رَعَينَ كَما شِئنَ الرَبيعَ سَوارِحاً | |
|
| يَخُضنَ كَلُجِّ البَحرِ بَقلاً وَأَعشابا |
|
إِذا نَسَفَت أَفواهُها النَورَ خِلتَهُ | |
|
| مَواقِعَ أَجلامٍ عَلى شَعَرٍ شابا |
|
فَأَفنَينَ نَبتَ الحائِرينَ وَمائَهُ | |
|
| وَأَجراعَ وادي النَخلِ أَكلاً وَتَشرابا |
|
حَوامِلُ شَحٍّ جامِدٍ فَوقَ أَظهُرٍ | |
|
| وَإِن تَستَغِث ضَرّاتُهُنَّ بِهِ ذابا |
|
بِطانُ العَوالي وَالسُيوفِ بِغُرِّها | |
|
| وَيَكشِرنَ أَضراساً حِداداً وَأَنيابا |
|
إِذا ما رَعَت يَوماً حَسِبتَ رُعاتَها | |
|
| عَلى كُلِّ حَيٍّ يَأكُلُ الغَيثَ أَربابا |
|
فَقَد ثَقَّلَت ظَهرَ البِلادِ نَواهِكاً | |
|
| إِذا ما رَآها عَينُ حاسِدَها عابا |
|
وَكانَ الثَرى فيها مَزاراً مُوَقَّراً | |
|
| تَضَمَّنَ شَهداً بَل حَلا عَنهُ أَو طابا |
|
إِذا ما بِكاةُ الدَرِّ جادَت بِمَبعَثٍ | |
|
| كَما سُلَّ خَيطٌ مِن سَدى الثَوبِ فَاِنسابا |
|
رَأَيتَ اِنهِمارَ الدَرِّ بَينَ فُروجِها | |
|
| كَما عَصَرَت أَيدي الغَواسِلِ أَثوابا |
|
كَأَنَّ عَلى حُلّابِهِنَّ سَحائِباً | |
|
| تَجودُ مِنَ الأَخلافِ سَحّاً وَتَسكابا |
|
خَوازِنُ نَحضٍ في الجُلودِ كَأَنَّما | |
|
| تُحَمَّلُ كُثباناً مِنَ الرَملِ أَصلابا |
|
فَتِلكَ فِداءُ العِرضِ مِن كُلِّ ذيمَةٍ | |
|
| وَمَفخَرُ حَمدٍ يُبلِغُ الفَخرَ أَعقابا |
|
وَلَيلَةِ قُرٍّ قَد أَهَنتُ كَريمُها | |
|
| وَلَم يَكُ بي شَحٌّ عَلى الجودِ غَلّابا |
|
وَقُمتُ إِلى الكَومِ الصَفايا بِمُنصِلي | |
|
| فَصَيَّرتُها مَجداً لِقَومي وَأَحسابا |
|
فَباتَت عَلى أَحجارِنا حَبَشِيَّةٌ | |
|
| تُخاطِبُ أَمثالاً مِنَ السودِ أَترابا |
|
يَكادُ يَبُثُّ العَظمَ مارِدُ غَليِها | |
|
| إِذا لَبِسَت مِن يابِسِ الجَزلِ جِلبابا |
|
عِجالاً عَلى الطاهي بِإِنضاجِ لَحمِهِ | |
|
| سِراعاً بِزادِ الضَيفِ تُلهِبُ إِلهابا |
|
وَقَد أَغتَدي مِن شَأنِ نَفسي بِسابِحٍ | |
|
| جَوادٍ كُميتِ اللَونِ يُعجِبُ إِعجابا |
|
فَأَتحَفَني ما اِبتَلَّ خَطُّ عِذارِهِ | |
|
| فَإِن شِئتُ طَيّاراً وَإِن شِئتُ وَثّابا |
|
فَنِلنا طَرِيَّ اللَحمِ وَالشَمسُ غَضَّةٌ | |
|
| كَأَنَّ سَناها صَبَّ في الأَرضِ زِريابا |
|
فَإِن أُمسِ مَطروقَ الفُؤادِ بِسَلوَةٍ | |
|
| كَأَنَّ عَلى رَأسي مِنَ الشَيبِ أَغرابا |
|
وَخِلتُ نُجومَ اللَيلِ في ظُلَمِ الدُجى | |
|
| خِصاصاً أَرى مِنها النَهارَ وَأَنقابا |
|
وَفَجَّعَني رَيبُ الزَمانِ بِفِتيَةٍ | |
|
| بِهِم كُنتُ أَكفى حادِثَ الدَهرِ إِن رابا |
|
وَآبَ إِلَيَّ رائِحُ الذِكرِ وَاِلتَقَت | |
|
| عَلى القَلبِ أَحزانٌ فَأَصبَحنَ أَوصابا |
|
فَقَد كانَ دَأبي جَنَّةَ اللَهوِ وَالصِبا | |
|
| وَما زِلتُ بِاللَذاتِ وَالعَيشِ لَعّابا |
|
وَلَيلَةِ حُبٍّ قَد أَطَعتُ غَوِيَّها | |
|
| وَزُرتُ عَلى حَدٍّ مِنَ السَيفِ أَحبابا |
|
فَجِئتُ عَلى خَوفٍ وَرُقبَةِ غائِرٍ | |
|
| أُحاذِرُ حُرّاساً غِضاباً وَحُجّابا |
|
إِلى ظَبيَةٍ باتَت تُرى في مَنامِها | |
|
| خَيالي فَأَدناني وَما كانَ كَذّابا |
|
وَكَأسٍ تَلَقَّيتُ الصَباحَ بِشُربِها | |
|
| وَأَسقَيتُها شَرباً كِراماً وَأَصحابا |
|
ثَوَت تَحتَ لَيلِ القارِ خَمسينَ حِجَّةً | |
|
| تَرُدُّ مُهوراً غالِياتٍ وَخُطّابا |
|
وَكُنتُ كَما شاءَ النَديمُ وَلَم أَكُن | |
|
| عَلَيها سَفيهاً يَفرِسُ الناسَ صَخّابا |
|
وَغِرّيدِ جُلّاسٍ تَرى فيهِ حِذقَهُ | |
|
| إِذا مَسَّ بِالكَفَّينِ عوداً وَمِضرابا |
|
كَأَنَّ يَدَيهِ تَلعَبانِ بِعودِهِ | |
|
| إِذا ما تَغَنّى أَنهَضَ النَفسَ إِطرابا |
|
وَقُمرِيَّةِ الأَصواتِ حُمرٍ ثِيابُها | |
|
| تُهينُ ثِيابَ الوَشيِ جَرّاً وَتَسحابا |
|
وَتَلقَطُ يُمناها إِذا ضَرَبَت بِهِ | |
|
| وَتَنثُرُ يُسراها عَلى العودِ عُنّابا |
|
وَدَيمومَةٍ أَدرَجتُها بِشِمِلَّةٍ | |
|
| تَشَكّى إِلَيَّ عَضَّ نِسعٍ وَأَقتابا |
|
تَفِرُّ بِكَفَّيها وَتَطلُبُ رَحلَها | |
|
| وَتُلقي عَلى الحادينَ مَيسانَ ذَبّابا |
|
كَأَنّي عَلى طاوٍ مِنَ الوَحشِ ناهِضٍ | |
|
| تَخالُ قُرونَ الإِجلِ مِن خَلفِهِ غابا |
|
غَدا لِثَقاً بِالماءِ مِن وَبلِ ديمَةٍ | |
|
| يُقَلِّبُ لَحظاً ظاهِرَ الخَوفِ مُرتابا |
|
فَأَبصَرَ لَمّا كانَ يَأمَنُ قَلبُهُ | |
|
| سَلوقِيَّةً شوساً تُجاذِبُ كَلّابا |
|
وَأَطلَقنَ أَشباحاً يُخَلنَ عَقارِباً | |
|
| إِذا رَفَعَت عِندَ الحَفيظَةِ أَذنابا |
|
فَطارَت إِلَيهِ فاغِراتٍ كَأَنَّها | |
|
| تُحاوِلُ سَبقاً أَو تُبادِرُ إِنهابا |
|
وَماءٍ خَلاءٍ قَد طَرَقتُ بِسُدفَةٍ | |
|
| تَخالُ بِهِ ريشَ القَطا الكُدرِ نُشّابا |
|
وَقَد طالَما أَجرَيتُ في زَمَنِ الصِبا | |
|
| وَآمَنَ شَيطاني مِنَ الآنَ أَو تابا |
|
أَرى المَرءَ يَدري أَنَّ لِلرِزقِ ضامِناً | |
|
| وَلَيسَ يَزالُ المَرءُ ما عاشَ طَلّابا |
|
وَما قاعِدٌ إِلّا كَآخَرَ سائِرٍ | |
|
| وَإِن أَدأَبَ العيسَ المَراسيلَ إِدآبا |
|
فَيا نَفسِ إِنَّ الرِزقَ نَحوَكِ قاصِدٌ | |
|
| فَلا تَتعَبي حَسبي مِنَ الرِزقِ أَتعابا |
|