عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > لبنان > إيليا أبو ماضي > الشاعر و الملك الجائر

لبنان

مشاهدة
1634

إعجاب
1

تعليق
0

مفضل
1

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

الشاعر و الملك الجائر

أمر السلطان بالشاعر يوما فأتاه
في كساء حائل الصّبغة واه جانباه
وحذاء أوشكت تفلت منه قدماه
قال: صف جاهي، ففي وصفك لي للشعر جاه
إنّ لي القصر الذي لا تبلغ الطير ذراه
و لي الروض الذي يعبق بالمسك ثراه
ولي الجبش الذي ترشح بالموت ظباه
و لي الغابات والشمذ الرواسي والمياه
ولي الناس ... وبؤس الناس منّي والرفاه
إنّ هذا الكون ملكي، أنا في الكون إله!
ضحك الشاعر ممّا سمعته أذناه
و تمنّى إنّ يداجي فعصته شفتاه
قال: إنّي لا أرى كما أنت تراه
إنّ ملكي قد طوى ملكك عنّي ومحاه
***
ألقصر ينبيء عن مهارة شاعر
لبق، ويخبر بعده عنّكا
هو الألى يدرون كنه جماله
فإذا مضوا فكأنّه دكّا
ستزول أنت ولا يزول جلاله
كالفلك تبقى، إن خلت، فلكا
***
والرّوض؟ إنّ الروض صنعه شاعر
سمح، طروب، رائق، جزل
وشّى حواشيه وزيّن أرضه
بروائع الألوان والظلّ
لفراشة تحيا له، ولنحلة
تحيا به، ولشاعر مثلي!
ولديمة تذري عليه دموعها
كيما تقيه غوائل المحل
ولبلبل غرد يساجل بلبلا
غردا، وللنسمات والطلّ
فإذا مضى زمن الربيع أضعته
و أقام في قلبي وفي عقلي!
***
والجيش معقود لواؤك فوقه
ما دمت تكسوه وتطعمه
للخبز طاعته وحسن ولائه
هو لاته الكبرى وبرهمه
فإذا يجوع بظلّ عرشك ليلة
فهو الذي بيديه يحطّمه
لك منه أسيفه، ولكن في غد
لسواك أسيفه وأسهمه
أتراه سار إلى الوغى متعلّلا
لولا الذي الشعراء تنظمه؟
وإذا ترنّم هل بغير قصيدة
من شاعر مثلي ترنّمه؟
***
والبحر، قد ظفرت يداك بدرّه
و حصاه، لكن هل ملكت هديره؟
هو للدجى يلقي عليه خشوعه
و الصّبح يسكب، وهو يضحك، نوره
أمرجت أنت مياهه؟ أصبغت أن
ت رماله؟ أجبلت أنت صخوره
هو للرياح تهزّه وتثيره
و الشهب تسمع في الظلام زئيره
للطير هائمة به مفتونة
لا للذين يروّعون طيوره
للشاعر المفتون يخلق لاهيا
من موجة حورا ويعشق حوره
ولمن فيه رمز كيانه
و لمن يجيد لغيره تصويره
يا من يصيد الدرّ من أعماقه
أخذت يداك من الجليل حقيره
لا تدّعيه ... فليس يملك، إنّه
كالرّوض جهدك أن تشمّ عبيره
***
ومررت بالجبل الأشمّ فما زوى
عنّي محاسنه ولست أميرا
ومررت أنت فما رأيت صخوره
ضحكت ولا رقصت لديك حبورا
ولقد نقلت لنملة ما تدّعي
فتعجّبت، ممّا حكيت، كثيرا
قالت: صديقك ما يكون؟ أقشعما
أو أرقما؟ أم ضيغما هيصورا؟
أيحوك مثل العنكبوت بيوته
حوكا؟ ويبني كالنسور وكورا؟
هل يملأ الأعوار تبرا كالضّحى
و يردّ كالغيث الموات نضيرا؟
أيلفّ كاللّيل الأباطح والرّبى
و المنزل المعمور والمهجورا؟
فأجبتها: كلّا! فقالت: سمّه
في غير خوف كائنا مغرورا!
فاحتدم السّلطان أيّ احتدام
و لاح حبّ البطش في مقلتيه
وصاح بالجلّاد: هات الحسام!
فأسرع الجلّاد يسعى إليه
فقال: دحرج رأس هذا الغلام
فرأسه عبء على منكبيه
***
قد طبع السّيف لحزّ الرّقاب
و هذه رقبة ثرثار
أقتله ...و اطرح جسمه للكلاب
و لتذهب الروح إلى النّار
***
سمعا وطوعا، سيّدي!.. وانتضى
عضبا يموج الموت في شفرتيه
ولم يكن إلاّ كبرق أضا
حتّى أطار الرأس عن منكبيه
فسقط الشاعر معرورضا
يخدّش الأرض بكلتا يديه
كأنّما يبحث عن رأسه
فاستضحك السلطان من سجدته
ثمّ استوى يهمس في نفسه
ذو جنّة أمسى بلا جنّته
***
أجل، هكذا هلك الشاعر
كما يهلك الآثم المذنب
فما غضّ في روضة طائر
و لم ينطفيء في السّما كوكب
ولا جزع الشّجر الناضر
و لا اكتأب المطرب
وكوفيء عن قتله القاتل
بمال جزيل وخدّ أسيل
فقال له خلقه السّافل:
ألا ليت لي كلّ يوم قتيل!
في ليلة طامسة الأنجم
تسلّل الموت إلى القصر
بين حراب الجند والأسهم
و الأسيف الهنديّة الحمر
إلى سرير الملك الأعظم
إلى أمير البرّ والبحر!!
ففارق الدنيا ولمّا تزل
فيها خمور وأغاريد
فلم يمد حزنا عليه الجبل
و لا ذوى في الرّوض أملود
في حومة الموت وظلّ البلى
قد التقى السّلطان والشاعر
هذا بلا مجد، وهذا بلا
ذلّ، فلا باغ ولا ثائر
عانقت الأسمال تلك الحلى
واصطحب المقهور والقاهر
لا يجزع الشاعر أن يقتلا
ليس وراء القبر سيف ورمح
ولا يبالي ذاك أن يعذلا
سيّان عند الميّت ذمّ ومدح
وتوالت الأجيال تطّرد
جيل يغيب وآخر يفد
أخنت على القصر المنيف فلا
الجدران قائمة ولا العمد
ومشت على الجيش الكثيف فلا
خيل مسوّمة ولا زرد
ذهبت بمن صلحوا ومن فسدوا
و مضت بمن تعسوا ومن سعدوا
وبمن أذاب الحبّ مهجته
و بمن تأكّل قلبه الحسد
وطوت ملوكا ما لهم عدد
فكأنّهم في الأرض ما وجدوا
والشاعر المقتول باقية
أقواله فكأنّها الأبد
ألشيخ يلمس في جوانبها
صور الهوى والحكمة الوله
إيليا أبو ماضي
بواسطة
المشرف العام
الإضافة: الأحد 2010/04/11 10:59:35 مساءً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com