عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > مصر > الهمشري > ملحمة على شاطئ الأعراف

مصر

مشاهدة
4224

إعجاب
2

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

ملحمة على شاطئ الأعراف

الذكريات
ِعِندَما خَدَّرَ الفَناءُ شَكاتي
وَسَقاني كُؤوسَهُ المُنسَياتِ
بَعَثَ الشِعرُ مِن لَدُنهِ نَسيماً
فائِحَ العِطرَ طَيِّبَ النَغماتِ
هَزَّ قَلعَ الصِبا فَأَيقَظَ فِكري
فَهَفَت بي سَفينَةُ الذِكرَياتِ
في خِضَمِّ الأَفكارِ تَطوي بي الوَق
تَ وَتَهفو إِلى ضِفافِ الحَياةِ
كُلَّما حاوَلَت لَهُنَّ رُجوعا
دَفَعتَها اللَجّاتُ مِنها إِلَيها
رَقَصَت في شِراعِها الريحُ حَتّى
حَطَّمَتهُ وَحَطَّمَت دَفتَيها
رَحمَةً مِنكِ يا رِياحُ وَرِفقا
وَدَعيها وَمَن يَنوحُ عَلَيها
فَلَهُ في الحَياةِ كَالبَرقِ آما
لٌ تُساريهِ في دُجى شاطِئَيها
تَرمُقُ الشاطِئَينِ مِن خَلَلِ الدَم
عِ حَزيناً فَلا يَكادُ يَبينُ
غَيرَ نورٍ يَلوحُ كَالوَمضِ شُقَّت
فَوقَهُ السُحُبُ فَهوَ فيها كَنينُ
وَسَناً يَزدَهي عَلَيهِ كَلَونِ ال
طيفِ كابٍ عَلى الدُجى مَوهونُ
هُوَ حُبُّ الذينَ قَد ذَكَروهُ
وَشَجاهُم بَعدَ الفُراقِ الحَنينُ
وَتُؤاتيهِ ضَجَّةِ العَيشِ هَمساً
مِثلَما يَسمَعُ الجَنينُ الهَزيما
يَتَمَشّى صَخبُ العَواصِفِ فيهِ
مُشبِها في كَرى المَنونِ نَسيما
وَضَجيجُ الأَيّامِ يَنغَمُ كَالجَر
سِ خَفوتا يَسري إِلَيهِ بَهيما
أَبَداً ما يَزالُ يَهمِسُ في المَو
تِ صَداها بِأَذنِهِ مُستَديماً
وَخِلالَ الأَصداءِ صَوتٌ حَنونٌ
تائِهٌ بَينَ ضَجَّةِ الأَنواءِ
يَتَخَطّى عَصفَ الأَعاصيرِ وَثباً
لا يُبالي بِهَولِ هذا الفَناءِ
وَلَهُ جَنَّةٌ يُرَجِّعُها المَو
تُ كَنَجوى مِن عالَمِ الأَحياءِ
تُرهَفُ الأُذنُ نَحوَها ثُمَّ تُرخى
في ذُهولٍ يُجيبُ بِالإِغضاءِ
إِنَّهُ الحُبُّ ما يَزالُ يُعاني
كُلَّ هَولٍ وَيَمتَطي كُلَّ صَعبِ
يَجثُمُ الصَخرُ فيهِ وَالسُربُ الدا
جي وَيَطوي سَهلاً خَصيباً لِجَدبِ
وَسَواءٌ لَدَيهِ كُلَّ عَنوتِ
أَو ذَلولٍ عَلى طَريقِ الدَربِ
لَيسَ يَخشى اللَجاجَ في كُلِّ حينٍ
أَو يَخافُ الرَدى عَلى كُلِّ سَربِ
وَيكَ يا حُبَّ أَينَ تَمضى إِذا ما
نَسَجَت حَولَكَ المَنونُ شِباكا
وَبَعَثتَ الأَنفاسَ مَعسولَةً حَي
رى إِلَيها تَبُثُّها شَكواكا
أَتَرى يا هَوى سَتَقتَحِمُ المَو
تَ وَتَلقى كَالنَفسِ مِنهُ رَداكا
أَو سَتَبقى حَتّى تَراكَ صَيوداً
في غِياضِ الفِردوسِ تَرمي هُناكا
تَنزَعُ النَفسُ لِلشُرورِ وَتَهوى
هِيَ مِنها عَناصِراً في الروحِ
إِنَّما الشَرُّ مَفزَعٌ لِشَجاها
لَو خَلَت مِن قَداسَةِ التَسبيحِ
وَلَها مِنهُ مَسبَحٌ وَمَطيرٌ
مُطمَئِنٌّ عَلى فَضاءِ اللوحِ
وَهوَ كَالحُبِّ كَوثَرٌ وَنَماءٌ
وَهوَ مَرعىً لِلرّوحِ جَمُ السروحِ
أَيُّها الحُبُّ أَنتَ لِلمَوتِ مَوتٌ
ذو غَلابٍ عَلى البَلى مُستَخَفُّ
أَنتَ صِنوُ الحَياةِ واِرثَةُ المَو
تِ وَنورٌ عَلى الإِلهِ يَرِفُّ
سَوفَ تَبقى بَعدَ الفَناءِ سُبوحا
في فَضاءٍ مِن الأَثيرِ يَشِفُّ
تَلحَظُ الكَونَ في سُباتِ المَنايا
مِثلَ رُؤيا تَهوي بِهِ وَتَدِفُّ
الشاعر ينتبه فجأة على ضجيج سفن الوقت فيرتاع ويناجى الوقت
وَيكَ يا وَقتُ إِتَّئِد أَينَ أَمضي
تائِهاً فَوقَ هاتِهِ الأَمواجِ
فَوقَ مَكسورَةِ الجَناحِ دَهَتها
عَصفَةُ الجائِحاتِ وَاللَيلُ داجِ
في خِضَّمٍ تَدوي العَواصِفُ فيهِ
ناعِياتٍ نورَ الشُموسِ الساجي
عاصِفاتٍ عَلَيهِ تَعتَنِقُ المَو
جَ وَتَعدو لِغَيرِ ما مِعراجِ
سفن الوقت
نَصَلَت مِن غُبارِها سُفُنُ المَو
تِ وَسارَت بِمَن تُقِلُّ خِفافا
لَفَّها المَوتُ في غَياهِبِهِ السو
دِ وَأَسرى يَطوي بِها الأَسدافا
وَبِها رايَةٌ تُشيرُ إِلى الشَ
طِّ وَروحٌ يَهدي لَهُ زَفزافا
كُلَّما طافَها الفَناءُ بِصَوتٍ
رَفَعَت قَلعَها لَهُ إِرهافا
خاضَتِ المَوتَ مُسرِعاتٍ مَعَ الوَق
تِ تَراني الحَياةَ في طَخياءِ
تَطِسُ المَوجَ خِفَّةً ثُمَّ تَعلو
في سَماءٍ مِن البِلى دَكناءِ
وَشَعَّ المَوتُ جانِبَيها اِصفِراراً
فَأَفادَت مِنهُ ضِياءَ المَساءِ
في شُفوفٍ إِبرَيسَمٍ سابِحاتٍ
بِشِراعٍ مُرَقرَقٍ مِن ضِياءِ
طائِراتٍ عَلى جَناحِ حُبارى
سابِحاتٍ عَلى بُطونِ سُمانى
شَتَّتَ الوَقتُ جَمعَهُنَّ فَراحَت
عابِراتٍ عَلى الرَدى أُحدانا
يَنفُحُ النَدُّ فيهِ رَيّا خُزامى
مومِضٍ حاطَهُ الشَذى إِدجانا
يَنهَبُ الشاطِئانِ عِبقَ شَذاها
فَيُؤاتي زَهرَيهِما نَعسانا
وَأَرى فُلكِيَ الكَسيرَ عَلَيهِ
يَتَهادى مِن بَينِها مَبهوتا
فَاجَأَتهُ الوَيلاتُ مِن كُلَّ صَوبٍ
خَلَّفَتهُ مِن عَصفِها مَبغوتا
في ذُنابى الأَفلاكُ يَهفو إِلى الشَ
طِّ فَيُلوي بِهِ الرَدى مَكبوتا
فَإِذا عادَهُ مِنَ الشَطِّ طَيفٌ
شَذَّ مِن قَلعِهِ يُساري الحوتا
وَلَكَم مَرَّتِ اللَيالي أَمامي
مُسرِعاتٍ يَلُحنَ مِثلَ الظِلالِ
وَكَأَنَّ الساعاتِ فيهِنَّ وَاليَو
مَ وَكُلَّ الأَوقاتِ نورُ الزَوالِ
فيكَ ماتَت هذي السُنونُ أَيا لَي
لَ وَباقي الأَحقابِ في اِضمِحلالِ
تَنشُرُ الوَقتَ في الحَياةِ لِتَطوي
هِ جَديدا وَالبَعضُ في أَسمالِ
يستفيق الشاعر مرة أخرى على نور يغشى الأفق فيستفسر الآلهة عن ذلك فتجيبه
الشاعر:
أَيُّ نورٍ هذا الَّذي يَبهَرُ الأُف
قَ وَيَزهو مُغَشِّيا جَنَباتِهِ
الآلهة:
هُوَ يا شاعِري الصَغيرِ رِكابي
وَيَشِعُّ الضِياءُ مِن مِشكاتِهِ
قَد تَخَطّى إِلَيكَ كُلَّ هُبوبٍ
وَمُسَفَّ اللُجاتِ في مائِجاتِه
وَبَدا فَوقَ صَفحَةِ الأُفقِ أَيّو
سَ يُقَلَّ الأَنوارِ في مَركَباتِه
يا لَهُ مَركِباً غَلائِلُهُ النو
رُ وَمِن خالِصِ الأَثيرِ شِراعُه
اِحتَوَتهُ الأَنوارُ في رَكبِها الضا
في وَداني طَرفَ الأَواذي شُعاعُه
فَتَراءَت مِثلَ القَناديلِ تَترى
حَولَهُ فَوقَها يَرِفُّ التَماعُه
أَو رُؤىً في كَرىً تَراءى وِضاءً
ضَمَّ أَطيافَها إِلَيهِ قِلاعُه
قَد تَهادى بَينَ الظَلامِ كَحُلمٍ
ذَهَبِيٍّ عَلى جَناحٍ فِضّي
مِن رُؤى أَوَّلَ الكَرى وَهِيَ تَسري
مُسرِعاتٍ مِنَ العُيونِ الغُمضِ
حَولَهُ مَوجَتانِ قَد حَوتاهُ
وَهوَ فيها يَرِفُّ مِثلَ الوَمضِ
يُعكَسُ السِحرُ فَوقَهُ كُلَّ حينٍ
في زَهِيِّ الأَطيافِ مِن كُلِّ مَحضِ
الآلهة تنصح الشاعر أن تحمله فيصر على مرافقتها
الآلهة:
أَنتَ يا شاعِري تَحَمَّلتَ صَبراً
في حَياةٍ مَحفوفَةٍ بِالزَوالِ
هِيَ رُؤيا حِلمٍ وَيَقظَتُهُ المَو
تُ وَقَفرٌ سَماؤُهُ مِن آلِ
تَبدَأُ العَيشَ في الَّذي تَنتَهي في
هِ سَوادٌ عَلى قَفيرِ خالِ
وَنَهارٌ يَمضي بِساحَةِ لَيلَي
نِ هُوَ العَيشُ وَهوَ عُمرُ خَيالي
إيهِ يا شاعِري تَحَمَّلتَ صَبراً
في عَذابٍ قَد فاقَ كُلَّ عَذابِ
لَكَأَنّي أَراكَ في نَشوَةِ الفِك
رِ شَكِيّاً تَشكو مِنَ الأَوصابِ
أَتُرى تَرتَضي اِصطِحابي إِلى الجَنَّ
ةِ مَثوى الشَوادِنِ الأَسرابِ
حَيثُ تَلقى ما تَشتَهيهِ مِنَ الآما
لِ في الأَشرِباتِ وَالأَسلابِ
جنة الشعراء
تَستَطيبُ الجُلوسَ في ظِلِّ أَيكٍ
رَفرَفَ الطَيرُ فَوقَهُ أَسرابا
يَتَغَنّى بَينَ الثِمارُ بِلَحنٍ
هَل سَمِعتَ القِيانَ غَنَّت طِرابا
مِن وَحيدَينِ يَسجَعانِ سُروراً
وَشَجِيِّينِ يَشدُوانِ اِنتِحابا
وَجَرى الماءُ في الغَديرِ رَحيقا
وَجَرَت فَوقَهُ الزُهورُ حِبابا
جَنَّةٌ صاغَها الإِلهُ مِنَ السِح
رِ فَفيها صَبابَةُ السُعَداءِ
نورُها مِن وَشائِعٍ مِن هَواءٍ
فَهيَ مِنهُ في رِقِّهِ القَمَراءِ
وَتَغَنّي الأَطيارِ فيها اِصطِحابٌ
فَصَباها مِن عَبقَرِيِّ الغِناءِ
مِن خَيالِ الأَشعارِ قَد صاغَها اللَ
هُ فَفيها رَوائِعُ الشُعَراءِ
سَتَرى اِفرَليزِ تَجري عَلى العُش
بِ وَتَهفو إِلى شِراعِ المَراكِب
وَنِفاتيسَ في ضَفائِرِها الصُف
رِ تُغني تَحتَ الثُلوجِ الأَشاهِب
وَعَذارى اليَنبوعِ تَعزِفُ موسي
قى رَبيعٍ فَوقَ الضِفافِ الشَواعِب
سَوفَ تَلقى هُناكَ كُلَّ نَعيمٍ
وَتَقَّضي فيها جَميعَ المَآرِب
الشاعر:
أَمطَرَتكِ الرَحماتُ يا رَبَّةَ الشِع
رِ وَجادَتكِ فائِضاتُ اليَمينِ
كُنتِ سَلوايَ في الحَياةِ وَفي المَو
تِ أَراكِ عَلى دُجاهَ خَدَّيني
وتتركه آلهة الشعر فى الفردوس وتهم بالمسير فيصيح الشاعر بها:
ما أَرى تَزمَعينَ بَعدُ رَحيلا
رَبَّةَ الشِعرَ وَيكِ لا تَترُكيني
آيَةً تَذهَبينَ في ذلِكَ المَو
تِ وَلكِن هَيا خُذيني خُذيني
آلهة الشعر:
شانُ نَفسي وَذاكَ فِيَّ غَرامٌ
أَن تُلاقي الخُطوبَ وَالأَهوالا
اِقتَبَل أَنتَ ناعِماً وَتَفَكَه
في جِنانٍ طابَت جَنىً وَظِلالا
سَوفَ آتيكَ بِالَّذي قَد رَآهُ
فَوقَ شَطِّ الأَعرافِ فَاِهدَأ بالا
إِنَّني سَوفَ أَلتَقي بِمَنايا
تَصرَعُ الريحَ تَنسِفُ الأَجالا
الشاعر:
آهٍ يا طائِفَ الخَيالِ تَعالَ
وَاِبقَ جَنبي وَلا تُغامِر وَحدَك
كَيفَ تَلقى الرَدى وَأَنتَ ضَعيفٌ
وَسِهامُ المَنونِ يَقصُدنَ قَصدَك
وَنَدِيُّ الأَنوارِ يَلفَحُ وَجهَك
وَالنَسيمُ العَليلُ يَنسِلُ شَعرَك
فَإِذا غالَكَ الفَناءُ بِسَهمِ
كَيفَ أَرضى الفِردَوسَ داراً بَعدَك
آلهة الشعر:
قَرّ نَفساً فَإِنَّني لا أُبالي
بِشَعوبٍ وَلَستُ أَخشى الحِماما
أَنا في روحِها الكَريهَةُ روحٌ
لا تُلاقي المَنونَ إِلّا سَلاما
أَنا كَالبارِقِ السَماوِيِّ نورٌ
لا يَني في مُضِيِّهِ يَتَرامى
هُوَ يَبدو مِن حَيثُ يَحسِبُهُ النا
سُ تَعاطى مِنَ المَنِيَّةِ جاما
هاكَ فُلكي عَلى الدُجى يَتَراءى
مُستَضاءً كَالكَوكَبِ اللَماحِ
بَهرَ المَوتَ نورُهُ فَهُوَ أَعشى
يَتَحاشى مِن خَطفِهِ بِالراحِ
يومِضُ اللَيلُ بِالسَنا مُستَطاراً
في اِصفِرارٍ يَحكي اِصفِرارِ الأَقاحى
صَنَعَتهُ إِلهَةُ الشِعرَ كيما
تَتَخَطّى بِهِ شِباكَ الرِياحِ
فَاِصطَحِبي إِذنَ عَلَيهِ وَهَيّا
فَوقَ هَولِ الفَناءِ نَمضي سَوِيّا
فَلَقَد تَطَبّيكَ رُؤيا المَنايا
وَتَراها حُسناً إِلَيكَ صَفِيّا
كُنتَ طِفلاً عَلى المَشيبِ لَعوباً
وَمَشيباً عَلى الصِبا كُنَتِيّا
تَستَمِدُّ الحَياةَ مِن نورِكِ البا
لي وَتَهفو إِلى سَناهُ شَجِيّا
لَم تَكُن غَيرَ طائِفٍ مِن ضِياءٍ
قَد طَواهُ بِهِ ظَلامٌ مُجنَح
حَظُّهُ مِن حَياتِهِ ما رَآهُ
مِن تَهاويلِ جَوِّهِ وَهوَ يَسبَح
فَهُوَ مِن ذِكرِها الحَبيبِ مَطافٌ
لِرُؤى في ضِيائِهِ التِبرِ تَلمَح
ذُكراتٌ يَرتادَهُنَّ لِقاءً
مُعقِباً في الخَيالِ بَعداً مُبَرِّح
وَنُهَيرُ مُرَقرَقٍ كَنَفَتهُ
غابَةٌ بَينَ دَغلِها يَنسابُ
بَسَطَت فَوقَ مائِهِ العَذبِ ظِلّاً
تَحتَ عَطفِ الأَمواجِ لا يَنجابُ
حَجَبَتُهُ عَنِ العُيونِ طَويلاً
وَهَداها لَهُ الصَفاءُ المُطابُ
سَحرَ العالَمينَ مِنهُ رَحيقٌ
فَإِذا هُم مِن صَفوِهِ شُرّابُ
تَطلُبُ السَعدَ وَهوَ مِنكَ قَريبٌ
تَدَّعي الحُزنَ وَهوَ مِنكَ بَعيدُ
قَد طَوَيتَ الحَياةَ تَجهَدُ فيها
لَيتَ شِعري فَهَل جَدا المَجهودُ
تَنفَحُ الناسَ مِن شَذى زَنبَقِ النو
دِ وَهُم في كَرى الحَياةِ رُقودُ
قَد أَضَعتَ الحَياةَ كُلَّ ضَياعٍ
في حُطامٍ فانٍ هُوَ التَخليدُ
الشاعر يستمع إلى أرغن الموت على فلك الآلهة
يا خَيالي ماذا يَطوفُ بِقَلبي
يا خَيالي ماذا يُسارِقُ أُذُني
أَيُّ شَيءٍ أَحُسُّ أَيُّ دَبيبٍ
مُستَلِذٍ يُخَدِّرُ الروحَ مِنّي
الآلهة:
إِنَّهُ أَرغَنُ الغِناءِ يُغني
وَيُعيدُ الحَياةَ في مِثلِ لَحنِ
جَهورِيُّ المَوجاتِ تَنفُخُ فيهِ
مُسمِعاتٌ يَفُضنَ مِن كُلِّ فَنِّ
هاكَ لَحنَ الجَمالِ هاكَ صَداهُ
هاكَ لحنَ الهَوى وَلَحنَ التَفاني
هاكَ لَحنَ الأَسى وَلَحنَ التَأَسّي
هاكَ لَحنَ الآمالِ لَحنَ الأَماني
هاكَ لَحنَ الصِبا وَلَحنَ التَصابي
هاكَ لَحنَ المَشيبِ وَالحِرمانِ
هاكَ كُلَّ الحَياةِ مَرَّت كَلَحنٍ
وَصَداها يَعِجُّ في الآذانِ
أَرغَنُ الغِناءِ
واهاً لَهُ مِن ناء
أَلحانُهُ زَفزاف
في صَمتِ وادي الفَناء
تُعانِقُ الأَسداف
يَضِجُّ في الأَمواج
مُصطَخِبِ الصَوتِ
يَزهى عَلى الإِدلاج
مِن شَفَقِ المَوتِ
مَفيضُهُ مِن دُموع
يَسكِبُها اللَحنُ
وَصَمتُها مَقطوع
يَنهَبُهُ الحُزنُ
دَوّى عَلى الأَصداء
يُمعِنُ في الظَلما
يُسامِرُ الجَوزاء
وَيَنفُخُ الحُلما
عَجيجُهُ صَيّاح
كَالبوقِ في الآذان
يُهاجِمُ الأَرواح
مِن غَيرِ ما اِستِئذان
فَالكَونُ في رَجفِ
كَالكَوكَبِ الخَفّاق
خاضا مِنَ الخَوفِ
في مَسبَحِ الآفاق
وَتارَةً يَخفَت
في غَسقِ اللَيلِ
كَالروحِ لَو تَصمُت
في صَخبِ الوَيلِ
فَتَحسِبُ المَوجا
يَلعَبُ بِالأَرضِ
يَرُجُّها رَجّا
وَبَعدَها يَمضي
يَعلو عَلى النَجمِ
وَيَلمِسُ السَقفا
كَأَنَّ في حُلمِ
طَيفا بِهِ رَفا
فَطافَتِ الذِكرى
بِقَلبِهِ النائي
كَالظِلِّ لَو أَسرى
بِصَفحَةِ الماءِ
في دُجنَةِ الآباد
تَرعِشُ كَالأَشباح
كَالجَمرِ تَحتَ الرَماد
مِن فَوقِهِ النَدُّ فاح
فَلاحَ في اللَيلِ
بُستانُهُ الساجي
مُعَطَّرَ الذَيلِ
في أُفُقٍ داجِ
وَتَحتَ ظَلٍّ وَرَيف
مَقعَدُ مَن يَهوى
يَخطِفُ فيهِ رَفيف
مِنَ السَنا أَضوى
وَتِلكَ لا بَل هذي
مَلاعِبٌ لا تَحصى
لَيسَ لَها مِن نَفاذ
قَطُّ وَلا تُستَقصى
كَم مَرَّ فيها رَبيع
وَمَرَّ فيها خَريف
وَكَم مَشى في خُشوع
يُناغِمُ الشادوف
يَلهو عَلى النَبتِ
وَيَقطِفُ الزَهرا
يَخِفُّ في صَمتِ
يَستَرِقُ الطَيرا
صور اللحن في الصبا
وَأَبدَلَ النُغما
إِلى الصِبا الغَيسان
فَصَوَّرَ العَدما
في مَنظَرٍ فَتّان
جَوٌّ مِنَ الأَثير
مُذَهَّبٌ فِضّي
سَماءُ أَيكٍ شَجير
يَرِفُّ في الأَرضِ
مُنَوَّرُ النوار
كَالمُخمَلِ المُفَوَّف
طَرَّزَهُ النوبَهار
مُفَرِّقاً وَمُؤَلِّف
صور اللحن في المشيب
وَأَبدَلَ النَغما
إِلى شُحوبِ المَشيب
فَصَوَّرَ العَدما
في مَنظَرٍ كَثيب
جَوٌّ مِنَ البَردِ
إِعصارُهُ ثَلجُ
يُذيبُ في الجِلدِ
روحاً بِهِ الثَلجُ
وَدَغلٌ مُصوَح
يَشُقُّهُ الذُبول
لا طائِرٌ فَيَصدَح
بِهِ وَلا خَميل
صور لحن الأسى
وَأَبدَلَ النَغما
في رَنَّةِ الحُزنِ
فَصَوَّرَ العَدما
في مَنظَرٍ مُضنِ
حَديقَةٌ فَيحاء
في زَمَنٍ رَبيع
يَمشي اِنقِباضُ الشِتاء
في حُسنِها الوَديع
صور لحن الأمانى
وَأَبدَلَ النَغما
إِلى صَغيرِ الأَماني
فَصَوَّرَ العَدما
مِن أَزهَرِ الأَلوانِ
مُشجَرَّةٌ غَيناء
سِحرِيَّةُ الأَزهار
تَسطُعُ في دَكناء
مِن عَبَقِ الأَعطار
مطلع الشاطئ
الشاعر ينتبه مبغوتا
الشاعر:
ايهِ رَبّاهُ ما أَراهُ أَمامي
أَيُّ نورٍ في أَيُّما أَسدافِ
الآلهة:
هو شط الأعراف
الشاعر:
أية شط
ذا المسمى بشاطئ الأعراف
الآلهة:
هُوَ مَثوى الأَلحانِ بَعدَ شَتاتٍ
وَمَقَرُّ الأَرواحِ بَعدَ طَوافِ
تَرقُبُ المَوتَ وَالحَياةَ تَسيرا
نِ عَلى الوَقتِ وَهوَ كَالرَجّافِ
وصف الشاطئ
في اِنتحِاءٍ عَنِ العَوالِمِ قاصٍ
حَيثُ يَرقى السُكونُ مَرقى الفَضاءِ
وَطُيورُ القَضاءِ تَنعَبُ في المَو
تِ نَعيباً يَزيدُ هَولَ الفَناءِ
غَيرَ أَنَّ السُكونَ يَنهَشُهُ نَه
شا وَيَمشي الحَفى عَلى الضَوضاءِ
سَرمَدِيُّ البَقاءِ يَحكُمُ في المَو
تِ وَيَبقى عَلى بَقاءِ البَقاءِ
وَإِذا ما اِستَمَعتَ هالَكَ صَمتٌ
في عَويلُ الآزالِ وَالآبادِ
يَستَجيبُ الفَناءَ وَهوَ بَعيدٌ
فَيُلاقي مِنهُ سُكونَ الجَمادِ
حُلمٌ مُزعِجٌ تَراهُ بِها الأَر
ضُ وَهذا الفَناءُ مِثلُ الرُقادِ
اِستَطارَت لَهُ وَحَقَّقَهُ العَد
مُ مِنَ الخَوفِ في المَنايا العَوادي
لَيسَ شَيءٌ يُحيي المُنى فيهِ إِلّا
اِبيِضاضُ الثُلوجِ فَوقَ الصُخورِ
مِثلَ صَوبِ العِهادِ تَلحَقُ بِالبَع
ضِ وَتَنهالُ في اِصطِخابٍ نَكيرِ
تَطِسُ الصَخرَ وَالكُهوفَ وَتَن
قَضُّ عَلَيها مِثلَ اِنقِضاضِ النُسورِ
لَهفي كُلَّ ما أَرى فَهُوَ مَوتٌ
يُنذِرُ الأَرضَ مَوعِداً بِالثُبورِ
يَستَريحُ الزَمانُ وَالمَوتُ فيهِ
بَعدَ طولِ التَطوافِ وَالجولانِ
وَكَأَنَّ الزَمانَ خامَرَهُ الخَو
فُ فَأَضحى مَعَ الرَدى في اِحتِضانِ
وَتَلاشى بِهِ رُوَيداً رُوَيداً
ثُمَّ أَهوى عَلَيهِ كَالوَسنانِ
فَإِذا بِالفَناءِ يَحكُمُ فَرداً
فَوضَوِيّاً عَلى جَلالِ المَكانِ
هُوَ وادٍ لِلمَوتِ يَنشُرُ فيهِ
شِبَه دُنيا تَفنى وَشِبهَ حَياةِ
يَبسُطُ الوَقتَ كَالخِضَمِّ لِيَطوي
هِ وَيَعدو عَلَيهِ كَالسَعلاةِ
مَزَّقَت نَفسَها الرِياحُ عَلَيهِ
داوِياتٍ مِن فَوقِهِ مُعوِلاتِ
لَغظٌ يُشبِهُ الحَياةَ بِمَ تَح
وي وَلكِن خِلوٌ مِنَ الأَصواتِ
تُبصِرُ الدَوحِ صاعِداً في فَضاءٍ
يَتَراءى عَلَيهِ كَالأَشباحِ
في لُبوسٍ مِنَ الدَياجيرِ داجٍ
لَفَّهُ غَيهَبُ مُسَفُّ الجَناحِ
وَتَرى البَرقَ مومِضاً يَتَرامى
في ثَنايا الأَسدافِ مِثلَ الجِراحِ
أَو كَحَربٍ عَلى الظَلامِ عَوانٍ
قامَ بَينَ الأَجسادِ وَالأَرواحِ
وَتَرى المَوجَ فَوقَهُ يَركَبُ المَو
جَ وَيَعلو مُهاجِماً شُطآنَه
ظُلُماتٌ مِن فَوقِها ظُلُماتٌ
تُعجِزُ الطَرفَ في مَداها الإِبانَه
مُدجِناتٌ هَواضِبٌ تَتَرامى
في اِصطِخابٍ في لَيلَةٍ أَرونانَه
رَبِّ أَينَ المَفَرُّ مِنها وَهذا
شَبَحُ المَوتِ قَد أَطالَ جِرانَه
هِيَ هذي السَفينُ تَمضي عِجالاً
مُسرِعاتٍ تَجري عَلى التَيّارِ
تَتَلاشى في بَعضِها ثُمَّ تَحيا
لِتُعيدَ التَمثيلَ في الأَعمارِ
مُشبِها بَعضُها عَلى العُمرُ بَعضاً
لَو خَلَت مِن تَبايُنِ الأَوطارِ
وا لِهذا الفَناءِ وا لهَواهُ
وا لِهذا القَضاءِ وَالأَقدارِ
أَيُّها الوَقتُ كَم أَطَحتَ بِعَيشٍ
خَضلٍ كانَ وارِفَ الأَظلالِ
حَيثُ كُنّا وَقَد تَحَقَّقَ فيهِ
كُلَّ حاجٍ مِن سانِحِ الآمالِ
كُلُّ يَومٍ يَزدادُ حُسناً وَلُطفاً
ثُمَّ تَمضي الغَدى عَلى مِنوالِ
لَم يُكَدَّر سَماءَهُ أَيُّ غَيمٍ
وَمَضى ناعِماً بِأَحسَنِ حالِ
وَتُؤاتيكَ أَنَّةٌ وَعَويلٌ
مِن ظَلامِ الكُهوفِ وَالغيرانِ
أَهِيَ شَكوى الأَحلامِ يَصرَعُها المَو
تُ وَشَكوى مِمّا تَقاسي الأَماني
أَم هِيَ الروحُ تَستَغيثُ وَتَبكي
مِن عَدُوٍّ في المَوتِ ذي شَنآنِ
أَم هُوَ المَوتُ في الظَلامِ يُغنى
أَم عَزيفٌ يُدوي مِنَ الجَنّانِ
الآلهة:
إِيهِ يا شاعِري كَفاكَ مُقاماً
ها هُنا فَالفَناءُ جَمُّ الضِفافِ
لَيسَ شَطُّ الأَعرافِ هذا وَلكِن
هُوَ رُكنٌ مِن شاطِىءِ الأَعرافِ
سَتَرى مَخبَأَ اللَيالي وَتَلقى
مَصرَعَ الوَقتِ في دُجاهُ الضافي
حَيثُ لا مَعلَمٌ هُنالِكَ يَهدي
لا وَلا فَوقَهُ يُصاخُ لِطافي
فَسَرى فُلكُها يَشُقُّ الدَياجى
في ذَميلٍ مَسيرُهُ رَكّاضِ
يَمخَرُ المَوجَ وَالعُبابَ بِقَيدو
مٍ شَتيمٍ عَلى الرَدى خَوّاضِ
ثُمَّ أَرسى وَقَد عَراهُ رَجيفٌ
فَوقَ شَطٍّ مِنَ المَخاوِفِ ناضِ
لَيسَ رُؤيا عَلَيهِ غَيرُ ظِلامٍ
لَيسَ حِسٌّ عَلَيهِ غَيرَ اِنقِباضِ
قبر الليالى
فَإِذا هَيَكَلٌ يَلوحُ عَلى الأُف
قِ عَلَيهِ مِنَ المَنايا شُحوبُ
قاتِمُ الجَوِّ أَغدَفَ كَنَفَتهُ
بِلَجاجٍ مِنَ الظَلامِ شُعوبُ
تُرسِلُ الطَرفَ نَحوَهُ فَيُلاقي
حَجنَةَ المَوتِ فَوقَهُ فَيَؤوبُ
وَحشَةٌ تَصرَعُ الأَمانَ وَخَوفٌ
إِثرَ خَوفٍ عَلى الرَدى مَحسوبُ
يَفزَعُ الجِنُّ وَالأَناسي وَيُضني
رُسُلَ اللَيلِ أَن تَخوضَ ظَلامَه
لَو رَأوهُ خَرّوا لَدَيهِ سُكارى
يَسأَلونَ أَيّانَ يَومَ القِيامَه
وَلَراعَتهُمُ المَخاوِفُ تَجثو
خَلفَهُ في الظَلامِ ثُمَّ أَمامَه
أَينَ أَلقى الضِياءَ في ظُلُماتٍ
تَنهَبُ البَرقَ في الفَناءِ نَهامَه
قِف تَأَمَّلهُ وَهوَ يَعتَرِضُ المَو
جَ فِيَمضي مِن تَحتِهِ جَيّاشا
هُوَ قَبرُ الحَياةِ يَقصُدُهُ الوَق
تُ جَزوعاً مِن هَولِهِ رَعّاشا
فَإِذا ما اِحتَواهُ أَرسَلَ نَجوا
هُ رَذاذاً مِن خَلفَهُ وَرَشاشا
هُوَ دَمعُ الزَمانِ وَهوَ الرَح
يمُ القَلبِ لَم يَلقَ في الحَياةِ اِنحِياشا
الآلهة تناجى الشاعر ثانية
الآلهة:
إيه يا شاعِري كَفاكَ مَقاما
ها هُنا فَالفَناءُ جَمُّ الضِفافِ
لَيسَ شَطُّ الأَعرافِ هذا وَلكِن
هُوَ رُكنٌ مِن شاطِىءِ الأَعرافِ
سَتَرى مَخبَأَ اللَيالي وَتَلقى
مَصرَعَ الوَقتِ في دُجاهُ الضافي
حَيثُ لا مَعلَمٌ هُنالِكَ يَهدي
لا وَلا فَوقَهُ يُصاخُ لِطافي
فَسَرى فُلكُها يَشُقُّ الدَياجى
في ذَميلٍ مَسيرُهُ رَكّاضِ
يَمخَرُ المَوجَ وَالعُبابَ بِقَيدو
مٍ كَريهٍ عَلى الرَدى خَوّاضِ
وَإِذا بي أَحَسُّ صَوتاً حَنوناً
طائِفاً في الرَدى بِأَرخَمِ جَرسِ
يَتَهادى عَلى السُكونِ رَخيما
وَيُناجي الأَرواحَ في مِثلِ هَمسِ
وَهِيَ في المَوتِ لا تَحِسُّ بِنَجوى
مِن غَناءِ وَلا تُصيخُ لِحِسِّ
سَكَنَت سَكنَةً يُعانِقُها الصَم
تُ وَأَسرى بِها فَناءٌ مُغسِيِّ
أَخَذَ الصَوتُ في اِزدِيادِ خُفوتٍ
وَسَجوٍ عَلى السُكونِ مَديدِ
مُستَديراً عَلى الفَضاءِ يُداني
طَرفُ هذا الفَضاءِ حَدَّ الوُجودِ
وَبَدا فَوقَ هامَةِ الأُفقِ نورٌ
ساطِعُ الجَوِّ خاطِفٌ مِن بَعيدِ
وَإِذا مَوكِبٌ يَتيهُ عَلَيهِ
مِثلُ قَصرٍ مِنَ الضِياءِ مَشيدِ
هُوَ رَكبُ الحَياةِ يَمشي حَثيثاً
مُستَخِفّاً إِلى ضَريحِ اللَيالي
فَهُوَ مَثوى الأَحقابِ بَعدَ تَمامٍ
وَمَقَرُّ الأَجيالِ بَعدَ اِكتِمالِ
قِف تَأَمَّل فُلكَ الحَياةِ عَلَيهِ
مَلَكٌ في وَضاءَةٍ وَجَلالِ
عَبقَرِيُّ الخَيالِ في سُندِسٍ خُضرٍ
يَغني في بَهرَةٍ وَاِختِيالِ
وَسَرَت خَلفَهُ زَوارِقُ شَتّى
تَتَراءى كَأَنَّها أَحلامُ
فَتَرى زَورَقَ الجَمالِ عَلَيهِ
مُسمِعاتٌ غِناؤُهُنَّ سَلامُ
وَتَرى زَورَقَ الشُرورِ عَلَيهِ
مُسمِعاتٌ غِناؤُهُنَّ سِقامُ
وَتَرى خَلفَها زَوارِقَ شَتّى
مُنشِئاتٍ وَكُلَّها آثامُ
جُبِلَت هذِهِ الياةُ عَلى الش
رِّ وَإِن كانَ نامِياً في الخَيرِ
وَأَرى الخَيرَ مِن ثِمارٍ ضِرارٍ
وَجَدَت خَصبَ أَرضِها في الشَرِّ
إِن هذا التُرابَ وَهوَ قَبيحٌ
فاحَ مِن روحِهِ أَريجُ الزَهرِ
لَيسَ هذا النَعيمُ غَيرَ شَقاءٍ
فَحَذارِ حَذارِ مِن أُمِّ دَفرِ
وَمَضى الرَكبُ في الرَدى وَتَلاشى
أَثَرُ الرَكبِ في ضَريحِ اللَيالي
فَكَأَنَّ الحَياةَ كانَت مَناماً
وَغُرورُ الحَياةِ طَيفُ خَيالِ
السكون الحاكم
أَيَهذا السُكونُ يا حاكِمَ المَو
تِ وَصَنو الآزالِ وَالآبِداتِ
كُنتَ قَبلَ الحَياةِ تَحكُمُ في المَو
تِ وَها أَنتَ حاكِمٌ في المَماتِ
أَيُّها العَدمُ أَينَ أَسرى حَبيبي
أَيُّها العَدمُ أَينَ أَسرَت حَياتي
أَينَ مَثوى الضِياءِ أَينَ أَراهُ
أَينَ مَثوى الغِناءِ وَالأَصواتِ
أَيُّها العَدمُ أَينَ تَنعَسُ في الصَم
تِ وَتَلقى لَدَيهِ راحَةَ جَفنِك
قِف وَدَعني أَبثُث إِلَيكَ شُكاتي
وَالتِياعي مُهَمهِماً في أُذنِك
لَم أَجِد في الحَياةِ لي أُذُناً تَس
مَعُ شَكواي أَو فُؤاداً حَنونا
وَلِذا قَد أَتَيتُ أَشكوكَ ما بي
فَلَقَد تَرحَمُ الكَئيبَ الحَزينا
كانَ لي في الحَياةِ قَلبٌ طَروبٌ
يَتَغَنّى كَالطائِرِ الصَدّاحِ
أَحرَقَ الحُزنُ مِنهُ ريشَ جَناحَي
هِ وَأَهوى بِهِ كَسيرُ الجَناحِ
فَتَحَمَّلَ مِنهُ أَساهُ وَفَرّق
هُ عَلى ذلِكَ الفَضاءِ شُعاعا
قَبلَ أَن يَقضِيَ الفُؤادُ وَيَمضي
حامِلاً مَعهُ في الفَناءِ التِياعا
ساحر الوادى المغنى
فى الأبيات التالية يتخيّل الشاعر مغنيّاً في وادى الموت يغنى الفانين لحناً صامتاً وهو بعينه المغنى الذى كانت موسيقى الوجود تستمد ينابيعها منه وتفرقها على الربيع والأطيار والمياه والنور يتخيّل الشاعر وقوف المغنى صامتاً بقيثارته المحطمة يعزف عليها فلا تساعفه الألحان:
ساحِرَ المَوتِ طالَ صَمتُكَ هَيّا
رَجّعِ اللَحنَ أَيهذا الشادي
قُم أَيا عازِفَ المَنونِ وَغَنِّ
وَاِبعَثِ النَغمَ فَوقَ صَمتِ الوادي
أُترُكِ الدوحَ وَاليَنابيعَ تَحيا
لِتُعيدَ الحَزينَ مِن آهاتِك
فَلَكَم فاحَ نَشرُها وَهِيَ تَسري
لِتُحيي الصَباحَ في نَغماتِك
لَهفي ما أَراكَ تَبعَثُ لَحناً
فَاِخبِرِ الشِعرَ ما دَهى قيثارَك
سوءَةً لِليَدِ الَّتي عَطَلتَها
وَعِفتَ في غِنائِها أَوتارَك
هاكَ مَوجُ الفَناءِ يَقذُفهُ اليَأ
سُ عَلى شاطِىءِ السُكونِ الرَهيبِ
يَستَجيبُ الأَصداءَ وَهيَ تُعاني
ما يُعاني فَما لَها مِن مُجيبِ
وَأَرى روحَكَ الشَحوبَ دَفوفاً
تَشتَكي لِلسُكونِ مِن أَلحانِك
غَنِّها مِن سَماءِ فَنِّكَ لَحناً
فَلَقَد تَستَفيقُ مِن أَحزانِك
كانَ إِنشادُكَ المُبارَكُ فَجراً
مُستَهَلّاً وَضيءَ نورِ الحَياةَ
لَيتَ شِعري فَأَينَ أَذوي وَأَينَت
قَد أَقرتَ أَلحانَ ذي الأُغنِياتِ
لَهفي ما أَراكَ تَبعَثَ لَحناً
فَاِخبِرِ الشِعرَ ما دَهى قيثارَك
سوءَةً لِليَدِ الَّتي عَطَلتَها
وَعَفَت في غِنائِها أَوتارَك
الهمشري
بواسطة
المشرف العام
الإضافة: السبت 2010/09/11 01:54:19 صباحاً
التعديل: الأحد 2021/03/14 07:54:26 مساءً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com