طَرَقَت مُنَقَّبَةً تَروعُ تَحَجُّباً |
هَيهاتَ يَأبى البَدرُ أَن يَتَنَقَّبا |
وَالصُبحُ في حَلَكِ الدُجى مُتَنَقِّبٌ |
وَحُلى الدَراري موشِكٌ أَن يُنهَبا |
وَالفَجرُ يَكتُبُ في صَحيفَةِ أُفقِهِ |
أَلِفاً مَحَت نورَ الهِلالِ المُذهَبا |
بَيضاءُ يَخفى البَدرُ مِن إِشراقِها |
قُصرى النُجومِ مَعَ الضُحى أَن تَغرُبا |
وَدَّعتُها فَجَنَيتُ مِن مُرِّ النَوى |
حُلوَ الوَداعِ مُنَعَّماً وَمُعَذَّبا |
شَملٌ تَجَمَّعَ حينَ حانَ شَتاتُهُ |
وَيَزيدُ إِشراقُ السَراجِ إِذا خَبا |
ذِكرى تُحَرِّكُني عَلى يَأسٍ كَما |
طُرِبَ الكَبيرُ لِذِكرِ أَيّامِ الصِبا |
يُستَثقَلُ الخَبَرُ المُعادُ وَقَد أَرى |
خَبَرَ الحَبيبِ عَلى الإِعادَةِ طَيِّبا |
يَحلو عَلى تَردادِهِ فَكَأَنَّهُ |
سَجَعُ الحَمامِ إِذا تَرَدَّدَ أَطرَبا |
كَالأَوحَدِ اِبنِ الجَدِّ كُرِّرَ ذِكرُهُ |
فَأَتى عَلى تَكرارِهِ مُستَعذَبا |
شَيحانُ تَحجُبُهُ المَهابَةُ سافِراً |
أَبَداً وَيُدنيهِ السَنا مُتَحَجِّبا |
في وَجهِهِ وَبَنانِهِ وَبَيانِهِ |
ما في الكَواكِبِ وَالسَحائِبِ وَالرُبى |
أَعطى فَما أَكدى وَهَبَّ فَما وَنى |
وَجَرى فَلَم يُلحَق وَهُزَّ فَما نَبا |
عَقَدَت خَناصِرَها الرِجالُ لِذِكرِهِ |
وَبَدا فَحَلّوا مِن مَهابَتِهِ الحُبا |
تَلقاهُ مَحبوباً عَلى سَطَواتِهِ |
وَعَلى نَداهُ وَبِشرِهِ مُتَهَيَّبا |
كَالرُمحِ ذا نَصلَينِ أَينَ حَنَيتَهُ |
أَلفَيتَهُ مِن حَومَتَيهِ مُذَرَّبا |
كَالمَشرَفيِّ خَلابَةً وَذَلاقَةً |
أَو كَالزَمانِ تَسَهُّلاً وَتَصَعُّبا |
حِلمٌ حَكى رَضوى وَلَكِنَّ تَحتَهُ |
بَأسٌ ذُرى رَضوى يَهِدُّ وَكَبكَبا |
يَكتَنُّ مِنهُ البَطشُ تَحتَ سَكينَةٍ |
كَالزَندِ يوجَدُ خامِداً مُتَلَهِّبا |
تَأتي التَجارِبُ تَستَشيرُ ذَكاءَهُ |
مَهما اِستَشارَ الأَذكِياءُ مُجَرَّبا |
كَرُمَت أَرومَتُهُ وَأَينَعَ فَرعُهُ |
فَحَوى الجَلالَةَ مَنسِباً أَو مَنصِبا |
كَالرَوضِ راقَكَ مَنظَراً وَخَبَرتَهُ |
فَوَجَدتَ عُنصُرَهُ الغَمامَ الصَيّبا |
هَشُّ النَدى جَزِلُ الوَقارِ كَأَنَّهُ |
بَحرٌ وَطَودٌ إِن حَبا وَإِن اِحتَبى |
رَمَتِ المَعالي مِنهُ لَحظاً أَدعَجاً |
وَاِفتَرَّ عَنهُ الزَهرُ ثَغراً أَشنَبا |
اِيهٍ أَبا عَمرٍو وَوَصفُكَ قَد غَدا |
عِزّاً تَسَمّى كافِياً لَكَ مَحسَبا |
حَلَّيتَ حِمصاً بِالبَقيعِ مَدائِحاً |
وَحَمَيتَ مِنها بِالعَرينِ مُؤَشَّبا |
حَسُنَت فَعادَ اللَيلُ صُبحاً نَيِّراً |
فيها وَصارَ الصَلدُ رَوضاً مُعشبِا |
أَفهَقتَ حَتّى البَحرُ يُدعى جَدوَلاً |
وَأَضَأتَ حَتّى الشَمسُ تُدعى كَوكَبا |
وَشَقيُّ قَومٍ لا كَما زَعَمَ اِسمُهُ |
بارى عُلاكَ فَما جَرى حَتّى كَبا |
فَرَأى حُسامَكَ فيهِ بَرقاً ساطِعاً |
وَرَأى مُناهُ فيكَ بَرقاً خُلَّبا |
أَلبَستَهُ طَوقَ المَنِيَّةِ أَحمَراً |
فَكَسَوتَنا التَأمينَ أَخضَرَ مُخصِبا |
ما كانَ إِلّا أَن جَعَلتَ عِتابَهُ |
بِكَلامِ أَلسِنَةِ الغُمُدِ مُعَتِّبا |
إِنَّ الغَليظَ مِنَ الرِقابِ إِذا عَتا |
لَم يَنهَهُ إِلّا الرِقاقُ مِنَ الظُبى |
دَمَّثتَ طاغينا جَبَرتَ مَهيضَنا |
أَرشَدتَ جاهِلَنا الطَريقَ الأَصوَبا |
كَالنَجمِ أَحرَقَ مارِداً وَسَقى الثَرى |
مِن نَوئِهِ رَيّاً وَنَوَّرَ غَيهَبا |
وَكَأَنَّ بابَكَ كَعبَةٌ يَمحو بِها |
زَلّاتِهِ مَن قَد أَتاها مُذنِبا |
تَلقى الجَماهِرَ حَولَهُ فَكَأَنَّهُم |
مِن كَثرَةٍ وَتَضاؤُلٍ رِجلُ الدَبا |
كَالصَائِمينَ عَشِيَّةَ الإِفطارَ قَد |
مَدّوا العُيونَ إِلى الهِلالِ تَرَقُّبا |
أَوَلَيتَ ما لَو كانَ نُطقي مُعجَباً |
عَن شُكرِهِ لَرَأَيتَ حالي مُعرِبا |
وَكَفى بِمَدحِكَ نَيلَ سُؤلٍ إِنَّني |
نَزَّهتُ فيكَ الشِعرَ عَن أَن يَكذِبا |
فَإِلَيكَ مِن مَدحي أَغَرَّ مُذَهَّباً |
أَتحَفتُ مِنكَ بِهِ أَغَرَّ مُهَذَّبا |
لَولا بَديعٌ مِن فَعالِكَ مُغرِبٌ |
ما حاكَ مادِحُكَ البَديعَ المُغرِبا |
ما عُذرُ أَرضٍ تُربُها مِن عَنبَرٍ |
أَن لا يَطيبَ بِها الشَمالُ وَلا الصَبا |
غَنِيَت عَنِ التَشريفِ ذاتُكَ مِثلَما |
تَغنى عَنِ الأَسلاكِ أَجيادُ الظِبا |
فَاِطلَع بِأُفقِ الفَخرِ شَمسَ رِياسَةٍ |
وَالشَرقُ يَحسِدُ في سَناكَ المَغرِبا |