بُشراكَ من طُولِ التَّرَحُّلِ والسُّرى | |
|
| صبحٌ بِرَوْحِ السَّفْرِ لاحَ فأَسْفَرا |
|
مِنْ حاجِبِ الشَّمس الَّذِي حَجبَ الدجى | |
|
| فَجراً بأَنهارِ الندى مُتفجِّراً |
|
نادى بِحَيَّ عَلَى النَّدى ثُمَّ اعتلى | |
|
| سُبُلَ العُفاةِ مُهلِّلاً ومُكَبِّرا |
|
لَبَّيكَ أَسْمعنا نِداكَ ودُونَنا | |
|
| نَوْءُ الكواكِبِ مُخْوِياً أَوْ مُمْطِرا |
|
مِنْ كُلِّ طارِقِ لَيلِ همِّي ينتحي | |
|
| وَجْهي بوجهٍ من لقائِكَ أَزْهَرَا |
|
سارٍ ليعِدَل عن سَمائكَ أنجُمِي | |
|
| وَقَدِ ازْدَهاها عنْ سَناكَ مُحيِّرا |
|
فكأَنَّما أَغْرَتْهُ أَسبابُ النَّوى | |
|
| قدَراً لِبُعْدِيَ عن يَديكَ مُقدَّرا |
|
أَوْ غارَ من هممي فأَنْحى شأْوَها | |
|
| فَلَكَ البُرُوجِ مُغرِّباً ومُغَوِّرا |
|
حَتَّى عَلِقتُ النَّيِّرَيْنِ فأَعْلقَا | |
|
| مَثنى يَدِي مَلِكَ الملوكِ النَّيِّرا |
|
فَسَريْتُ فِي حَرَمِ الأَهِلَّةِ مُظلِماً | |
|
| وَرَفَلْتُ فِي خِلَعِ السّمومِ مُهجِّرا |
|
وَشَعَبْتُ أَفلاذَ الفُؤَادِ وَلَمْ أَكَد | |
|
| فحذَوْتُ من حَذْوِ الثُّريَّا مَنظرا |
|
سِتٌّ تَسرَّاها الجَلاءُ مُغرِّباً | |
|
| وحَدا بِهَا حادِي النَّجاءِ مُشْمِّرا |
|
لا يَستفيقُ الصُّبحُ منها مَا بَدا | |
|
| فَلَقاً ولا جَدْيُ الفراقِد مَا سرى |
|
ظُعنٌ أَلِفْنَ القفرَ فِي غَوْلِ الدُّجى | |
|
| وَتَرَكْنَ مأْلوفَ المعاهِدِ مُقفرا |
|
يَطلُبْنَ لُجَّ البحر حَيْثُ تقاذَفتْ | |
|
| أَموَاجُهُ والبَرَّ حَيْثُ تنكَّرَا |
|
هِيمٌ وَمَا يَبْغِينَ دونكَ مَوْرِداً | |
|
| أَبَداً وَلا عن بَحرِ جُودِكَ مَصدَرا |
|
من كُلِّ نِضوِ الآلِ مَحبوكِ المُنى | |
|
| يُزْجِيهِ نَحوَكَ كُلُّ مَحبوكِ القَرَا |
|
بُدُنٌ فَدَتْ مِنَّا دِماءَ نُحورِها | |
|
| بِبِغائِها فِي كُلِّ أُفقٍ مَنحرا |
|
نَحرَتْ بنا صَدْرَ الدَّبورِ فأَنْبطَت | |
|
| قَلَقَ المضاجِعِ تَحْتَ جوٍّ أَكدَرَا |
|
وَصَبتْ إِلَى نَحوِ الصبا فاسْتخلَصتْ | |
|
| سَكَنَ الليالي والنَّهارَ المُبصِرا |
|
خُوصٌ نَفَخْنَ بنا البُرا حَتَّى انْثَنَتْ | |
|
| أَشلاؤُهُنَّ كَمِثلِ أَنْصافِ البُرَا |
|
نَذَرَتْ لَنَا أَلّا تلاقي رَاحَةً | |
|
| مِمَّا تُلاقِي أَوْ تُلاقيَ مُنذِرَا |
|
وَتَقاسَمَتْ ألَّا تُسيغَ حَياتَها | |
|
| دونَ ابْنِ يَحيَى أَوْ تَموتَ فَتُعذَرا |
|
للهِ أَيُّ أَهِلَّةٍ بَلَغَتْ بنا | |
|
| يُمْناكَ يَا بَدْرَ السَّماءِ المُقمِرَا |
|
بَلْ أَيُّ غُصنٍ فِي ذَرَاكَ هَصَرْتَهُ | |
|
| نَخِرٍ فأوْرَقَ فِي يَدَيْكَ وأَثْمرا |
|
فَلَئِنْ صَفَا ماءُ الحياةِ لَدَيْكَ لي | |
|
| فَبما شرِقْتُ إِليكَ بالماءِ الصَّرى |
|
ولئِنْ خَلَعْتَ عَليَّ بُرْداً أَخضَرا | |
|
| فلَقَدْ لبستُ إِليْكَ عَيشاً أَغْبَرا |
|
ولَئِنْ مَدَدْتَ عليَّ ظِلّاً بارِداً | |
|
| فلكم صُلِيتُ إِليكَ جَوّاً مُسعرا |
|
وكَفاكَ مَنْ جعلَ الحياةَ بضاعةً | |
|
| ورأَى رِضَاكَ بِهَا رخيصاً فاشتَرى |
|
فَمَنِ المُبَلِّغُ عن غريبٍ نازِحٍ | |
|
| قَلباً يكادُ عَليَّ أَنْ يتفَطَّرا |
|
لَهْفَانَ لا يَرْتَدُّ طَرْفُ جفونِهِ | |
|
| إِلَّا تذكَّرَ عَبْرَتي فاسْتَعبَرا |
|
أَبُنَيَّ لا تَذْهَبْ بنفسِكَ حَسرَةٌ | |
|
| عن غَوْلِ رَحْلي مُنجِداً أَوْ مُغْوِرا |
|
فلَئِنْ ترَكْتَ اللَّيلَ فَوْقيَ دَاجِياً | |
|
| فلقد لقيتُ الصُّبحَ بعدَكَ أَزْهَرَا |
|
ولَقدْ وردْتُ مياهَ مارِبَ حُفَّلاً | |
|
| وأَسَمْتُ خيلي وسْطَ جنَّةِ عبقرا |
|
وَنَظَمْتُ للغيدِ الحِسانِ قَلائِداً | |
|
| من تاجِ كِسرى ذِي البهاءِ وقيصرا |
|
وحللْتُ أَرْضاً بُدِّلت حَصباؤُها | |
|
| ذَهَباً يَرِفُّ لناظِرَيَّ وجَوْهَرا |
|
وليَعلمِ الأَمْلاكُ أَنِّيَ بَعدهُم | |
|
| ألفيتُ كُلَّ الصَّيدِ فِي جَوْفِ الفرا |
|
ورمى عَليَّ رِداءهُ منْ دُونِهِم | |
|
| مَلِكٌ تُخُيِّر للعُلا فَتَخَيَّرا |
|
ضَرَبُوا قِداحَهُمُ عَليَّ ففازَ بِي | |
|
| مَنْ كَانَ بالقِدْحِ المُعلَّى أَجْدرا |
|
مَنْ فكَّ طِرْفي من تكاليفِ الفَلاَ | |
|
| وأجارَ طَرْفي من تبارِيحِ السُّرى |
|
وكفى عِتابي من أَلامَ مُعذِّراً | |
|
| وتَذَمُّمِي مِمَّنْ تَجَمَّلَ مُعذِرا |
|
ومُسائِلٍ عنِّي الرِّفَاقَ ووُدُّهُ | |
|
| لَوْ تنبذُ الساداتُ رحلي بالعرا |
|
وبقيتُ فِي لُججِ الأَسى مُتضَلِّلاً | |
|
| وَعَدَلْتُ عن سُبلِ الهُدى مُتحيِّرا |
|
كَلّا وَقَدْ آنستُ من هُودٍ هُدىً | |
|
| ولَقيتُ يعرُبَ فِي القُيُولِ وحِميَرا |
|
وأَصَبتُ فِي سَبأٍ مُورَّث مُلكِهِ | |
|
| يَسبي المُلوك ولا يَدُبُّ لَهَا الضَّرا |
|
فكأنما تابَعتُ تُبَّعَ رافِعاً | |
|
| أَعلامَهُ مَلكاً يدينُ لَهُ الورى |
|
والحارِثَ الجَفنيَّ ممنوعَ الحِمى | |
|
| بالخيلِ والآسادِ مَبذولَ القِرى |
|
وحَططْتُ رحْلي بَيْنَ نارَيْ حاتِمٍ | |
|
| أيام يقري مُوسِراً أَوْ مُعسرا |
|
ولَقيتُ زَيد الخَيلِ تَحْتَ عَجاجَةٍ | |
|
| يكسو غلائِلُها الجِياد الضُّمَّرا |
|
وعَقدْتُ فِي يَمنٍ مَواثِقَ ذِمَّةٍ | |
|
| مشْدودةِ الأَسبابِ مُوثَقةِ العُرى |
|
وأَتيت بَحدلَ وهو يَرفَع مِنبراً | |
|
| للدِّينِ والدُّنيا ويخفضُ مِنبرا |
|
وَخَطَطْتُ بَيْنَ جِفانِها وجفونها | |
|
| حَرماً أَبَتْ حُرُماتُهُ أَن تُخفرا |
|
تِلْكَ البحُورُ تتابعتْ وخلَفْتَها | |
|
| سعياً فكنتَ الجوهر المُتَخَيِّرا |
|
ولقد نمَوْكَ وِلادَةً وسِيادةً | |
|
| وكسَوْك عزّاً وابتنوا لَكَ مَفخرا |
|
فعَمَرْت بالإِقبالِ أكرمَ أَكرمٍ | |
|
| مُلكاً ورِثتَ عُلاهُ أَكبر أَكبرا |
|
وشمائِلٍ عَبِقت بِهَا سُبُلُ الهوى | |
|
| وأَلذَّ فِي الأَجْفانِ من طَعمِ الكرى |
|
ومَشاهِدٍ لَكَ لَمْ تكنْ أَيَّامُها | |
|
| ظَنّاً يريبُ ولا حَديثاً يُفترَى |
|
لاقَيتَ فِيهَا المَوتَ أَسْوَدَ أَدْهَماً | |
|
| فَذَعَرْتَهُ بالسيفِ أَبيضَ أَحْمرا |
|
ولَوِ اجتلى فِي زيِّ قِرْنِكَ مُعلَماً | |
|
| لتركْتَهُ تَحْتَ العجاجِ مُعفَّرا |
|
يا مَنْ تَكَبَّرَ بالتَّكَرُّمِ قَدْرُهُ | |
|
| حَتَّى تكرَّمَ أن يُرى مُتكبِّرا |
|
والمُنْذِرُ الأَعداءَ بالبُشرى لَنَا | |
|
| صَدَقتْ صِفاتُكَ مُنذِراً ومُبشِّرا |
|
ما صُوِّرَ الإِيمانُ فِي قلبِ امْرِئٍ | |
|
| حَتَّى يراكَ اللهُ فِيهِ مُصوَّرا |
|
فارْفَع لَهَا عَلَمَ الهُدى فَلِمِثْلِها | |
|
| رَفَعتكَ أعلامُ السِّيادَةِ فِي الذرى |
|
وانصُرْ نُصِرتَ من السماءِ فإِنما | |
|
| ناسَبتَ أَنصارَ النَّبيِّ لِتُنصرا |
|
واسْلَمْ ولا وَجدوا لِجوِّكَ مَنفساً | |
|
| فِي النَّائِباتِ ولا لِبَحرِكَ مَعبرا |
|