أثارَ القضَا حُزْني وقد خانني الدَّهْرُ
|
وضاقتْ علىَّ الأرضُ والنفسُ والصدْرُ
|
وعن مهجتي عزَّ التجلدُ والصبرُ
|
وقد باح ما أكنَنْتُه وفشا السرُّ
|
عشيَّةَ مات السيد الذمِرُ الحبْرُ | |
|
| ألا للإله الخالقِ الخَلْقُ والأمرُ |
|
بأنفسنا يا قومُ لو يُقبلُ الفِدا
|
فدْينا الفتى الندْبَ الكريمَ محمَّدا
|
فتى يوسف المعروف خير من اهتدَى
|
فموتَتُه أضحى بها الدهرُ أسودا
|
إلى الله أشكو جوْرَ دهرٍ قد اعتدى | |
|
| لعل الكريمَ الحرَّ ليس له عمْرُ |
|
تأمل أخي هل مثلَه سيداً ترى
|
وسلْ عنه سكانَ المدائنِ والقُرى
|
فمن ذا الذي يحكى ابن يوسف في الورى
|
سخيٌ ببذل المال والنفس والقرى
|
فلا تلد الآسادُ إلا الغضَنْفرا | |
|
| كذاك الشجاع الذَّمْرُ والده الذمرُ |
|
ثوَى في الثرى تحتَ الجلاميدِ والحصَى
|
وكان على الدنيا وليا ومخلصا
|
كريماً عدوَّ المال إنْ وافدٌ نصى
|
صديقا لدى التقوى عدوا لمن عصى
|
وبحراً لدانيه وغيثاً لمن قصى | |
|
| ففي مثل هذا يكثرُ الحمدُ والذكرُ |
|
جرَتْ عَبْرَةٌ من مقلتي بعد عَبْرَةٍ
|
لفقد كريم مات مِنْ آل عَبْرِة
|
فيا عِبْرةً غطتْ على كل عِبْرةٍ
|
فكن صاحبي بالحزن صاحبَ خِبرةِ
|
فَمَا الحزنُ إلا حسرةٌ بعد حسرةٍ | |
|
| وغزْرٌ من الآماق يتبعه غزْرُ |
|
حوادثُ فيهنَّ المواعظُ والعِبرْ
|
أيا سائلي يكفى العِيازُ عن الخبرْ
|
فلُمْ نفسَك الحوباءَ يا صاحِ أو فذَرْ
|
فإن قضاءَ اللهِ قد يملك البشَرْ
|
إذا رشقتْ أصحابَها أسهُمُ القَدَرْ | |
|
| فلا يمنع التحذيرُ منهن والحِذَرْ |
|
خليليَّ هل مثلُ ابنِ يوسف مقدامُ
|
وهل مثلُه حُرٌّ كريم ومِطعامُ
|
وهل مثلُه حر تقي وقمْقامُ
|
فلله ليْلاتٌ تقضُتْ وأيامُ
|
بكته نساءٌ نائحاتٌ وأقوامُ | |
|
| وناح عليه كلُّ من حوت السِّبْرُ |
|
دفينَ الثرى أمسى الكريمُ ابنُ يوسفاَ
|
وأمسى عليه الكلُّ يبكى تأسَّفَا
|
ودمعُ مآقينا أبي أنْ يُكَفْكِفَا
|
وأنفسُنا كادتْ تموت تلهُّفا
|
وقد كدَّر الحزنُ المعيشة والصفا | |
|
| وعبَّس وجهُ اليسْرِ وابتسم العسْرُ |
|
ذُرا معقلِ الغبِّي بكى ثم أَعوَلا
|
عشية خيرُ الأكرمينَ تحوَّلا
|
وصاح عليه كلُّ باكٍ ووَلْوَلاَ
|
|
أشدَّ وأدهى في الأمور وأهْولا | |
|
| ألا فاعتبرْ يأيها العاقلُ الحرُّ |
|
رَثينْاك يا منْ طابَ فيه الرَّثا لنا
|
وقد طاب فيه مدحُنا ومقالُنا
|
مضيْتَ وخلفتَ الجوى والجَفا لنا
|
بكيناك حتى نوقُنا وجِمالنا
|
وعزَّ علينا صبرُنا واحتمالُنا | |
|
| وقد كلَّتِ الأعضاءُ وانكسر الظهرُ |
|
زمانكمُ ما إن تُضاهيه أزْمُنٌ
|
بغيضٌ غليظٌ كالِبٌ متخشِّنُ
|
ألا فكِّروا في هذه وتبيَّنوا
|
فما ظَنُّنا أن الشموسَ تُكَفَّنُ
|
وتوضعُ في بطن الثرى ثم تدفنُ | |
|
| وأن بدورَ التِّم مغربُها القبرُ |
|
سقى اللهُ قَفراً فيه قبرُ محمدٍ
|
بمثْعَنْجرٍ هامٍ من الجُون أسودِ
|
مُلِثِّ الندى مُغْلَنْطِفِ المزْن مُرْعدِ
|
يضل به الخِرِّيتُ طوراً ويهتدى
|
يحيِّرُ طرْفَ القائفِ المتعَوِّدِ | |
|
| حياً مكْفَهِر السحب أدمعُه غمْرُ |
|
سألتك يا أللهُ يا خيرَ غفَّارِ
|
سلامةَ نفسي والنجاةَ من النارِ
|
وحُطّ ذنوبي يا إلهي وأوزارِي
|
وأسألُك التوفيق في الدار والدارِ
|
وحسنَ العزا والصبر في القدر الجارى | |
|
| سألتكَ يا ألله يا ربُّ يا بَرُّ |
|
هو الحي لا يَفْنى ولا يتغَيرُ
|
ألا فتعزَّوْا أيها القومُ واصبِروا
|
وأوبُوا إلى الربِّ المهيْمنِ واشكرُوا | |
|
| جميعاً فإن العسرَ من بعده يُسْرُ |
|
صروفُ القضا صبرى عليهنَّ أحسنُ
|
فإنْ لم أطقْ صبراً فما أنا محسنُ
|
تعالى الإله المستعانُ المكوِّنُ
|
عليمٌ بما نُخفِى وما نحنُ نعلنُ
|
|
| وأعلمُ أن الموتَ من بعده حشرُ |
|
ضحِكنا وطبْنا أنفساً وحِمامُنا
|
يروح ويغدو خلفَنا وأمامَنا
|
ونأمل في الدنيا طويلَ مُقامِنا
|
ويصَلُح فيها شربُنا وطعامُنا
|
لعمرك ما آمالُنا وكلامُنا | |
|
| إذا ما احتوانا الطينُ والرمل والصخرُ |
|
طِوالٌ بها آمالُنا وذنوبُنا
|
عظامٌ ولا تحصَى بعدٍّ عيوبنُا
|
ولم تنتفعْ بالموعظات قلوبُنا
|
ولم ترْتدعْ والحادثاتُ تَنُوبنا
|
إذا كان كالشم الشناخيب حُوبُنا | |
|
| فأين يكون الاعتذارُ وما العذرُ |
|
ظللَنا نقاسى حبَّ دُنْيتِنا عشقا
|
وما إِنْ نبالى في الحياة بما نلقى
|
ظنَنَّا بأن نبقى لها ولنا تبقى
|
وذلك ظنٌّ لم يكن مُغنياً حقا
|
إذا بلغَ الروحُ اللهيَّة والحلقا | |
|
| فكن لي مجيباً ما جوابك يا غِرُّ |
|
عزيز اصطبارٍ منْ به حرقُ الحزنِ
|
فيا عاذلي أقصرْ ويا لائمي دعنى
|
أقاسي أسىً أودى من الضرب والطعْنِ | |
|
| على فقد من قد نابَه الجور والفقرُ |
|
غرامى وحزني واشتياقي وفكرتي
|
|
فما كفكفَتْ إلا همَتْ واسبكرَّتِ | |
|
| وفي القلب نار ليس يخبو لها جمرُ |
|
فوا أسفا لو يُستفاد التأسُّف
|
|
وما أنا إلا خائف متخوِّفُ
|
على عمُري لو يُستفاد التخوُّف
|
ولكن لنا رب بنا هُو ألطفُ | |
|
| فمنه العطاء الجمُّ والفتح والنصرُ |
|
قريب سميعٌ لا يزال مهيْمِنا
|
وما زال علاَّماً سلاماً ومؤمنا
|
شكرنا له شكراً كما قد أمدَّنا
|
بمسعود أولى من تقاصى ومن دنا
|
وخيرا امرئٍ بالبرقد قد أصلح الدُّنا | |
|
| فأعوانه التوفيقُ والنصرُ والصبْرُ |
|
كريمُ كِرامٍ من كِرامٍ أطايبِ
|
قئولٌ فعولُ الخيرِ معْ كلِّ واجبِ
|
بطلعته زالُ اسودادُ الغياهبِ
|
لقد سادنا رغم العدوِّ المحارب
|
وقاه إلهُ العرشِ شرَّ النوائب | |
|
| فلا الخيرُ نا آهُ ولانابه الشرُّ |
|
له رتبة تعلو على كل سامكِ
|
مسالكه رُشداً خيارُ المسالكِ
|
فصارت له بكر العلا غيرَ فاركِ
|
هو العدل والى ابْنَ ابْنِ سيفِ بن مالكِ
|
إمامُ الهدى مُلْقى العدا في المهالكِ | |
|
| فلم يحْمهمْ منه حضيضٌ ولا وعرُ |
|
معاقلُه طالتْ على كلِّ معقلِ
|
هوالعَبْهلُ المقدامُ في كلِّ جحفلِ
|
يخاف لقاه كلُّ قيْل وعبْهل
|
ويعرفه يوم اللقا كلُّ مُنَصل
|
هو العدل بعدَ الطاهر المتزمِّل | |
|
| به قد يموت الجور والظلمُ والكفرُ |
|
نعم كلنا نسعى إليه ونلْتجِى
|
ونخشى ومنه الخيرَ والعفوَ نرْنجى
|
قطعنا إليه كلَّ سهلٍ وسَجْسَج
|
نسير بنورٍ بين سارٍ ومُدْلج
|
|
ولا صريح الهوى كمؤتَشِبِهْ
|
وسرنا أماناً منه في كل منهج | |
|
| به ودَّنا القالي وساعفنا الدهرُ |
|
وقاه إله العرش شرَّ الحوادثِ
|
ونجاه من باغٍ وعاتٍ وعائِثِ
|
ومن حاسدٍ قال ردىٍّ ونافثِ
|
ونجاه من كيد الخَلوبِ المباحثِ
|
وأبعد عنه الشرَّ من كل حادثِ | |
|
| وقد فارقاه في الدنا السقم والضر |
|
هنيئاً لك الملك الكبيرُ المعظمُ
|
وعدلُك والركنُ الذي ليس يُهدمُ
|
وحظك والجيشُ الخميسُ العَرمْرَمُ
|
وواليك مسعود الكريمُ المكرَّمُ
|
ودمْ أيها الليثُ الكريمُ الغشْمشَمُ | |
|
| وعش وابق ما داما بها الحرُّ والقرُّ |
|
لأنكمُ بدرُ الزمان وشمسُه
|
وإنسان عين الدهر أنتم ورأسُه
|
وأنكمُ أُنسُ الحزين ونفسُه
|
وصحةُ جسمى في يديكم ونكسُه
|
ومن أمركم حتفُ الكفور وحبسُه | |
|
| فدأبكمُ الهيجاء والعفو والقسْرُ |
|
يحبكمُ قومٌ أحبوا نفوسَهمْ
|
أناسٌ كرامٌ طالعاتٌ شموسُهُم
|
وبُبغضكم مَن قيل لوَّوْا رؤوسَهم
|
أهيلُ نفاقٍ لم تخفْ قط بُوسَهُمْ
|
وشابوا بكاسات الغموم كؤوسَهم | |
|
| فعيشهمُ في دهرهم علقمٌ مُرُّ |
|