أَنا مَن بَدَّلَ بِالكُتبِ الصِحابا |
لَم أَجِد لي وافِيًا إِلا الكِتابا |
صاحِبٌ إِنْ عِبتَهُ أَو لَم تَعِبْ |
لَيسَ بِالواجِدِ لِلصاحِبِ عابا |
كُلَّما أَخلَقتُهُ جَدَّدَني |
وَكَساني مِن حِلى الفَضلِ ثِيابا |
صُحبَةٌ لَم أَشكُ مِنها ريبَةً |
وَوِدادٌ لَم يُكَلِّفني عِتابا |
رُبَّ لَيلٍ لَم نُقَصِّر فيهِ عَن |
سَمَرٍ طالَ عَلى الصَمتِ وَطابا |
كانَ مِن هَمِّ نَهاري راحَتي |
وَنَدامايَ وَنَقلِيَ وَالشَرابا |
إِن يَجِدني يَتَحَدَّث أَو يَجِد |
مَلَلاً يَطوي الأَحاديثَ اقتِضابا |
تَجِدُ الكُتبَ عَلى النَقدِ كَما |
تَجِدُ الإِخوانَ صِدقًا وَكِذابا |
فَتَخَيَّرها كَما تَختارُهُ |
وَادَّخِر في الصَحبِ وَالكُتبِ اللُبابا |
صالِحُ الإِخوانِ يَبغيكَ التُقى |
وَرَشيدُ الكُتبِ يَبغيكَ الصَوابا |
غالِ بِالتاريخِ وَاِجعَل صُحفَهُ |
مِن كِتابِ اللهِ في الإِجلالِ قابا |
قَلِّبِ الإِنجيلَ وَانظُر في الهُدى |
تَلقَ لِلتاريخِ وَزنًا وَحِسابا |
رُبَّ مَن سافَرَ في أَسفارِهِ |
بِلَيالي الدَهرِ وَالأَيّامِ آبا |
وَاطلُبِ الخُلدَ وَرُمهُ مَنزِلاً |
تَجِدِ الخُلدَ مِنَ التاريخِ بابا |
عاشَ خَلقٌ وَمَضَوا ما نَقَصوا |
رُقعَةَ الأَرضِ وَلا زادوا التُرابا |
أَخَذَ التاريخُ مِمّا تَرَكوا |
عَمَلاً أَحسَنَ أَو قَولاً أَصابا |
وَمِنَ الإِحسانِ أَو مِن ضِدِّهِ |
نَجَحَ الراغِبُ في الذِكرِ وَخابا |
مَثَلُ القَومِ نَسوا تاريخَهُمْ |
كَلَقيطٍ عَيَّ في الناسِ انتِسابا |
أَو كَمَغلوبٍ عَلى ذاكِرَةٍ |
يَشتَكي مِن صِلَةِ الماضي انقِضابا |
يا أَبا الحُفّاظِ قَد بَلَّغتَنا |
طِلبَةً بَلَّغَكَ اللَهُ الرِغابا |
لَكَ في الفَتحِ وَفي أَحداثِهِ |
فَتَحَ اللهُ حَديثًا وَخِطابا |
مَن يُطالِعهُ وَيَستَأنِس بِهِ |
يَجِدِ الجِدَّ وَلا يَعدَمْ دِعابا |
صُحُفٌ أَلَّفَتها في شِدَّةٍ |
يَتَلاشى دونَها الفِكرُ انتِهابا |
لُغَةُ الكامِلِ في استِرسالِهِ |
وَابنُ خَلدونَ إِذا صَحَّ وَصابا |
إِنَّ لِلفُصحى زِمامًا وَيَدًا |
تَجنِبُ السَهلَ وَتَقتادُ الصَعابا |
لُغَةُ الذِكرِ لِسانُ المُجتَبى |
كَيفَ تَعيا بِالمُنادينَ جَوابا |
كُلُّ عَصرٍ دارُها إِنْ صادَفَتْ |
مَنزِلاً رَحبًا وَأَهلاً وَجَنابا |
اِئتِ بِالعُمرانِ رَوضًا يانِعًا |
وَادعُها تَجرِ يَنابيعَ عِذابا |
لا تَجِئها بِالمَتاعِ المُقتَنى |
سَرَقًا مِن كُلِّ قَومٍ وَنِهابا |
سَل بِها أَندَلُسًا هَل قَصَّرَت |
دونَ مِضمارِ العُلا حينَ أَهابا |
غُرِسَت في كُلِّ تُربٍ أَعجَمٍ |
فَزَكَت أَصلاً كَما طابَت نِصابا |
وَمَشَت مِشيَتَها لَم تَرتَكِب |
غَيرَ رِجلَيها وَلَم تَحجِل غُرابا |
إِنَّ عَصرًا قُمتَ تَجلوهُ لَنا |
لَبِسَ الأَيّامَ دَجنًا وَضَبابا |
المَماليكُ تَمَشّى ظُلمُهُمْ |
ظُلُماتٍ كَدُجى اللَيلِ حِجابا |
كُلُّهُمْ كافورُ أَو عَبدُ الخَنا |
غَيرَ أَنَّ المُتَنَبّي عَنهُ خابا |
وَلِكُلٍّ شيعَةٌ مِن جِنسِهِ |
إِنَّ لِلشَرِّ إِلى الشَرِّ انجِذابا |
ظُلُماتٌ لا تَرى في جُنحِها |
غَيرَ هَذا الأَزهَرِ السَمحِ شِهابا |
زيدَتِ الأَخلاقُ فيهِ حائِطًا |
فَاحتَمى فيها رِواقًا وَقِبابا |
وَتَرى الأَعزالَ مِن أَشياخِهِ |
صَيَّروهُ بِسِلاحِ الحَقِّ غابا |
قَسَمًا لَولاهُ لَم يَبقَ بِها |
رَجُلٌ يَقرَأُ أَو يَدري الكِتابا |
حَفِظَ الدينَ مَلِيًّا وَمَضى |
يُنقِذُ الدُنيا فَلَم يَملِك ذَهابا |
أوذِيَت هَيبَتُهُ مِن عَجزِهِ |
وَقُصارى عاجِزٍ أَلا يُهابا |
لَم تُغادِر قَلَمًا في راحَةٍ |
دَولَةٌ ما عَرَفَت إِلا الحِرابا |
أَقعَدَ اللَهُ الجَبرَتِيَّ لَها |
قَلَمًا عَن غائِبِ الأَقلامِ نابا |
خَبَّأَ الشَيخُ لَها في رُدنِهِ |
مِرقَمًا أَدهى مِنَ الصِلِّ انسِيابا |
مَلِكٌ لَم يُغضِ عَن سَيِّئَةٍ |
يا لَهُ مِن مَلَكٍ يَهوى السِبابا |
لا يَراهُ الظُلمُ في كاهِلِهِ |
وَهوَ يَكوي كاهِلَ الظُلمِ عِقابا |
صُحُفُ الشَيخِ وَيَومِيّاتُهُ |
كَزَمانِ الشَيخِ سُقمًا وَاضطِرابا |
مِن حَواشٍ كَجَليدٍ لَم يَذُب |
وَفُصولٍ تُشبِهُ التِبرَ المُذابا |
وَالجَبَرتِيُّ عَلى فِطنَتِهِ |
مَرَّةً يَغبى وَحينًا يَتَغابى |
مُنصِفٌ ما لَم يَرُض عاطِفَةً |
أَو يُعالِجُ لِهَوى النَفسِ غِلابا |
وَإِذا الحَيُّ تَوَلّى بِالهَوى |
سيرَةَ الحَيِّ بَغى فيها وَحابى |
وَقعَةُ الأَهرامِ جَلَّت مَوقِعًا |
وَتَعالَت في المَغازي أَن تُرابا |
عِظَةُ الماضي وَمُلقى دَرسِهِ |
لِعُقولٍ تَجعَلُ الماضي مَثابا |
مِن بَناتِ الدَهرِ إِلا أَنَّها |
تَنشُرُ الدَهرَ وَتَطويهِ كَعابا |
وَمِنَ الأَيّامِ ما يَبقى وَإِن |
أَمعَنَ الأَبطالُ في الدَهرِ احتِجابا |
هِيَ مِن أَيِّ سَبيلٍ جِئتَها |
غايَةٌ في المَجدِ لا تَدنو طِلابا |
اُنظُرِ الشَرقَ تَجِدها صَرَّفَت |
دَولَةَ الشَرقِ استِواءً وَانقِلابا |
جَلَبَت خَيرًا وَشَرًّا وَسَقَت |
أُمَمًا في مَهدِهِم شُهدًا وَصابا |
في تصيبينَ لَبِسنا حُسنَها |
وَعَلى التَلِّ لَبِسناها مَعابا |
إِنَّ سِربًا زَحَفَ النَسرُ بِهِ |
قَطَعَ الأَرضَ بِطاحًا وَهِضابا |
إِن تَرامَت بَلَدًا عِقبانُهُ |
خَطَفَت تاجًا وَاصطادَت عُقابا |
شَهِدَ الجَيزِيُّ مِنهُم عُصبَةً |
لَبِسوا الغارَ عَلى الغارِ اغتِصابا |
كَذِئابِ القَفرِ مِن طولِ الوَغى |
وَاختِلافِ النَقعِ لَونًا وَإِهابا |
قادَهُمْ لِلفَتحِ في الأَرضِ فَتًى |
لَو تَأَنّى حَظَّهُ قادَ الصَحابا |
غَرَّتِ الناسَ بِهِ نَكبَتُهُ |
جَمَعَ الجُرحُ عَلى اللَيثِ الذُبابا |
بَرَزَت بِالمَنظَرِ الضاحي لَهُمْ |
فَيلَقٌ كَالزَهرِ حُسنًا وَالتِهابا |
حُلِّيَ الفُرسانُ فيها جَوهَرًا |
وَجَلالُ الخَيلِ دُرًّا وَذَهابا |
في سِلاحٍ كَحُلِيِّ الغيدِ ما |
لَمَسَت طَعنًا وَلا مَسَّت ضِرابا |
طَرِحَت مِصرٌ فَكانَت مومِيا |
بَينَ لِصَّينِ أَراداها جُذابا |
نالَها الأَعرَضُ ظَفَرًا مِنهُما |
مِن ذِئابِ الحَربِ وَالأَطوَلُ نابا |
وَبَنو الوادي رِجالاتُ الحِمى |
وَقَفوا مِن ساقِهِ الجَيشَ ذُنابى |
مَوقِفَ العاجِزِ مِن حِلفِ الوَغى |
يَحرُسُ الأَحمالَ أَو يَسقي مُصابا |