اللَهُ أَكبَرُ كَم في الفَتحِ مِن عَجَبٍ |
يا خالِدَ التُركِ جَدِّد خالِدَ العَرَبِ |
صُلحٌ عَزيزٌ عَلى حَربٍ مُظَفَّرَةٍ |
فَالسَيفُ في غِمدِهِ وَالحَقُّ في النُصُبِ |
يا حُسنَ أُمنِيَّةٍ في السَيفِ ما كَذَبَتْ |
وَطيبَ أُمنِيَّةٍ في الرَأيِ لَم تَخِبِ |
خُطاكَ في الحَقِّ كانَت كُلُّها كَرَمًا |
وَأَنتَ أَكرَمُ في حَقنِ الدَمِ السَرِبِ |
حَذَوتَ حَربَ الصَلاحِيّينَ في زَمَنٍ |
فيهِ القِتالُ بِلا شَرعٍ وَلا أَدَبِ |
لَم يَأتِ سَيفُكَ فَحشاءً وَلا هَتَكَتْ |
قَناكَ مِن حُرمَةِ الرُهبانِ وَالصُلُبِ |
سُئِلتَ سِلمًا عَلى نَصرٍ فَجُدتَ بِها |
وَلَو سُئِلتَ بِغَيرِ النَصرِ لَم تُجِبِ |
مَشيئَةٌ قَبِلَتها الخَيلُ عاتِبَةٌ |
وَأَذعَنَ السَيفُ مَطوِيًّا عَلى عَضَبِ |
أَتَيتَ ما يُشبِهُ التَقوى وَإِن خُلِقَتْ |
سُيوفُ قَومِكَ لا تَرتاحُ لِلقُرُبِ |
وَلا أَزيدُكَ بِالإِسلامِ مَعرِفَةً |
كُلُّ المُروءَةِ في الإِسلامِ وَالحَسَبِ |
مَنَحتَهُم هُدنَةٌ مِن سَيفِكَ اِلتُمِسَت |
فَهَب لَهُم هُدنَةٌ مِن رَأيِكَ الضَرِبِ |
أَتاهُمُ مِنكَ في «لَوزانَ» داهِيَةٌ |
جاءَت بِهِ الحَربُ مِن حَيّاتِها الرُقُبِ |
أَصَمٌّ يَسمَعُ سِرَّ الكائِدينَ لَهُ |
وَلا يَضيقُ بِجَهرِ المُحنَقِ الصَخِبِ |
لَم تَفتَرِق شَهَواتُ القَومِ في أَرَبٍ |
إِلا قَضى وَطَرًا مِن ذَلِكَ الأَرَبِ |
تَدَرَّعَت لِلِقاءِ السِلمِ أَنقَرَةٌ |
وَمَهَّدَ السَيفُ في «لوزانَ» لِلخُطَبِ |
فَقُل لِبانٍ بِقَولٍ رُكنَ مَملَكَةٍ |
عَلى الكَتائِبِ يُبنى المُلكُ لا الكُتُبِ |
لا تَلتَمِس غَلَبًا لِلحَقِّ في أُمَمٍ |
الحَقُّ عِندَهُمُ مَعنىً مِنَ الغَلَبِ |
لا خَيرَ في مِنبَرٍ حَتّى يَكونَ لَهُ |
عودٌ مِنَ السُمرِ أَو عودٌ مِنَ القُضُبِ |
وَما السِلاحُ لِقَومٍ كُلُّ عُدَّتِهِمْ |
حَتّى يكونوا مِنَ الأَخلاقِ في أُهُبِ |
لَو كانَ في النابِ دونَ الخُلقِ مَنبَهَةٌ |
تَساوَتِ الأُسدُ وَالذُؤبانُ في الرُتَبِ |
لَم يُغنِ عَن قادَةِ اليونانَ ما حَشَدوا |
مِنَ السِلاحِ وَما ساقوا مِنَ العُصَبِ |
وَتَركُهُمْ آسِيا الصُغرى مُدَجَّجَةً |
كَثُكنَةِ النَحلِ أَو كَالقُنفُذِ الخَشَبِ |
لِلتُركِ ساعاتُ صَبرٍ يَومَ نَكبَتِهِمْ |
كُتِبنَ في صُحُفِ الأَخلاقِ بِالذَهَبِ |
مَغارِمٌ وَضَحايا ما صَرَخنَ وَلا |
كُدِّرنَ بِالمَنِّ أَو أُفسِدنَ بِالكَذِبِ |
بِالفِعلِ وَالأَثَرِ المَحمودِ تَعرِفُها |
وَلَستَ تَعرِفُها بِاِسمٍ وَلا لَقَبِ |
جُمِعنَ في اِثنَينِ مِن دينٍ وَمِن وَطَنٍ |
جَمعَ الذَبائِحِ في اسمِ اللهِ وَالقُرَبِ |
فيها حَياةٌ لِشَعبٍ لَم يَمُت خُلُقًا |
وَمَطمَعٌ لِقَبيلٍ ناهِضٍ أَرَبِ |
لَم يَطعَمِ الغُمضَ جَفَنُ المُسلِمينَ لَها |
حَتّى انجَلى لَيلُها عَن صُبحِهِ الشَنِبِ |
كُنَّ الرَجاءَ وَكُنَّ اليَأسَ ثُمَّ مَحا |
نورُ اليَقينِ ظَلامَ الشَكِّ وَالرَيَبِ |
تَلَمَّسَ التُركُ أَسبابًا فَما وَجَدوا |
كَالسَيفِ مِن سُلَّمٍ لِلعِزِّ أَو سَبَبِ |
خاضوا العَوانَ رَجاءً أَن تُبَلِّغَهُمْ |
عَبرَ النَجاةِ فَكانَت صَخرَةَ العَطَبِ |
سَفينَةُ اللَهِ لَم تُقهَر عَلى دُسُرٍ |
في العاصِفاتِ وَلَم تُغلَب عَلى خُشُبِ |
قَد أَمَّنَ اللَهُ مَجراها وَأَبدَلَها |
بِحُسنِ عاقِبَةٍ مِن سوءِ مُنقَلَبِ |
وَاختارَ رُبّانَها مِن أَهلِها فَنَجَتْ |
مِن كَيدِ حامٍ وَمِن تَضليلِ مُنتَدَبِ |
ما كانَ ماءُ «سَقارَيّا» سِوى سَقَرٍ |
طَغَتْ فَأَغرَقَتِ الإِغريقَ في اللَهَبِ |
لَمّا انبَرَت نارُها تَبغيهُمُ حَطَبًا |
كانَت قِيادَتُهُم حَمّالَةَ الحَطَبِ |
سَعَتْ بِهِمْ نَحوَكَ الآجالُ يَومَئِذٍ |
يا ضَلَّ ساعٍ بِداعي الحَينِ مُنجَذِبِ |
مَدّوا الجُسورَ فَحَلَّ اللهُ ما عَقَدوا |
إِلا مَسالِكَ فِرعَونِيَّةَ السَرَبِ |
كَربٌ تَغَشّاهُمُ مِن رَأيِ ساسَتِهِمْ |
وَأَشأَمُ الرَأيِ ما أَلقاكَ في الكُرَبِ |
هُم حَسَّنوا لِلسَوادِ البُلهِ مَملَكَةً |
مِن لِبدَةِ اللَيثِ أَو مِن غيلِهِ الأَشِبِ |
وَأَنشَؤوا نُزهَةً لِلجَيشِ قاتِلَةً |
وَمَن تَنَزَّهَ في الآجامِ لَم يَؤُبِ |
ضَلَّ الأَميرُ كَما ضَلَّ الوَزيرُ بِهِمْ |
كِلا السَرابَينِ أَظماهُمْ وَلَم يَصُبِ |
تَجاذَباهُمْ كَما شاءا بِمُختَلِفٍ |
مِنَ الأَمانِيِّ وَالأَحلامِ مُختَلِبِ |
وَكَيفَ تَلقى نَجاحًا أُمَّةٌ ذَهَبَتْ |
حِزبَينِ ضِدَّينِ عِندَ الحادِثِ الحَزِبِ |
زَحَفتَ زَحفَ أَتِيٍّ غَيرِ ذي شَفَقٍ |
عَلى الوِهادِ وَلا رِفقٍ عَلى الهِضَبِ |
قَذَفتَهُمْ بِالرِياحِ الهوجِ مُسرَجَةً |
يَحمِلنَ أُسدَ الشَرى في البَيضِ وَاليَلَبِ |
هَبَّتْ عَلَيهِمْ فَذابوا عَن مَعاقِلِهِمْ |
وَالثَلجُ في قُلَلِ الأَجبالِ لَم يَذُبِ |
لَمّا صَدَعتَ جَناحَيهِمْ وَقَلبَهُمُ |
طاروا بِأَجنِحَةٍ شَتّى مِنَ الرُعبِ |
جَدَّ الفِرارُ فَأَلقى كُلُّ مُعتَقَلٍ |
قَناتَهُ وَتَخَلى كُلُّ مُحتَقِبِ |
يا حُسنَ ما انسَحَبوا في مَنطِقٍ عَجَبٍ |
تُدعى الهَزيمَةُ فيهِ حُسنَ مُنسَحَبِ |
لَم يَدرِ قائِدُهُمْ لَمّا أَحَطَّتَ بِهِ |
هَبَطتَ مِن صُعُدٍ أَم جِئتَ مِن صَبَبِ |
أَخَذتَهُ وَهوَ في تَدبيرِ خُطَّتِهِ |
فَلَم تَتِمَّ وَكانَت خُطَّةَ الهَرَبِ |
تِلكَ الفَراسِخُ مِن سَهلٍ وَمِن جَبَلٍ |
قَرَّبتَ ما كانَ مِنها غَيرَ مُقتَرِبِ |
خَيلُ الرَسولِ مِنَ الفولاذِ مَعدِنُها |
وَسائِرُ الخَيلِ مِن لَحمٍ وَمِن عَصَبِ |
أَفي لَيالٍ تَجوبُ الراسِياتُ بِها |
وَتَقطَعُ الأَرضَ مِن قُطْبٍ إِلى قُطُبِ |
سَلِ الظَلامَ بِها أَيُّ المَعاقِلِ لَمْ |
تَطفِر وَأَيُّ حُصونِ الرومِ لَم تَشبِ |
آلَت لَئِن لَم تَرِد «أَزميرَ» لا نَزَلَت |
ماءً سِواها وَلا حَلَّت عَلى عُشُبِ |
وَالصَبرُ فيها وَفي فُرسانِها خُلُقٌ |
تَوارَثوهُ أَبًا في الرَوعِ بَعدَ أَبِ |
كَما وُلِدتُمْ عَلى أَعرافِها وُلِدَتْ |
في ساحَةِ الحَربِ لا في باحَةِ الرَحَبِ |
حَتّى طَلَعتَ عَلى «أَزميرَ» في فَلَكٍ |
مِن نابِهِ الذِكرِ لَم يَسمُك عَلى الشُهُبِ |
في مَوكِبٍ وَقَفَ التأريخُ يَعرِضُهُ |
فَلَم يُكَذِّب وَلَم يَذمُم وَلَم يُرِبِ |
يَومٌ كَبَدرٍ فَخَيلُ الحَقِّ راقِصَةٌ |
عَلى الصَعيدِ وَخَيلُ اللهِ في السُحُبِ |
غُرٌّ تُظَلِّلُها غَرّاءُ وارِفَةٌ |
بَدرِيَّةُ العودِ وَالديباجِ وَالعَذَبِ |
نَشوى مِنَ الظَفَرِ العالي مُرَنَّحَةٌ |
مِن سَكرَةِ النَصرِ لا مِن سَكرَةِ النَصَبِ |
تُذَكِّرُ الأَرضُ ما لَم تَنسَ مِن زَبَدٍ |
كَالمِسكِ مِن جَنَباتِ السَكبِ مُنسَكِبِ |
حَتّى تَعالى أَذانُ الفَتحِ فَاتَّأَدَت |
مَشيَ المُجَلّي إِذا استَولى عَلى القَصَبِ |
تَحِيَّةً أَيُّها الغازي وَتَهنِئَةً |
بِآيَةِ الفَتحِ تَبقى آيَةُ الحِقَبِ |
وَقَيِّمًا مِن ثَناءٍ لا كِفاءَ لَهُ |
إِلا التَعَجُّبُ مِن أَصحابِكَ النُجُبِ |
الصابِرينَ إِذا حَلَّ البَلاءُ بِهِمْ |
كَاللَيثِ عَضَّ عَلى نابَيهِ في النُوَبِ |
وَالجاعِلينَ سُيوفَ الهِندِ أَلسِنَهُمْ |
وَالكاتِبينَ بِأَطرافِ القَنا السُلُبُ |
لا الصَعبُ عِندَهُمُ بِالصَعبِ مَركَبُهُ |
وَلا المُحالُ بِمُستَعصٍ عَلى الطَلَبِ |
وَلا المَصائِبُ إِذ يَرمي الرِجالُ بِها |
بِقاتِلاتٍ إِذا الأَخلاقُ لَم تُصَبِ |
قُوّادُ مَعرَكَةٍ وُرّادُ مَهلَكَةٍ |
أَوتادُ مَملَكَةٍ آسادُ مُحتَرَبِ |
بَلَوتَهُمْ فَتَحَدَّث كَم شَدَدتَ بِهِمْ |
مِن مُضمَحِلٍّ وَكَم عَمَّرتَ مِن خُرَبِ |
وَكَم ثَلَمتَ بِهِمْ مِن مَعقِلٍ أَشِبٍ |
وَكَم هَزَمتَ بِهِمْ مِن جَحفَلٍ لَجِبِ |
وَكَم بَنَيتَ بِهِمْ مَجدًا فَما نَسَبوا |
في الهَدمِ ما لَيسَ في البُنيانِ مِن صَخَبِ |
مِن فَلِّ جَيشٍ وَمِن أَنقاضِ مَملَكَةٍ |
وَمِن بَقِيَّةِ قَومٍ جِئتَ بِالعَجَبِ |
أَخرَجتَ لِلناسِ مِن ذُلٍّ وَمِن فَشَلٍ |
شَعبًا وَراءَ العَوالي غَيرَ مُنشَعِبِ |
لَمّا أَتَيتَ بِبَدرٍ مِن مَطالِعِها |
تَلَفَّتَ البَيتُ في الأَستارِ وَالحُجُبِ |
وَهَشَّتِ الرَوضَةُ الفَيحاءُ ضاحِكَةً |
إِنَّ المُنَوَّرَةَ المِسكِيَّةَ التُرُبِ |
وَمَسَّتِ الدارُ أَزكى طيبِها وَأَتَتْ |
بابَ الرَسولِ فَمَسَّتْ أَشرَفَ العُتُبِ |
وَأَرَّجَ الفَتحُ أَرجاءَ الحِجازِ وَكَمْ |
قَضى اللَيالِيَ لَم يَنعَمْ وَلَم يَطِبِ |
وَازَّيَّنَت أُمَّهاتُ الشَرقِ وَاستَبَقَتْ |
مَهارِجُ الفَتحِ في المُؤشِيَّةِ القُشُبِ |
هَزَّت دِمَشقُ بَني أَيّوبَ فَانتَبِهوا |
يَهنَئونَ بَني حَمدانَ في حَلَبِ |
وَمُسلِمو الهِندِ وَالهِندوسُ في جَذَلٍ |
وَمُسلِمو مِصرَ وَالأَقباطُ في طَرَبِ |
مَمالِكٌ ضَمَّها الإِسلامُ في رَحِمٍ |
وَشيجَةٍ وَحَواها الشَرقُ في نَسَبِ |
مِن كُلِّ ضاحِيَةٍ تَرمي بِمُكتَحَلٍ |
إِلى مَكانِكَ أَو تَرمي بِمُختَضَبِ |
تَقولُ لَولا الفَتى التُركِيُّ حَلَّ بِنا |
يَومٌ كَيَومِ يَهودٍ كانَ عَن كَثَبِ |