شاهدتها كالميّت في اكفانه |
فوجئت إلاّ عبرة أذريها |
مهجورة كسفينة منبوذة |
في الشّطّ غاب وراءه ماضيها |
نسجت عليها خيوطها |
و كسى الغبار غلالة تكسوها |
أقوت و باتت كالمسامع بعدها |
لا شيء يطربها و لا يشجيها |
و كأنّها ، في صمتها ، مشدوهة |
أن لا ترى بهتافها مشدوها |
لاحسّ في أوتارها ، لا شوق في |
أضلاعها ، لا حسن في باقيها |
فارزح بحزنك ، يا حزين ، فإنّها |
لا تنشر الشّكوى و لا تطويها |
و إذا انفضى عهد التعلّل بالمنى |
فالنّفس يشفقيها الذي يرديها |
*** |
لله عهد مرّ لي ظلّها |
أبكى عليه و تارة أبكيها |
كانت كأنّ ضاوعها موصوله |
بأضالعي و سرائري في فيها |
كم مرّة حامت غرابيب الأسى |
لتقيت من قلبي الجريح بنيها |
فإذا الأغاريد اللّطيفة دونها |
سور يصون حشاشتي و يقيها |
كم هزّني الشّدو الرخيم فساقطت |
نفسي همومما أوشكت تبليها |
فإذا أنا مثل البنفسجية التي |
ذبلت فباكرها النّدى يحييها |
و لكم سمعت خفوق أجنحة المنى |
و حفيفها في نغمة توحيها |
فسكرت حتّى ما أوعى سكر امريء |
بالخمر أترع كأسه ساقيها |
ورأيتني من جنّة سحريّة |
لا يرتوي من حسنها رائيها |
و لمحت أحلام الشّباب مواكبا |
تتلاى أمامي و الهوى حاديها |
سرّ السعادة في الرّوءى إنّ الرءوى |
لا كفّ تثبتها و لا تمحوها |
و لكم سمعت دبيب أشباح الأسى |
عند المسا في أنّه تزجيها |
فذكرت ثمّ محاسنا الثرى |
غابت و شوّهها البلى تشويها |
فإذا أنا كالسنديانه شوشت |
أغصانه الريح التي تلويها |
أو كالسفينة في الضباب طريقها |
ضلّت ، و غابت أنجم تهديدها |
شهد الدّجى و الفجر أنّي جازع |
لسكونها جزع الغدير أخيها |
ما أن سمعت أنينه و نشيجه |
إلاّ و يعرو النفس ما يعروها |
روّى الثرى ، يا ليت روحي في الثرى |
أو في النبات لعلّة يرويها |
*** |
يا صاحبيّ ، و في حنايا أضلعي |
همّ يكظّ الروح بل يدميها |
إنّ التي نقلت حكايات الهوى |
لم يبق غير حكاية ترويها |
كمدينة دكّ القضاء صروحها |
دكّا و كفّن بالسكوت ذويها |
نعيت فريع الفجر و ارتعش الدّجى |
ما كان أهونها على ناعيها |
لا تعجبا في الغاب من نوح الصّبا |
و عويلها ، إنّ الصّبا ترثيها |
لو تسمعان نجّيها متمشّيا |
كالسّحر في الأرواح يستهويها |
لعلتما أنّ القضاء اغتالها |
كيلا تبوح بكلّ سرّ فيها |