خليليّ إنَّ الهمَّ والحزنَ خيمّا |
بقلبي على رَغْمى فما الرأي فيهمَا |
يريدانِ ألا يتركا لِيَ سلوة |
وأن يتركاني ناحلَ الجسمِ مسقما |
فإن تسئداني شمِّرا وتقدَّما |
وإن كُنْتُما لا تسعداني فأحْجِمَا |
لقد أجمعا أمريهما وتخالَفا |
وقد جيَّشا جَيْشاً علينَا عَرَمْرَمَا |
نلاقيهما بالذُّلِّ والصغر عنوةً |
أم الحرب أحرَى خوف أن تَنَدَّمَا |
فأمَّارتِي بالجُبن قالتْ ليَ ارْعَوِى |
فلسنا بذِي عزٍّ لنرميَ مَنْ رَمَى |
ولسْنَا على البأساءِ أصحابَ قوةٍ |
ولسنا بأبناء الملوكِ لنِقدمَا |
وقال لي القلبُ استعدَّ فإنني |
أراني معدّاً في أمورِك قيمِّا |
ألم ترني في النائباتِ أخا قوىً |
حَمُوى وفي البأساء عضْباً مُصمِّمَا |
ولا أتشكى للورَى من رزيَّةٍ |
رزئْت بها لو أَنَّ جِسْمي تَحطَّمَا |
ألا قل لأهلِ الدهرِ والدهر إنني |
ثبوتٌ ولو رَضْوَى عَلَىَّ تَهَدَّمَا |
سواءٌ معي حربُ الزمانِ وسِلْمه |
إذا كان عندي الصبرُ لم أتألمَا |
ولستُ أبالي إن سقتني صروفهُ |
كؤوسَ مُدَامٍ أو سقتنيَ عَأْتَمَا |
أنا المرءُ قلبي لا يراعُ بنبأةٍ |
ولا صوت ذى ضغن إذا ما تَهَمْهَمَا |
ولا يطَّبيني حسنُ تغريد معبد |
ولا صوتُ شادٍ في الغصونِ تَرَنَّمَا |
ولم يشجني شوقاً فراقُ أحبةٍ |
إذا لم يذوقوا من فراقي تَنَدُّمَا |
وأقنعُ من دهري بأيسرِ بُلْغة |
إذا لم أجدْ يوماً سِوى التمر مَطْعَمَا |
سأصرِفُ نفسي عن مطَامعَ جمةٍ |
وإن لم أجد لي قطُّ في الكفِّ درهمَا |
ومهما قضَى الرحمنُ لي بقضيةٍ |
رضيتُ بها طوعاً ولم أتظلمَا |
لِعلمِي بأني لستُ أملكُ درهماً |
ولم تنفع الشكوى فأدفعُها بِمَا |
سأحنى لها ظَهْري وأحملُ ثقلها |
ولو حطمتَ مِنّي قناةً وأعظمَا |
سأصبرُ صبراً يقصرُ الصبرُ دونَه |
إلى أنْ يصيحَ الصبرُ مني تألُّمَا |
وإلا فلستُ الباسلَ البطل الذي |
تردَّى بأثوابِ الردَى وتعمَّمَا |
ولو قَصَّ مني الدهر ريشَ قوادِمي |
فلا أتشكَّى للعدوِّ فيبسَما |
ولا أتشكى للصديقِ مكاشِفاً |
فيبقى حزيناً لا يطيق تكلّمَا |
سأسترُ سرى عن قريبٍ وشاسعٍ |
ولو أَنَّ قلبي بالسمومِ تسمَّما |
فكلٌّ له عمرٌ وللعمرِ غايةٌ |
إذا انتهتْ لم ينتفعْ بلعلّ مَا |
تمرسْتُ بالآفاتِ حتى ألفتها |
فلما دهتني لم تزدني تحلُّمَا |
فها أنا ذَا ما شاء ربي فإنني |
لراضٍ بما أوتيتُ قدَّرَ أمْ نَمَا |
يقولونَ لا تبكى لموتِ أقاربٍ |
أعندكَ قد صارَ البكاءُ محرَّمَا |
فقلتُ لهم لا بلْ فإن كان نافِعاً |
بكيت على فِقدان أحبابنا دَمَا |
أبكِي على غيري وإني لَعَالِمٌ |
يقينا بأني لاحقٌ من تَقَدَّمَا |
فإن كنتُ ذَا عقلٍ فأبكى بعَبْرةٍ |
على عُمر ضيَّعته فتصرَّمَا |
فإن أبكه في بعض الأحاحايين لا غنىً |
فكمْ مسلمٍ منا بكى قبلُ مُسْلِمَا |
وإن أبك محبوباً فيعقوبُ قبلنا |
بكى يوسفاً حتى أضرّ به الممَا |
ولما رأيتُ العقل والقلبَ أجمعَا |
على حرب أضدادٍ وللهِ سلّما |
نبذتُ الونَى والعجز عن فتى وقد |
جعلتُ جميلَ الصبر والفوز سلمّا |
عَزَمتُ فجيَّشْنا جيوشاً من الأسَى |
هَزمْنا بها جيش الهموم تَجَشُّمَا |
فمن كانَ عند اللهِ فاللّهُ عندَه |
وفازَ بما يرجُوه فوزاً معظمَا |
ظفرنا وأُبْنا سَالمِين بعونه |
بنصرٍ عزيزٍ قد رجوناهُ قبل مَا |
ومن يتقِ الرحمنَ يجعل له حمىً |
منيعاً ويرزقه التقى والتنعُّمَا |
معَ الحورِ والولدان في روض جنة |
مقيما بها يُسقَى الرحيق المختّما |
وإن يَعْصِه عمداً جَهاراً ولم يتب |
ومات مصرّاً يَصْلَ نار جهنما |
يعذبُ فيها دائماً أبداً ولم |
يجدْ وَزَراً يأوى إليه فَيَسْلَما |
فمن آثر العصيانَ هذا جزاؤهُ |
وكلُّ امرئٍ يجزي بما هو قَدَّمَا |
أعوذُ بك اللهمَّ من شرِّ ماردٍ |
غوىٍّ يرى إن مسَّنا الضر مَغْنَما |
ومن شرِّ وسواسٍ ألمِّ بخاطرِي |
ومن همزاتِ للشياطينِ كلَّما |
وعفواً لعبدٍ أقرَّ بذَنْبهِ |
وإنّك غفارُ الذنوبِ تكرُّمَا |
وإنكُ ذُو عفوٍ وصفحٍ عن الذي |
أقرَّ اعترافاً بعد ما كان أجرما |
ودونَكمُ من ذِي ودادٍ بصحبةٍ |
حكت في حواشي الطِّرْسِ درّاً منظما |
هيَ الشهدُ بلْ أحلى على كل سامع |
واشهى من الماء الزلالِ عل الظمَا |
تسلِّى قلوب الفاقدين أحبّة |
وتنسى الوليد الوالد المكرِّمَا |
على أنها تطهيرُ كل نجاسةٍ |
وتنفى عن القلب القذَى والتوهُّمَا |
وسميتها للقلبِ والعين سلوة |
وتقوية عند المصائبِ عندمَا |
وما قلت عنها من قوىً وتشجع |
وتزكية للنفسِ إلا تفهَّمَا |
وما نيتي إلا رضَى اللّهِ وحْدَه |
وسلوة عبدٍ للغُمومِ تَجشَّما |
ألا فادرسُوها كلَّ حينٍ فإنها |
تصير تعاويذاً وللقلبِ مَرْهَما |
تؤرثُ في قلب الجبانِ تشَجعا |
ويزدادُ قلبُ الشخص منها تَعَلُّمَا |
فَمْن كانَ ذَا عقلٍ وإن كانَ جاهِلاً |
يصيرُ إذا استولى عليها مُعَلّما |
لها قصيبات السبقِ في كلِّ حليةٍ |
إذا حضرتْ فاقت كُميتاً وأَدْهَمَا |
إذا خلتها يوماً توهمتَ أنها |
ملاءة نورٍ قد توافت من السَّمَا |
أو الحور من جناتِ عدنٍ تنزلت |
جزاؤُكم مِن فعلِ خيرٍ تقدّمَا |
وصلِّ إلهَ العرشِ ما هبَّت الصَّبَا |
على أحمدٍ خيرِ الأنامِ وسلِّما |