مرحبا يا عراق جئت أغنيك |
وبعض من الغناء بكاء |
مرحبا مرحبا أتعرف وجها |
حفرته الأيام والأنواء |
أكل الحب من حشاشة قلبي |
والبقايا تقاسمتها النساء |
كل أحبابي القدامى نسوني |
لا نوار تجيب أو عفراء |
فالشفاه المطيبات رماد |
وخيام الهوى رماها الهواء |
سكن الحزن كالعصافير قلبي |
فالأسى خمرة وقلبي الإناء |
أنا جرح يمشي على قدميه |
وخيولي قد هدها الإعياء |
وأنا الحزن من زمان صديقي |
وقليل في عصرنا الأصدقاء |
مرحبا يا عراق كيف العباءات |
وكيف المها وكيف الظباء |
مرحبا يا عراق هل نسيتني |
بعد طول السنين سامراء |
كيف أحبابنا على ضفة النهر |
وكيف البساط والندماء |
كان عندي هنا أميرة حب |
ثم ضاعت أميرتي الحسناء |
أين وجه في الأعظمية حلو |
لو رأته تغار منه السماء |
إنني السندباد مزقه البحر |
وعينا حبيبتي الميناء |
مضغ الموج مركبي وجبيني |
ثقبته العواصف الهوجاء |
إن في داخلي عصورا من الحزن |
. فهل لي إلى العراق التجاء |
وأنا العاشق الكبير ولكن |
. ليس تكفي دفاتري الزرقاء |
يا حزيران ما الذي فعل الشعر |
وماذا أعطى لنا الشعراء |
الدواوين في يدينا طروح |
والتعابير كلها انشاء |
كل يوم نأتي لسوق عكاظ |
.. وعلينا العمائم الخضراء |
ونهز الرؤوس مثل الدروايش |
وبالنار تكتوي سيناء |
كل عام نأتي فهذا جرير |
يتغنى وهذه الخنساء |
لم نزل لم نزل .. نمصمص شعرا |
وفلسطين خضبتها الدماء |
سقطت في الوحول كل الفصاحات |
ومات الخليل والفرّاء |
يا حزيران أنت أكبر منا |
وأب أنت ماله أبناء |
لو ملكنا بقية من إباء |
لانتخينا لكننا جبناء |
يا عصور المعلقات مللنا |
ومن الجسم قد يمل الرداء |
نصف اشعارنا نقوش وماذا |
ينفع النقش حين يهوي البناء |
المقامات لعبة والحريري |
حشيش والغول والعنقاء |
ذبحتنا الفسيفساء عصورا |
. والدمى والزخارف البلهاء |
نرفض الشعر كيمياء وسحرا |
قتلتنا القصيدة الكيمياء |
نرفض الشعر مسرحا ملكيا |
. من كراسيه يحرم البسطاء |
نرفض الشعر ان يكون حصانا |
يمتطيه الطغاة والأقوياء |
نرفض الشعر عتمة ورموزا |
كيف تسطيع ان ترى الظلماء |
نرفض الشعر أرنبا خشبيا |
لا طموح له ولا أهواء |
نرفض العاطلين في قهوة الشعر |
دخان أيامهم وارتخاء |
شعرنا اليوم يحفر الشمس حفرا |
بيديه فكل شيء مضاء |
شعرنا اليوم هجمة واكتشاف |
لا خطوط كوفية وحداء |
كل شعر معاصر ليس فيه |
غضب العصر نملة عرجاء |
ما هو الشعر؟ إن غدا بهلوانا |
يتسلى برقصه الخلفاء |
ما هو الشعر حين يصبح فأرا |
كسرة الخبز همه والغذاء |
وإذا اصبح المفكر بوقا |
يستوي الفكر عنده والحذاء |
يصلب الأنبياء من أجل رأي |
فلماذا لا يصلب الشعراء |
الفدائي وحده يكتب الشعر |
وكل الذي كتبنا هراء |
إنه الكاتب الحقيقي للعصر |
ونحن الحجّاب والأجراء |
عندما تبدأ البنادق بالعزف |
تموت القصائد البلهاء |
ما لنا؟ مالنا نلـومُ حـزيرانَ |
و في الإثمِ كـلُّنا شـركاءُ؟ |
من هم الأبرياءُ؟ نحنُ جميـعاً |
حامـلو عارهِ ولا اسـتثناءُ |
عقلُنا، فكرُنا، هزالُ أغانينا |
رؤانا، أقوالُـنا الجـوفـاءُ |
نثرُنا، شعرُنا، جرائدُنا الصفراءُ |
والحـبرُ والحـروفُ الإمـاءُ |
البطـولاتُ موقفٌ مسرحيٌّ |
ووجـوهُ الممثلـينَ طـلاءُ |
وفلسـطينُ بينهم كمـزادٍ |
كلُّ شـارٍ يزيدُ حين يشـاءُ |
وحدويّون! والبلادُ شـظايا |
كـلُّ جزءٍ من لحمها أجزاءُ |
ماركسيّونَ! والجماهيرُ تشقى |
فلماذا لا يشبـعُ الفقـراءُ؟ |
قرشيّونَ! لـو رأتهم قريـشٌ |
لاستجارت من رملِها البيداءُ |
لا يمـينٌ يجيرُنا أو يسـارٌ |
تحتَ حدِّ السكينِ نحنُ سواءُ |
لو قرأنا التاريخَ ما ضاعتِ القدسُ |
وضاعت من قبـلها "الحمـراءُ".. |
يا فلسطينُ، لا تزالينَ عطـشى |
وعلى الزيتِ نامتِ الصحـراءُ |
العباءاتُ.. كلُّها من حريـرٍ |
واللـيالي رخيصـةٌ حمـراءُ |
يا فلسطينُ، لا تنادي عليهم |
قد تساوى الأمواتُ والأحياءُ |
قتلَ النفطُ ما بهم من سجايا |
ولقد يقتـلُ الثـريَّ الثراءُ |
يا فلسطينُ، لا تنادي قريشاً |
فقريشٌ ماتـت بها الخيَـلاءُ |
لا تنادي الرجالَ من عبدِ شمسٍ |
لا تنادي.. لم يبـقَ إلا النساءُ |
ذروةُ الموتِ أن تموتَ المروءاتُ |
ويمشـي إلى الـوراءِ الـوراءُ |
مرَّ عامـانِ والغزاةُ مقيمـونَ |
و تاريـخُ أمـتي أشـلاءُ |
مـرَّ عامانِ.. والمسيـحُ أسيرٌ |
في يديهم.. و مـريمُ العـذراءُ |
مرَّ عامـانِ.. والمآذنُ تبكـي |
و النواقيـسُ كلُّها خرسـاءُ |
أيُّها الراكعونَ في معبدِ الحرفِ |
كـفانا الـدوارُ والإغـماءُ |
مزِّقوا جُبَّةَ الدراويشِ عـنكم |
واخلعوا الصوفَ أيُّها الأتقياءُ |
اتركـوا أولياءَنا بسـلامٍ |
أيُّ أرضٍ أعادها الأولياءُ؟ |
في فمي يا عراقُ.. مـاءٌ كـثيرٌ |
كيفَ يشكو من كانَ في فيهِ ماءُ؟ |
زعموا أنني طـعنتُ بـلادي |
وأنا الحـبُّ كـلُّهُ والـوفاءُ |
أيريدونَ أن أمُـصَّ نـزيفي؟ |
لا جـدارٌ أنا و لا ببـغاءُ! |
أنـا حريَّتي فإن سـرقوها |
تسقطِ الأرضُ كلُّها والسماءُ |
ما احترفتُ النِّفاقَ يوماً وشعري |
مـا اشتـراهُ الملـوكُ والأمراءُ |
كلُّ حرفٍ كتبتهُ كانَ سـيفاً |
عـربيّاً يشـعُّ منهُ الضـياءُ |
وقليـلٌ من الكـلامِ نقـيٌّ |
وكـثيرٌ من الكـلامِ بغـاءُ |
كم أُعاني مما كتبـتُ عـذاباً |
ويعاني في شـرقنا الشـرفاءُ |
وجعُ الحرفِ رائعٌ.. أوَتشكو |
للـبسـاتينِ وردةٌ حمـراءُ؟ |
كلُّ من قاتلوا بحرفٍ شجاعٍ |
ثم ماتـوا.. فإنـهم شهداءُ |
لا تعاقب يا ربِّ من رجموني |
واعفُ عنهم لأنّـهم جهلاءُ |
إن حبّي للأرضِ حبٌّ بصيرٌ |
وهواهم عواطـفٌ عمياءُ |
إن أكُن قد كويتُ لحمَ بلادي |
فمن الكيِّ قد يجـيءُ الشفاءُ |
من بحارِ الأسى، وليلِ اليتامى |
تطلـعُ الآنَ زهـرةٌ بيضاءُ |
ويطلُّ الفداءُ شمـساً عـلينا |
ما عسانا نكونُ.. لولا الفداءُ |
من جراحِ المناضلينَ.. وُلدنا |
ومنَ الجرحِ تولدُ الكـبرياءُ |
قبلَهُم، لم يكن هـنالكَ قبـلٌ |
ابتداءُ التاريخِ من يومِ جاؤوا |
هبطوا فوقَ أرضـنا أنبياءً |
بعد أن ماتَ عندنا الأنبياءُ |
أنقذوا ماءَ وجهنا يومَ لاحوا |
فأضاءت وجوهُنا السوداءُ |
منحونا إلى الحـياةِ جـوازاً |
لم تكُـن قبلَهم لنا أسمـاءُ |
أصدقاءُ الحروفِ لا تعذلوني |
إن تفجّرتُ أيُّها الأصـدقاءُ |
إنني أخزنُ الرعودَ بصدري |
مثلما يخزنُ الرعودَ الشتاءُ |
أنا ما جئتُ كي أكونَ خطيباً |
فبلادي أضاعَـها الخُـطباءُ |
إنني رافضٌ زماني وعصـري |
ومن الـرفضِ تولدُ الأشـياءُ |
أصدقائي.. حكيتُ ما ليسَ يُحكى |
و شـفيعي طـفولتي والنـقاءُ |
إنني قـادمٌ إليكـم.. وقلـبي |
فـوقَ كـفّي حمامـةٌ بيضـاءُ |
إفهموني.. فما أنا غـيرُ طـفلٍ |
فـوقَ عينيهِ يسـتحمُّ المـساءُ |
أنا لا أعرفُ ازدواجيّةَ الفكرِ |
فنفسـي.. بحـيرةٌ زرقـاءُ |
لبلادي شعري.. ولستُ أبالي |
رفضتهُ أم باركتـهُ السـماءُ.. |