عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > سورية > نزار قباني > إفادة في محكمة الشعر

سورية

مشاهدة
14531

إعجاب
5

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

إفادة في محكمة الشعر

مرحبا يا عراق جئت أغنيك
وبعض من الغناء بكاء
مرحبا مرحبا أتعرف وجها
حفرته الأيام والأنواء
أكل الحب من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتها النساء
كل أحبابي القدامى نسوني
لا نوار تجيب أو عفراء
فالشفاه المطيبات رماد
وخيام الهوى رماها الهواء
سكن الحزن كالعصافير قلبي
فالأسى خمرة وقلبي الإناء
أنا جرح يمشي على قدميه
وخيولي قد هدها الإعياء
وأنا الحزن من زمان صديقي
وقليل في عصرنا الأصدقاء
مرحبا يا عراق كيف العباءات
وكيف المها وكيف الظباء
مرحبا يا عراق هل نسيتني
بعد طول السنين سامراء
كيف أحبابنا على ضفة النهر
وكيف البساط والندماء
كان عندي هنا أميرة حب
ثم ضاعت أميرتي الحسناء
أين وجه في الأعظمية حلو
لو رأته تغار منه السماء
إنني السندباد مزقه البحر
وعينا حبيبتي الميناء
مضغ الموج مركبي وجبيني
ثقبته العواصف الهوجاء
إن في داخلي عصورا من الحزن
. فهل لي إلى العراق التجاء
وأنا العاشق الكبير ولكن
. ليس تكفي دفاتري الزرقاء
يا حزيران ما الذي فعل الشعر
وماذا أعطى لنا الشعراء
الدواوين في يدينا طروح
والتعابير كلها انشاء
كل يوم نأتي لسوق عكاظ
.. وعلينا العمائم الخضراء
ونهز الرؤوس مثل الدروايش
وبالنار تكتوي سيناء
كل عام نأتي فهذا جرير
يتغنى وهذه الخنساء
لم نزل لم نزل .. نمصمص شعرا
وفلسطين خضبتها الدماء
سقطت في الوحول كل الفصاحات
ومات الخليل والفرّاء
يا حزيران أنت أكبر منا
وأب أنت ماله أبناء
لو ملكنا بقية من إباء
لانتخينا لكننا جبناء
يا عصور المعلقات مللنا
ومن الجسم قد يمل الرداء
نصف اشعارنا نقوش وماذا
ينفع النقش حين يهوي البناء
المقامات لعبة والحريري
حشيش والغول والعنقاء
ذبحتنا الفسيفساء عصورا
. والدمى والزخارف البلهاء
نرفض الشعر كيمياء وسحرا
قتلتنا القصيدة الكيمياء
نرفض الشعر مسرحا ملكيا
. من كراسيه يحرم البسطاء
نرفض الشعر ان يكون حصانا
يمتطيه الطغاة والأقوياء
نرفض الشعر عتمة ورموزا
كيف تسطيع ان ترى الظلماء
نرفض الشعر أرنبا خشبيا
لا طموح له ولا أهواء
نرفض العاطلين في قهوة الشعر
دخان أيامهم وارتخاء
شعرنا اليوم يحفر الشمس حفرا
بيديه فكل شيء مضاء
شعرنا اليوم هجمة واكتشاف
لا خطوط كوفية وحداء
كل شعر معاصر ليس فيه
غضب العصر نملة عرجاء
ما هو الشعر؟ إن غدا بهلوانا
يتسلى برقصه الخلفاء
ما هو الشعر حين يصبح فأرا
كسرة الخبز همه والغذاء
وإذا اصبح المفكر بوقا
يستوي الفكر عنده والحذاء
يصلب الأنبياء من أجل رأي
فلماذا لا يصلب الشعراء
الفدائي وحده يكتب الشعر
وكل الذي كتبنا هراء
إنه الكاتب الحقيقي للعصر
ونحن الحجّاب والأجراء
عندما تبدأ البنادق بالعزف
تموت القصائد البلهاء
ما لنا؟ مالنا نلومُ حزيرانَ
و في الإثمِ كلُّنا شركاءُ؟
من هم الأبرياءُ؟ نحنُ جميعاً
حاملو عارهِ ولا استثناءُ
عقلُنا، فكرُنا، هزالُ أغانينا
رؤانا، أقوالُنا الجوفاءُ
نثرُنا، شعرُنا، جرائدُنا الصفراءُ
والحبرُ والحروفُ الإماءُ
البطولاتُ موقفٌ مسرحيٌّ
ووجوهُ الممثلينَ طلاءُ
وفلسطينُ بينهم كمزادٍ
كلُّ شارٍ يزيدُ حين يشاءُ
وحدويّون! والبلادُ شظايا
كلُّ جزءٍ من لحمها أجزاءُ
ماركسيّونَ! والجماهيرُ تشقى
فلماذا لا يشبعُ الفقراءُ؟
قرشيّونَ! لو رأتهم قريشٌ
لاستجارت من رملِها البيداءُ
لا يمينٌ يجيرُنا أو يسارٌ
تحتَ حدِّ السكينِ نحنُ سواءُ
لو قرأنا التاريخَ ما ضاعتِ القدسُ
وضاعت من قبلها الحمراءُ..
يا فلسطينُ، لا تزالينَ عطشى
وعلى الزيتِ نامتِ الصحراءُ
العباءاتُ.. كلُّها من حريرٍ
والليالي رخيصةٌ حمراءُ
يا فلسطينُ، لا تنادي عليهم
قد تساوى الأمواتُ والأحياءُ
قتلَ النفطُ ما بهم من سجايا
ولقد يقتلُ الثريَّ الثراءُ
يا فلسطينُ، لا تنادي قريشاً
فقريشٌ ماتت بها الخيَلاءُ
لا تنادي الرجالَ من عبدِ شمسٍ
لا تنادي.. لم يبقَ إلا النساءُ
ذروةُ الموتِ أن تموتَ المروءاتُ
ويمشي إلى الوراءِ الوراءُ
مرَّ عامانِ والغزاةُ مقيمونَ
و تاريخُ أمتي أشلاءُ
مرَّ عامانِ.. والمسيحُ أسيرٌ
في يديهم.. ومريمُ العذراءُ
مرَّ عامانِ.. والمآذنُ تبكي
و النواقيسُ كلُّها خرساءُ
أيُّها الراكعونَ في معبدِ الحرفِ
كفانا الدوارُ والإغماءُ
مزِّقوا جُبَّةَ الدراويشِ عنكم
واخلعوا الصوفَ أيُّها الأتقياءُ
اتركوا أولياءَنا بسلامٍ
أيُّ أرضٍ أعادها الأولياءُ؟
في فمي يا عراقُ.. ماءٌ كثيرٌ
كيفَ يشكو من كانَ في فيهِ ماءُ؟
زعموا أنني طعنتُ بلادي
وأنا الحبُّ كلُّهُ والوفاءُ
أيريدونَ أن أمُصَّ نزيفي؟
لا جدارٌ أنا ولا ببغاءُ!
أنا حريَّتي فإن سرقوها
تسقطِ الأرضُ كلُّها والسماءُ
ما احترفتُ النِّفاقَ يوماً وشعري
ما اشتراهُ الملوكُ والأمراءُ
كلُّ حرفٍ كتبتهُ كانَ سيفاً
عربيّاً يشعُّ منهُ الضياءُ
وقليلٌ من الكلامِ نقيٌّ
وكثيرٌ من الكلامِ بغاءُ
كم أُعاني مما كتبتُ عذاباً
ويعاني في شرقنا الشرفاءُ
وجعُ الحرفِ رائعٌ.. أوَتشكو
للبساتينِ وردةٌ حمراءُ؟
كلُّ من قاتلوا بحرفٍ شجاعٍ
ثم ماتوا.. فإنهم شهداءُ
لا تعاقب يا ربِّ من رجموني
واعفُ عنهم لأنّهم جهلاءُ
إن حبّي للأرضِ حبٌّ بصيرٌ
وهواهم عواطفٌ عمياءُ
إن أكُن قد كويتُ لحمَ بلادي
فمن الكيِّ قد يجيءُ الشفاءُ
من بحارِ الأسى، وليلِ اليتامى
تطلعُ الآنَ زهرةٌ بيضاءُ
ويطلُّ الفداءُ شمساً علينا
ما عسانا نكونُ.. لولا الفداءُ
من جراحِ المناضلينَ.. وُلدنا
ومنَ الجرحِ تولدُ الكبرياءُ
قبلَهُم، لم يكن هنالكَ قبلٌ
ابتداءُ التاريخِ من يومِ جاؤوا
هبطوا فوقَ أرضنا أنبياءً
بعد أن ماتَ عندنا الأنبياءُ
أنقذوا ماءَ وجهنا يومَ لاحوا
فأضاءت وجوهُنا السوداءُ
منحونا إلى الحياةِ جوازاً
لم تكُن قبلَهم لنا أسماءُ
أصدقاءُ الحروفِ لا تعذلوني
إن تفجّرتُ أيُّها الأصدقاءُ
إنني أخزنُ الرعودَ بصدري
مثلما يخزنُ الرعودَ الشتاءُ
أنا ما جئتُ كي أكونَ خطيباً
فبلادي أضاعَها الخُطباءُ
إنني رافضٌ زماني وعصري
ومن الرفضِ تولدُ الأشياءُ
أصدقائي.. حكيتُ ما ليسَ يُحكى
و شفيعي طفولتي والنقاءُ
إنني قادمٌ إليكم.. وقلبي
فوقَ كفّي حمامةٌ بيضاءُ
إفهموني.. فما أنا غيرُ طفلٍ
فوقَ عينيهِ يستحمُّ المساءُ
أنا لا أعرفُ ازدواجيّةَ الفكرِ
فنفسي.. بحيرةٌ زرقاءُ
لبلادي شعري.. ولستُ أبالي
رفضتهُ أم باركتهُ السماءُ..
نزار قباني

كان الشاعر نزار قباني يلقى قصيدته في إحدى القاعات التي ضمت مهرجاناً شعرياً في بغداد عام 1962م فوقع بصره وهو يشدو بقصيدته على فتاة عراقية في العشرينات ، شديدة الجمال ، مليحة القوام ، تلاقت أبصارهما مرات ومرات فوقعت في قلبه ، فهام بها. سأل عنها ، فعلم أنها بلقيس الراوي ، تعيش في الأعظمية في بيت أنيق ، يطل على نهر دجلة ، فتقدم لخطبتها من أبيها ، ولأن العرب لا يزوجون من تغزل في ابنتهم ، لم يوافق ، فعاد نزار حزيناً إلى أسبانيا حيث كان يعمل في السفارة السورية. ظلت صورة بلقيس تداعب خياله ولا تغرب عن باله ، لكنه ظل يتبادل معها الرسائل في غفلة من الوالد. بعد سبع سنوات عاد إلى العراق ليشارك في المربد الشعري وألقى قصيدة أثارت شجون الحضور ، وعلموا أنه يحكى فيها قصة حب عميقة ، فتعاطف معه الشعب العراقي بأسره وكانت هذه القصيدة . نقلت القصة إلى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، فتأثر بها فبعث بوزير الشباب الشاعر شفيق الكمالي ووكيل وزارة الخارجية، والشاعر شاذل طاقة، ليخطباها لنزار من أبيها ، عندها وافق والدها فتزوجا عام 1969 ليعيشا أجمل أيام حياتهما.
بواسطة: حمد الحجري
التعديل بواسطة: حمد الحجري
الإضافة: الاثنين 2005/06/20 01:26:50 صباحاً
التعديل: الخميس 2016/03/31 05:40:47 مساءً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com