إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
فِي تِلكَ الليلَةِ، كَانَ الليلُ جَمِيلاً |
وَنُجُومُهُ مِن خَلفِ الشُّبَّاكِ تُضُاحِكُنِي: |
هَذَا الصَّيفُ جَمِيلٌ. |
البَدرُ يُلازِمُ نَافِذَتِي! |
كُنتُ وَحِيدَاً فَوقَ فِرَاشِي |
مِصبَاحُ الغُرفَةِ وَحدَهُ كَانَ مَعِي. |
عَينَايَ مُعَلَّقَتَانِ بِسَقفِ الغُرفَةِ، |
وَبَقَايَا التَّبغِ.. |
تُحَاوِلُ أن تَجِدَ مَكَانَاً تَرقُدُ فِيهِ، |
فَالصَّحنُ مَلِيءٌ بَرَمَادٍ وَثِقَاب. |
فِنجَانُ الشَّايِ تَغَيَّرَ لَونُهُ، |
أفرَغتُهُ فِي جَوفِي مُنذُ قَلِيل! |
دَفتَرُ أشعَارِي لَيسَ بَعِيدَاً عَنِّي |
وَالوَرَقُ الأبيَضُ.. |
دِيوَانُ المُتَنَبِّي، وَالسَّيَّاب، |
أشرِطَةُ التَّسجِيلِ، وَأقلامُ التَّخطِيطِ |
هُنَا وَهُنَاك. |
وَعَلَى الحَائِطِ رَسمٌ لِلدَّيرِ، وَفِي الزَّاوِيَةِ |
كُتُبٌ مُهمَلَةُ التَّرتِيبِ، وَبَعضُ ثِيَاب. |
هَذِهِ حَالُ الغُرفَةِ.. |
فِي تِلكَ الليلَة مِن آب!! |
فِي تِلكَ الليلَةِ، وَلَيَالِي الصَّيفِ جَمِيلَة |
الأنَجمُ خَجَلَى، فِي الأفقِ تَلُوحُ هُنَا وَهُنَاك. |
كَانَ البَدرُ وَحِيدَاً |
يَغزِلُ نُورَهُ أَردِيَةً لِنُسَيمَاتِ الليلِ |
فَتُسقِطُهَا كَلَجِينٍ فَوقَ الشَّجَر! |
يَلبَسُهَا لِثَوَانٍ، فَتُمَزِّقُهَا الرِّيحُ، |
وَتَهدِيهَا لِلعُشبِ السَّاكِنِ تَحتَهُ |
فِي صَمتٍ وَخَفَر!! |
فِي تِلكَ الليلَةِ، قَامَت فَيرُوزُ بِثَوبٍ أبيَضَ |
مِن تَحتِ الأشرِطَةِ المُهمَلَةِ التَّرتِيب. |
كَانَت كَفَرَاشٍ حَامَ، وَطَار، |
حَلَّقَ فِي الغُرفَةِ، ثَمَّةَ كُرسِيٌ.. |
حَطَّت فَيرُوزُ عَلَيهِ، جَلَسَت |
كَمَلاكٍ خُلِقَ الآنَ أمَامِي. |
طَاهِرَةً كَانَت وَنَقِيَّة |
سَاحِرَةً كَانَت.. |
مِثلَ الحُورِيَّاتِ بِجُزُرٍ مَنسِيَّة |
فَوقَ الكُرسِيِّ، أمَامَ فِرَاشِي |
جَلَسَت فَيرُوزُ وَغَنَّت |
سَيِّدَةَ الحُزنِ جَمِيلٌ صَوتُكِ |
يَنسَابُ كَأُدعِيَةِ الصُّوفِيِّينَ، |
كَشَلاَّلِ النُّورِ.. |
يَذُوبُ سُلافَاً فِي الرُّوحِ، |
أذُوبُ كَقَطرَةِ طَلٍّ نَسِيَتهَا الشَّمسُ صَبَاحَاً |
لَكِنَّ الوَردَ شَكَاهَا لِلغُصنِ |
فَسَالَت فَوقَ الأورَاق!! |
فِي تِلكَ الليلَةِ، فَوقَ فِرَاشِي أَتَقَلَّبُ |
وَالنَّومُ يُرَاوِدُنُي بَينَ الفَينَةِ وَالفَينَة |
ثَقُلَ الرَّأسُ وَصَارَ بِحَجِمِ الغُرفَة |
أَطفَأتُ لُفَافَةَ تَبغٍ أُخرَى |
فَدُخَانُ التَّبغِ يُضَايِقُنِي |
فَوقَ فِرَاشِي، يَرسُمُ أشكَالاً مُرعِبَةً |
وُطوَاطَاً، تِنِّينَاً ضَخمَاً، عَنقَاءَ، وخِنزِيرَاً. |
أَنفُخُهَا، |
تَتَشَتَّتُ أَشرِعَةً وَجَمَاجِمَ! |
تَأخُذُ أشكَالاً أُخرَى، |
هَذَا أحمَدُ، تِلكَ رَبَابُ |
وَهَذَا المَرحُومُ أخِي. |
فَأَمُدُّ يَدِي لأصَافِحَهُº |
يَأخُذُ شَكَلَ أبِي الهَولِ |
وَيَهرُبُ مِنِّي. |
بَعدَ قَلِيلٍ انشَقَّ جِدَارُ الغُرفَةِ |
مِن زَاوِيَةِ المَشرِقِ فَغَامَت عَينَاي. |
صَرَختُ بِصَوتٍ عَالٍ: |
يَا اللَّهُ.. |
فَامتَدَّت نَحوِي كَفٌّ، |
كَفٌّ ليسَت مِثلَ أَكُفِّ النَّاسِ، |
صُعِقتُ! |
شَيخٌ هَيئَتُهُ كَمُلُوكِ الجَانِ، |
نَهَضتُ أُلاقِيهِ |
مَا حَمَلَتنِي قَدَمَاي، |
أشَارَ إِليَّ وَقَال: |
مَلِك المَوتِ أنَا |
دَورُكَ حَانَ، |
وَإِنِّي عَبدُ اللَّهِ.. |
أغمَضتُ بِرُعُبٍ عَينَيَّ |
صَرَختُ طَوِيلاً: مَا سَمِعَت أُذنَايَ صُرَاخِي |
أَيقَنتُ هَلاكِي!! |