تَحِيَّةُ الغيثِ مُنْهَلاً سحائبُه |
على العقيقِ وإنْ أقوَتْ مَلاعِبُه |
لا بل على الحيِّ مشدوداً هوادِجُه |
على الشُّموسِ ومذموماً رَكائِبُه |
حتى تَرُدَّ عليه آيةً سَلكَتْ |
ظِباؤُها الغيدُ أو حلَّتْ ربائُبه |
ففي الظغائنِ مجنوبٌ لغانيهٍ |
تَغْنَى بوصلِ سواه أو تُجانبُه |
وفي الديارِ سميعٌ ليس تُسمعُه |
إجابةً وخطيبٌ لا تُخاطبُه |
حتى يُبَدِّلَ للعُشَّاقِ زورَتَه |
طَيفٌ يَصُدُّ عن العُشَّاقِ صاحبُه |
سرى إلى البدرِ يُخفي البدرَ منتقباً |
والبدرُ يأنَفُ أن تُخفى مناقبُه |
إذا بدا الصبحُ من إشراقِ طلعتِه |
أبَدتْ لكَ الليلَ مُسودّاً ذوائبُه |
والحُسنُ ضِدَّانِ لا أدري إذا اجتمعا |
أنوارُه فتَنَتْني أم غَياهبُه |
حُلِيُّه وثناياه وعَنبرُه |
كلٌّ ينُمُّ عليه أو يراقبُه |
فلستُ أدري إذا ما سار في أُفُقٍ |
شَمائلُ الأفقِ أذكى أم جَنائبُه |
أما القريضُ فما تَحظَى محاسنُه |
عند الملوكِ كما تَحظى معائبُه |
وربما ظَلَمَ الدينارَ ناقدُه |
وقد كَساه ضروبَ الحُسنِ ضاربُه |
كأنني بنجيبِ الشِّعرِ قد رحلَتْ |
عنهم إلى الشَّرفِ الأعلى نجائبُه |
ولو تشاءَم لانقَضَّت صواعقُه |
على العِراقِ كما ارفضَّت سَحائبُه |
قل للذي قلَّدْتني كفُّه رسَني |
وكنتُ أَدْنُو إليه وهو جاذبُه |
لك الأمانُ إذا انسابت أراقِمُه |
من المكامنِ أو دبَّتْ عقاربُه |
ليسَ الصديقُ الذي أعطاك شاهدُه |
شَهْدَ الودادِ وخان الغيبَ غائبُه |
كم مَنطِقٍ كسحيقِ المِسكِ ظاهرُه |
لم يُقْضَ عندَ أبي إسحاقَ واجبُه |
كانت مدائحُنا غرّاً محجَّلةً |
تُثني عليه فقد أضحَتْ تُعاتِبُه |
وما أقولُ لِمَن طابَتْ عناصرُه |
في رُتْبَةِ المجدِ وابيضَّتْ مَناسبُه |
أغرُّ زانَ مديحي فضلُ سُؤدُدِهِ |
كلؤلؤ العِقْدِ زانَتْه ترائبُه |
وصادقُ الوُدِّ لا ترتدُّ خُلَّتُه |
على الصَّديقِ ولا يَزوَرُّ جانبُه |
لا أستريحُ إلى زُورٍ ولا كَذِبٍ |
يُهدَى إليه وشرُّ القولِ كاذبُه |
وليسَ للذَّمِّ فيه مَذْهَبٌ فَيُرى |
أَنَّى ومِن ذهَبٍ صيغَتْ مَذاهبُه |
نَبا عليَّ فما أدري لَنبوتِه |
أنيابُ دهري أمضي أم نوائبُه |
هُوَ الحُسامُ لقومٍ ماءُ صَفحتِه |
بشاشةٌ ولأقوامٍ مضاربُه |
والغيثُ إن برقتْ نحوي مخائِلُه |
راحت تَصوبُ على غيري صوائبُه |
هذا وما صَدِئَت قِدْماً مسامعُه |
بما نظمْتُ ولا ضاعَت مواهبُه |
ولي من الأدبِ المحمودِ أثمرُه |
يُنمى إليه وأعرافٌ تناسِبُه |
ورَغبةٌ كلما جاءَت معرِّضةً |
بجاهِه أعرضَت عنها رغائبُه |
وكم ضربتُ بماضٍ منه ذي شُطَبٍ |
عَضْبٍ مضَارِبُه حلوٍ ضَرائبُه |
وردْتُ في طيِّبِ الأنفاسِ ذي ثَمرٍ |
قريبةٍ من يد الجاني أطايبُه |
عاقَبْتَني بجفاءٍ لا أقومُ به |
فهَل عقابُك محمودٌ عواقبُه |
وعادَ رأيُك لي سُوداً مشارِقُه |
وكنتُ أعهَدُه بيضاً مغاربُه |
الشِّعرُ وَشيُ بُرودٍ أنتَ سَاحِبُه |
فَهْمَاً ودُرُّ عقودٍ أنتَ ثاقبُه |
فلِمْ مَنعْتَ على الإحسانِ مُحسِنَه |
ما نالَ من جاهِكَ المبذولِ خاطبُه |
وزاهرُ الحمدِ إن أَنْصَفْتَهُ زَهَرٌ |
يَطيبُ رَيَّاهُ إن طابَتْ مشاربُه |
أكان في العَدلِ أن تَظْما حدائِقُه |
بسَاحَتيْكَ وأن تُروى سباسبُه |
لقد نثرتُ على قومٍ حصىَ كِلَمٍ |
لو شِئتَ لانْتَثَرَتْ فيكم كواكبُه |
لولاك ما ارتُدِيَتْ أطمارُه وغدَت |
تُرَدُّ وهي أنيقاتٌ سبائِبُه |
لأصبِرنَّ على إخلالِ عُرفِكَ بي |
حتى يثوبَ إلى المعهودِ ثائبُه |
عسى العتابُ يَرُدُّ العتْبَ منك رضاً |
وربما أدركَ المطلوبَ طالبُه |