يا رَائِدَ البَرقِ يَمّمِ دارَةَ العَلَمِ | |
|
| وَاحدُ الغَمامَ إِلى حَيٍّ بِذِي سَلَمِ |
|
وَإِن مَرَرتَ عَلى الرَّوحاءِ فَامرِ لَها | |
|
| أَخلافَ سارِيَةٍ هَتّانَةِ الدِّيَمِ |
|
مِنَ الغِزارِ الَّلواتي في حَوالِبِها | |
|
| رِيُّ النَّواهِلِ مِن زَرعٍ وَمِن نَعَمِ |
|
إِذا اِستَهَلَّت بِأَرضٍ نَمنَمَت يَدُها | |
|
| بُرداً مِنَ النَّورِ يَكسُو عارِيَ الأَكَمِ |
|
تَرى النَّباتَ بِها خُضراً سَنابِلُهُ | |
|
| يَختالُ في حُلَّةٍ مَوشِيَّةِ العَلَمِ |
|
أَدعُو إِلى الدَّارِ بِالسُّقيا وَبِي ظَمَأٌ | |
|
| أَحَقُّ بِالريِّ لَكِنّي أَخُو كَرَمِ |
|
مَنازِلٌ لِهَواها بَينَ جانِحَتي | |
|
| وَدِيعَةٌ سِرُّها لَم يَتَّصِل بِفَمي |
|
إِذا تَنَسَّمتُ مِنها نَفحَةً لَعِبَت | |
|
| بِيَ الصَبابَةُ لِعبَ الريحِ بِالعَلَمِ |
|
أَدِر عَلى السَّمعِ ذِكراها فَإِنَّ لَها | |
|
| في القَلبِ مَنزِلَةً مَرعِيَّةَ الذِمَمِ |
|
عَهدٌ تَوَلّى وَأَبقى في الفُؤادِ لَهُ | |
|
| شَوقاً يَفُلُّ شَباةَ الرَأيِ وَالهِمَمِ |
|
إِذا تَذَكَّرتُهُ لاحَت مَخائِلُهُ | |
|
| لِلعَينِ حَتّى كَأَنّي مِنهُ في حُلُمِ |
|
فَما عَلى الدَهرِ لَو رَقَّت شَمائِلُهُ | |
|
| فَعادَ بِالوَصل أَو أَلقى يَدَ السَلَمِ |
|
تَكاءَدَتني خُطُوبٌ لَو رَمَيتُ بِها | |
|
| مَناكِبَ الأَرض لَم تَثبُت عَلى قَدَمِ |
|
في بَلدَةٍ مِثلِ جَوفِ العَير لَستُ أَرى | |
|
| فيها سِوى أُمَمٍ تَحنُو عَلى صَنَمِ |
|
لا أَستَقِرُّ بِها إِلّا عَلى قَلَقٍ | |
|
| وَلا أَلَذُّ بِها إِلّا عَلَى أَلَمِ |
|
إِذا تَلَفَّتُّ حَولي لَم أَجد أَثَراً | |
|
| إِلا خَيالي وَلَم أَسمَع سِوى كَلِمي |
|
فَمَن يَرُدُّ عَلى نَفسي لُبانَتَها | |
|
| أَو مَن يُجيرُ فُؤادِي مِن يَدِ السَّقَم |
|
لَيتَ القَطا حِينَ سارَت غُدوَةً حَمَلَت | |
|
| عَنّي رَسائِلَ أَشواقي إِلى إِضَمِ |
|
مَرَّت عَلَينا خِماصاً وَهيَ قارِبَةٌ | |
|
| مَرَّ العَواصِفِ لا تَلوي عَلى إِرَمِ |
|
لا تُدركُ العَينُ مِنها حينَ تَلمَحُها | |
|
| إِلا مِثالاً كَلَمعِ البَرقِ في الظُّلَمِ |
|
كَأَنَّها أَحرُفٌ بَرقِيَّةٌ نَبَضَت | |
|
| بِالسِّلكِ فَانتَشَرَت فِي السَّهل وَالعَلَمِ |
|
لا شَيءَ يَسبِقُها إِلّا إِذا اِعتَقَلَت | |
|
| بَنانَتي في مَديحِ المُصطَفى قَلَمِي |
|
مُحَمَّدٌ خاتَمُ الرُسلِ الَّذي خَضَعَت | |
|
| لَهُ البَرِيَّةُ مِن عُربٍ وَمِن عَجَمِ |
|
سَميرُ وَحيٍ وَمَجنى حِكمَةٍ وَنَدى | |
|
| سَماحَةٍ وَقِرى عافٍ وَرِيُّ ظَمِ |
|
قَد أَبلَغَ الوَحيُ عَنهُ قَبلَ بِعثَتِهِ | |
|
| مَسامِعَ الرُسلِ قَولاً غَيرَ مُنكَتِمِ |
|
فَذاكَ دَعوَةُ إِبراهيمَ خالِقَهُ | |
|
| وَسِرُّ ما قالَهُ عِيسى مِنَ القِدَمِ |
|
أَكرِم بِهِ وَبِآباءٍ مُحَجَّلَةٍ | |
|
| جاءَت بِهِ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُمِ |
|
قَد كانَ في مَلَكوتِ اللَهِ مُدَّخراً | |
|
| لِدَعوَةٍ كانَ فيها صاحِبَ العَلَمِ |
|
نُورٌ تَنَقَّلَ في الأَكوانِ ساطِعُهُ | |
|
| تَنَقُّلَ البَدرِ مِن صُلبٍ إِلى رَحِمِ |
|
حَتّى اِستَقَرَّ بِعَبدِ اللَهِ فَاِنبَلَجَت | |
|
| أَنوارُ غُرَّتِهِ كَالبَدرِ في البُهُمِ |
|
وَاِختارَ آمِنَةَ العَذراءَ صاحِبَةً | |
|
| لِفَضلِها بَينَ أَهلِ الحِلِّ وَالحَرَمِ |
|
كِلاهُما فِي العُلا كُفءٌ لِصاحِبِهِ | |
|
| وَالكُفءُ في المَجدِ لا يُستامُ بِالقِيَمِ |
|
فَأَصبَحَت عِندَهُ في بَيتِ مَكرُمَةٍ | |
|
| شِيدَت دَعائِمُهُ في مَنصِبٍ سِنمِ |
|
وَحِينما حَمَلَت بِالمُصطَفى وَضَعَت | |
|
| يَدُ المَشيئَةِ عَنها كُلفَةَ الوَجَمِ |
|
وَلاحَ مِن جِسمِها نُورٌ أَضاءَ لَها | |
|
| قُصُورَ بُصرى بِأَرضِ الشَّأمِ مِن أمَمِ |
|
وَمُذ أَنى الوَضعُ وَهوَ الرَّفعُ مَنزِلَةً | |
|
| جاءَت بِرُوحٍ بِنُورِ اللَهِ مُتَّسِمِ |
|
ضاءَت بِهِ غُرَّةُ الإِثنَينِ وَاِبتَسَمَت | |
|
| عَن حُسنِهِ في رَبيعٍ رَوضَةُ الحَرَمِ |
|
وَأَرضَعَتهُ وَلَم تَيأَس حَليمَةُ مِن | |
|
| قَولِ المَراضِعِ إِنَّ البُؤسَ في اليَتَمِ |
|
فَفاضَ بِالدرِّ ثَدياها وَقَد غَنِيَت | |
|
| لَيالياً وَهيَ لَم تطعَم وَلَم تَنَمِ |
|
وَاِنهَلَّ بَعدَ اِنقِطاعٍ رِسلُ شارِفِها | |
|
| حَتّى غَدَت مِن رَفِيهِ العَيشِ في طُعَمِ |
|
فَيَمَّمَت أَهلَها مَملُؤَةً فَرَحاً | |
|
| بِما أُتيحَ لَها مِن أَوفَرِ النِّعَمِ |
|
وَقَلَّصَ الجَدبُ عَنها فَهيَ طاعِمَةٌ | |
|
| مِن خَيرِ ما رَفَدَتها ثَلَّةُ الغَنَمِ |
|
وَكَيفَ تَمحَلُ أَرضٌ حَلَّ ساحَتَها | |
|
| مُحَمَّدٌ وَهوَ غَيثُ الجُودِ وَالكَرَمِ |
|
فَلَم يَزَل عِندَها يَنمُو وَتَكلَؤُهُ | |
|
| رِعايَةُ اللَهِ مِن سُوءٍ وَمِن وَصَمِ |
|
حَتّى إِذا تَمَّ مِيقاتُ الرَّضاعِ لَهُ | |
|
| حَولَينِ أَصبَحَ ذا أَيدٍ عَلَى الفُطُمِ |
|
وَجاءَ كَالغُصنِ مَجدُولاً تَرِفُّ عَلى | |
|
| جَبِينِهِ لَمحاتُ المَجدِ وَالفَهَمِ |
|
قَد تَمَّ عَقلاً وَما تَمَّت رَضاعَتُهُ | |
|
| وَفاضَ حِلماً وَلَم يَبلُغ مَدى الحُلُمِ |
|
فَبَينَما هُوَ يَرعى البَهمَ طافَ بِهِ | |
|
| شَخصانِ مِن مَلَكوتِ اللَهِ ذي العِظَمِ |
|
فَأَضجَعاهُ وَشَقّا صَدرَهُ بِيَدٍ | |
|
| رَفِيقَةٍ لَم يَبِت مِنها عَلى أَلَمِ |
|
وَبَعدَ ما قَضَيا مِن قَلبِهِ وَطَراً | |
|
| تَوَلَّيا غَسلَهُ بِالسَّلسَلِ الشَّبِمِ |
|
ما عالَجا قَلبَهُ إِلّا لِيَخلُصَ مِن | |
|
| شَوبِ الهَوى وَيَعِي قُدسِيَّةَ الحِكَمِ |
|
فَيا لَها نِعمَةً لِلّهِ خَصَّ بِها | |
|
| حَبيبَهُ وَهوَ طِفلٌ غَيرُ مُحتَلِمِ |
|
وَقالَ عَنهُ بُحَيرا حِينَ أَبصَرَهُ | |
|
| بَأَرضِ بُصرى مَقالاً غَيرَ مُتَّهَمِ |
|
إِذ ظَلَّلَتهُ الغَمامُ الغُرُّ وَانهَصَرَت | |
|
| عَطفاً عَلَيهِ فُروعُ الضَّالِ وَالسَّلَمِ |
|
بِأَنَّهُ خاتَمُ الرُّسلِ الكِرامِ وَمَن | |
|
| بِهِ تَزُولُ صُرُوفُ البُؤسِ وَالنِّقَمِ |
|
هَذا وَكَم آيَةٍ سارَت لَهُ فَمَحَت | |
|
| بِنُورِها ظُلمَةَ الأَهوالِ وَالقُحَمِ |
|
ما مَرَّ يَومٌ لَهُ إِلّا وَقَلَّدَهُ | |
|
| صَنائِعاً لَم تَزَل فِي الدَّهرِ كَالعَلَمِ |
|
حَتّى اِستَتَمَّ وَلا نُقصانَ يَلحَقُهُ | |
|
| خَمساً وَعِشرِينَ سِنُّ البارِعِ الفَهِمِ |
|
وَلَقَّبَتهُ قُرَيشٌ بِالأَمينِ عَلى | |
|
| صِدقِ الأَمانَةِ وَالإِيفاءِ بِالذِّمَمِ |
|
وَدَّت خَديجَةُ أَن يَرعى تِجارَتَها | |
|
| وِدادَ مُنتَهِزٍ لِلخَيرِ مُغتَنِمِ |
|
فَشَدَّ عَزمَتَها مِنهُ بِمُقتَدِرٍ | |
|
| ماضِي الجِنانِ إِذا ما هَمَّ لَم يخمِ |
|
وَسارَ مُعتَزِماً لِلشَّأمِ يَصحَبُهُ | |
|
| في السَّيرِ مَيسُرَةُ المَرضِيُّ فِي الحَشَمِ |
|
فَما أَناخَ بِها حَتّى قَضى وَطَراً | |
|
| مِن كُلِّ ما رَامَهُ في البَيعِ وَالسَّلَمِ |
|
وَكَيفَ يَخسَرُ مَن لَولاهُ ما رَبِحَت | |
|
| تِجارَةُ الدِّينِ في سَهلٍ وَفِي عَلَمِ |
|
فَقَصَّ مَيسُرَةُ المَأمونُ قِصَّتَهُ | |
|
| عَلَى خَديجَةَ سَرداً غَيرَ مُنعَجِمِ |
|
وَما رَواهُ لَهُ كَهلٌ بِصَومَعَةٍ | |
|
| مِنَ الرَّهابينِ عَن أَسلافِهِ القُدُمِ |
|
في دَوحَةٍ عاجَ خَيرُ المُرسَلينَ بِها | |
|
| مِن قَبل بعثَتِهِ لِلعُربِ وَالعَجَمِ |
|
هَذا نَبِيٌّ وَلَم يَنزِل بِساحَتِها | |
|
| إِلّا نَبيٌّ كَريمُ النَّفسِ وَالشِّيَمِ |
|
وَسِيرَةَ المَلَكَينِ الحائِمَينِ عَلى | |
|
| جَبِينِهِ لِيُظِلّاهُ مِنَ التّهَمِ |
|
فَكانَ ما قَصَّهُ أَصلاً لِما وَصَلَت | |
|
| بِهِ إِلى الخَيرِ مِن قَصدٍ وَمُعتَزَمِ |
|
أَحسِن بِها وصلَةً في اللَّهِ قَد أَخَذَت | |
|
| بِها عَلى الدَّهرِ عَقداً غَيرَ مُنفَصِمِ |
|
فَأَصبَحا في صَفاءٍ غَير مُنقَطِعٍ | |
|
| عَلى الزَّمانِ وَوِدٍّ غَير مُنصَرِمِ |
|
وَحِينَما أَجمَعَت أَمراً قُرَيشُ عَلى | |
|
| بِنايَةِ البَيتِ ذي الحُجّابِ وَالخَدَمِ |
|
تَجَمَّعَت فِرَقُ الأَحلافِ وَاِقتَسَمَت | |
|
| بِناءَهُ عَن تَراضٍ خَيرَ مُقتَسَمِ |
|
حَتّى إِذا بَلَغَ البُنيانُ غايَتَهُ | |
|
| مِن مَوضِعِ الرُّكنِ بَعدَ الكَدِّ وَالجشَمِ |
|
تَسابَقوا طَلَباً لِلأَجرِ وَاِختَصَمُوا | |
|
| فِيمَن يَشُدُّ بِناهُ كُلَّ مُختَصَمِ |
|
وَأَقسَمَ القَومُ أَن لا صُلحَ يَعصِمُهُم | |
|
| مِن اقتِحامِ المَنايا أَيّما قَسَمِ |
|
وَأَدخَلوا حينَ جَدَّ الأَمرُ أَيدِيَهُم | |
|
| لِلشَرِّ في جَفنَةٍ مَملُوءَةٍ بِدَمِ |
|
فَقالَ ذُو رَأيِهِم لا تَعجَلُوا وَخُذُوا | |
|
| بِالحَزم فَهوَ الَّذي يَشفِي مِنَ الحَزَمِ |
|
لِيَرضَ كُلُّ امرِئٍ مِنّا بِأَوَّلِ مَن | |
|
| يَأتي فَيَقسِطُ فِينا قِسطَ مُحتَكِمِ |
|
فَكانَ أَوَّلَ آتٍ بَعدَما اِتَّفَقُوا | |
|
| مُحَمَّدٌ وَهوَ في الخَيراتِ ذُو قَدَمِ |
|
فَقالَ كُلٌّ رَضينا بِالأَمينِ عَلَى | |
|
| عِلمٍ فَأَكرِم بِهِ مِن عادِلٍ حَكَمِ |
|
فَأَعلَمُوهُ بِما قَد كانَ وَاِحتَكَمُوا | |
|
| إِلَيهِ في حَلِّ هَذا المُشكِلِ العَمَمِ |
|
فَمَدَّ ثَوباً وَحَطَّ الرُّكنَ في وَسَطٍ | |
|
| مِنهُ وَقالَ اِرفَعُوهُ جانِبَ الرَّضَمِ |
|
فَنالَ كُلُّ امرِئٍ حَظّاً بِما حَمَلَت | |
|
| يَداهُ مِنهُ وَلَم يَعتِب عَلى القِسَمِ |
|
حَتّى إِذا اِقتَرَبوا تِلقاءَ مَوضِعِهِ | |
|
| مِن جانب البَيتِ ذي الأَركان وَالدّعمِ |
|
مَدَّ الرَّسُولُ يَداً مِنهُ مُبارَكَةً | |
|
| بَنَتهُ في صَدَفٍ مِن باذِخٍ سَنِمِ |
|
فَليَزدَدِ الرُّكنُ تِيهاً حَيثُ نالَ بِهِ | |
|
| فَخراً أَقامَ لَهُ الدُّنيا عَلَى قَدَمِ |
|
لَو لَم تَكُن يَدُهُ مَسَّتهُ حِينَ بَنَى | |
|
| ما كانَ أَصبَحَ مَلثُوماً بِكُلِّ فَمِ |
|
يا لَيتَنِي وَالأَمانِي رُبَّما صَدَقَت | |
|
| أَحظى بِمُعتَنَقٍ مِنهُ وَمُلتَزَمِ |
|
يا حَبَّذا صِبغَةٌ مِن حُسنِهِ أَخَذَت | |
|
| مِنها الشَّبِيبَةُ لَونَ العُذرِ وَاللمَمِ |
|
كَالخالِ في وَجنَةٍ زِيدَت مَحاسِنُها | |
|
| بِنُقطَةٍ مِنهُ أَضعافاً مِنَ القِيَمِ |
|
وَكَيفَ لا يَفخَرُ البَيتُ العَتيقُ بِهِ | |
|
| وَقَد بَنَتهُ يَدٌ فَيّاضَةُ النِّعَمِ |
|
أَكرِم بِهِ وازِعاً لَولا هِدايَتُهُ | |
|
| لَم يَظهَرِ العَدلُ في أَرضٍ وَلَم يَقُمِ |
|
هَذا الَّذي عَصَمَ اللَّهُ الأَنامَ بِهِ | |
|
| مِن كُلِّ هَولٍ مِنَ الأَهوالِ مُختَرِمِ |
|
وَحِينَ أَدرَكَ سِنَّ الأَربَعينَ وَما | |
|
| مِن قَبلِهِ مَبلَغٌ لِلعِلمِ وَالحِكَمِ |
|
حَباهُ ذُو العَرشِ بُرهاناً أَراهُ بِهِ | |
|
| آيات حِكمَتِهِ في عالَمِ الحُلُمِ |
|
فَكانَ يَمضي لِيَرعى أُنسَ وَحشَتِهِ | |
|
| في شاسِعٍ ما بِهِ لِلخَلقِ مِن أَرَمِ |
|
فَما يمُرُّ عَلى صَخرٍ وَلا شَجَرٍ | |
|
| إِلّا وَحَيّاهُ بِالتَّسليمِ مِن أَمَمِ |
|
حَتّى إِذا حانَ أَمرُ الغَيبِ وَاِنحَسَرَت | |
|
| أَستارُهُ عَن ضَميرِ اللَوحِ وَالقَلَمِ |
|
نادى بِدَعوَتِهِ جَهراً فَأَسمَعَها | |
|
| في كُلِّ ناحِيةٍ مَن كانَ ذا صَمَمِ |
|
فَكانَ أَوَّلُ مَن في الدِّين تابَعَهُ | |
|
| خَدِيجَةٌ وَعَلِيٌّ ثابِتُ القَدَمِ |
|
ثُمَّ اِستَجابَت رِجالٌ دُونَ أُسرَتِهِ | |
|
| وَفي الأَباعِدِ ما يُغني عَنِ الرَّحِمِ |
|
وَمَن أَرادَ بِهِ الرَّحمنُ مَكرُمَةً | |
|
| هَداهُ لِلرُّشدِ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ |
|
ثُمَّ اِستَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ مُعتَزِماً | |
|
| يَدعُو إلى رَبِّهِ في كُلِّ مُلتَأَمِ |
|
وَالنّاسُ مِنهُم رَشيدٌ يَستَجِيبُ لَهُ | |
|
| طَوعاً وَمِنهُم غَوِيٌّ غَيرُ مُحتَشِمِ |
|
حَتّى اِستَرابَت قُرَيشٌ وَاِستَبَدَّ بِها | |
|
| جَهلٌ تَرَدَّت بِهِ في مارِجٍ ضَرِمِ |
|
وَعَذَّبوا أَهلَ دِينِ اللَّهِ وَاِنتَهَكوا | |
|
| مَحارِماً أَعقَبَتهُم لَهفَةَ النَّدَمِ |
|
وَقامَ يَدعُو أَبو جَهلٍ عَشِيرَتَهُ | |
|
| إِلى الضَّلالِ وَلَم يَجنَح إِلى سَلَمِ |
|
يُبدِي خِدَاعاً ويُخفِي ما تَضَمَّنَهُ | |
|
| ضَمِيرُهُ مِن غَراةِ الحِقد وَالسَّدَمِ |
|
لا يَسلَمُ القَلبُ مِن غِلٍّ أَلَمَّ بِهِ | |
|
| يَنقى الأَدِيمُ وَيَبقى مَوضِعُ الحَلَمِ |
|
وَالحِقدُ كَالنّارِ إِن أَخفَيتَهُ ظَهَرَت | |
|
| مِنهُ عَلائِمُ فَوقَ الوَجهِ كَالحُمَمِ |
|
لا يُبصِرُ الحَقَّ مَن جَهلٌ أَحاطَ بِهِ | |
|
| وَكَيفَ يُبصِرُ نُورَ الحَقِّ وَهوَ عَمِ |
|
كُلُّ امرِئٍ وَاجِدٌ ما قَدَّمَت يَدُهُ | |
|
| إِذا اِستَوى قائِماً مِن هُوَّةِ الأَدَمِ |
|
وَالخَيرُ وَالشَّرُّ في الدُّنيا مُكافَأَةٌ | |
|
| وَالنَّفسُ مَسؤولَةٌ عَن كُلِّ مُجتَرَمِ |
|
فَلا يَنَم ظالِمٌ عَمّا جَنَت يَدُهُ | |
|
| عَلى العِبادِ فَعَينُ اللَّهِ لَم تَنَمِ |
|
وَلَم يَزَل أَهلُ دِين اللَّهِ في نَصَبٍ | |
|
| مِمّا يُلاقُونَ مِن كَربٍ وَمِن زَأَمِ |
|
حَتّى إِذا لَم يَعُد في الأَمر مَنزَعَةٌ | |
|
| وَأَصبَحَ الشَّرُّ جَهراً غَيرَ مُنكَتِمِ |
|
سارُوا إِلى الهِجرَةِ الأُولى وَما قَصَدوا | |
|
| غَيرَ النَّجاشِيِّ مَلكاً صادِقَ الذِّمَمِ |
|
فَأَصبَحُوا عِندَهُ في ظِلِّ مَملَكَةٍ | |
|
| حَصِينَةٍ وذِمامٍ غَيرِ مُنجَذِمِ |
|
مَن أَنكَرَ الضَّيمَ لَم يَأنَس بِصُحبَتِهِ | |
|
| وَمَن أَحاطَت بِهِ الأَهوالُ لَم يُقِمِ |
|
وَمُذ رَأى المُشرِكون الدّين قَد وضَحَت | |
|
| سَماؤُهُ وَاِنجَلَت عَن صِمَّةِ الصِّمَمِ |
|
تَأَلَّبُوا رَغبَةً في الشَّرِّ وَائتَمَرُوا | |
|
| عَلى الصَّحيفَةِ مِن غَيظٍ وَمِن وَغَمِ |
|
صَحِيفَةٌ وَسَمَت بِالغَدرِ أَوجُهَهُم | |
|
| وَالغَدرُ يَعلَقُ بِالأَعراضِ كَالدَّسَمِ |
|
فَكَشَّفَ اللَّهُ مِنها غُمَّةً نَزَلَت | |
|
| بِالمُؤمِنينَ وَرَبِّي كاشِفُ الغُمَمِ |
|
مَن أَضمَرَ السُّوءَ جازاهُ الإِلَهُ بِهِ | |
|
| وَمَن رَعى البَغيَ لَم يَسلَم مِنَ النِقَمِ |
|
كَفى الطُّفَيلَ بنَ عَمرٍو لُمعَةٌ ظَهَرَت | |
|
| فِي سَوطِهِ فَأَنارَت سُدفَةَ القَتَمِ |
|
هَدى بِها اللَّهُ دَوساً مِن ضَلالَتِها | |
|
| فَتابَعَت أَمرَ داعِيها وَلَم تَهِمِ |
|
وَفِي الإِراشِيِّ لِلأَقوامِ مُعتَبَرٌ | |
|
| إِذ جاءَ مَكَّةَ فِي ذَودٍ مِنَ النّعَمِ |
|
فَباعَها مِن أَبي جَهلٍ فَماطَلَهُ | |
|
| بِحَقِّهِ وَتَمادى غَيرَ مُحتَشِمِ |
|
فَجاءَ مُنتَصِراً يَشكُو ظُلامَتَهُ | |
|
| إِلى النَّبِيِّ ونِعمَ العَونُ في الإِزَمِ |
|
فَقامَ مُبتَدِراً يَسعى لِنُصرَتِهِ | |
|
| وَنُصرَةُ الحَقِّ شَأنُ المَرءِ ذِي الهِمَمِ |
|
فَدَقَّ بابَ أَبي جَهلٍ فَجاءَ لَهُ | |
|
| طَوعاً يَجُرُّ عِنانَ الخائِفِ الزَّرِمِ |
|
فَحِينَ لاقى رَسُولَ اللَّهِ لاحَ لَهُ | |
|
| فَحلٌ يَحُدُّ إِلَيهِ النابَ مِن أَطَمِ |
|
فَهالَهُ ما رَأى فَاِرتَدَّ مُنزَعِجاً | |
|
| وَعادَ بِالنَّقدِ بَعدَ المَطلِ عَن رَغَمِ |
|
أَتِلكَ أَم حِينَ نادى سَرحَةً فَأَتَت | |
|
| إِلَيهِ مَنشُورَةَ الأَغصانِ كَالجُمَمِ |
|
حَنَت عَلَيهِ حُنُوَّ الأُمِّ مِن شَفَقٍ | |
|
| وَرَفرَفَت فَوقَ ذاكَ الحُسنِ مِن رَخَمِ |
|
جاءَتهُ طَوعاً وَعادَت حينَ قالَ لَها | |
|
| عُودِي وَلو خُلِّيت لِلشَّوقِ لَم تَرِمِ |
|
وَحَبَّذا لَيلَةُ الإِسراءِ حِينَ سَرى | |
|
| لَيلاً إِلى المَسجِدِ الأَقصى بِلا أَتَمِ |
|
رَأَى بِهِ مِن كِرامِ الرُّسلِ طائِفَةً | |
|
| فَأَمَّهُم ثُمَّ صَلَّى خاشِعاً بِهِمِ |
|
بَل حَبَّذا نَهضَةُ المِعراجِ حينَ سَما | |
|
| بِهِ إِلى مَشهَدٍ في العزِّ لَم يُرَمِ |
|
سَما إِلى الفَلَك الأَعلى فَنالَ بِهِ | |
|
| قَدراً يَجِلُّ عَن التَّشبيهِ في العِظَمِ |
|
وَسارَ في سُبُحاتِ النُّورِ مُرتَقِياً | |
|
| إِلى مَدارِجَ أَعيَت كُلَّ مُعتَزِمِ |
|
وَفازَ بِالجَوهَرِ المَكنونِ مِن كَلِمٍ | |
|
| لَيسَت إِذا قُرِنَت بِالوَصفِ كَالكَلِمِ |
|
سِرٌّ تَحارُ بِهِ الأَلبابُ قاصِرَةً | |
|
| وَنِعمَةٌ لَم تَكُن في الدَّهرِ كَالنِّعَمِ |
|
هَيهاتَ يَبلُغُ فَهمٌ كُنهَ ما بَلَغَت | |
|
| قُرباهُ مِنهُ وَقَد ناجاهُ مِن أَمَمِ |
|
فَيا لَها وصلَةً نالَ الحَبيبُ بِها | |
|
| ما لَم يَنَلهُ مِنَ التَّكريمِ ذُو نَسَمِ |
|
فاقَت جَميعَ اللَّيالي فَهيَ زاهِرَةٌ | |
|
| بِحُسنِها كَزُهُورِ النّارِ في العَلَمِ |
|
هَذا وَقَد فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاةَ عَلى | |
|
| عِبادِهِ وَهَداهُم واضِحَ اللَّقَمِ |
|
فَسارَعُوا نَحوَ دِينِ اللَّهِ وَاِنتَصَبُوا | |
|
| إِلى العِبادَةِ لا يَألُونَ مِن سَأَمِ |
|
وَلَم يَزَل سَيِّدُ الكَونَينِ مُنتَصِباً | |
|
| لِدَعوَةِ الدِّين لَم يَفتر وَلَم يَجِمِ |
|
يَستَقبِلُ النّاسَ في بَدوٍ وَفي حَضَرٍ | |
|
| وَيَنشُرُ الدِّينَ في سَهلٍ وَفي عَلَمِ |
|
حَتّى اِستَجابَت لَهُ الأَنصارُ وَاِعتَصَمُوا | |
|
| بِحَبلِهِ عَن تَراضٍ خَيرَ مُعتَصمِ |
|
فَاِستَكمَلَت بِهِمُ الدُنيا نَضارَتَها | |
|
| وَأَصبَحَ الدينُ في جَمعٍ بِهِم تَمَمِ |
|
قَومٌ أَقَرُّوا عِمادَ الحَقِّ وَاِصطَلَمُوا | |
|
| بِيَأسِهِم كُلَّ جَبّارٍ وَمُصطَلِمِ |
|
فَكَم بِهِم أَشرَقَت أَستارُ داجِيَةٍ | |
|
| وَكَم بِهِم خَمَدَت أَنفاسُ مُختَصِمِ |
|
فَحينَ وافى قُرَيشاً ذِكرُ بَيعَتِهِم | |
|
| ثارُوا إِلى الشَّرِّ فِعلَ الجاهِلِ العَرِمِ |
|
وَبادَهُوا أَهلَ دِينِ اللَهِ وَاِهتَضَمُوا | |
|
| حُقُوقَهُم بِالتَّمادِي شَرَّ مُهتَضَمِ |
|
فَكَم تَرى مِن أَسيرٍ لا حِراكَ بِهِ | |
|
| وَشارِدٍ سارَ مِن فَجٍّ إِلى أَكَمِ |
|
فَهاجَرَ الصَّحبُ إِذ قالَ الرَّسُولُ لَهُم | |
|
| سيرُوا إِلى طَيبَةَ المَرعِيَّةِ الحُرَمِ |
|
وَظَلَّ في مَكَّةَ المُختارُ مُنتَظِراً | |
|
| إِذناً مِنَ اللَهِ في سَيرٍ وَمُعتَزَمِ |
|
فَأَوجَسَت خيفَةً مِنهُ قُرَيشُ وَلَم | |
|
| تَقبَل نَصيحاً وَلَم تَرجع إِلى فَهَمِ |
|
فَاِستَجمَعَت عُصَباً في دارِ نَدوَتِها | |
|
| تَبغي بِهِ الشَّرَّ مِن حِقدٍ وَمِن أَضَمِ |
|
وَلَو دَرَت أَنَّها فِيما تُحاوِلُهُ | |
|
| مَخذولَةٌ لَم تَسُم في مَرتَعٍ وَخِمِ |
|
أَولى لَها ثُمَ أَولى أَن يَحيقَ بِها | |
|
| ما أَضمَرَتهُ مِنَ البَأساءِ وَالشَّجَمِ |
|
إِنّي لَأَعجَبُ مِن قَومٍ أُولي فِطَنٍ | |
|
| باعُوا النُّهى بِالعَمى وَالسَّمعَ بِالصَّمَمِ |
|
يَعصُونَ خالِقَهُم جَهلاً بِقُدرَتِهِ | |
|
| وَيَعكُفُونَ عَلى الطاغُوتِ وَالصَّنَمِ |
|
فَأَجمَعُوا أَمرَهُم أَن يَبغتُوهُ إِذا | |
|
| جَنَّ الظَّلامُ وَخَفَّت وَطأَةُ القَدَمِ |
|
وَأَقبَلُوا مَوهِناً في عُصبَةٍ غُدُرٍ | |
|
| مِنَ القَبائِلِ باعُوا النَّفسَ بِالزَّعَمِ |
|
فَجاءَ جِبريلُ لِلهادِي فَأَنبأَهُ | |
|
| بِما أَسَرُّوهُ بَعدَ العَهدِ وَالقَسَمِ |
|
فَمُذ رَآهُم قِياماً حَولَ مَأمَنِهِ | |
|
| يَبغُونَ ساحَتَهُ بِالشَّرِّ وَالفَقَمِ |
|
نادى عَلِيّاً فَأَوصاهُ وَقالَ لَهُ | |
|
| لا تَخشَ وَالبَس رِدائي آمِناً وَنَمِ |
|
وَمَرَّ بِالقَومِ يَتلُوُ وَهوَ مُنصَرِفٌ | |
|
| يَس وَهيَ شِفاءُ النَّفسِ مِن وَصَمِ |
|
فَلَم يَرَوهُ وَزاغَت عَنهُ أَعيُنُهُم | |
|
| وَهَل تَرى الشَّمس جَهراً أَعيُنُ الحَنَمِ |
|
وَجاءَهُ الوَحيُ إِيذاناً بِهِجرَتِهِ | |
|
| فَيَمَّمَ الغارَ بِالصِّدِّيقِ في الغَسَمِ |
|
فَما اِستَقَرَّ بِهِ حَتّى تَبَوَّأَهُ | |
|
| مِنَ الحَمائِمِ زَوجٌ بارِعُ الرَّنَمِ |
|
بَنى بِهِ عُشَّهُ وَاِحتَلَّهُ سَكناً | |
|
| يَأوي إِلَيهِ غَداةَ الرّيحِ وَالرّهَمِ |
|
إِلفانِ ما جَمَعَ المِقدارُ بَينَهُما | |
|
| إِلّا لِسِرٍّ بِصَدرِ الغارِ مُكتَتَمِ |
|
كِلاهُما دَيدَبانٌ فَوقَ مَربأَةٍ | |
|
| يَرعَى المَسالِكَ مِن بُعدٍ وَلَم يَنَمِ |
|
إِن حَنَّ هَذا غَراماً أَو دَعا طَرَباً | |
|
| بِاسمِ الهَديلِ أَجابَت تِلكَ بِالنَّغَمِ |
|
يَخالُها مَن يَراها وَهيَ جاثِمَةٌ | |
|
| في وَكرِها كُرَةً مَلساءَ مِن أَدَمِ |
|
إِن رَفرَفَت سَكَنَت ظِلّاً وَإِن هَبَطَت | |
|
| رَوَت غَليلَ الصَّدى مِن حائِرٍ شَبِمِ |
|
مَرقُومَةُ الجِيدِ مِن مِسكٍ وَغالِيَةٍ | |
|
| مَخضُوبَةُ الساقِ وَالكَفَّينِ بِالعَنَمِ |
|
كَأَنَّما شَرَعَت في قانِيءٍ سربٍ | |
|
| مِن أَدمُعِي فَغَدَت مُحمَرَّةَ القَدَمِ |
|
وَسَجفَ العَنكَبُوتُ الغارَ مُحتَفِياً | |
|
| بِخَيمَةٍ حاكَها مِن أَبدَعِ الخِيَمِ |
|
قَد شَدَّ أَطنابَها فَاِستَحكَمَت وَرَسَت | |
|
| بِالأَرضِ لَكِنَّها قامَت بِلا دِعَمِ |
|
كَأَنَّها سابِريٌّ حاكَهُ لَبِقٌ | |
|
| بِأَرضِ سابُورَ في بحبُوحَةِ العَجَمِ |
|
وَارَت فَمَ الغارِ عَن عَينٍ تُلِمُّ بِهِ | |
|
| فَصارَ يَحكي خَفاءً وَجهَ مُلتَثِمِ |
|
فَيا لَهُ مِن سِتارٍ دُونَهُ قَمَرٌ | |
|
| يَجلُو البَصائِرَ مِن ظُلمٍ وَمِن ظُلَمِ |
|
فَظَلَّ فيهِ رَسولُ اللَّهِ مُعتَكِفاً | |
|
| كَالدُرِّ في البَحر أَو كَالشَمسِ في الغُسَمِ |
|
حَتّى إِذا سَكَنَ الإِرجاف وَاِحتَرقَت | |
|
| أَكبادُ قَومٍ بِنارِ اليَأسِ وَالوَغَمِ |
|
أَوحى الرَّسولُ بِإِعدادِ الرَّحيلِ إِلى | |
|
| مَن عِندَهُ السِّرُّ مِن خِلٍّ وَمِن حَشَمِ |
|
وَسارَ بَعدَ ثَلاثٍ مِن مَباءَتِهِ | |
|
| يَؤُمُّ طَيبَةَ مَأوى كُلِّ مُعتَصِمِ |
|
فَحِينَ وَافى قُدَيداً حَلَّ مَوكِبُهُ | |
|
| بِأُمِّ مَعبَدَ ذاتِ الشَّاءِ وَالغَنَمِ |
|
فَلَم تَجِد لِقِراهُ غَيرَ ضائِنَةٍ | |
|
| قَدِ اقشَعَرَّت مَراعِيها فَلَم تَسُمِ |
|
فَما أَمَرَّ عَلَيها داعِياً يَدَهُ | |
|
| حَتّى اِستَهَلَّت بِذِي شَخبينِ كَالدِّيَمِ |
|
ثُمَّ اِستَقَلَّ وَأَبقى في الزَّمانِ لَها | |
|
| ذِكراً يَسيرُ عَلَى الآفاق كَالنَّسَمِ |
|
فَبَينَما هُوَ يَطوي البِيدَ أَدرَكَهُ | |
|
| رَكضاً سُراقَةُ مِثلَ القَشعَمِ الضَّرِمِ |
|
حَتّى إِذا ما دَنا ساخَ الجَوادُ بِهِ | |
|
| في بُرقَةٍ فَهَوى لِلسَّاقِ وَالقَدَمِ |
|
فَصاحَ مُبتَهِلاً يَرجُو الأَمانَ وَلَو | |
|
| مَضى عَلى عَزمِهِ لانهارَ في رَجَمِ |
|
وَكَيفَ يَبلُغُ أَمراً دُونَهُ وَزَرٌ | |
|
| مِنَ العِنايةِ لَم يَبلُغهُ ذُو نَسَمِ |
|
فَكَفَّ عَنهُ رَسولُ اللَّهِ وَهوَ بِهِ | |
|
| أَدرى وَكَم نِقَمٍ تفتَرُّ عَن نِعَمِ |
|
وَلَم يَزَل سائِراً حَتّى أَنافَ عَلى | |
|
| أَعلامِ طَيبَةَ ذاتِ المَنظَرِ العَمَمِ |
|
أَعظِم بِمَقدَمِهِ فَخراً وَمَنقبَةً | |
|
| لِمَعشَرِ الأَوسِ وَالأَحياءِ مِن جُشَمِ |
|
فَخرٌ يَدُومُ لَهُم فَضلٌ بِذِكرَتِهِ | |
|
| ما سارَت العِيسُ بِالزُّوّارِ لِلحَرَمِ |
|
يَومٌ بِهِ أَرَّخَ الإِسلامُ غُرَّتَهُ | |
|
| وَأَدرَكَ الدِّينُ فيهِ ذِروَةَ النُّجُمِ |
|
ثُمَّ اِبتَنى سَيِّدُ الكَونَينِ مَسحِدَهُ | |
|
| بُنيانَ عِزٍّ فَأَضحى قائِمَ الدّعَمِ |
|
وَاِختَصَّ فيهِ بِلالاً بِالأَذانِ وَما | |
|
| يُلفى نَظيرٌ لَهُ في نَبرَةِ النَّغَمِ |
|
حَتّى إِذا تَمَّ أَمرُ اللَّهِ وَاِجتَمَعَت | |
|
| لَهُ القبَائِلُ مِن بُعدٍ وَمِن زَمَمِ |
|
قامَ النَّبِيُّ خَطيباً فيهِمُ فَأَرى | |
|
| نَهجَ الهُدى وَنَهى عَن كُلِّ مُجتَرَمِ |
|
وَعَمَّهم بِكِتابٍ حَضَّ فيهِ عَلى | |
|
| مَحاسِنِ الفَضلِ وَالآدابِ وَالشِّيمِ |
|
فَأَصبَحُوا في إِخاءٍ غَيرِ مُنصَدِعٍ | |
|
| عَلى الزَّمانِ وَعِزٍّ غَيرِ مُنهَدِمِ |
|
وَحِينَ آخى رَسُولُ اللَّهِ بَينَهُمُ | |
|
| آخى عَلِيّاً وَنِعمَ العَونُ في القُحَمِ |
|
هُوَ الَّذي هَزَمَ اللَّهُ الطُغاةَ بِهِ | |
|
| في كُلِّ مُعتَرَكٍ بِالبِيضِ مُحتَدِمِ |
|
فَاِستَحكَم الدِّينُ وَاِشتَدَّت دَعائِمُهُ | |
|
| حَتّى غَدا واضِحَ العِرنينِ ذا شَمَمِ |
|
وَأَصبَحَ الناسُ إِخواناً وَعَمَّهُمُ | |
|
| فَضلٌ مِنَ اللَّهِ أَحياهُم مِنَ العَدَمِ |
|
هَذا وَقَد فَرَضَ اللَّهُ الجِهادَ عَلى | |
|
| رَسُولِهِ لِيَبُثَّ الدِّينَ في الأُمَمِ |
|
فَكانَ أَوَّلُ غَزوٍ سارَ فيهِ إِلى | |
|
| وَدّانَ ثُمَّ أَتى مِن غَيرِ مُصطَدَمِ |
|
ثُمَّ اِستَمَرَّت سَرايا الدِّينِ سابِحَةً | |
|
| بِالخَيلِ جامِحَةً تَستَنُّ بِاللُّجُمِ |
|
سَرِيَّةٌ كانَ يَرعاها عُبَيدَةُ في | |
|
| صَوبٍ وَحَمزَةُ في أُخرى إِلى التَّهَمِ |
|
وَغَزوَةٌ سارَ فيها المُصطَفى قُدُماً | |
|
| إِلى بُواطٍ بِجَمعٍ ساطِعِ القَتَمِ |
|
وَمِثلَها يَمَّمَت ذاتَ العُشيرَةِ في | |
|
| جَيشٍ لُهامٍ كَمَوجِ البَحرِ مُلتَطِمِ |
|
وَسارَ سَعدٌ إِلى الخَرّارِ يَقدُمُهُ | |
|
| سَعدٌ وَلَم يَلقَ في مَسراهُ مِن بَشَمِ |
|
وَيَمَّمَت سَفَوان الخَيلُ سابِحَةً | |
|
| بِكُلِّ مُعتَزِمٍ لِلقَرنِ مُلتَزِمِ |
|
وَتابَعَ السَّيرَ عَبدُ اللَّهِ مُتَّجِهاً | |
|
| تِلقاءَ نَخلَةَ مَصحُوباً بِكُلِّ كَمِي |
|
وَحُوّلَت قِبلَةُ الإِسلامِ وَقتَئِذٍ | |
|
| عَن وِجهَةِ القُدسِ نَحوَ البَيتِ ذي العِظَمِ |
|
وَيَمَّمَ المُصطَفى بَدراً فَلاحَ لَهُ | |
|
| بَدرٌ مِنَ النَّصرِ جَلَّى ظُلمَةَ الوَخَمِ |
|
يَومٌ تَبَسَّمَ فيهِ الدِّينُ وَاِنهَمَلَت | |
|
| عَلَى الضَّلالِ عُيونُ الشِّركِ بِالسَّجَمِ |
|
أَبلَى عَلِيٌّ بِهِ خَيرَ البَلاءِ بِما | |
|
| حَباهُ ذُو العَرشِ مِن بَأسٍ وَمِن هِمَمِ |
|
وَجالَ حَمزَةُ بِالصَّمصامِ يَكسؤُهُم | |
|
| كَسأً يُفَرِّقُ مِنهُم كُلَّ مُزدَحَمِ |
|
وَغادَرَ الصَّحبُ وَالأَنصارُ جَمعَهُمُ | |
|
| وَلَيسَ فيهِ كَمِيٌّ غَيرُ مَنهَزِمِ |
|
تَقَسَّمَتهُم يَدُ الهَيجاءِ عادِلَةً | |
|
| فَالهامُ لِلبِيض وَالأَبدانُ لِلرَّخَمِ |
|
كَأَنَّما البِيضُ بِالأَيدي صَوالِجَةٌ | |
|
| يَلعَبنَ في ساحَةِ الهَيجاءِ بِالقِمَمِ |
|
لَم يَبقَ مِنهُم كَمِيٌّ غَيرُ مُنجَدِلٍ | |
|
| عَلى الرّغامِ وَعُضوٌ غَيرُ مُنحَطِمِ |
|
فَما مَضَت ساعَةٌ وَالحَربُ مُسعَرَةٌ | |
|
| حَتّى غَدا جَمعُهُم نَهباً لِمُقتَسِمِ |
|
قَد أَمطَرَتهُم سَماءُ الحَربِ صائِبَةً | |
|
| بِالمَشرَفِيَّةِ وَالمُرّانِ كَالرُّجُمِ |
|
فَأَينَ ما كانَ مِن زَهوٍ وَمِن صَلَفٍ | |
|
| وَأَينَ ما كانَ مِن فَخرٍ وَمِن شَمَمِ |
|
جاؤُا وِللشَّرِّ وَسمٌ في مَعاطِسِهِم | |
|
| فَأُرغِمُوا وَالرَّدى في هَذِهِ السِّيَمِ |
|
مَن عارَضَ الحَقَّ لَم تَسلَم مَقاتِلُهُ | |
|
| وَمَن تَعَرَّضَ لِلأَخطارِ لَم يَنَمِ |
|
فَما اِنقَضى يَومُ بَدرٍ بِالَّتي عَظُمَت | |
|
| حَتّى مَضى غازِياً بِالخَيلِ في الشُّكُمِ |
|
فَيَمَّمَ الكُدرَ بِالأَبطالِ مُنتَحِياً | |
|
| بَني سُلَيمٍ فَوَلَّت عَنهُ بِالرَّغَمِ |
|
وَسارَ في غَزوَةٍ تُدعى السَّويقَ بِما | |
|
| أَلقاهُ أَعداؤُهُ مِن عُظمِ زادِهِمِ |
|
ثُمَّ اِنتَحى بِوُجُوهِ الخَيل ذَا أَمرٍ | |
|
| فَفَرَّ ساكِنُهُ رُعباً إِلى الرَّقَمِ |
|
وَأَمَّ فرعاً فَلَم يَثقَف بِهِ أَحَداً | |
|
| وَمَن يُقيمُ أَمامَ العارِضِ الهَزِمِ |
|
وَلَفَّ بِالجَيشِ حَيَّي قَينُقاعَ بِما | |
|
| جَنَوا فَتَعساً لَهُم مِن مَعشَرٍ قَزَمِ |
|
وَسارَ زَيدٌ بِجَمعٍ نَحوَ قَردَةَ مِن | |
|
| مِياهِ نَجدٍ فَلَم يَثقَف سِوى النَّعَمِ |
|
ثُمَّ اِستَدارَت رَحا الهَيجاءِ في أُحُدٍ | |
|
| بِكُلِّ مُفتَرِسٍ لِلقِرنِ مُلتَهِمِ |
|
يَومٌ تَبَيَّنَ فيهِ الجِدُّ وَاِتَّضَحَت | |
|
| جَلِيَّةُ الأَمرِ بَعدَ الجَهدِ وَالسَّأَمِ |
|
قَد كانَ خُبراً وَتَمحيصاً وَمَغفِرَةً | |
|
| لِلمُؤمِنينَ وَهَل بُرءٌ بِلا سَقَمِ |
|
مَضى عَلِيٌّ بِهِ قُدماً فَزَلزَلَهُم | |
|
| بِحَملَةٍ أَورَدَتهُم مَورِدَ الشَّجَمِ |
|
وَأَظهَرَ الصَّحبُ وَالأَنصارُ بَأسَهم | |
|
| وَالبَأسُ في الفِعلِ غَيرُ البَأسِ فِي الكَلِمِ |
|
خاضُوا المَنايا فَنالُوا عِيشَةً رَغَداً | |
|
| وَلَذَّةُ النَّفسِ لا تَأتِي بِلا أَلَمِ |
|
مَن يَلزَمِ الصَّبرَ يَستَحسِن عَواقِبَهُ | |
|
| وَالماءُ يَحسُنُ وَقعاً عِندَ كُلِّ ظَمِ |
|
لَو لَم يَكُن فِي اِحتِمالِ الصَّبرِ مَنقَبةٌ | |
|
| لَم يَظهَرِ الفَرقُ بَينَ اللُّؤمِ وَالكَرَمِ |
|
فَكانَ يَوماً عَتِيدَ البَأسِ نالَ بِهِ | |
|
| كِلا الفَريقَينِ جَهداً وَارِيَ الحَدَمِ |
|
أَودى بِهِ حَمزَةُ الصِّندِيدُ فِي نَفَرٍ | |
|
| نالوا الشَّهادَةَ تَحتَ العارِضِ الرَّزِمِ |
|
أَحسِن بِها مَيتَةً أَحيَوا بِها شَرَفاً | |
|
| وَالمَوتُ في الحَربِ فَخرُ السّادَةِ القُدُمِ |
|
لا عارَ بِالقَومِ مِن مَوتٍ وَمِن سَلَبٍ | |
|
| وَهَل رَأَيتَ حُساماً غَيرَ مُنثَلِمِ |
|
فَكانَ يَوم جَزاءٍ بَعدَ مُختَبَرٍ | |
|
| لِمَن وَفا وَجَفا بِالعِزِّ وَالرَّغَمِ |
|
قامَ النَّبِيُّ بِهِ في مَأزِقٍ حَرِج | |
|
| تَرعى المَناصِلُ فيهِ مَنبِتَ الجُمَمِ |
|
فَلَم يَزَل صابِراً في الحَربِ يَفثَؤُها | |
|
| بِالبِيضِ حَتّى اِكتَسَت ثَوباً مِنَ العَنَمِ |
|
وَرَدَّ عَينَ اِبنِ نُعمان قَتادَةَ إِذ | |
|
| سالَت فَعادَت كَما كانَت بِلا لَتمِ |
|
وَقَد أَتى بَعدَ ذا يَومُ الرَّجِيعِ بِما | |
|
| فِيهِ مِنَ الغَدرِ بَعدَ العَهدِ وَالقَسَمِ |
|
وَثارَ نَقعُ المَنايا في مَعُونَةَ مِن | |
|
| بَني سُلَيمٍ بِأَهلِ الفَضلِ وَالحِكَمِ |
|
ثُمَّ اِشرَأَبَّت لِخَفرِ العَهدِ مِن سَفَهٍ | |
|
| بَنُو النَّضيرِ فَأَجلاهُم عَنِ الأُطُمِ |
|
وَسارَ مُنتَحِياً ذاتَ الرِّقاعِ فَلَم | |
|
| تَلقَ الكَتائِبُ فيها كَيدَ مُصطَدَمِ |
|
وَحَلَّ مِن بَعدِها بَدراً لِوَعدِ أَبِي | |
|
| سُفيانَ لَكِنَّهُ وَلّى وَلَم يَحُمِ |
|
وَأَمَّ دَومَةَ في جَمعٍ وَعادَ إِلى | |
|
| مَكانِهِ وَسَماءُ النَّقعِ لَم تَغِمِ |
|
ثُمَّ اِستَثارَت قُرَيشٌ وَهيَ ظالِمَةٌ | |
|
| أَحلافَها وَأَتَت في جَحفَلٍ لَهِمِ |
|
تَستَمرِئُ البَغيَ مِن جَهلٍ وَما عَلِمَت | |
|
| أَنَّ الجَهالَة مَدعاةٌ إِلى الثَّلَمِ |
|
وَقامَ فيهم أَبُو سُفيانَ مِن حَنَقٍ | |
|
| يَدعُو إِلى الشَّرِّ مثلَ الفَحلِ ذِي القَطَمِ |
|
فَخَندَقَ المُؤمِنُونَ الدّارَ وَاِنتَصَبُوا | |
|
| لِحَربِهِم كَضَواري الأُسدِ في الأَجَمِ |
|
فَما اِستَطاعَت قُرَيشٌ نَيلَ ما طَلَبَت | |
|
| وَهَل تَنالُ الثُّرَيّا كَفُّ مُستَلِمِ |
|
رامَت بِجَهلَتِها أَمراً وَلَو عَلِمَت | |
|
| ماذَا أُعِدَّ لَها في الغَيبِ لَم تَرُمِ |
|
فَخَيَّبَ اللَّهُ مَسعاها وَغادَرَها | |
|
| نَهبَ الرَّدى وَالصَّدى وَالرِّيحِ وَالطَّسَمِ |
|
فَقوَّضَت عُمُدَ التَّرحالِ وَاِنصَرَفَت | |
|
| لَيلاً إِلى حَيثُ لَم تَسرَح وَلَم تَسُمِ |
|
وَكَيفَ تَحمَدُ عُقبى ماجَنَت يَدُها | |
|
| بَغياً وَقَد سَرَحَت في مَرتَعٍ وَخِمِ |
|
قَد أَقبَلَت وَهيَ في فَخرٍ وَفي جَذَلٍ | |
|
| وَأَدبَرَت وَهيَ في خِزيٍ وَفي سَدَمِ |
|
مَن يَركَبِ الغَيَّ لا يَحمَد عَواقِبَهُ | |
|
| وَمَن يُطِع قَلبُهُ أَمرَ الهَوى يَهِمِ |
|
ثُمَّ اِنتَحى بِوُجُوهِ الخَيلِ ساهِمَةً | |
|
| بَني قُرَيظَةَ في رَجراجَةٍ حُطَمِ |
|
خانُوا الرَّسُولَ فَجازاهُم بِما كَسَبُوا | |
|
| وَفِي الخِيانَةِ مَدعاةٌ إِلى النِّقَمِ |
|
وَسارَ يَنحُو بَني لِحيانَ فَاِعتَصَمُوا | |
|
| خَوفَ الرَّدى بِالعَوالي كُلَّ مُعتَصَمِ |
|
وَأَمَّ ذا قَرَدٍ في جَحفَلٍ لَجِبٍ | |
|
| يَستَنُّ في لاحِبٍ بادٍ وَفي نَسَمِ |
|
وَزارَ بِالجَيشِ غَزواً أَرضَ مُصطَلِقٍ | |
|
| فَما اتَّقُوهُ بِغَيرِ البِيضِ في الخَدَمِ |
|
وَفي الحُدَيبِيَةِ الصُّلحُ اِستَتَبَّ إِلى | |
|
| عَشرٍ وَلَم يَجرِ فيها مِن دَمٍ هَدَمِ |
|
وَجاءَ خَيبَرَ في جَأواءَ كَالِحَةٍ | |
|
| بِالخَيلِ كَالسَّيلِ وَالأَسيافِ كَالضَّرَمِ |
|
حَتّى إِذا اِمتَنَعَت شُمُّ الحُصونِ عَلى | |
|
| مَن رامَها بَعدَ إِيغالٍ وَمُقتَحَمِ |
|
قالَ النَّبِيُّ سَأُعطِي رايَتِي رَجُلاً | |
|
| يُحِبُّنِي وَيُحِبُّ اللَّهَ ذا الكَرَمِ |
|
ذا مرَّةٍ يَفتَحُ اللَّهُ الحُصونَ عَلَى | |
|
| يَدَيهِ لَيسَ بِفَرّارٍ وَلا بَرِمِ |
|
فَما بَدا الفَجرُ إِلّا وَالزَّعيمُ عَلى | |
|
| جَيشِ القِتالِ عَلِيٌّ رافِعُ العَلَمِ |
|
وَكانَ ذا رَمَدٍ فَاِرتَدَّ ذا بَصَرٍ | |
|
| بِنَفثَةٍ أَبرَأَت عَينَيهِ مِن وَرَمِ |
|
فَسارَ مُعتَزِماً حَتّى أَنافَ عَلى | |
|
| حُصُونِ خَيبَرَ بِالمَسلُولَةِ الخُذُمِ |
|
يَمضِي بِمُنصُلِهِ قُدماً فَيَلحَمُهُ | |
|
| مَجرى الوَريدِ مِنَ الأَعناقِ وَاللِّمَمِ |
|
حَتّى إِذا طاحَ مِنهُ التُّرسُ تاحَ لَهُ | |
|
| بابٌ فَكانَ لَهُ تُرساً إِلى العَتَمِ |
|
بابٌ أَبَت قَلبَهُ جَهداً ثَمانِيَةٌ | |
|
| مِنَ الصَّحابَةِ أَهلِ الجِدِّ وَالعَزَمِ |
|
فَلَم يَزَل صائِلاً في الحَربِ مُقتَحِماً | |
|
| غَيابَةَ النَّقعِ مِثلَ الحَيدَرِ القَرِمِ |
|
حَتّى تَبَلَّجَ فَجرُ النَّصرِ وَاِنتَشَرَت | |
|
| بِهِ البَشائِرُ بَينَ السَّهلِ وَالعَلَمِ |
|
أَبشِر بِهِ يَومَ فَتحٍ قَد أَضاءَ بِهِ | |
|
| وَجهُ الزَّمانِ فَأَبدى بِشرَ مُبتَسِمِ |
|
أَتى بِهِ جَعفَرُ الطَّيّارُ فَاِبتَهَجَت | |
|
| بِعَودِهِ أَنفُسُ الأَصحابِ وَالعُزَمِ |
|
فَكانَ يَوماً حَوى عِيدَينِ في نَسَقٍ | |
|
| فَتحاً وَعَود كَرِيمٍ طاهِرِ الشِّيَمِ |
|
وَعادَ بِالنَّصرِ مَولى الدِّينِ مُنصَرِفاً | |
|
| يَؤُمُّ طَيبَةَ فِي عِزٍّ وَفِي نِعَمِ |
|
ثُمَّ اِستَقامَ لِبَيتِ اللَّهِ مُعتَمِراً | |
|
| لِنَيلِ ما فاتَهُ بِالهَديِ لِلحَرَمِ |
|
وَسارَ زَيدٌ أَميراً نَحوَ مُؤتَةَ في | |
|
| بَعثٍ فَلاقى بِها الأَعداءَ مِن كَثَمِ |
|
فَعَبَّأَ المُسلِمُونَ الجُندَ وَاِقتَتَلُوا | |
|
| قِتالَ مُنتَصِرٍ لِلحَقِّ مُنتَقِمِ |
|
فَطاحَ زَيدٌ وَأَودى جَعفَرٌ وَقَضى | |
|
| تَحتَ العَجاجَةِ عَبدُ اللَّهِ في قُدُمِ |
|
لا عارَ بِالمَوتِ فَالشَّهمُ الجَرِيءُ يَرى | |
|
| أَنَّ الرَّدى في المَعالي خَيرُ مُغتَنَمِ |
|
وَحِينَ خاسَت قُرَيشٌ بِالعُهُودِ وَلَم | |
|
| تُنصِف وَسارَت مِن الأَهواءِ في نَقَمِ |
|
وَظاهَرَت مِن بَني بَكرٍ حَليفَتَها | |
|
| عَلى خُزاعَةَ أَهلِ الصِّدقِ فِي الذِّمَمِ |
|
قامَ النَّبِيُّ لِنَصرِ الحَقِّ مُعتَزِماً | |
|
| بِجَحفَلٍ لِجُمُوعِ الشِّركِ مُختَرِمِ |
|
تَبدُو بِهِ البِيضُ وَالقَسطالُ مُنتَشِرٌ | |
|
| كَالشُّهبِ في اللَّيلِ أَو كَالنّارِ فِي الفَحَمِ |
|
لَمعُ السُّيُوفِ وَتَصهالُ الخُيولِ بِهِ | |
|
| كَالبَرقِ وَالرَّعدِ في مُغدَودِقٍ هَزِمِ |
|
عَرمرَمٌ يَنسِفُ الأَرضَ الفَضاءَ إِذا | |
|
| سَرى بِها وَيَدُكُّ الهَضبَ مِن خِيَمِ |
|
فِيهِ الكُماةُ الَّتي ذَلَّت لِعِزَّتِها | |
|
| مَعاطِسٌ لَم تُذَلَّل قَبلُ بِالخُطُمِ |
|
مِن كُلِّ مُعتَزِمٍ بِالصَّبرِ مُحتَزِمٍ | |
|
| لِلقِرنِ مُلتَزِمٍ في البَأسِ مُهتَزِمِ |
|
طالَت بِهِم هِمَمٌ نالُوا السِّماكَ بِها | |
|
| عَن قُدرَةٍ وَعُلُوُّ النَّفسِ بِالهِمَمِ |
|
بِيضٌ أَساوِرَةٌ غُلبٌ قَساوِرَةٌ | |
|
| شُكسٌ لَدى الحَربِ مِطعامونَ في الأُزُمِ |
|
طابَت نُفُوسُهُمُ بِالمَوتِ إِذ عَلِمُوا | |
|
| أَنَّ الحَياةَ الَّتي يَبغُونَ في العَدَمِ |
|
ساسُوا الجِيادَ فَظَلَّت في أَعِنَّتِها | |
|
| طَوعَ البَنانَةِ في كَرٍّ وَمُقتَحَمِ |
|
تَكادُ تَفقَهُ لَحنَ القَولِ مِن أَدَبٍ | |
|
| وَتَسبِقُ الوَحيَ وَالإِيماءَ مِن فَهَمِ |
|
كَأَنَّ أَذنابَها في الكَرِّ أَلوِيَةٌ | |
|
| عَلَى سَفِينٍ لِأَمرِ الرِّيحِ مُرتَسِمِ |
|
مِن كُلِّ مُنجَرِدٍ يَهوي بِصاحِبِهِ | |
|
| بَينَ العَجاجِ هوِيَّ الأَجدَلِ اللَّحِمِ |
|
وَالبِيضُ تَرجُفُ في الأَغمادِ مِن ظَمَأٍ | |
|
| وَالسُّمرُ تَرعدُ في الأَيمانِ مِن قَرَمِ |
|
مِن كُلِّ مُطَّرِدٍ لَولا عَلائِقُهُ | |
|
| لَسابَقَ المَوتَ نَحوَ القِرنِ مِن ضَرَمِ |
|
كَأَنَّهُ أَرقَمٌ في رَأسِهِ حُمَةٌ | |
|
| يَستَلُّ كَيدَ الأَعادي بِابنَةِ الرَّقَمِ |
|
فَلَم يَزَل سائِراً حَتّى أَنافَ عَلى | |
|
| أَرباضِ مَكّةَ بِالفُرسانِ وَالبُهَمِ |
|
وَلَفَّهم بِخَمِيسٍ لَو يَشُدُّ عَلى | |
|
| أَركانِ رَضوى لَأَضحى مائِلَ الدِّعَمِ |
|
فَأَقبَلوا يَسأَلُونَ الصَّفحَ حِينَ رَأَوا | |
|
| أَنَّ اللَّجاجَةَ مَدعاةٌ إِلى النَّدَمِ |
|
رِيعُوا فَذَلُّوا وَلَو طاشُوا لَوَقَّرَهُم | |
|
| ضَربٌ يُفَرِّقُ مِنهُم مَجمَعَ اللِّمَمِ |
|
ذاقُوا الرَّدى جُرَعاً فَاِستَسلَمُوا جَزَعاً | |
|
| لِلصُّلحِ وَالحَربُ مَرقاةٌ إِلى السَّلَمِ |
|
وَأَقبَلَ النَّصرُ يَتلُو وَهوَ مُبتَسِمٌ | |
|
| المَجدُ لِلسَّيفِ لَيسَ المَجدُ لِلقَلَمِ |
|
يا حائِرَ اللُّبِّ هَذا الحَقُّ فَامضِ لَهُ | |
|
| تَسلَم وَهَذا سَبِيلُ الرُّشدِ فَاِستَقِمِ |
|
لا يَصرَعَنَّكَ وَهمٌ بِتَّ تَرقُبُهُ | |
|
| إِنَّ التَّوَهُّمَ حَتفُ العاجِزِ الوَخِمِ |
|
هَذا النَّبيُّ وَذاكَ الجَيشُ مُنتَشِرٌ | |
|
| مِلءَ الفَضا فَاِستَبق لِلخَيرِ تَغتَنِمِ |
|
فَالزَم حِماهُ تَجِد ما شِئتَ مِن أَرَبٍ | |
|
| وَشِم نَداهُ إِذا ما البَرقُ لَم يُشَمِ |
|
وَاحلُل رِحالَكَ وَانزِل نَحوَ سُدَّتِهِ | |
|
| فَإِنَّها عصمَةٌ مِن أَوثَقِ العِصمِ |
|
أَحيا بِهِ اللَّهُ أَمواتَ القُلوبِ كَما | |
|
| أَحيا النَّباتَ بِفَيضِ الوابِلِ الرَّذِمِ |
|
حَتّى إِذا تَمَّ أَمرُ الصُلحِ وَاِنتَظَمَت | |
|
| بِهِ عُقودُ الأَماني أَيَّ مُنتَظَمِ |
|
قامَ النَّبِيُّ بِشُكرِ اللَّهِ مُنتَصِباً | |
|
| وَالشُّكرُ فِي كُلِّ حالٍ كافِلُ النِّعَمِ |
|
وَطافَ بِالبَيتِ سبعاً فَوقَ راحِلَةٍ | |
|
| قَوداءَ ناجِيَةٍ أَمضى مِنَ النَّسَمِ |
|
فَما أَشارَ إِلى بُدٍّ بِمِحجَنِهِ | |
|
| إِلّا هوَى لِيَدٍ مَغلُولَةٍ وَفَمِ |
|
وَفِي حُنَينٍ إِذ اِرتَدَّت هَوازِنُ عَن | |
|
| قَصدِ السَّبيلِ وَلَم تَرجِع إِلى الحَكَمِ |
|
سَرى إِلَيها بِبَحرٍ مِن مُلَملَمَةٍ | |
|
| طامي السّراة بِمَوجِ البِيضِ مُلتَطِمِ |
|
حَتّى اِستَذَلَّت وَعادَت بَعدَ نَخوَتِها | |
|
| تُلقي إِلى كُلِّ مَن تَلقاهُ بِالسَّلَمِ |
|
وَيَمَّمَ الطّائِفَ الغَنّاءَ ثُمَّ مَضى | |
|
| عَنها إلى أَجَلٍ في الغَيبِ مُكتَتَمِ |
|
وَحِينَ أَوفى عَلى وادِي تَبُوكَ سَعى | |
|
| إِلَيهِ ساكِنُها طَوعاً بِلا رَغَمِ |
|
فَصالَحُوهُ وَأَدَّوا جِزيَةً وَرَضُوا | |
|
| بِحُكمِهِ وَتَبيعُ الرُشد لَم يَهِمِ |
|
أَلفى بِها عَينَ ماءٍ لا تَبِضُّ فَمُذ | |
|
| دَعا لَها اِنفَجَرَت عَن سائِغٍ سَنِمِ |
|
وَراوَدَ الغَيثَ فَاِنهَلَّت بَوادِرُهُ | |
|
| بَعدَ الجُمودِ بِمُنهَلٍّ وَمُنسَجِمِ |
|
وَأَمَّ طَيبَةَ مَسروراً بِعَودَتِهِ | |
|
| يَطوي المَنازِلَ بِالوَخّادَةِ الرُّسُمِ |
|
ثُمَّ اِستَهَلَّت وُفُودُ الناسِ قاطِبَةً | |
|
| إِلى حِماهُ فَلاقَت وافِرَ الكَرَمِ |
|
فَكانَ عامَ وُفودٍ كُلَّما اِنصَرَفَت | |
|
| عِصابَةٌ أَقبَلَت أُخرى عَلى قَدَمِ |
|
وَأَرسَلَ الرُّسلَ تَترى لِلمُلوكِ بِما | |
|
| فِيهِ بَلاغٌ لِأَهلِ الذِّكرِ وَالفَهَمِ |
|
وَأَمَّ غالِبُ أَكنافَ الكَديدِ إِلى | |
|
| بَني المُلَوَّحِ فَاِستَولى عَلى النَّعَمِ |
|
وَحِينَ خانَت جُذامٌ فَلَّ شَوكَتَها | |
|
| زَيدٌ بِجَمعٍ لِرَهطِ الشِّركِ مُقتَثِمِ |
|
وَسارَ مُنتَحِياً وادي القُرى فَمَحا | |
|
| بَني فَزارَةَ أَصلَ اللُّؤمِ وَالقَزَمِ |
|
وَأَمَّ خَيبَرَ عَبدُ اللَّهِ في نَفَرٍ | |
|
| إِلى اليَسِير فَأَرداهُ بِلا أَتَمِ |
|
وَيَمَّمَ اِبنُ أُنَيسٍ عُرضَ نَخلَةَ إِذ | |
|
| طَغا اِبنُ ثَورٍ فَاصماهُ وَلَم يَخِمِ |
|
ثُمَّ اِستَقَلَّ اِبنُ حِصنٍ فَاِحتَوَت يَدُهُ | |
|
| عَلى بَني العَنبَرِ الطُّرّارِ وَالشُّجُمِ |
|
وَسارَ عَمرو إِلى ذاتِ السَّلاسِلِ في | |
|
| جَمعٍ لُهامٍ لِجَيشِ الشِّركِ مُصطَلِمِ |
|
وَغَزوَتانِ لِعَبدِ اللَّهِ واجِدَةٌ | |
|
| إِلى رِفاعَةَ وَالأُخرى إِلى إِضَمِ |
|
وَسارَ جَمعُ اِبنِ عَوفٍ نَحوَ دَومَةَ كَي | |
|
| يَفُلَّ سَورَةَ أَهلِ الزُّورِ وَالتُّهَمِ |
|
وَأَمَّ بِالخَيلِ سيفَ البَحرِ مُعتَزِماً | |
|
| أَبُو عُبَيدَةَ في صُيّابَةٍ حُشُمِ |
|
وَسارَ عَمرو إِلى أُمِّ القُرى لِأَبي | |
|
| سُفيانَ لَكِن عَدَتهُ مُهلَةُ القِسَمِ |
|
وَأَمَّ مَديَنَ زَيدٌ فَاِستَوَت يَدُهُ | |
|
| عَلى العَدُوِّ وَساقَ السَّبيَ كَالغَنَمِ |
|
وَقامَ سالِمُ بِالعَضبِ الجُرازِ إِلى | |
|
| أَبي عُفَيكٍ فَأَرداهُ وَلَم يَجِمِ |
|
وَاِنقَضَّ لَيلاً عُمَيرٌ بِالحُسامِ عَلى | |
|
| عَصماءَ حَتّى سَقاها عَلقَمَ العَدَمِ |
|
وَسارَ بَعثٌ فَلَم يُخطِئ ثُمامَةَ إِذ | |
|
| رَآهُ فَاحتازَهُ غُنماً وَلَم يُلَمِ |
|
ذاكَ الهُمامُ الَّذي لَبّى بِمَكَّة إِذ | |
|
| أَتى بِها مُعلِناً في الأَشهُرِ الحُرُمِ |
|
وَبَعثُ عَلقَمَةَ اِستَقرى العَدُوَّ ضُحىً | |
|
| فَلَم يَجِد في خِلالِ الحَيِّ مِن أَرمِ |
|
وَرَدَّ كُرزٌ إِلى العَذراءِ مَن غَدَرُوا | |
|
| يَسارَ حَتّى لَقَوا بَرحاً مِنَ الشَّجَمِ |
|
وَسارَ بَعثُ اِبنِ زَيدٍ لِلشَّآمِ فَلَم | |
|
| يَلبَث أَنِ انقَضَّ كَالبازي عَلى اليَمَمِ |
|
فَهَذِهِ الغَزَواتُ الغُرُّ شامِلَةً | |
|
| جَمعَ البُعُوثِ كَدُرٍّ لاحَ في نُظُمِ |
|
نَظَمتُها راجِياً نَيلَ الشَّفاعَةِ مِن | |
|
| خَيرِ البَرايا وَمَولى العُربِ وَالعَجَمِ |
|
هُوَ النَّبِيُّ الَّذي لَولاهُ ما قُبِلَت | |
|
| رَجاةُ آدمَ لَمّا زَلَّ في القِدَمِ |
|
حَسبِي بِطَلعَتِهِ الغَرّاءِ مَفخَرَةً | |
|
| لَمّا اِلتَقَيتُ بِهِ في عالَمِ الحُلُمِ |
|
وَقَد حَباني عَصاهُ فَاِعتَصَمتُ بِها | |
|
| في كُلِّ هَولٍ فَلم أَفزَع وَلَم أَهِمِ |
|
فَهيَ الَّتي كانَ يَحبُو مِثلَها كَرَماً | |
|
| لِمَن يَوَدُّ وَحَسبِي نسبَةً بِهِمِ |
|
لَم أَخشَ مِن بَعدِها ما كُنتُ أَحذَرُهُ | |
|
| وَكَيفَ وَهيَ الَّتي تُنجي مِنَ الغُمَمِ |
|
كَفى بِها نِعمَةً تَعلُو بِقيمَتِها | |
|
| نَفسِي وَإِن كُنتُ مَسلوباً مِنَ القِيَمِ |
|
وَما أُبَرِّئُ نَفسي وَهيَ آمِرَةٌ | |
|
| بِالسُوءِ ما لَم تَعُقها خيفَةُ النَّدَمِ |
|
فَيا نَدامَةَ نَفسي في المَعادِ إِذا | |
|
| تَعَوَّذَ المَرءُ خَوفَ النُطقِ بِالبَكمِ |
|
لَكِنَّني وَاثِقٌ بِالعَفو مِن مَلِكٍ | |
|
| يَعفُو بِرَحمَتِهِ عَن كُلِّ مُجتَرِمِ |
|
وَسَوفَ أَبلُغُ آمالي وَإِن عَظُمَت | |
|
| جَرائِمي يَومَ أَلقى صاحِبَ العَلَمِ |
|
هُوَ الَّذي يَنعَشُ المَكرُوبَ إِذ عَلِقَت | |
|
| بِهِ الرَّزايا وَيُغني كُلَّ ذي عَدَمِ |
|
هَيهاتَ يَخذُلُ مَولاهُ وَشاعِرَهُ | |
|
| في الحَشرِ وَهوَ كَريمُ النَّفسِ وَالشِّيَمِ |
|
فَمَدحُهُ رَأسُ مالي يَومَ مُفتَقَرِي | |
|
| وَحُبُّهُ عِزُّ نَفسي عِندَ مُهتَضَمِي |
|
وَهَبتُ نَفسِي لَهُ حُبّا وَتَكرِمَة | |
|
| فَهَل تَراني بَلَغتُ السُّؤلَ مِن سَلَمي |
|
إِنِّي وَإِن مالَ بي دَهري وَبَرَّحَ بي | |
|
| ضَيمٌ أَشاطَ عَلى جَمرِ النَّوى أَدَمي |
|
لثابِتُ العَهدِ لَم يَحلُل قُوى أَمَلِي | |
|
| يَأسٌ وَلَم تَخطُ بِي في سَلوَةٍ قَدَمي |
|
لَم يَترُكِ الدَّهرُ لي ما أَستَعِينُ بِهِ | |
|
| عَلى التَّجَمُّلِ إِلّا ساعِدي وَفَمِي |
|
هَذا يُحَبِّرُ مَدحي في الرَّسولِ وَذا | |
|
| يَتلُو عَلى الناسِ ما أُوحيهِ مِن كَلِمِي |
|
يا سَيِّدَ الكَونِ عَفواً إِن أَثِمتُ فَلي | |
|
| بِحُبِّكُم صِلَةٌ تُغنِي عَنِ الرَّحِمِ |
|
كَفى بِسَلمانَ لِي فَخراً إِذا انتَسَبَت | |
|
| نَفسي لَكُم مِثلَهُ في زُمرَةِ الحَشَمِ |
|
وَحسنُ ظَنِّي بِكُم إِن مُتُّ يَكلَؤُني | |
|
| مِن هَولِ ما أَتَّقي فِي ظُلمَةِ الرَّجَمِ |
|
تَاللَّهِ ما عاقَني عَن حَيِّكُم شَجَنٌ | |
|
| لَكِنَّنِي مُوثَقٌ في رِبقَةِ السَّلَمِ |
|
فَهَل إِلى زَورَةٍ يَحيا الفُؤادُ بِها | |
|
| ذَرِيعَةٌ أَبتَغيها قَبلَ مُختَرَمِي |
|
شَكَوتُ بَثِّي إِلى رَبِّي لِيُنصِفَني | |
|
| مِن كُلِّ باغٍ عَتِيدِ الجَورِ أَوهكمِ |
|
وَكَيفَ أَرهَبُ حَيفا وَهوَ مُنتَقِمٌ | |
|
| يَهابُهُ كُلُّ جَبّارٍ وَمُنتَقِمِ |
|
لا غَروَ إِن نِلتُ ما أَمَّلتُ مِنهُ فَقَد | |
|
| أَنزَلتُ مُعظَمَ آمالي بِذي كَرَمِ |
|
يا مالِكَ المُلكِ هَب لِي مِنكَ مَغفِرَةً | |
|
| تَمحُو ذُنُوبي غَداةَ الخَوفِ وَالنَّدَمِ |
|
وَاِمنُن عَلَيَّ بِلُطفٍ مِنكَ يَعصِمُني | |
|
| زَيغَ النُّهى يَومَ أَخذِ المَوتِ بِالكَظَمِ |
|
لَم أَدعُ غَيرَكَ فِيما نابَني فَقِني | |
|
| شَرَّ العَواقِبِ وَاِحفَظنِي مِنَ التُّهَمِ |
|
حاشا لِراجيكَ أَن يَخشى العِثارَ وَما | |
|
| بَعدَ الرَّجاءِ سِوى التَّوفيقِ لِلسَّلَمِ |
|
وَكَيفَ أَخشى ضَلالاً بَعدَما سَلَكَت | |
|
| نَفسِي بِنُورِ الهُدى في مَسلَكٍ قِيَمِ |
|
وَلِي بِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ مَنزِلَةٌ | |
|
| أَرجُو بِها الصَّفحَ يَومَ الدِّينِ عَن جُرُمِي |
|
لا أَدَّعي عِصمَةً لَكِن يَدِي عَلِقَت | |
|
| بِسَيِّدٍ مَن يَرِد مَرعاتَهُ يَسُمِ |
|
خَدَمتُهُ بِمَديحي فَاِعتَلَوتُ عَلى | |
|
| هامِ السِّماكِ وَصارَ السَّعدُ مِن خَدَمِي |
|
وَكَيفَ أَرهَبُ ضَيماً بَعدَ خِدمَتِهِ | |
|
| وَخادِمُ السَّادَةِ الأَجوادِ لَم يُضَمِ |
|
أَم كَيفَ يَخذُلُنِي مِن بَعدِ تَسمِيَتِي | |
|
| بِاسمٍ لَهُ في سَماءِ العَرشِ مُحتَرَمِ |
|
أَبكانِيَ الدَّهرُ حَتّى إِذ لَجِئتُ بِهِ | |
|
| حَنا عَلَيَّ وَأَبدى ثَغرَ مُبتَسِمِ |
|
فَهوَ الَّذي يَمنَحُ العافِينَ ما سَأَلُوا | |
|
| فَضلاً وَيَشفَعُ يَومَ الدِّينِ في الأُمَمِ |
|
نُورٌ لِمُقتَبِسٍ ذُخرٌ لِمُلتَمِسٍ | |
|
| حِرزٌ لِمُبتَئِسٍ كَهفٌ لِمُعتَصِمِ |
|
بَثَّ الرَّدى وَالنَّدى شَطرَينِ فَاِنبَعَثا | |
|
| فِيمَن غَوى وَهَدى بِالبُؤسِ وَالنِّعَمِ |
|
فَالكُفرُ مِن بَأسِهِ المَشهورِ في حَرَبٍ | |
|
| وَالدِّينُ مِن عَدلِهِ المَأثُورِ في حَرَمِ |
|
هَذا ثَنائِي وَإِن قَصَّرتُ فيهِ فَلي | |
|
| عُذرٌ وَأَينَ السُّها مِن كَفِّ مُستَلِمِ |
|
هَيهاتَ أَبلُغُ بِالأَشعارِ مدَحتَهُ | |
|
| وَإِن سَلَكتُ سَبيلَ القالَةِ القُدُمِ |
|
ماذا عَسى أَن يَقُولَ المادِحُونَ وَقَد | |
|
| أَثنى عَلَيهِ بِفَضلٍ مُنزلُ الكَلِمِ |
|
فَهاكَها يا رَسُولَ اللَّهِ زاهِرَةً | |
|
| تُهدِي إِلى النَّفسِ رَيّا الآسِ وَالبَرَمِ |
|
وَسمتُها بِاسمِكَ العَالي فَأَلبَسنَها | |
|
| ثَوباً مِنَ الفَخرِ لا يَبلى عَلى القِدَمِ |
|
غَرِيبَةٌ في إِسارِ البَينِ لَو أَنِسَت | |
|
| بِنَظرَةٍ مِنكَ لاستغنَت عَنِ النَّسَمِ |
|
لَم أَلتَزِم نَظمَ حَبّاتِ البَديعِ بِها | |
|
| إِذ كانَ صَوغُ المَعانِي الغُرِّ مُلتَزمِي |
|
وَإِنَّما هِيَ أَبياتٌ رَجَوتُ بِها | |
|
| نَيلَ المُنى يَومَ تَحيا بَذَّةُ الرِّمَمِ |
|
نَثَرتُ فِيها فَرِيدَ المَدحِ فَاِنتَظَمَت | |
|
| أَحسِن بِمُنتَثِرٍ مِنها وَمُنتَظِمِ |
|
صَدَّرتُها بِنَسِيبٍ شَفَّ باطِنُهُ | |
|
| عَن عِفَّةٍ لَم يَشِنها قَولُ مُتَّهِمِ |
|
لَم أَتَّخِذهُ جُزافاً بَل سَلَكتُ بِهِ | |
|
| فِي القَولِ مَسلَكَ أَقوامٍ ذَوي قَدَمِ |
|
تابَعتُ كَعباً وَحَسّاناً وَلِي بِهِما | |
|
| في القَولِ أُسوَةُ بَرٍّ غَيرِ مُتَّهَمِ |
|
وَالشِّعرُ مَعرَضُ أَلبابٍ يُروجُ بِهِ | |
|
| ما نَمَّقَتهُ يَدُ الآدابِ وَالحِكَمِ |
|
فَلا يَلُمنِي عَلى التَّشبِيبِ ذُو عَنَتٍ | |
|
| فَبُلبُلُ الرَّوضِ مَطبُوعٌ عَلَى النَّغَمِ |
|
وَلَيسَ لِي رَوضَةٌ أَلهُو بِزَهرَتِها | |
|
| في مَعرَضِ القَولِ إِلّا رَوضَةُ الحَرَمِ |
|
فَهيَ الَّتِي تَيَّمَت قَلبي وَهِمتُ بِها | |
|
| وَجداً وَإِن كُنتُ عَفَّ النَّفسِ لَم أَهِمِ |
|
مَعاهِدٌ نَقَشَت في وَجنَتيَّ لَها | |
|
| أَيدِي الهَوى أَسطُراً مِن عَبرَتِي بِدَمِ |
|
يا حادِيَ العِيسِ إِن بَلَّغتَني أَمَلي | |
|
| مِن قَصدِهِ فَاِقتَرِح ما شِئتَ وَاِحتَكِمِ |
|
سِر بِالمَطايا وَلا تَرفَق فَلَيسَ فَتىً | |
|
| أَولى بِهَذا السُّرى مِن سائِقٍ حُطَمِ |
|
وَلا تَخَف ضَلَّةً وَاِنظُر فَسَوفَ تَرى | |
|
| نُوراً يُريكَ مَدَبَّ الذَّرِ فِي الأَكَمِ |
|
وَكَيفَ يَخشى ضَلالاً مَن يَؤُمُّ حِمى | |
|
| مُحَمَّدٍ وَهوَ مِشكاةٌ عَلَى عَلَمِ |
|
هَذِي مُنايَ وَحَسبي أَن أَفوزَ بِها | |
|
| بِنِعمَةِ اللَّهِ قَبلَ الشَّيبِ وَالهَرَمِ |
|
وَمَن يَكُن راجِياً مَولاهُ نالَ بِهِ | |
|
| ما لَم يَنَلهُ بِفَضلِ الجِدِّ وَالهِمَمِ |
|
فاسجُد لَهُ وَاِقترِب تَبلُغ بِطاعَتِهِ | |
|
| ما شِئتَ في الدَّهرِ مِن جاهٍ وَمِن عِظَمِ |
|
هَوَ المَليكُ الَّذي ذَلَّت لِعِزَّتِهِ | |
|
| أَهلُ المَصانِعِ مِن عادٍ وَمِن إِرَمِ |
|
يُحيي البَرايا إِذا حانَ المَعادُ كَما | |
|
| يُحيي النَّباتَ بِشُؤبوبٍ مِنَ الدِّيَمِ |
|
يا غافِرَ الذَّنبِ وَالأَلبابُ حائِرَةٌ | |
|
| في الحَشرِ وَالنارُ تَرمي الجَوَّ بِالضَّرَمِ |
|
حاشا لِفَضلِكَ وَهوَ المُستَعاذُ بِهِ | |
|
| أَن لا تَمُنَّ عَلى ذِي خَلَّةٍ عَدِمِ |
|
إِنّي لَمُستَشفِعٌ بِالمُصطَفى وَكَفى | |
|
| بِهِ شَفِيعاً لَدى الأَهوالِ وَالقُحَمِ |
|
فَاقبَل رَجائِي فَمالي مَن أَلوذُ بِهِ | |
|
| سِواكَ في كُلِّ ما أَخشاهُ مِن فَقَمِ |
|
وَصَلِّ رَبِّ عَلى المُختارِ ما طَلَعَت | |
|
| شَمسُ النَّهارِ وَلاحَت أَنجُمُ الظُّلَمِ |
|
وَالآلِ وَالصَّحبِ وَالأَنصارِ مَن تَبِعُوا | |
|
| هُداهُ وَاِعتَرَفوا بِالعَهدِ وَالذِّمَمِ |
|
وَامنُن عَلى عَبدِكَ العانِي بِمَغفِرَةٍ | |
|
| تَمحُو خَطاياهُ في بَدءٍ وَمُختَتَمِ |
|