تَوَلَّى الصِّبَا عَنِّي فَكَيْفَ أُعِيدُهُ | |
|
| وَقَدْ سَارَ فِي وادِي الْفَنَاءِ بَرِيدُهُ |
|
أُحَاوِلُ مِنْهُ رَجْعَةً بَعْدَ ما مَضَى | |
|
| وذَلِكَ رَأْيٌ غَابَ عَنِّي سَدِيدُهُ |
|
فَمَا كُلُّ جَفْرٍ غَاضَ يَرْتَدُّ نَبْعُهُ | |
|
| وَلا كُلُّ سَاقٍ جَفَّ يَخْضَرُّ عُودُهُ |
|
فَإِنْ أَكُ فَارَقْتُ الشَّبَابَ فَقَبْلَهُ | |
|
| بَكَيْتُ رَضَاعاً بَانَ عَنِّي حَمِيدُهُ |
|
وَأَيُّ شَبَابٍ لا يَزُولُ نَعِيمُهُ | |
|
| وَسِرْبالِ عَيْشٍ لَيْسَ يَبْلَى جَدِيدُهُ |
|
فَلا غَرْوَ أَنْ شَابَتْ مِنَ الْحُزْنِ لِمَّتِي | |
|
| فَإِنِّيَ فِي دَهْرٍ يَشِيبُ وَلِيدُهُ |
|
يُهَدِّمُ مِنْ أَجْسَادِنَا مَا يَشِيدُهُ | |
|
| وَيَنْقُصُ مِنْ أَنْفَاسِنَا مَا يَزِيدُهُ |
|
أَرَى كُلَّ شَيءٍ لا يَدُومُ فَمَا الَّذِي | |
|
| يَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ حُبِّ مَا لا يُفِيدُهُ |
|
وَلَكِنَّ نَفْساً رُبَّمَا اهْتَاجَ شَوْقُهَا | |
|
| فَحَنَّتْ وَقَلْباً رُبَّمَا اعْتَادَ عِيدُهُ |
|
فَوَا حَسْرَتَا كَمْ زَفْرَةٍ إِثْرَ لَوْعَةٍ | |
|
| إِذَا عَصَفَتْ بِالْقَلْبِ كادَتْ تُبيدُهُ |
|
أَحِنُّ إِلَى وادِي النَّقَا ويَسُرُّنِي | |
|
| عَلَى بُعْدِهِ أَنْ تَسْتَهِلَّ سُعُودُهُ |
|
وَأَصْدُقُهُ وُدِّي وإِنْ كُنْتُ عَالِماً | |
|
| بِأَنَّ النَّقَا لَمْ يَدْنُ مِنِّي بَعِيدُهُ |
|
مَعَانُ هَوىً تَجْرِي بِدَمْعِي وِهَادُهُ | |
|
| وتُشْرِقُ مِنْ نِيرانِ قَلْبِي نُجُودُهُ |
|
تَضِنُّ بِإِهْدَاءِ السَّلامِ ظِباؤُهُ | |
|
| وتُكْرِمُ مَثْوَى الطَّارِقِينَ أُسُودُهُ |
|
تَسَاهَمَ فِيهِ الْبَأْسُ والْحُسْنُ فَاسْتَوَتْ | |
|
| ضَرَاغِمُهُ عِنْدَ اللِّقَاءِ وغِيدُهُ |
|
تَلاقَتْ بِهِ أَسْيَافُهُ وَلِحَاظُهُ | |
|
| وَمالَتْ بِهِ أَرْمَاحُهُ وقُدُودُهُ |
|
فَكَمْ مِنْ صَرِيعٍ لا تُدَاوَى جِرَاحُهُ | |
|
| وَكَمْ مِنْ أَسِيرٍ لا تُحَلُّ قُيُودُهُ |
|
وَفي الْحَيِّ ظَبْيٌ إِنْ تَرَنَّمْتُ بِاسْمِهِ | |
|
| تَنَمَّرَ وَاشِيهِ وَهَاجَ حَسُودُهُ |
|
تَهِيمُ بِهِ أَسْتَارُهُ وخُدُورُهُ | |
|
| وَتَعْشَقُهُ أَقْرَاطُهُ وَعُقُودُهُ |
|
تَأَنَّقَ فِيهِ الْحُسْنُ فَامْتَدَّ فَرْعُهُ | |
|
| إِلَى قَدَمَيْهِ واسْتَدَارَتْ نُهُودُهُ |
|
فَلِلْمِسْكِ رَيَّاهُ ولِلْبَانِ قَدُّهُ | |
|
| وَلِلْوَرْدِ خَدَّاهُ وَللظَّبْيِ جِيدُهُ |
|
فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ يَا صَاحِ بِالْهَوَى | |
|
| فَإِنَّ الرَّدَى حِلْف الْهَوَى وَعَقِيدُهُ |
|
وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَرْهَبُ المَوْتَ إِنْ سَطَا | |
|
| إِذَا لَمْ تَكُنْ نُجْلَ الْعُيُونِ شُهُودُهُ |
|
أَفُلُّ أَنَابِيبَ الْقَنَا ويَفُلُّني | |
|
| قَوَامٌ تَنَدَّتْ بِالْعَبِيرِ بُرُودُهُ |
|
فَإِنْ أَنَا سَالَمْتُ الْهَوَى فَلَطَالَمَا | |
|
| شَهِدْتُ الْوَغَى وَالطَّعْنُ يَذْكُو وَقُودُهُ |
|
وَتَحْتَ جَنَاحِ الدِّرْعِ مِنِّي ابْنُ فَتْكَةٍ | |
|
| مُعَوَّدَةٌ أَلَّا تُحَطَّ لُبُودُهُ |
|
إِذَا حَرَّكَتْهُ هِمَّةٌ نَحْوَ غايَةٍ | |
|
| تَسَامَى إِلَيْهَا فِي رَعِيلٍ يَقُودُهُ |
|
ومُعْتَرَكٍ لِلْخَيْلِ فِي جَنَبَاتِهِ | |
|
| صَهِيلٌ يَهُدُّ الرَّاسِيَاتِ وَئِيدُهُ |
|
بَعِيدِ سَماءِ النَّقْعِ يَنْقَضُّ نَسْرُهُ | |
|
| عَلَى جُثَثِ الْقَتْلَى ويَنْغَلُّ سِيدُهُ |
|
تَرِفُّ عَلَى هَامِ الكُمَاةِ سُيُوفُهُ | |
|
| وَتَخْفُقُ بَيْنَ الْجَحْفَلَيْنِ بُنُودُهُ |
|
إِذَا اشْتَجَرَتْ فِيهِ الرِّماحُ تَراجَعَتْ | |
|
| سَوَافِرَ عَنْ نَصْرٍ يُضِيءُ عَمُودُهُ |
|
تَقَحَّمْتُهُ والرُّمْحُ صَدْيانُ يَنْتَحي | |
|
| نِطافَ الْكُلَى والْمَوْتُ يَمْضِي وَعِيدُهُ |
|
فَمَا كُنْتُ إِلَّا الْغَيثَ طَارَتْ بُروقُهُ | |
|
| ومَا كُنْتُ إِلَّا الرَّعْدَ دَوَّى هَدِيدُهُ |
|
أَنَا الرَّجُلُ الْمَشْفُوعُ بِالْفِعْلِ قَوْلُهُ | |
|
| إِذَا ما عَقِيدُ الْقَوْمِ رَثَّتْ عُقُودُهُ |
|
تَعَوَّدْتُ صِدْقَ الْقَوْلِ حَتَّى لَوَ انَّنِي | |
|
| تَكَلَّفْتُ قَوْلاً غَيْرَهُ لا أُجِيدُهُ |
|
أُضَاحِكُ وَجْهَ الْمَرْءِ يَغْشَاهُ بِشْرُهُ | |
|
| وأَعْلَمُ أَنَّ الْقَلْبَ تَغْلِي حُقُودُهُ |
|
وَمَنْ لَمْ يُدارِ النَّاسَ عَادَاهُ صَحْبُهُ | |
|
| وَأَنْكَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَسُودُهُ |
|
فَمَنْ لِي بِخِلٍّ أَسْتَعِينُ بِقُرْبِهِ | |
|
| عَلَى أَمَلٍ لَمْ يَبْقَ إِلَّا شَرِيدُهُ |
|
أُحَاوِلُ وُدَّاً لا يُشَانُ بِغَدْرَةٍ | |
|
| ودُونَ الَّذِي أَرْجُوهُ مَا لا أُرِيدُهُ |
|
سَمِعْتُ قَدِيماً بِالْوَفَاءِ فَلَيْتَنِي | |
|
| عَلِمْتُ عَلَى الأَيَّامِ أَيْنَ وُجُودُهُ |
|
فَإِنْ أَنَا لَمْ أَمْلِكْ صَدِيقاً فَإِنَّني | |
|
| لِنَفسِي صَدِيقٌ لا تَخِيسُ عُهُودُهُ |
|
وَحَسْبُ الفَتَى مِنْ رَأْيِهِ خَيْرُ صَاحِبٍ | |
|
| يُوازِرُهُ فِي كُلِّ خَطْبٍ يَؤُودُهُ |
|
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرءِ مِنْ بَدَهَاتِهِ | |
|
| نَصِيرٌ فَأَخْلِقْ أَنْ تَخِيبَ جُدُودُهُ |
|
وإِنِّي وَإِنْ أَصْبَحْتُ فَرْدَاً فَإِنَّنِي | |
|
| بِنَفْسِي عَشِيرٌ لَيْسَ يَنْجُو طَرِيدُهُ |
|
وَلِي مِنْ بَدِيعِ الشِّعْرِ مَا لَوْ تَلَوْتُهُ | |
|
| عَلَى جَبَلٍ لانْهَالَ فِي الدَوِّ رَيْدُهُ |
|
إِذَا اشْتَدَّ أَوْرَى زَنْدَةَ الْحَرْبِ لَفْظُهُ | |
|
| وَإِنْ رَقَّ أَزْرَى بِالْعُقُودِ فَرِيدُهُ |
|
يُقَطِّعُ أَنْفَاسَ الرِّياحِ إِذَا سَرَى | |
|
| وَيَسْبِقُ شَأْوَ النَّيِّرَيْنِ قَصِيدُهُ |
|
إِذَا ما تَلاهُ مُنْشِدٌ في مَقَامةٍ | |
|
| كَفَى الْقَوْمَ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ نَشِيدُهُ |
|
سَيَبْقَى بِهِ ذِكْرِي عَلَى الدَّهْرِ خَالِداً | |
|
| وذِكْرُ الْفَتَى بَعْدَ الْمَمَاتِ خُلُودُهُ |
|