تَقولُ اِبنَةَ العَبسِيِّ قَد شِبتَ بَعدَنا | |
|
| وَكُلُّ اِمرِئٍ بَعدَ الشَبابِ يَشيبُ |
|
وَما الشَيبُ إِلّا غائِبٌ كانَ جائِياً | |
|
| وَما القَولُ إِلّا مُخطِئٌ وَمُصيبُ |
|
تَقولُ سُلَيمى ما لَجِسمِكَ شاحِباً | |
|
| كَأَنَّكَ يَحميكَ الشَرابَ طَبيبُ |
|
فَقُلتُ وَلَم أَعيَ الجَوابَ وَلَم أَبُح | |
|
| وَلِلدَهرِ في الصُمِّ الصِلابِ نَصيبُ |
|
تَتابُعُ أَحداثٍ يُجَرِّعنَ إِخوَتي | |
|
| فَشَيَّبنَ رَأسي وَالخُطوبُ تُشيبُ |
|
لَعَمري لَئِن كانَت أَصابَت مَنِيَّةٌ | |
|
| أَخي وَالمَنايا لِلرِجالِ شَعوبُ |
|
لَقَد كانَ أَمّا حِلمُهُ فَمُرَوِّحٌ | |
|
| عَلَيَّ وَأَمّا جَهلُهُ فَعَزيبُ |
|
أَخي ما أَخي لا فاحِشٌ عِندَ ريبَةٍ | |
|
| وَلا وَرِعٌ عِندَ اللِقاءِ هَيوبُ |
|
أَخٌ كانَ يَكفيني وكانَ يُعينُني | |
|
| عَلى النائِباتِ السُودِ حينَ تَنوبُ |
|
حَليمٌ إِذا ما سَورَةُ الجَهلِ أَطلَقَت | |
|
| حُبى الشَيبِ لِلنَفسِ اللَجوجِ غَلوبُ |
|
هُوَ العَسَلُ الماذِيُّ حِلماً وَشيمَةً | |
|
| وَلَيثٌ إِذا لاقى العُداةَ قَطوبُ |
|
هَوَت أُمُّهُ ما يَبعَثُ الصُبحُ غادِياً | |
|
| وَماذا يَوَدُّ اللَيلُ حينَ يَؤوبُ |
|
هَوَت أُمُّهُ ماذا تَضَمَّنَ قَبرُهُ | |
|
| مِنَ المَجدِ وَالمَعروفِ حينَ يَنوبُ |
|
فَتىً أَريحِيٌّ كانَ يَهتَزُّ لِلنَدى | |
|
| كَما اِهتَزَّ مِن ماءِ الحَديدِ قَضيبُ |
|
كَعالِيَةِ الرُمحِ الرُدَينِيِّ لَم يَكُن | |
|
| إِذا اِبتَدَرَ القَومُ العُلاءَ يَخيبُ |
|
أَخو سَنواتٍ يَعلَمُ الضَيفُ أَنَّهُ | |
|
| سَيُكثِرُ ماءً في إِناهُ يَطيبُ |
|
حَبيبٌ إِلى الزُوّارِ غِشيَانُ بَيتِهِ | |
|
| جَميلُ المُحَيّا شَبَّ وَهوَ أَديبُ |
|
إِذا قَصَّرَت أَيدي الرِجال عَنِ العُلا | |
|
| تَناوَلَ أَقصى المَكرُماتِ كَسوبُ |
|
جموعُ خِلالِ الخَيرِ مِن كُلِّ جانِبٍ | |
|
| إِذا حَلَّ مَكروهٌ بِهِنَّ ذَهوبُ |
|
مُفيدٌ لِمَلقى الفائِداتِ مُعاوِدٌ | |
|
| لِفِعلِ النَدى وَالمَكرُماتِ نَدوبُ |
|
وَداعٍ دعا هَل مَن يُجيبُ إِلى النَدى | |
|
| فَلَم يَستَجِبهُ عِندَ ذاكَ مُجيبُ |
|
فَقُلتُ اِدعُ أُخرى وَاِرفَعِ الصَوتَ جَهرةً | |
|
| لَعَلَّ أَبا المِغوارِ مِنكَ قَريبُ |
|
يُجِبكَ كَما قَد كانَ يَفعَلُ إِنَّهُ | |
|
| بِأَمثالِها رَحبُ الذِراعِ أَريبُ |
|
أَتاكَ سَريعاً وَاِستَجابَ إِلى النَدى | |
|
| كَذالِكَ قَبلَ اليَومِ كانَ يُجيبُ |
|
كَأَنَّهُ لَم يَدعُ السَوابِحُ مَرَّةً | |
|
| إِذا اِبتَدَرَ الخَيلَ الرِجالُ نَجيبُ |
|
فَتىً لا يُبالي أَن تَكونَ بِجِسمِهِ | |
|
| إِذا حالَ حالاتُ الرِجالِ شُحوبُ |
|
إِذا ما تَراءى لِلرِجالِ رَأَيتَهُ | |
|
| فَلَم يَنطِقوا اللَغواءَ وَهوَ قَريبُ |
|
عَلى خَيرِ ما كانَ الرِجالُ رَأَيتُهُ | |
|
| وَما الخَيرُ إِلّا طُعمَةٌ وَنَصيبُ |
|
حَليِفُ النَدى يَدعو النَدى فَيُجيبُهُ | |
|
| سَريعاً وَيَدعوهُ النَدى فَيُجيبُ |
|
غِياثٌ لِعانٍ لَم يَجِد مَن يُغيثُهُ | |
|
| وَمُختَبِطٍ يَغشى الدُخانَ غَريبُ |
|
عَظيمُ رَمادِ النارِ رَحبٌ فِناؤُهُ | |
|
| غِلى سَنَدٍ لَم تَحتَجِبهُ عُيوبُ |
|
يَبيتُ النَدى يا أُمَّ عَمرٍ ضَجيعَةُ | |
|
| إِذا لَم يَكُن في المُنقِياتِ حَلوبُ |
|
حَليمٌ إِذا ما الحِلمُ زَيَّنَ أَهلَهُ | |
|
| مَعَ الحِلمِ في عَينِ العَدُوِّ مهيبُ |
|
مُعَنّىً إِذا عادى الرِجالَ عَداوَةً | |
|
| بَعيداً إِذا عادى الرِجالَ رَهيبُ |
|
غَنينا بِخَيرٍ حِقبَةً ثُمَّ جَلَّحَت | |
|
| عَلَينا الَّتي كُلَّ الأَنامِ تُصيبُ |
|
فَأَبقَت قَليلاً ذاهِباً وَتَجَهَّزَت | |
|
| لِآخَرَ وَالراجي الحَياةَ كذوبُ |
|
وَأَعلَمُ أَنّ الباقِيَ الحَيَّ مِنهُمُ | |
|
| إِلى أَجَلٍ أَقصى مَداهُ قَريبُ |
|
لَقَد أَفسَدَ الموت الحَياةَ وَقَد أَتى | |
|
| عَلى يَومِهِ عِلقٌ عَلَيَّ جَنيبُ |
|
أَتى دونَ حُلوِ العَيشِ حَتّى أَمَرَّهُ | |
|
| نَكوبٌ عَلى آثارِهِنَّ نُكوبُ |
|
فَإِن تَكُنِ الأَيّامُ أَحسَنَّ مَرَّةً | |
|
| إِلَيَّ فَقَد عادَت لَهُنَّ ذُنوبُ |
|
كَأَنَّ أَبا المِغوارِ لَم يوفِ مَرقباً | |
|
| إِذا ما رَبا القَومَ الغُزاةَ رَقيبُ |
|
وَلَم يَدعُ فِتياناً كِراماً لِمَيسِرٍ | |
|
| إِذا اِشتَدَّ مِن ريحِ الشِتاءِ هُبوبُ |
|
فَإِن غابَ عَنّا غائِبٌ أَو تَخاذَلو | |
|
| كَفى ذاكَ مِنهُم وَالجَنابُ خَصيبُ |
|
كَأَنَّ أَبا المِغوارِ ذا المَجدِ لم تجب | |
|
| بِهِ البيدَ عيسٌ بِالفَلاةِ جَيوبُ |
|
عَلاةٌ تَرى فيها إِذا حُطَّ رَملُها | |
|
| نُدوباً عَلى آثارِهِنَّ نُدوبُ |
|
وَإِنّي لَباكيهِ وَإِنّي لَصادِقٌ | |
|
| عَلَيهِ وَبَعضُ القائِلينَ كَذوبُ |
|
فَتى الحَربِ إِن جارَت كَأَنَّ سَماءَها | |
|
| وَفي السَفرِ مِفضالُ اليَدَينِ وَهوبُ |
|
وَحَدَّثتُماني إِنَّما المَوتُ في القِرى | |
|
| فَكَيفَ وَهَذيِ هَضبَةٌ وَكَثيبُ |
|
وَماءُ سَماءٍ كان غَيرَ مَجَمَّةٍ | |
|
| بِبادِيَةٍ تَجري عَلَيهِ جَنوبُ |
|
وَمَنزِلُهُ في دارِ صِدقٍ وَغِبطَةٍ | |
|
| وَما قالَ من حُكمٍ عَلَيهِ طَبيبُ |
|
فَلَو كانَتِ الدُنيا تُباعُ اِشتَرَيتُهُ | |
|
| بِها إِذ بِهِ كانَ النُفوسُ تَطيبُ |
|
بِعَينَيَّ أَو يُمنى يَدَيَّ وَقيلَ لي | |
|
| هُوَ الغانِمُ الجَذلانُ يَومَ يَؤوبُ |
|
لَعَمري كَما أَنّ البَعيدَ لَما مَضى | |
|
| فَإِنَّ الَّذي يَأتي غَداً لَقَريبُ |
|
وَإِنّي وَتَأميلي لِقاءَ مُؤَمَّلٍ | |
|
| وَقَد شَعَبَتهُ عَن لِقاي شَعوبُ |
|
كَداعي هُذَيلٍ لا يَزالُ مُكَلَّفاً | |
|
| وَلَيسَ لَهُ حَتّى المَماتِ مُجيبُ |
|
فَوَاللَهِ لا أَنساهُ ما ذَرَّ شارِقٌ | |
|
| وَما اِهتَزَّ مِن فَرقِ الأَراكِ قَضيبُ |
|