قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأَزهَرا |
وَانثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا |
وَاجعَل مَكانَ الدُرِّ إِن فَصَّلتَهُ |
في مَدحِهِ خَرَزَ السَماءِ النَيِّرا |
وَاذكُرهُ بَعدَ المَسجِدَينِ مُعَظِّمًا |
لِمَساجِدِ اللهِ الثَلاثَةِ مُكبِرا |
وَاخشَع مَلِيًّا وَاقضِ حَقَّ أَئِمَّةٍ |
طَلَعوا بِهِ زُهرًا وَماجوا أَبحُرا |
كانوا أَجَلَّ مِنَ المُلوكِ جَلالَةً |
وَأَعَزَّ سُلطانًا وَأَفخَمَ مَظهَرا |
زَمَنُ المَخاوِفِ كانَ فيهِ جَنابُهُمْ |
حَرَمَ الأَمانِ وَكانَ ظِلُّهُمُ الذَرا |
مِن كُلِّ بَحرٍ في الشَريعَةِ زاخِرٍ |
وَيُريكَهُ الخُلُقُ العَظيمُ غَضَنفَرا |
لا تَحذُ حَذوَ عِصابَةٍ مَفتونَةٍ |
يَجِدونَ كُلَّ قَديمِ شَيءٍ مُنكَرا |
وَلَوِ استَطاعوا في المَجامِعِ أَنكَروا |
مَن ماتَ مِن آبائِهِم أَو عُمِّرا |
مِن كُلِّ ماضٍ في القَديمِ وَهَدمِهِ |
وَإِذا تَقَدَّمَ لِلبِنايَةِ قَصَّرا |
وَأَتى الحَضارَةَ بِالصِناعَةِ رَثَّةً |
وَالعِلمِ نَزرًا وَالبَيانِ مُثَرثِرا |
يا مَعهَدًا أَفنى القُرونَ جِدارُهُ |
وَطَوى اللَيالِيَ رَكنُهُ وَالأَعصُرا |
وَمَشى عَلى يَبَسِ المَشارِقِ نورُهُ |
وَأَضاءَ أَبيَضَ لُجِّها وَالأَحمَرا |
وَأَتى الزَمانُ عَلَيهِ يَحمي سُنَّةً |
وَيَذودُ عَن نُسُكٍ وَيَمنَعُ مَشعَرا |
في الفاطِمِيّينَ انتَمى يَنبوعُهُ |
عَذبَ الأُصولِ كَجَدِّهِم مُتَفَجِّرا |
عَينٌ مِنَ الفُرقانِ فاضَ نَميرُها |
وَحيًا مِنَ الفُصحى جَرى وَتَحَدَّرا |
ما ضَرَّني أَن لَيسَ أُفقُكَ مَطلَعي |
وَعَلى كَواكِبِهِ تَعَلَّمتُ السُرى |
لا وَالَّذي وَكَلَ البَيانَ إِلَيكَ لَم |
أَكُ دونَ غاياتِ البَيانِ مُقَصِّرا |
لَمّا جَرى الإِصلاحُ قُمتَ مُهَنِّئًا |
بِاسمِ الحَنيفَةِ بِالمَزيدِ مُبَشِّرا |
نَبَأٌ سَرى فَكَسا المَنارَةَ حَبرَةً |
وَزَها المُصَلّى وَاستَخَفَّ المِنبَرا |
وَسَما بِأَروِقَةِ الهُدى فَأَحَلَّها |
فَرعَ الثُرَيّا وَهيَ في أَصلِ الثَرى |
وَمَشى إِلى الحَلَقاتِ فَانفَجَرَت لَهُ |
حَلقًا كَهالاتِ السَماءِ مُنَوِّرا |
حَتّى ظَنَنّا الشافِعِيَّ وَمالِكًا |
وَأَبا حَنيفَةِ وَابنَ حَنبَلِ حُضَّرا |
إِنَّ الَّذي جَعَلَ العَتيقَ مَثابَةً |
جَعَلَ الكِنانِيَّ المُبارَكَ كَوثَرا |
العِلمُ فيهِ مَناهِلًا وَمَجانِيًا |
يَأتي لَهُ النُزّاعُ يَبغونَ القِرى |
يا فِتيَةَ المَعمورِ سارَ حَديثُكُمْ |
نَدًّا بِأَفواهِ الرِكابِ وَعَنبَرا |
المَعهَدُ القُدسِيُّ كانَ نَدِيُّهُ |
قُطبًا لِدائِرَةِ البِلادِ وَمِحوَرا |
وُلِدَت قَضِيَّتُها عَلى مِحرابِهِ |
وَحَبَت بِهِ طِفلا وَشَبَّتْ مُعصِرا |
وَتَقَدَّمَت تُزجي الصُفوفَ كَأَنَّها |
«جاندَركُ» في يَدِها اللِواءُ مُظَفَّرا |
هُزّوا القُرى مِن كَهفِها وَرَقيمِها |
أَنتُم لَعَمرُ اللهِ أَعصابُ القُرى |
الغافِلُ الأُمِّيُّ يَنطُقُ عِندَكُمْ |
كَالبَبَّغاءِ مُرَدِّدًا وَمُكَرِّرا |
يُمسي وَيُصبِحُ في أَوامِرِ دينِهِ |
وَأُمورِ دُنياهُ بِكُمْ مُستَبصِرا |
لَو قُلتُمُ اختَر لِلنِيابَةِ جاهِلا |
أَو لِلخَطابَةِ باقِلا لَتَخَيَّرا |
ذُكِرَ الرِجالُ لَهُ فَأَلَّهَ عُصبَةً |
مِنهُم وَفَسَّقَ آخَرينَ وَكَفَّرا |
آباؤُكُم قَرَؤوا عَلَيهِ وَرَتَّلوا |
بِالأَمسِ تأريخَ الرِجالِ مُزَوَّرا |
حَتّى تَلَفَّتَ عَن مَحاجِرِ رَومَةٍ |
فَرَأى «عُرابي» في المَواكِبِ قَيصَرا |
وَدَعا لِمَخلوقٍ وَأَلَّهَ زائِلاً |
وَارتَدَّ في ظُلَمِ العُصورِ القَهقَرى |
وَتَفَيَّؤوا الدُستورَ تَحتَ ظِلالِهِ |
كَنَفًا أَهَشَّ مِنَ الرِياضِ وَأَنضَرا |
لا تَجعَلوهُ هَوًى وَخُلقًا بَينَكُمْ |
وَمَجَرَّ دُنيا لِلنُفوسِ وَمَتجَرا |
اليَومَ صَرَّحَتِ الأُمورُ فَأَظهَرَتْ |
ما كانَ مِن خُدَعِ السِياسَةِ مُضمَرا |
قَد كانَ وَجهُ الرَأيِ أَن نَبقى يَدًا |
وَنَرى وَراءَ جُنودِها إِنكِلتِرا |
فَإِذا أَتَتنا بِالصُفوفِ كَثيرَةً |
جِئنا بِصَفٍّ واحِدٍ لَن يُكسَرا |
غَضِبَتْ فَغَضَّ الطَرفَ كُلُّ مُكابِرٍ |
يَلقاكَ بِالخَدِّ اللَطيمِ مُصَعَّرا |
لَم تَلقَ إِصلاحًا يُهابُ وَلَم تَجِد |
مِن كُتلَةٍ ما كانَ أَعيا «مِلنَرا» |
حَظٌّ رَجَونا الخَيرَ مِن إِقبالِهِ |
عاثَ المُفَرِّقُ فيهِ حَتّى أَدبَرا |
دارُ النِيابَةِ هَيَّأَت دَرَجاتُها |
فَليَرقَ في الدَرَجِ الذَوائِبُ وَالذُرا |
الصارِخونَ إِذا أُسيءَ إِلى الحِمى |
وَالزائِرونَ إِذا أُغيرَ عَلى الشَرى |
لا الجاهِلونَ العاجِزونَ وَلا الأُلى |
يَمشونَ في ذَهَبِ القُيودِ تَبَختُرا |