مشياً على الأقدامِ، |
|
أو زحفاً على الأيدي نعودُ |
|
قالوا.. |
|
وكانَ الصخرُ يضمرُ |
|
والمساءُ يداً تقودُ.. |
|
لم يعرفوا أنَّ الطريقَ إلى الطريقِ |
|
دمٌ، ومصيدةٌ، وبيدُ |
|
كلُّ القوافلِ قبلهم غاصتْ، |
|
وكانَ النهرُ يبصقُ ضفتيهِ |
|
قطعاً من اللحمِ المفتتِ، |
|
في وجوهِ العائدين |
|
كانوا ثلاثةً عائدين: |
|
شيخٌ، وابنتهُ، وجنديٌّ قديم |
|
يقفونَ عند الجسرِ.. |
|
(كان الجسرُ نعساناً، وكانَ الليلُ قبعةًَ. |
|
وبعدَ دقائقَ يصلون. هل في البيتِ ماء؟ |
|
وتحسّسَ المفتاحَ ثم تلا من القرآنِ آية...) |
|
قالَ الشيخُ منتعشاً: وكم من منزلٍ في الأرضِ يألفهُ الفتى |
|
قالتْ: ولكنَّ المنازلَ يا أبي أطلالُ ! |
|
فأجابَ: تبنيها يدانِ.. |
|
ولم يتمَّ حديثهُ، إذ صاحَ صوتٌ في الطريق: تعالوا ! |
|
وتلتهُ صقطقةُ البنادق.. |
|
لن يمرَّ العائدون |
|
حرسُ الحدودِ مرابطٌ |
|
يحمي الحدودَ من الحنين |
|
(أمرٌ بإطلاقِ الرصاص على الذي يجتاز هذا الجسر |
|
هذا الجسرُ مقصلةُ الذي رفضَ التسوّلَ تحتَ ظلِّ وكالةِ الغوثِ الجديدهْ. |
|
والموتَ بالمجّانِ تحتَ الذلِّ والأمطار، من يرفضه يُقتلُ عندَ هذا الجسرْ. |
|
هذا الجسرْ مقصلةُ الذي ما زالَ يحلُمُ بالوطن). |
|
الطلقةُ الأولى أزاحتْ عن جبينِ الليلِ |
|
قبعةَ الظلام |
|
والطلقةُ الأخرى.. |
|
أصابتْ قلبَ جنديٍّ قديم |
|
والشيخُ يأخذُ كفَّ ابنتهِ ويتلو |
|
همساً من القرآنِ سورهْ |
|
وبلهجةٍ كالحلمِ قال: |
|
- عينا حبيبتيَ الصغيرهْ |
|
ليَ، يا جنود، ووجهها القمحيُّ لي |
|
لا تقتلوها، واقتلوني |
|
(كانت مياهُ النهرِ أغزر.. |
|
فالذينَ رفضوا هناكَ الموتَ بالمجّان أعطوا النهرَ لوناً آخراً. |
|
والجسرُ، حينَ يصيرُ تمثالاً، سيُصبغُ دونَ ريبٍ- |
|
بالظهيرةِ والدماءِ وخضرةِ الموتِ المفاجئ). |
|
... وبرغمِ أنَّ القتلَ كانَ كالتدخين.. |
|
لكنَّ الجنودَ "الطيّبين"، |
|
الطالعينَ على فهارسِ دفترٍ.. |
|
قذفتهُ أمعاءُ السنين، |
|
لم يقتلوا الاثنين.. |
|
كانَ الشيخُ يسقطُ في مياهِ النهرِ |
|
والبنتُ التي صارتْ يتيمهْ |
|
كانتْ ممزّقةَ الثياب، |
|
وطارَ عطرُ الياسمين |
|
على صدرها العاري الذي |
|
ملأتهُ رائحةُ الجريمهْ |
|
والصمتُ خيّمَ مرّةً أخرى، |
|
وعادَ النهرُ يبصقُ ضفتيهِ |
|
قطعاً من اللحمِ المفتت |
|
.. في وجوهِ العائدين |
|
لم يعرفوا أنَّ الطريقَ إلى الطريقِ |
|
دمٌ ومصيدةٌ. ولم يعرفْ أحد |
|
شيئاً عن النهرِ الذي |
|
يمتصُّ لحمَ النازحين |
|
(والجسرُ يكبرُ كلَّ يومٍ كالطريقْ، |
|
وهجرةُ الدمِ في مياهِ النهرِ تنحتُ من حصى الوادي |
|
تماثيلاً لها لونُ النجوم، ولسعةُ الذكرى، |
|
وطعمُ الحبِّ حينَ يصيرُ أكثرَ من عبادة). |