |
|
سَقيت السَحاب الجون يا زَمَناً مَضى | |
|
| وَلَم يَبقَ مِنهُ لِلمشوق سِوى الذكر |
|
أَحبتنا لَم يَبقَ صَبر وَلَو بَقي | |
|
| لَنا بَعدَكُم صَبر لَكانَ مِن الغَدر |
|
طوبنا بِساط الأُنس وَاللَهو بَعدَكُم | |
|
| وَهَذا بِساط الحُزن وَالدَمع في نَشر |
|
عَسى تبرد الأَحشاء مِن حَرقة الجَوى | |
|
| دُموع الأَسى وَالشَوق إِن لَم تَكُن تَبري |
|
تَناسيتُمونا بَعدَ أُنس وَأُلفة | |
|
| أَحب إِلى الجاني مِن الأَمن وَالنَصر |
|
أَتاحَ لَنا تَفريقنا الدَهر غادِراً | |
|
| وَلا غُرو أَنَّ الغَدر مِن شِيَم الدَهر |
|
فَيا قَلب صَبراً لِلقَضا وَتَوكلاً | |
|
| فَلَيسَ لِغَير اللَهِ شَيءٌ مِن الأَمرِ |
|