تجنبْت والمشْتاقُ لن يتجنّبا |
وفاءً ويأبى القلبُ أَن يتَقلَّبا |
ويا للهوى لِلمُستهام فؤآدهُ |
إليك إذا باعدت أَلاَّ تُقرِّبا |
وإني لمغلوبُ العزيمة في الهوى |
وذو الحبّ أَحْرى أن يَرِقّ فيُغلبا |
وكم ذلّ للمحبوب من متعَزّز |
وهان لاحكام الهوى من تصعّبا |
واني وأن أَبصرتني بعد حدّةً |
إلى حدة صفرَ الانامل أَشيبا |
أَأَصبو ويعروني على الشيب صَبْوَة |
وان كان غياً بالكبير إذا صبَا |
واغشى فناءً الحيَّ قد عَنّ سِربهمْ |
عَذارى فأْصطادَ الغَزال المُرَّبيا |
وينعني منه بأسود فاحم |
واحمَر وردي وابيض أَشيبا |
وأَغدو مع الفتيان بين دساكرٍ |
لنصْطادَ باللّهو السُّرورَ فنَطربا |
إذا الرّوض لا النّور فيه ورَقرَقت |
عليه مع الأْسحار انفاسَها الصَّبا |
وحاكت له الانواءَ أنواعَ وشيبها |
وصاغت له ألوان حَلي على الرُّبى |
فمن أَحمرٍ قانٍ وأبيض ناصعٍ |
يُضاحك في الأغصان أصفر مُذهبا |
وصهباء صِرف لامزاج لكأسِها |
سِوى أَن يطلّ الطلّ فيها فيقطبا |
يَطوف بِها رَخص البنان كأنَّهُ |
يدير على الجلاّس في الكوب كوكبا |
إذا أخذتها الكفّ خلت بنانها |
بما طش منها في الاناء مخضّبا |
ألم ترني في حالة الحلم ابتغي |
من اللّهو مايُسْلي الفؤآد المُعذّبا |
والاّ فهل مرآى به العيْن تزْدهي |
وهل مسمعٌ تقضي به النفسُ مأربا |
وهلْ غيرُ دهرٍ لا يُذيقك مطعماً |
بلا كدرٍ بل لا يسيغك مشربا |
وما أَتبع الأصحاب إلاّ تِعِلّةً |
ولسْتُ أَرى فيهم لبيباً مهذَّبا |
فكم زلّةٍ من صاحبِ لا تخاله |
عليَّ بها من شدّة الخرق مذنبا |
فأحتَمل الأذى وأُغضي على القَذَى |
ومن ذا الذي إنْ أَنتَ اعْتَبْت اعْتبا |
وهَلاَّ أخو صِدقٍ كذهلٍ ويعربٍ |
فد امتَحَنا الدُّنيا وساسا وجَرَّبا |
أميرَيّ بني قَحْطانَ واْبنيَ أَميرها |
وخيرُ سَليلي ماجدٍ وَرَثا أَبا |
أَبٌ سنَّ في سبل المكارم سُنَّةً |
تَقبَّلها الأبناءُ منهُ فأنجبَا |
كما أَنْجَبتهُ صيدُ عَمْرو بن عامرٍ |
من الازدِ في عيصِ القَداميس من سَباه |
هُم دوّخُّوا عُربَ المُلوكِ وعُجْمها |
وفازوا بملْك الأرض شرقاً ومغرباً |
إذا اسْتُصْرخوا في الناَّئباتِ رأَيتهم |
أشداءً فيهم كلُّ أَصْيَد أَغْلبَا |
وليتُ حُروبٍ ذو سِنانٍ ومُنْصلٍ |
إذا كان للْضّرغام ناباً ومخلباً |
مُعدٌ ليوِم الرَّوع أبيَض صارماً |
واسْمَرَ خطّياً وأَشقر سَلْهَبَا |
وتُحصِنه من مُحْكَم البيضِ لأمةُ |
ويَلبس مسْرودَ الحديدَ المعقَربا |
لهم سبل بين القساطل والقنا |
إذا الخيل جالت في الاعنّة شُزّبا |
يُصيبون ثاراً أو يُغيثون صارخاً |
ويَحمون جاراً أو ينالون مطلبا |
ويوماً تراهزم بين أَفنيةٍ لهم |
جُلوساً يزينون النّديَّ المرتّبا |
كهول وشبّان ترى كلّ سيدٍ |
عزيزٍ مطاع كالفتيق إذا احتسبى |
تزورهمُ الوفَّادُ من كل جانبٍ |
إذا ما نبا بالقوم ربَعٌ وأَجدَبَا |
ولا يسْمَع الرّكبانُ بين بيوتهمْ |
من الحيّ إلا القولَ أهلاً ومرحبَا |
وإلاَّ رُغاء الكُوم تعثُر سوقُها |
ولبَاتُها بين الأسِنَّةِ والظُّبا |
وَغَلْيُ القُدور الرَّاسياتِ بتامكٍ |
عَبيطٍ ترى فيه المجالَ المُؤرَّبا |
أولاكَ الملُوكُ الأوَّلون كأنّني |
أراهْم إذا عانْيتُ ذُهْلاً وَيعْرُبَا |
هما سَلكا آثارهم وتَقيَّلا |
خلائقهم لا يَعْدوُان تأدُّبا |
فما غادرَا من كل فنٍ فضيلَةً |
ولا أغفَلا بين المكارم مَذهبا |
أبا حَسَنٍ ويَا أَبا العرَبِ أغْتدى |
مكانهما للعين والقَلُبِ مُعْجما |
بَني اللهُ في بيْتِ العَتيكِ عُلاكُما |
يمنزلةِ أَلْقَتْ على النَّجمِ مركبَا |
وأعطاكما جوداً وحْلماً وسُؤدداً |
وذكراً إلى كلِّ القُلوبِ مُحَبَّبَا |
فما حَّل رَبعاً منكما الرَّكبُ مُمْحِلاً |
ولا شامَ برْقاً منكُمَ الوفدُ خُلَّبَا |
ولا الخائفُ الَّلاجي مُضاعٌ لدَيكما |
ولا السّائل الرّاجي يؤوبُ مُخَيَّبَا |
ولا المادحُ المُثني بخَير عليكُما |
يَرى غير ذاكَ العز أوْلى وأَصْوَبا |
فعُمّرْتُمَا منْ سيّديَنِ وعشْتُما |
بأحسَن عيْشٍ في الزَّمان وأَطيبا |
وبالنَحْر والأضْحَى وبالعيدِ نلتُما |
مآرب في السَّرّاءِ لن تَتقضَّبَا |