واهاً لأيّامي بأكْنافِ اللِّوى | |
|
| والدّهْرُ طَلْقُ المُجْتَلى رَطْبُ الثّرى |
|
إذِ الشّبابُ الغَضُّ يندىً ظِلُّهُ | |
|
| وصَبْوَتي يعْذِرُني فيها الصِّبا |
|
ولِمّتي داجيَةٌ إذا بَدَتْ | |
|
| سَدّتْ خَصاصَ الخِدْرِ أحْداقُ المَها |
|
ثمّ انْقَضَتْ أزْمانُهُ حَميدَةً | |
|
| ومَنْ يُرَجّي عودةً لِما مَضى |
|
فَلا الصِّبا يرْجِعُ إذْ تَصَرَّمَتْ | |
|
| أيّامُهُ ولا عَشيّاتُ الحِمى |
|
ولي حَنينٌ لمْ تَسَعْهُ أضْلُعي | |
|
| إِلى اللّوى يُذكي تَباريحَ الجَوى |
|
وبَيْنَ جَنْبَيَّ هَوًى أُسِرُّهُ | |
|
| ولَوْعَةٌ تَسْكُنُ ألْواذَ الحَشى |
|
يا حبّذا عَصْرُ اللِّوى وأهْلُهُ | |
|
| حيثُ ظِباءُ الإنْسِ تَحْميها الظُّبا |
|
والرّوضُ مَطْلولٌ يَميدُ زَهْرُهُ | |
|
| تحتَ حَصى المَرْجانِ منْ قَطْرِ الندىً |
|
والأُقْحُوانُ ابتَسَمَتْ ثُغورُهُ | |
|
| غِبَّ مُناجاةِ النّسيمِ إذ وَنى |
|
وقد رَنا نَرْجِسُهُ بمُقْلَةٍ | |
|
| يَحارُ فيها الدّمْعُ منْ صَوْبِ الحَيا |
|
فَذاكَ دَهْرٌ لمْ أجُدْ بأدْمُعي | |
|
| داميَةً حتّى تولّى وانْقَضى |
|
وانْقَرَضَتْ شَبيبةٌ كأنّها | |
|
| سَبيبَةٌ في دِمنَةِ الحَيِّ لَقى |
|
واشْتَعَلَ الرّأسُ فزالَتْ مَيْعَتي | |
|
| شَيْباً وفي الشّيْبِ الوَقارُ والنُّهى |
|
وهْوَ منَ الشّبابِ أبْهى مَنظَراً | |
|
| وأينَ منْ مُنبَلَجِ الفَجْرِ الدُّجى |
|
والمَرْءُ لا يروقُهُ طُلوعُهُ | |
|
| ويَجْتَويهِ والشَّبابُ يُشْتَهى |
|
فبَعدَهُ الشّيْبُ وفيه مَلْبَسٌ | |
|
| والشّيبُ ليسَ بعدَهُ إلا الرّدى |
|
وكلُّ ما ساقَ الهَلاكُ نحوَهُ | |
|
| فهْوَ لَديهِ كالهَلاكِ مُجْتَوى |
|
والنّفْسُ تَلْهو بالمُنى مُغْتَرّةً | |
|
| وللمَنايا رَصَدٌ على الوَرى |
|
تَنافَسوا فوقَ الثّرى في ثَرْوَةٍ | |
|
| وتحتَهُ فَقيرُهُمْ كَذي الغِنى |
|
والعَبْدُ كالمَوْلى رَميمٌ عَظْمُهُ | |
|
| والطِّفْلُ كالشّيْخِ وكالكَهْلِ الفَتى |
|
وأنتَ لا تأوي لِما تَرُبُّهُ | |
|
| منْ جَسَدٍ مَصيرُهُ إِلى البِلى |
|
تُوقِرُهُ وِزْراً ولا يَصْحَبُ مَنْ | |
|
| أُلْقيَ في ضَريحِهِ إلا التُّقى |
|
وها أنا نَهْنَهَ ما أحْذَرُهُ | |
|
| منْ غُلَوائِي فالنّذيرُ قد أتَى |
|
ومَنْ يُناغِ الأرْبَعينَ عُمْرُهُ | |
|
| ويَحْتَضِنْهُ غَيُّهُ فَلا اهْتَدَى |
|
والشّيبُ لمّا نُشِرَتْ أفوافُهُ | |
|
| طَوَيْتُ أحْشائي على جَمْرِ الغَضى |
|
وإنْ أظَلَّ صُبْحُهُ فَوْدي فَما | |
|
| فارَقَني لَيلُ الشّبابِ عنْ قِلى |
|
ولم أزَلْ أخْطِرُ في رِدائِهِ | |
|
| بينَ رَعابيبَ حِسانٍ كالدُّمى |
|
مِنْ كُلِّ بَلْهاءِ التّثَنّي إنْ مَشَتْ | |
|
| حَسِبْتَها منْ كَسَلٍ نَشْوى الخُطا |
|
كالظّبْيَةِ الغَيْداءِ جِيداً إنْ عَطَتْ | |
|
| والجؤْذَرِ الوَسْنانِ طَرْفاً إنْ رَنا |
|
رَخيمةٌ ألْفاظُها فاتِرةٌ | |
|
| ألحاظُها والسِّحْرُ منها يُجْتَنى |
|
فهْيَ كَما اهْتزَّ القَنا منْ تَرَفٍ | |
|
| تَمْشي الهُوَيْنى أو كما ارْتَجَّ النَّقا |
|
كُنتُ سَوادَ عَيْنِها حتى رأتْ | |
|
| بَياضَ شَعْري فتصدّتْ للنّوى |
|
وخالَسَتْني اللّحْظَ مِنْ مَكْحولَةٍ | |
|
| كُنتُ كَرىً فيها فأصْبَحْتُ قَذى |
|
وانقَشَعَ الجَهْلُ فأخْبى نارَهُ | |
|
| لَمْعُ قَتيرٍ بثَّ أنْوارَ الحِجى |
|
وارْفَضَّ عنْ أجْفانِ عَيني رَقْدَةٌ | |
|
| أطارَها عنها انْتِباهي للعُلا |
|
فلُثْتُ أعْرافَ جِيادٍ حَمَلَتْ | |
|
| صَحْبي بأعْرافِ جِيادٍ للْعِدا |
|
مِنْ كُلِّ مَحْبوكِ السّراةِ شَيْظَمٍ | |
|
| لا يتشكّى مَلَحاً ولا وَجى |
|
تَحبو الرّياحُ الهُوجُ في أشْواطِهِ | |
|
| والبَرْقُ يَكْبو خَلْفَهُ إذا عَدا |
|
كالنّارِ إنْ حرَّكْتَهُ في حُضْرِهِ | |
|
| وإنْ تُسكِّنْهُ فكالْماءِ جَرى |
|
تَنْتَهِبُ الأرْضَ بكُلِّ حافِرٍ | |
|
| كالقَعْبِ وهْوَ كالصَّفا على الصّفا |
|
وهُنَّ شُعْثٌ كالسّعالي عُوِّدَتْ | |
|
| حُسْنَ المِشَى بينَ العوالي في الوَغى |
|
لهُنَّ إرْخاءُ الذِّئابِ فوقَها | |
|
| تحتَ القَنا كالغابِ آسادُ الشّرى |
|
شُوسٌ كأمْثالِ الصّقورِ أعْنَقَتْ | |
|
| بهِمْ مَذاكِيها كأسْرابِ القَطا |
|
وأوْقَدوا نارَيْنِ بأساً وندىً | |
|
| حيثُ الطُّلى تَشْقى بهِمْ أوِ الشّوى |
|
فمِنْهُما للحرْبِ وهْيَ مُرّةٌ | |
|
| واحدَةٌ تُذْكى وأخرى للقِرى |
|
تَضْفو عَليهِمْ أدْرُعٌ مَوضونَةٌ | |
|
| يَرْتَدُّ عنها السّيفُ مَفْلولَ الشَّبا |
|
مُسْتَبِكاتٌ حَلَقاً كأنّها | |
|
| مَسْرودَةٌ بأعْيُنٍ منَ الدَّبى |
|
إنْ نَفَذَتْ فيها الرِّماحُ خِلْتَها | |
|
| أراقِماً يَسْبَحنَ في الماءِ الرّوى |
|
فصافَحتْ أذْيالُها صَوارِماً | |
|
| كأنّها مَطْبوعَةٌ منَ الجِذا |
|
أو سَرَقَ الشّمسُ إليها نَظرَةً | |
|
| فاسْتَلَبَتْ شُعاعَها رأْدَ الضُّحى |
|
ولم يُجِلْ فيها الكَميُّ طَرْفَهُ | |
|
| إلا تلقَّتْ ناظِرَيْهِ بالعَشا |
|
وللرُّدَيْنيّ اهْتِزازُ مَعْشَري | |
|
| لمنْ دَعا إِلى الوَغى أوِ اعْتَفى |
|
يكادُ يَلْويَ مَتْنَهُ لُدونَةً | |
|
| كالصِّلِّ في مَهْرَبِهِ يَلْوي المَطا |
|
واليَثْرِبيّاتُ بأيْدي غِلْمَةٍ | |
|
| تهوي إِلى أعدائِهِم خَساً زَكا |
|
وليسَ تُنْمَى عِندَهُمْ رَميّةٌ | |
|
| فقُلْ لهُمْ لا شَلَلاً ولا عَمى |
|
كأنّما أعيُنُهُمْ مُحْمَرّةً | |
|
| منْ غَضَبٍ مُكتَحِلاتٌ باللّظى |
|
إذا اعْتَزَوْا عَدّوا أباً سَمَيْدَعاً | |
|
| منْ عَبْدِ شَمْسٍ أُمَويَّ المُنْتَمى |
|
منْ دَوْحَةٍ نالَ السّماءَ فَرْعُها | |
|
| وأصْلُها في سُرّةِ الأرضِ رَسا |
|
بَنو خَليلِ اللهِ فيهمْ عرَّقَتْ | |
|
| أرومَةٌ مِنها النّبيُّ المُصطفى |
|
والخُلفاءُ الراشِدونَ وبهمْ | |
|
| أوضِحَ للدّينِ مَنارٌ وصُوَى |
|
والأُمَويّونَ الذين رَكَزُوا | |
|
| في نَصْرِهِ سُمْرَ الرِّماحِ في الكُلى |
|
وآلُ عبّاسَ لَقوا أعداءَهُ | |
|
| فاحْتَكَمَتْ سُيوفُهُمْ على الطُّلى |
|
ومَنْ كقَوْمي وهمُ منْ يَعْرُبٍ | |
|
| ومِنْ نِزارِ بنِ مَعَدّ في الذُّرا |
|
فحبّهُمْ عِصْمَةُ كُلِّ مُتَّقٍ | |
|
| وهُمْ مَصابيحُ الهُدى لمَنْ غَوى |
|
ومَنْ يَحُمْ عليهِمْ رَجاؤُهُ | |
|
| يَعْلَقْ بِحَبْلٍ لا تَهي منهُ القُوى |
|
وإنْ تخطّاهُمْ إِلى غَيرِهمُ | |
|
| تمكّنَتْ منهُ أضاليلُ المُنى |
|
وليسَ للهِمّةِ ممّنْ يَبْتَغي | |
|
| نَجاتَهُ إلا إليْهِمْ مُرْتَقى |
|
وهُمْ ثِمالُ النّاسِ مَنْ لا يَعْتَصِمْ | |
|
| بِهِمْ يَكُنْ مِنْ دِينهِ على شَفا |
|
خَلائِفٌ ساسوا الأنامَ وهُمُ | |
|
| كالنَّعَمِ الهامِلِ فَوْضى وسُدى |
|
قد مَلَكوا الدُّنيا وكانتْ عاطِلاً | |
|
| فما لَها غَيْرَ مَساعِيهمْ حُلى |
|
إنْ حارَبوا أرْضى السّيوفَ سُخْطُهُمْ | |
|
| أو سالَموا شَدّوا على الحِلْمِ الحُبا |
|
لا تُنْطَقُ العَوْراءُ فيهمْ وبهِمْ | |
|
| يَجْتَنِبُ الجاهِلُ إهْداءَ الخَنى |
|
ويَبْسُطونَ بالنّوالِ أيْدياً | |
|
| منها أفاويقُ الثّراءِ تُمْتَرى |
|
وسوفَ أقْفو في المَعالي هَدْيَهُمْ | |
|
| ودونَ غاباتِهِمُ نَيْلُ السُّها |
|
فكَمْ أغُضُّ ناظِري على قَذىً | |
|
| وتَنْطَوي تَرائِبي على شَجى |
|
في عُصَبٍ يُضْني الكَريمَ قُرْبُهُمْ | |
|
| وشرُّ أدْوائِكَ ما فيهِ الضّنى |
|
وقد رَماني نَكَدُ الدّهْرِ بهِمْ | |
|
| وما دَرى أيَّ معاوِيٍّ رَمى |
|
فلا رَعى اللهُ لِئاماً وَهَبوا | |
|
| نَزْراً وقد شِيبَ بمَنٍّ وأذى |
|
ناموا شِباعاً فُقِئَتْ عُيونُهُمْ | |
|
| وجارُهُمْ أرّقَ عَينَيْهِ الطّوى |
|
والمَدْحُ والهَجْوُ سَواءٌ عندَهُمْ | |
|
| فمَنْ هَذى بمَدْحِهِمْ كَمَنْ هَجا |
|
فقَرِّبا يا صاحبَيَّ أيْنُقاً | |
|
| كِدْنَ يُبارينَ الرِّياحَ في البُرى |
|
إنّ مُناخَ السّوءِ لا يَثْوي بهِ | |
|
| مَنْ لمْ تَكُنْ أوْطانُهُ إلا الفَلا |
|
أرْوَعُ لا يَقْرَعُ بابَ باخِلٍ | |
|
| لمْ يتّزِرْ بسُؤْدَدٍ ولا ارْتَدى |
|
لَسْتُ كَريمَ الوالِدَيْنِ ماجِداً | |
|
| إنْ لمْ أصِلْ تأويبَهُنَّ بالسُّرى |
|
فَبي صَدًى يَحْرِقُني أُوارُهُ | |
|
| ولا تَلوبُ غُلّتي على صَرى |
|
ولا أرومُ المالَ مَنْهوماً بهِ | |
|
| فالمالُ مَحْفورٌ حَوالَيْهِ الزُّبى |
|
والمَجْدُ ممّا أقْتَني وأبْتَني | |
|
| فإنْ عَثَرْتُ دونَهُ فلا لَعَا |
|
ولا أحُطُّ بالوِهادِ أرْحُلي | |
|
| والعَبْشَميّونَ يحِلّونَ الرُّبا |
|
ولي مَدىً لابُدّ منْ بُلوغِهِ | |
|
| وكلُّ ساعٍ يَنتَهي إِلى مَدَى |
|
للهِ دَرّي أيُّ ذي حَفيظَةٍ | |
|
| في مِدْرَعي يا سَعْدُ وهْوَ يُزْدَرى |
|
فلَوْ عَلِمْتَ بَعْضَ ما يُجِنُّهُ | |
|
| لمْ تَسْتَرِبْ منهُ بكُلِّ ما تَرى |
|
يَرْبِطُ فيما يعتَريهِ جأشَهُ | |
|
| وقَلبُهُ مُشْتَمِلٌ على الأسى |
|
لمْ يَبْتَسِمْ إذْ أنْهَضَتْهُ نِعْمَةٌ | |
|
| وأجهَضَتْهُ شدّةٌ فَما بَكى |
|
والسّيفُ لا يُعْرَفُ ما غَناؤُهُ | |
|
| وهْوَ لَجيُّ الغِمْدِ حتى يُنْتَضى |
|
والقولُ إنْ لم يَقْرُنِ الفِعْلُ بهِ | |
|
| تَصْديقَهُ فهْوَ الحديثُ المُفْتَرى |
|
|
| بالماءِ تُسْقاهُ على بَرْحِ الصّدى |
|
إنْ غرّدَ الرّاوي بِها تطَرُّباً | |
|
| تلقّفَ السّامِعُ منْها ما رَوى |
|
ومنْ تمنّى أنْ يَنالَ شأْوَها | |
|
| هَوى بهِ إِلى العَناءِ ما هَوى |
|
فالشِّعْرُ ما لَمْ يُقْتَسَرْ أبيُّهُ | |
|
| وذادَ عنهُ الطّبْعُ وحْشيَّ اللُّغى |
|