أَلا لا أَرى الأَحداثَ حَمدًا وَلا ذَمّا |
فَما بَطشُها جَهلاً وَلا كَفُّها حِلما |
إِلى مِثلِ ما كانَ الفَتى مَرجِعُ الفَتى |
يَعودُ كَما أُبدي وَيُكري كَما أَرمى |
لَكِ اللهُ مِن مَفجوعَةٍ بِحَبيبِها |
قَتيلَةِ شَوقٍ غَيرَ مُلحِقِها وَصما |
أَحِنُّ إِلى الكَأسِ الَّتي شَرِبَتْ بِها |
وَأَهوى لِمَثواها التُرابَ وَما ضَمّا |
بَكَيتُ عَلَيها خيفَةً في حَياتِها |
وَذاقَ كِلانا ثُكلَ صاحِبِهِ قِدما |
وَلَو قَتَلَ الهَجرُ المُحِبّينَ كُلَّهُمْ |
مَضى بَلَدٌ باقٍ أَجَدَّتْ لَهُ صَرما |
مَنافِعُها ما ضَرَّ في نَفعِ غَيرِها |
تَغَذّى وَتَروى أَن تَجوعَ وَأَن تَظما |
عَرَفتُ اللَيالي قَبلَ ما صَنَعَتْ بِنا |
فَلَمّا دَهَتني لَم تَزِدني بِها عِلما |
أَتاها كِتابي بَعدَ يَأسٍ وَتَرحَةٍ |
فَماتَتْ سُرورًا بي فَمُتُّ بِها همّا |
حَرامٌ عَلى قَلبي السُرورُ فَإِنَّني |
أَعُدُّ الَّذي ماتَت بِهِ بَعدَها سُمّا |
تَعَجَّبُ مِن خَطّي وَلَفظي كَأَنَّها |
تَرى بِحُروفِ السَطرِ أَغرِبَةً عُصما |
وَتَلثَمُهُ حَتّى أَصارَ مِدادُهُ |
مَحاجِرَ عَينَيها وَأَنيابَها سُحما |
رَقا دَمعُها الجاري وَجَفَّتْ جُفونُها |
وَفارَقَ حُبّي قَلبَها بَعدَ ما أَدمى |
وَلَم يُسلِها إِلّا المَنايا وَإِنَّما |
أَشَدُّ مِنَ السُقمِ الَّذي أَذهَبَ السُقما |
طَلَبتُ لَها حَظًّا فَفاتَتْ وَفاتَني |
وَقَد رَضِيَت بي لَو رَضيتُ بِها قِسما |
فَأَصبَحتُ أَستَسقي الغَمامُ لِقَبرِها |
وَقَد كُنتُ أَستَسقي الوَغى وَالقَنا الصُمّا |
وَكُنتُ قُبَيلَ المَوتِ أَستَعظِمُ النَوى |
فَقَد صارَتِ الصُغرى الَّتي كانَتِ العُظمى |
هَبيني أَخَذتُ الثَأرَ فيكِ مِنَ العِدا |
فَكَيفَ بِأَخذِ الثَأرِ فيكِ مِنَ الحُمّى |
وَما انسَدَّتِ الدُنيا عَلَيَّ لِضيقِها |
وَلَكِنَّ طَرفًا لا أَراكِ بِهِ أَعمى |
فَوا أَسَفا أَن لا أُكِبَّ مُقَبِّلاً |
لِرَأسِكِ وَالصَدرِ الَّذي مُلِئا حَزما |
وَأَن لا أُلاقي روحَكِ الطَيِّبَ الَّذي |
كَأَنَّ ذَكِيَّ المِسكِ كانَ لَهُ جِسما |
وَلَو لَم تَكوني بِنتَ أَكرَمِ والِدٍ |
لَكانَ أَباكِ الضَخمَ كَونُكِ لي أُمّا |
لَئِن لَذَّ يَومُ الشامِتينَ بِيَومِها |
فَقَد وَلَدَتْ مِنّي لِأَنفِهِمُ رَغما |
تَغَرَّبَ لا مُستَعظِمًا غَيرَ نَفسِهِ |
وَلا قابِلاً إِلّا لِخالِقِهِ حُكما |
وَلا سالِكًا إِلّا فُؤادَ عَجاجَةٍ |
وَلا واجِدًا إِلّا لِمَكرُمَةٍ طَعما |
يَقولونَ لي ما أَنتَ في كُلِّ بَلدَةٍ |
وَما تَبتَغي ما أَبتَغي جَلَّ أَن يُسمى |
كَأَنَّ بَنيهِمْ عالِمونَ بِأَنَّني |
جَلوبٌ إِلَيهِْم مِن مَعادِنِهِ اليُتما |
وَما الجَمعُ بَينَ الماءِ وَالنارِ في يَدي |
بِأَصعَبَ مِن أَن أَجمَعَ الجَدَّ وَالفَهما |
وَلَكِنَّني مُستَنصِرٌ بِذُبابِهِ |
وَمُرتَكِبٌ في كُلِّ حالٍ بِهِ الغَشما |
وَجاعِلُهُ يَومَ اللِقاءِ تَحِيَّتي |
وَإِلّا فَلَستُ السَيِّدَ البَطَلَ القَرما |
إِذا قَلَّ عَزمي عَن مَدىً خَوفَ بُعدِهِ |
فَأَبعَدُ شَيءٍ مُمكِنٌ لَم يَجِد عَزما |
وَإِنّي لَمِن قَومٍ كَأَنَّ نُفوسَنا |
بِها أَنَفٌ أَن تَسكُنَ اللَحمَ وَالعَظما |
كَذا أَنا يا دُنيا إِذا شِئتِ فَاذهَبي |
وَيا نَفسُ زيدي في كَرائِهِها قُدما |
فَلا عَبَرَت بي ساعَةٌ لا تُعِزُّني |
وَلا صَحِبَتني مُهجَةٌ تَقبَلُ الظُلما |