رأيْتُ بعيني فوقَ ما كنتُ أسمعُ | |
|
| وقد راعني يوْمٌ من الحَشرِ أرْوَعُ |
|
غداةَ كأنّ الأُفْقَ سُدّ بمثلِهِ | |
|
| فعادَ غروبُ الشمسِ من حيثُ تطلع |
|
فلمْ أدرِ إذ سلَّمتُ كيفَ أُشيِّعُ | |
|
| ولم أدْرِ إذ شَيّعْتُ كيفَ أُودِّع |
|
وكيف أخوض الجيشَ والجيشُ لُجّةٌ | |
|
| وإنّي بمن قد قاده الدهَر مولَع |
|
وأينَ وما لي بين ذا الجمْع مسْلَكٌ | |
|
| ولا لجوادي في البسيطة موضع |
|
ألا إنّ هذا حَشْدُ من لم يذُقْ لَهُ | |
|
| غِرارَ الكرى جَفنٌ ولا بات يهجَع |
|
نصيحتُهُ للمُلْكِ سَدّتْ مذاهبي | |
|
| وما بين قِيدِ الرُّمحِ والرُّمح إصبع |
|
فقد ضَرِعَتْ منْه الرّواسي لما رأتْ | |
|
| فكيف قلوب الإنس والإنس أضرع |
|
فلا عسكرٌ من قبلِ عَسكرِ جوهرٍ | |
|
| تَخُبُّ المطايا فيه عَشراً وتوضِع |
|
تسيرُ الجبالُ الجامداتُ بسَيرِهِ | |
|
| وتسجُدُ من أدْنَى الحفيفِ وتركَعُ |
|
إذا حَلّ في أرضٍ بناها مَدائنِاً | |
|
| وإن سار عن أرضٍ ثَوَتْ وهي بلقع |
|
سَمَوْتُ لهُ بعد الرّحيلِ وفاتَني | |
|
| فأقسمْتُ ألاّ لاءَمَ الجنبَ مَضجَع |
|
فلمّا تداركْتُ السُّرادِقَ في الدّجَى | |
|
| عَشَوْتُ إليْه والمشاعلُ تُرفَع |
|
فتَخرُقُ جَيبَ المُزْن والمُزْنُ دالِحٌ | |
|
| وتُوقِدُ موجَ اليَمِّ واليَمُّ أسفَع |
|
فبِتُّ وباتَ الجيشُ جَمّاً سميرُهُ | |
|
| يُؤرِّقُني والجِنُّ في البِيدِ هُجّع |
|
وهَمهَمَ رَعْدٌ آخِرَ اللّيلِ قاصِفٌ | |
|
| ولاحَتْ مع الفَجرِ البَوراقُ تَلمع |
|
وأوحَتْ إلينا الوَحشُ ما اللّهُ صانِعٌ | |
|
| بنا وبكم من هوْل ما نتسمّع |
|
ولم تعلمِ الطيرُ الحوائمُ فوقَنا | |
|
| إلى أين تستذري ولا أين تَفزَع |
|
إلى أنْ تَبَدّى سيْفُ دولةِ هاشمٍ | |
|
| على وجهِهِ نورٌ من اللّه يَسْطَع |
|
كأنّ ظِلالَ الخافِقاتِ أمامَهُ | |
|
| غمائِمُ نَصْرِ اللّه لا تَتَقَشّع |
|
كأنّ السيوفَ المُصْلَتاتِ إذا طَمَتْ | |
|
| على البَرِّ بحْرٌ زاخِرُ الموجِ مُترَع |
|
كأنّ أنابِيبَ الصِّعادِ أراقمٌ | |
|
| تَلَمَّظُ في أنيابِها السمُّ مُنقَع |
|
كأنّ العِتاقَ الجُرْدَ مجْنوبَةً لَهُ | |
|
| ظِباءٌ ثَنَتْ أجيادَها وهي تُتْلع |
|
كأنّ الكُماةَ الصِّيدَ لمّا تغَشْمَرَتْ | |
|
| حوالَيْهِ أُسْدُ الغِيلِ لا تتكعكَع |
|
كأنّ حُماةَ الرَّجْلِ تحتَ ركابِهِ | |
|
| سُيولُ نَداهُ أقبَلتْ تتدفّع |
|
كأنّ سِراعَ النُّجْبِ تُنشَرُ يَمْنَةً | |
|
| على البِيدِ آلٌ في الضّحى يترفّع |
|
كأنّ صِعابَ البُختِ إذ ذُلِّلَتْ لهُ | |
|
| أُسارى مُلوكٍ عضَّها القِدُّ ضُرَّع |
|
كأنّ خلاخِيلَ المطايا إذا غدتْ | |
|
| تَجَاوَبُ أصْداءُ الفَلا تترجّع |
|
يُهَيِّجُ وَسواسُ البُرِينَ صَبابَةً | |
|
| عليها فتُغرَى بالحنينِ وتُولَع |
|
لقد جَلّ مَن يَقتادُ ذا الخَلقَ كلَّه | |
|
| وكلٌّ له من قائمِ السيْفِ أطوَع |
|
تَحُفُّ به القُوّادُ والأمرُ أمرُهُ | |
|
| ويَقدمُهُ زِيُّ الخِلافةِ أجمَع |
|
ويَسحَبُ أذيالَ الخِلافَةِ رادِعاً | |
|
| به المسكُ من نَشرِ الهُدى يَتضَوّع |
|
له حُلَلُ الإكرامِ خُصَّ بفضلها | |
|
| نَسائجَ بالتِّبْرِ المُلمَّعِ تَلمَع |
|
بُرودُ أمِيرِ المُؤمِنِينَ بُرودُه | |
|
| كساهُ الرِّضَى منهُنَّ ما ليس يُخلَع |
|
وبين يَدَيْهِ خيلُه بسُرُوجِهِ | |
|
| تُقادُ عليهِنَّ النُّضَارُ المُرَصَّع |
|
وأعْلامُهُ مَنْشُورَةٌ وقِبابُهُ | |
|
| وحُجّابُهُ تُدْعَى لأمْرٍ فتُسرع |
|
مليكٌ ترى الأملاكَ دونَ بِساطِهِ | |
|
| وأعناقُهُم مِيلٌ إلى الأرض خُضَّع |
|
قِياماً على أقدامِهَا قد تَنَكّبَتْ | |
|
| صوارمَها كلٌّ يُطيعُ ويَخضَع |
|
تَحِلُّ بيوتُ المالِ حيثُ يَحِلُّهُ | |
|
| وجَمُّ العطايا والرِّواقُ المُرَفَّع |
|
إذا ماجَ أطنابُ السُّرادقِ بالضُّحَى | |
|
| وقامَتْ حَواليْهِ القَنا تتَزَعْزَع |
|
وسَلَّ سيوفَ الهند حول سريره | |
|
| ثمانون ألفاً دارعٌ ومُقَنَّع |
|
رأيتَ مَنِ الدنيا إليه مَنوطَةٌ | |
|
| فيَمضي بما شاء القضاءُ ويَصْدَع |
|
وتَصْحبُهُ دارُ المقامة حيثما | |
|
| أناخَ وشَمْلُ المسلمينَ المجمَّع |
|
وتعنو له الساداتُ من كُلِّ مَعْشَرٍ | |
|
| فلا سّيدٌ منه أغرُّ وأمنَعُ |
|
فللّه عينَا مَن رآه مُخيّماً | |
|
| إذا جمَعَ الأنصارَ للإذنِ مجْمَع |
|
وأقبلَ فوجٌ بعد فوجٍ فشاكرٌ | |
|
| له أو سَؤولٌ أو شفيعٌ مُشَفَّع |
|
فلم يفْتَأُوا من حُكم عدلٍ يَعُمُّهُمْ | |
|
| وعارفَةٍ تُسْدَى إليهم وتُصْنَع |
|
يسوسُهُمُ منْهُ أبٌ متَكَفِّلٌ | |
|
| بَرعي بَنِيهِ حافِظٌ لا يُضَيِّع |
|
فسِتْرٌ عليهم في المُلِمّاتِ مُسْبَلٌ | |
|
| وكَنْزٌ لهم عند الأئمّة مُودَع |
|
بَطيءٌ عن الأمرِ الذي يكرهونَهُ | |
|
| عَجُولٌ إليهِمْ بالنَّدى مُتَسَرِّع |
|
وللّه عَيْنَا مَنْ رآه مُقَوِّضاً | |
|
| إذا جعلتْ أُولى الكتائبِ تسرع |
|
ونُودِيَ بالتّرحال في فحمةِ الدجى | |
|
| فجاءتهُ خيْلُ النّصرِ تَردي وتمزَع |
|
فلاحَ لها من وجهِهِ البدرُ طالعاً | |
|
| وفي خَدّهِ الشِّعْرَى العَبورُ تَطَلَّع |
|
وأضحى مُرَدّىً بالنِّجادِ كأنّهُ | |
|
| هِزَبْرُ عَرينٍ ضَمّ جَنْبَيْهِ أشجع |
|
فكبّرَتِ الفُرْسانُ للّهِ إذ بَدا | |
|
| وظَلّ السّلاحُ المنتضى يتقعقع |
|
وحفَّ بهِ أهلُ الجِلادِ فمُقدِمٌ | |
|
| وماضٍ وإصْلِيتٌ وطَلْقٌ وأروع |
|
وعَبَّ عُبابُ الموكبِ الفخم حولَهُ | |
|
| وزَفّ كما زَف الصّباحُ المُلَمَّع |
|
وثار بِرَيّا المندليِّ غبارُهُ | |
|
| ونُشِّرَ فيه الروضُ والروضُ مُوقِع |
|
وقد رُبّيَتْ فيهِ الملوكُ مراتِباً | |
|
| فمن بين متبوعٍ وآخَرَ يَتبَع |
|
تسير على أقدارها في عجاجَةٍ | |
|
| ويقدُمُهَا منْه العزيزُ الممنَّع |
|
وما لَؤمَتْ نَفسٌ تُقِرُّ بفضلهِ | |
|
| وما اللؤمُ إلاّ دَفعُ ما ليس يُدفَع |
|
لقد فازَ منْهُ مشرقُ الأرضِ بالّتي | |
|
| تَفيضُ لها من مغرِبِ الأرض أدمُع |
|
ألا كلُّ عَيشٍ دونَهُ فمحرَّمٌ | |
|
|
وإنّ بِنا شوقاً إليْهِ ولَوعَةً | |
|
| تَكادُ لها أكبادُنَا تَتَصَدّع |
|
ولكنما يُسلي من الشوقِ أنّهُ | |
|
| لنا في ثُغورِ المجدِ والدِّين أنفع |
|
وأنّ المَدَى منه قريبٌ وأنّنَا | |
|
| إليه من الإيماءِ باللّحظِ أسرَع |
|
فسِرْ أيها المَلْكُ المُطاعُ مُؤيَّداً | |
|
| فللدّينِ والدنْيا إليك تَطَلُّعُ |
|
وقد أشعرَتْ أرضُ العِراقَينِ خِيفَةً | |
|
| تكادُ لها دارُ السّلام تَضَعْضَع |
|
وأعطَتْ فلسطينُ القِيادَ وأهلُهَا | |
|
| فلم يَبْقَ منْها جانِبٌ يَتَمنّع |
|
وما الرّملَةُ المقصورةُ الحَظوِ وحدها | |
|
| بأوّلِ أرضٍ ما لها عنك مَفَزع |
|
وما ابنُ عُبَيدِ اللّهِ يدعوكَ وحدَهُ | |
|
| غداةَ رأى أن ليسَ في القوس مَنزَع |
|
بل الناسُ كلُّ الناسِ يدعوك غيَره | |
|
| فلا أحَدٌ إلاّ يَذِلُّ ويَخضَع |
|
وإنّ بأهلِ الأرضِ فَقراً وفاقَةً | |
|
| إليك وكلُّ النّاس آتيك مُهْطِع |
|
ألا إنّما البرهانُ ما أنتَ مُوضِحٌ | |
|
| من الرّأيِ والمقدارُ ما أنْتَ مُزْمِع |
|
رحلتَ إلى الفُسطاطِ أيمنَ رِحْلَةٍ | |
|
| بأيمنِ فالٍ في الذي أنتَ مُجمِع |
|
ولمّا حثثْتَ الجيشَ لاحَ لأهْلِهِ | |
|
| طريقٌ إلى أقصَى خُراسانَ مَهيَع |
|
إذا استقبَلَ الناسُ الرّبيعَ وقد غَدَتْ | |
|
| مُتونُ الرُّبَى في سُندُسٍ تتلفّع |
|
وقد أخضَلَ المُزْنُ البلادَ ففُجِّرَتْ | |
|
| ينابيعُ حتى الصّخْرُ أخضَلُ أمرَع |
|
وأصْبحَتِ الطُّرقُ التي أنْتَ سالِكٌ | |
|
| مُقدَّسَةَ الظُّهْرانِ تُسقى وتُربَع |
|
وقد بسَطتْ فيها الرياضُ دَرانِكاً | |
|
| منَ الوَشيِ إلاّ أنّها ليس تُرقَع |
|
وغَرّدَ فيها الطيرُ بالنّصْرِ واكتَسَتْ | |
|
| زرابيَّ من أنوارها لا تُوَشَّع |
|
سقاها فروّاهَا بك اللّه آنِفاً | |
|
| فنِعْمَ مَرَادُ الصّيْفِ والمُتَرَبَّع |
|
وما جِهلتْ مِصرٌ وقد قيل مَن لها | |
|
| بأنّكَ ذاك الهِبْرِزِيُّ السَّمَيذَع |
|
وأنّك دونَ الناس فاتِحُ قُفْلِهَا | |
|
| فأنْتَ لها المَرْجُوُّ والمُتَوقَّع |
|
فإنْ يكُ في مصرٍ رجالُ حلومِهَا | |
|
| فقد جاءهم نِيلٌ سوى النيلِ يُهرِع |
|
ويمّمَهُمْ مَنْ لا يَغيرُ بنعْمَةٍ | |
|
| فَيَسْلُبَهُمْ لكن يزيدُ فيُوسِع |
|
ولو قد حططتَ الغيثَ في عُقرِ دارهمْ | |
|
| كشَفتَ ظلامَ المَحْلِ عنهم فأمرعوا |
|
وداويتَهم من ذلك الدّاء إنّهُ | |
|
| إلى اليَومِ رِجْزٌ فيهمُ ليسَ يُقْلِع |
|
وكفكَفْتَ عنهم مَن يجور ويعتَدي | |
|
| وأمّنْتَ منهم من يخافُ ويجْزَع |
|
إذاً لَرَأوْا كيفَ العطايا بحقِّها | |
|
| لسائِلها منهُمْ وكيْفَ التبرُّع |
|
وأنساهمُ الإخشيدَ مَن شِسْعُ نَعلِهِ | |
|
| أعزُّ من الإخشيدِ قدْراً وأرفَع |
|
سيعلمُ مَن ناواك كيف مصيرُهُ | |
|
| ويُبْصِرُ مَن قارعتَهُ كيفَ يُقْرَع |
|
إذا صُلْتَ لم يَكُرمْ على السيْفِ سيّدٌ | |
|
| وإن قلتَ لم يُقْدِمْ على النطق مِصْقَع |
|
تقيك اللّيالي والزمانُ وأهلُهُ | |
|
| ومُصْفِيكَ محْضَ الودِّ والمُتصَنِّع |
|
فكْلُّ امرِىءٍ في الناس يسعى لنفسِهِ | |
|
| وأنتَ امرُؤ بالسّعي للملك مُولَع |
|
تعبْتَ لكيما تُعقِبَ الملكَ راحَةً | |
|
| فمَهْلاً فِداكَ المستريحُ المُوَدِّع |
|
فأشْفِقْ على قَلْبِ الخِلافَةِ إنّهُ | |
|
| حَناناً وإشفاقاً عليك مُرَوَّع |
|
تحمَّلْتَ أعْباءَ الخلافَةِ كلّهَا | |
|
| وغيرُكَ في أيّام دُنْياهُ يَرتَع |
|
فواللّهِ ما أدري أصدرُكَ في الذّي | |
|
| تُدَبّرُهُ أم فضْلُ حلمك أوسع |
|
نصَحتَ الإمامَ الحَقَّ لمّا عرَفتَهُ | |
|
| وما النُّصْحُ إلاّ أن يكونَ التَّشيُّعُ |
|
فأنْتَ أمينُ اللّهِ بعد أمِينِهِ | |
|
| وفي يدِكَ الأرزاقُ تُعطي وتَمنَع |
|
وما بلغَ الإسكندرُ الرتبَةَ التي | |
|
| بلغْتَ ولا كِسرَى الملوكِ وتُبّع |
|
سموتَ من العَلْيا إلى الذّروة التّي | |
|
| تُرى الشمسُ فيها تحت قدرِكَ تَضْرَع |
|
إلى غايَةٍ ما بعدَهَا لكَ غايَةٌ | |
|
| وهل خلفَ أفلاكِ السموات مطلع |
|
إلى أينَ تَبغي ليس خَلفك مذهبٌ | |
|
|