أَنَهارَنا في غابِ كَسكاتينا |
من لي بنزعِكَ من حَشى ماضينا |
لما جَنَحتَ أمامَ أجنِحةِ الدُّجى |
كنّا بلذّاتِ الهوى لاهينا |
فسرقتَ منّا زَفرتينِ وقبلةً |
وتركتَنا في الظلِّ مُعتنقينا |
ودَّعتَنا بأشعةٍ مُصفرَّةٍ |
قد صفَّرت لي وجنةً وجبينا |
سرعانَ ما مرَّت دقائقُكَ التي |
كانت حقائقَ تنجلي ويَقينا |
أجبالَ تَيجوكا عليكِ تحيّةٌ |
فيها دموعُ أحبةٍ نائينا |
هذي التحيةُ صيحةٌ أبديَّةٌ |
في ذلكَ الوادي ترنُّ رنينا |
بنتَ النَّعيمِ مع النَّسيمِ هبي لنا |
في ذا الجحيمِ تحيَّةً تحيينا |
إن لاحَ في المرآةِ رسمُ كهولتي |
في مائكِ الصّافي أَرى العشرينا |
لما رأيتُكِ بعدَ تسعة أشهرٍ |
عادَ الهوى فذكرتُ ألِبرتينا |
تلك المليحةُ من فؤادي أخرجت |
ما عطّرَ الوادي وكان دفينا |
كانت كعودٍ في يديَّ وزهرةٍ |
فنَشقتُ ريّا واسَّمعتُ أَنينا |
واليومَ عدتُ إليك بعدَ فراقها |
أُعطيكِ من قلبي الذي تُعطينا |
هَل أنتِ راويةٌ حديثَ غرامِنا |
إذ بتُّ أمزجُ بالعيونِ عيونا |
فأقولُ هذا الحبُّ علَّمني التُّقى |
فكأنّه آياتُ أفلاطونا |
أطلقتُ قلبي للهواءِ وللهَوى |
فتعلّمَ التَّحليقَ والتلحينا |
خَفقُ الجناحِ على الرياحِ يشوقُه |
ولطالما رقَبَ الصَّباحَ حزينا |
فلكلِّ عصفورٍ جناحٌ خافقٌ |
فيه وتغريدٌ له يُبكينا |
هلاّ بسمت إذا لثمت قرنفلاً |
في رَوضِ خَدّكِ جاور النّسرينا |
كم لثمة تُغني الفقيرَ وبسمةٍ |
تهدي الضَّليلَ وتُطلقُ المسجونا |
فتقولُ لي أنتَ الصّبا وأنا الشّذا |
فخُذِ الأريجَ وأعطني التلوينا |
دَعني على غُصني النضيرِ وشمَّني |
وإِلى الأزاهِرِ لا تمدَّ يمينا |
ولئن رأيتَ على طريقكَ زهرة |
فاعقل ولا تكُ عاشقاً مفتونا |
ولربما حلَّ الذبولُ بها فقل |
ما كانَ أشقى قَلبَها المَغبونا |
فذبولها من لامسٍ أو قاطفٍ |
ما أشبه الجانينَ بالجانينا |
تيجوكَ يا بنتَ السحائبِ أمّني |
قلبي فقَلبي يطلبُ التأمينا |
وهبي لهُ من عمقِ قلبكِ نفحةً |
يَنسى بها الأشراك والسكّينا |
كم فيكِ عصفوراً ينقِّر آمناً |
حَبّاً ويملك وكنه وغصونا |
وأنا بلا وكرٍ ولا غصنٍ ألا |
تهِبينَ لي مما لهُ تهِبينا |
شمسي معلّقةٌ وليلي مُغلَقٌ |
ودقايقي طالت عليَّ سنينا |
وربيعُ عمري في البعادِ خريفُهُ |
واحسرتاه لقد فَقَدتُ ثمينا |
فأنا من الإهمالِ وَردٌ ذابلٌ |
لكنَّ عَرفي لم يزل مخزونا |
ولكم رأيتُ الشَّوكَ حولي نامياً |
فرحمتُ بهلولاً غداً مسكينا |
هذا نصيبي زَهرتي في كمّها |
تَذوي وتأميلي يموتُ جنينا |
فإذا زرعتُ رأيتُ غَيري حاصداً |
وإذا سمحتُ له يصيرُ ضنينا |
لا خيرَ في الخيرِ الذي يُشقِي الفَتى |
فَعَن المذلّةِ حرصنا يغنينا |
نفسي تحنُّ إلى السكينة بعدَ ما |
رأت المدائن والقصورَ سُجونا |
والناسُ فيها كالوحوشِ فليتَ لي |
مأوَىً على تِلكَ الصخورِ أمينا |
أبداً تُرَفرِفُ لا على أفواههم |
فكأنهم وُلدوا لها هاوينا |
وقلوبُهم مما غدوا عبَّادُه |
لا تَقبَلُ التأثيرَ والتليينا |
عبدوا معادنَ أفسدت أخلاقهم |
فرأيتُهم غاوينَ مُستَغوينا |
كم ذقتُ منهم لوعة فتفطّرت |
كبدي ولم أرَ في الخطوبِ مُعينا |
فَفَتَحتُ جرحي تارةً وضمَدتُه |
طوراً وسالَ دمي ودمعي حينا |
ومحاسني وفضائلي وقصائدي |
عن صفرةِ الدّينارِ لا يُغنينا |
ألأجل قطعة معدن تنتابُها |
أيدي بَغيَّاتٍ وسكِّيرينا |
تتألَّمُ النفسُ التي نجماتُها |
قد زَيَّنَت فلكَ العلى تزيينا |
أجلافُنا اقتسموا الخلاعةَ والغِنى |
وتسوَّلَ الأشرافُ مضطرّينا |
من يُعطِ لا يوهَب ومن يمنَع يَنَل |
كن مؤمناً بالله واشبع دِينا |
وإذا رأيتَ اليأس يحملُ خنجراً |
لا تعذلِ الزّنديق والمجنونا |
الفقرُ أصلُ الشرّ والكفرُ الذي |
في اليأسِ مزّقَ سترَ علّيّينا |
من للفضيلة إن تخرَّ صريعةً |
وتُجَرَّع الزقُّومَ والغِسلينا |
إني رأيتُ اللهَ عنها لاهياً |
والناس ما بَرحوا لها ناسينا |
إنّ العواطفَ كالعواصفِ في الحشى |
فاسأل عَنِ البحرِ الخضمِّ سفينا |
أَمَلٌ على ألم حياتي كلُّها |
وأرى الذي يُودي بنا يُحيينا |
تيجوكَ يا أُمّي الحنون وأمتي |
فيكِ الطبيعةُ ترحَمُ التَّعِسينا |
فلقد رأيتُكِ في الصّباحِ صبيةً |
للظلّ والأنوارِ تَبتَسمينا |
وعليكِ ثوبُ الملكِ أخضرُ مُزهِرٌ |
وشَّاهُ نورُ الشمسِ لا أيدينا |
ومن الغمامِ على المحيّا بُرقُعٌ |
فعشقتُ فيكِ الحسنَ لا التحسينا |
وأعَدتِ لي وأعدتِ لي أُغنيَّةً |
فيها أرى الفردوسَ والتكوينا |
ولقد رأيتُكِ في المساءِ تقيّة |
عهدَ الصِّبا والحبّ تذَّكرينا |
وعليكِ ثوبُ النسكِ تحتَ سوادهِ |
تخفينَ أسراراً وتنتحبينا |
وعلى جبينِك تاجُ نجمٍ ساطعٍ |
بضيائهِ وبهائهِ يَهدينا |
والرّيحُ تزفرُ في خمائلَ غَضّةٍ |
بزلالِها وظلالِها تشفينا |
كم أعبدُ البدرَ المطلَّ على ذُرى |
تلكَ الجبالِ وأحسدُ الشاهينا |
ما ألطفَ النوحاتِ في الدوحاتِ ما |
أبهاكَ يا شلاّلَ كسكاتينا |
مُتَحدِّراً مُتَكَسِّراً مُتنثِّراً |
في الحوضِ والروضِ الكثيفِ يقينا |
وخَريرُهُ وزَفيرُهُ وصفيرُهُ |
وعبيرُهُ آلامَنا تُنسينا |
فكأنه حرسٌ تجمَّعَ حَولنا |
لكنَّه حرسٌ يَظلُّ أمينا |
تيجوكَ في البَلوى جَنَيتِ على فتى |
ما زالَ حنَّاناً إليكِ حنينا |
يشكو مع الشّاكينَ في ليلِ النَّوى |
ومن الهوى يَبكي معَ الباكينا |