رُوَيْدَكِ ... لا الَملامُ ولا العتـِابُ |
يُعادُ بهِ - إذا سُكِبَ- الشَرابُ |
فليسَ بِمُزْهرٍ صخراً نَميــــرٌ |
و ليس بِمُعْشِبٍ رَمْلاً سَــرابُ |
عَقَدْتُ على اليَبابِ طِماحَ صَحْني |
فَجادَ عليَّ بالسَغَبِ اليَبـــابُ |
وَ جَيَّشْتُ الأَماني دونَ خَطْــوٍ |
فَشاخَ الدَربُ و اكْتَهَلَ الإِيـابُ |
و لّما شَكَّ بي جَسَدي و كـادَتْ |
تُعَيِّرُني المباهــجُ و الرِّغــابُ |
عَزَمْتُ على الحياةِ ... وَ رَغَّبَتْـني |
بها خودٌ و دانيـةٌ رِطـــابُ |
صَرَخْتُ بها : ألا يانفسُ تَبّــاً ... |
أَتالي العمرِ فاحشةٌ وَ عــابُ |
و كنتُ خَبَرْتُ - بِدْءَ صِباً- جنوحاً |
إلى فَرَحٍ نهايتــُهُ اكْتِئــابُ |
وَجَرَّبْتُ اللـذَاذَةَ في كــؤوسٍ |
تدورُ بها الغواني و الكَعــابُ |
و أَوتارٍ إذا عُزِفَـتْ تناســَتْ |
رَزانَتَها الأصابعُ و الرِقــابُ |
فَما طَرَدَتْ همومَ الــروحِ (.....) |
ولا رَوَّى ظميءَ هوىً رُضابُ |
حَرَثْتُ بأَضْلُعي بُسـْتانَ طَيــشٍ |
تماهى فيه ليْ نَفَـرٌ صَـحابُ |
فلم تَنْبُتْ سوى أشجـارِ وَهـْمٍ |
دواليها مُخـادِعـةٌ كِـذابُ |
أَفَقْتُ على قصور الحـلمِ أَقْوَتْ |
فمملكتي الندامةُ و الخَـرابُ |
وَ قَرَّبَ من متاهَتــِهِ ضَيـاعٌ |
و باعَدَ من جنائِـنِـهِ مـآبُ |
وَجِئْتُكِ مُسْـتَـميحاً عفوَ قلبٍ |
له في الحبِ صِدْقٌ لا يُشـابُ |
كفـى عَتَباً ... فإنَّ كَثيرَ عُتْبـى |
وطولَ ملامـَةٍ ظُفـُرٌ و نابُ |
|
*** |
غريبٌ ... و الهوى مثلي غريبٌ ... |
ورُبَّ هوىً بِمُغْتَـرَبٍ عِقابُ |
كلانـا جائـعُ و الزّادُ جَمـْرٌ ... |
كلانا ظامـيءٌ و الماءُ صابُ |
كلانـا فيـه من حزنٍ سهـولٌ |
وأَودِيَةٌ ... و من ضَجَرٍ هضابُ |
صَبـَرْتُ على قَذى الأيامِ أَلْـوي |
بها حينـاً ... و تلويني الصِعابُ |
أُناطِـحُ مُسْتَبـِدَّ الـدهرِ حـتى |
تَـهَشّـَمَ فوق صخرتِهِ الشبابُ |
رويَـدكِ ... تسألين عن اصطخابٍ |
بنهري بعدما نَشَـفَ الحَبـابُ |
و كيف نَهَضْـتُ من تابوتِ يأسي |
فـؤاداً ليـس يَقْرََبُـهُ ارتيابُ |
وكيف أَضَـأْتُ بالآمـالِ كهـفاً |
بمنـفىً كان يجـهلُهُ الشِهابُ |
بلى كنتُ السَّـحابَ يَـزِخُّ غَمـّاً |
وما لنخيلِ أحزانـي حسـابُ |
شفيتُ فلم أَعُـدْ ناعـورَ دمـعٍ |
وها أَنَــذا ينابيــعٌ وغابُ |
رويـدَكِ ... مالزهرائي اسْتَحَمَّتْ |
بنـهرِ ظنونِها و أنا الصَّـوابُ |
إذا شئـتِ الجوابَ فليس عندي ... |
ولكنْ : في "المُجَمَّـعَةِ" الجوابُ |
سَليـها عن فَتـاها فهي أدرى ... |
سَلي تُجِبِ اليَـراعةُ و القِبـابُ |
تَخَيّــَرَهُ الوَقــارُ له مثــالاً |
وتاهَـتْ في رَحابتـِهِ الـرِّحابُ |
فـتى التسـعينَ ... لا أغـراهُ جاهٌ |
و لا الحَسَبُ المضيءُ.. و لا اكتسابُ |
تُنـادِمُهُ الفَيـافي حيـن يغـفـو |
وإذْ يـصحو يُـسامرُهُ السَـحابُ |
كـأنَّ لقلبـِهِ عقـلاً ... و قلبـاً |
لعقلٍ ... فَـهْوَ سَـحٌّ وانْسيـابُ |
|
*** |
أَحَـبَّ النـاسَ ما قـالوا "سلاماً" |
و ما ذهـبـوا لمكـرمةٍ و آبـوا |
له بـ"الأحْمَـدَيْـنِ" رفاقُ دربٍ |
هُـما منـه السُـلافة و الربـابُ |
قَصَـدنـا حقلَـهُ أربابَ حـرفٍ |
لهـم بظــلالِ حكمتِـهِ طِلابُ |
طَـرَقْـتُ البابَ منـتـظراً جواباً |
فَرَدَّ علـيَّ - قبل بنـيـهِ - بابُ |
دَخَـلْتُ فأَسكَـرَ الترحابُ خطوي |
وقد ثَمُـلَتْ من الطيـبِ الثيـابُ |
جلسـتُ إليهِ .. في جفـني ثَبـاتٌ |
وفي شفتي - من الذُهْلِ - اضطرابُ |
تَحَـدَّثَ فالفَصـــاحةُ في بيانٍ |
تُـوشِّـيـها معانـيـه الخِـلابُ |
و ما خَـطَبَ الحكيمُ بنا .. و لكنْ |
حِـجـاهُ لكلّ ذي لُـبٍّ خطابُ |
يـرى أَنَّ الحــضورَ بدارِ دُنـيا |
بـلا تقــوى و طهرِ هوىً غِيابُ |
و أنَّ الـمرءَ مرعىً ... والأمـاني |
ظِبــاءٌ ... و المقــاديرَ الذئابُ |
و أذكـرُ بعضَ ما قالَ انتــصاحاً: |
"أّخـبزٌ دون جَـمْرٍ يُستـطابُ" |
"و إنَّ الـدُرَّ قـيمـتُــهُ بعـزمٍ " |
"تليـــنُ له العواصفُ و العبُابُ" |
وعلّــَلَ ... و العيونُ إليه تُصْغي |
بِدهشَتِــها ... أجابَ و ما أجابوا |
فتـى التسعـين ... أكثـرُنا شباباً |
وأفتى لـو تَـسابَـقَتِ اللُبـابُ |
*** |
أبـا الأبـرارِ طِبـتَ لنا طبـيـباً |
و قنديـلاً إذا دَجَـتِ الشِـعابُ |
وَ طِبْـت مُنَـقِّبـاً في ارض فـكرٍ |
عليـها من غَـشـاوَتـِنا نِـقابُ |
و ياجَبَـلَ الوقـارِ أرى ذهــولي |
يُـسائلـني وقد شُــدَّ الركابُ: |
جلـسـتُ إليـكَ يُثـْقِلني ظلامٌ |
وقـمتُ و للسَـنا بدمي انسيابُ |
أَعِـطْـرُكَ أّمْ شمـيـمُ عـرارِ نجدٍ |
سـرى بدمي فضـاحكني الشبابُ |