بِغَايتكَ الأمثالُ للناسِ تُضْرَبُ |
فما فاتها في الأرض شرقٌ ومغربُ |
سموتَ محلّاً يَزْدَرِي البدرَ رفعةً |
فهيهاتَ يسمو حيثُ حَلَّقْتَ كوكبُ |
ولم يَدْجُ لمَّا فاضَ عدلُك مُشْرِقاً |
بمغربِنا والشرقِ للظلمِ غيهبُ |
فَكَشَّفْتَ ما لم يَكْشِفِ الصبحُ بالضيا |
بعزمكَ حُجْباً دونَها الشمسُ تَغْربُ |
أقول لنفسٍ حيث حَلَّقْتَ حاوَلتْ |
بِعجْبِكَ ما عنقاءُ مُغْرِب أعجبُ |
ولله أسرارٌ يخصُّ بكشْفِها |
قلوباً بحمْلِ العزمِ لا تَتَقلَّبُ |
أنا حينَ أدنو قُرْبَ لَمْح شعاعها |
لغايتها من قاب قوسَيْنِ أقربُ |
لكَ المجدُ فاستجلي طلا العِزِّ فالهنا |
ترقرقَ في الكأس الذي فيه تشربُ |
وَجَرِّرْ عوالِي الفخرِ من صهوةِ العُلا |
بميدان عزٍّ من فَضا الأرض أرحبُ |
فأنت ولا مينَ ابنُ بَجْدتِها إِذا |
عَزَتْكَ العوالي والعُذَيْقُ المرُجَّبُ |
فإنَّ يد التوفيقِ من أنتَ واهبٌ |
وناهبُه تكسُوهُ عزّاً وتنهبُ |
فتكسُو الذي تكسُوُه عزّاً ونعمةً |
وتسلُبُ عنه الفخرَ من أنتَ تَسْلُبُ |
وإِني امرؤ في القِدم من شطِّ جُودكم |
لعمرُ أبي ما شطَّ لي منه مشربُ |
وأنتَ بحمدِ الله لستَ مَبخَّلاً |
بفيضٍ ولا وَمَّاضُ برقِكَ خُلَّبُ |
وكيفَ وروضي من نداكَ مبهَّجٌ |
ووجْهُ فضائي من غمامكَ مُعْشِبُ |
وأطيارُ حَظِّي في ظلالكَ رُتَّعٌ |
تميلُ بها أعوادُها حينَ تَخْطُبُ |
وفي كلِّ يومٍ للمقلِّينَ لم تَزَلْ |
دراهمُكَ الحمْرُ الجليَّاتُ تُضْرَبُ |
وتاللهِ ما أوْلَيْتموني أقَلُّهُ |
من الفضلِ يزهُو الدهر منه ويَعجبُ |
أقول لصحبي إِن تلوتُ حديثَكُمْ |
ألا مثْلَهُمْ إِن شئتُمو الفضلَ فاصحبوا |
ومن شاء ظلَّ الأمنِ غير مُنَغَّصٍ |
فعنْ ظِلِّهِمْ ظلُّ السَّنَا ليس يَرْغَبُ |
لقد ضمنَ الباري لكلِّ مسالمٍ |
فتى سالمٍ عن قلبِهِ الهمُّ يعزبُ |
ولم تزل الأقدارُ أقلامَ لَوحِها |
لكلِّ امرئٍ والاه بالفوز تَكْتُبُ |
وكم من يَدٍ بْيضا له أريحيّةٌ |
يكادُ ضِيا البَيْضا بها يتحجَّبُ |
إذا انهمرتْ بالجودِ أمواهُ سُحْبِها |
تردَّى الحَيا ثوبَ اسمِه حين يُسْكَبُ |
وإِن ركبَ الخيلَ العتِاقَ لمعركٍ |
رَجَفْنَ وأيديها دَماً تتخضَّبُ |
فيومئذٍ لا هامَ إِلا مُفَلَّقٌ |
ولا نَحْرَ إِلا للعُداةِ مَثَقَّبُ |
لقد علمَ الأعداءُ أنَّ سيوفَهُ |
شُوَاظُ الرَّدَى في غَرْبها يتلهَّبُ |
وفي سُمْرِهِ السمُّ الذُّعافُ فما استقَى |
جَنَانَ امرئٍ أطرافُها فيهِ تَنْشِبُ |
وحسُب الذى عن فتكها فَرَّ مُفْلِتاً |
إِلى الحتف منها خائفٌ يترقَّبُ |
تُصَارِعُهُ بالطيفِ أحلامُه بها |
فيُقْسمُ بالرحمنِ ما الطيفُ يَكْذِبُ |
ويوهمُهُ سجعُ الحمائم في الرُّبى |
شَوَاجحَ غِرْبانٍ على الأيكِ تَنْعَبُ |
فشتَّانَ من والى وناواهُ في الدُّنا |
وكلُّ حديثٍ عنهُما الناَسُ تَطْرَبُ |
يبيتُ الذي والى بأهنأِ عيشةٍ |
يضاحكُه ثغْرٌ من البشْرِ أشْنَبُ |
وينهلُ من ناجودِ كرْمَةِ جودِه |
كُؤوساً شعاعُ الشمسِ فيها يُذَهَّبُ |
ولم ينقلبْ للهمِّ والبؤسِ قلبُهُ |
ولمَ يخْشَ دهراً صرفُهُ يتقَلَّبُ |
ألا فَلْيُوالِ المرءُ إِن شاءَ رفعةً |
محمدَ والعزَّ الذي ليسَ يذهبُ |
مليكٌ له الإحسان عفواً وشيمةً |
إذا حلَّ ناديه ضَريكٌ ومُذْنِبُ |
فلا حاتمٌ يحكي نداه وخالدٌ |
ولا طلحةٌ يحكي وَفاهُ ومُصْعَبُ |