هَبَّت قُبيلَ تَبلّجِ الفَجرِ |
هِندٌ تَقولُ وَدَمعُها يَجري |
إِذ أَبصَرَت عَيني وَأَدمُعُها |
يَنهَلُّ وَاكِفُها عَلى النَّحرِ |
أَنّى اِعتَراكَ وَكُنتَ عَهدِيَ لا |
سربَ الدُّموع وَكُنتَ ذا صَبرِ |
أَقذى بِعَينِكَ ما يُفارِقُها |
أَم عائِرٌ أَم ما لَها تذري |
أَم ذِكرُ إِخوانٍ فجعتَ بِهِم |
سَلَكوا سَبيلَهُمُ عَلى قَدرِ |
فَأَجَبتُها بَل ذكرُ مَصرَعِهِم |
لا غَيرهُ عَبراتُها يمري |
يا رَبِّ أَسلِكني سَبيلَهُمُ |
ذا العَرشِ وَاِشدُد بِالتُّقى أَزري |
في فِتيَةٍ صَبَروا نُفوسَهُمُ |
لِلمشرَفِيَّةِ وَالقَنا السّمرِ |
تَاللَّهِ أَلقى الدَّهرَ مِثلَهُمُ |
حَتّى أَكونَ رَهينَةَ القَبرِ |
أَوفى بِذِمَّتِهِم إِذا عَقَدوا |
وَأعفّ عِندَ العُسرِ وَاليُسرِ |
مُتَأَهِّبونَ لِكُلِّ صالِحَةٍ |
ناهونَ مَن لاقوا عَنِ النّكرِ |
صمتٌ إِذا اِحتَضَروا مَجالِسَهُم |
وَزنٌ لِقَولِ خَطيبهِم وقرِ |
إِلّا تَجيئهُم فَإِنَّهُم |
رُجُفُ القُلوبِ بِحَضرَةِ الذِكرِ |
مُتَأَوِّهونَ كَأَنَّ جَمرَ غَضا |
لِلمَوتِ بَينَ ضُلوعِهِم يَسري |
تَلقاهُم إِلّا كَأَنَّهُمُ |
لِخُشوعِهِم صَدَروا عَنِ الحَشرِ |
فَهُمُ كَأَن بِهِم جَوى مَرَضٍ |
أَو مَسّهُم طَرفٌ مِنَ السِّحرِ |
لا لَيلهُم لَيلٌ فَيلبسهُم |
فيهِ غَواشي النَومِ بِالسُكرِ |
إِلّا كَذا خلساً وَآوِنَةً |
حَذَرَ العِقابِ فَهُم عَلى ذُعرِ |
كَم مِن أَخٍ لَكَ قَد فُجِعتَ بِهِ |
قَوّامِ لَيلَتِهِ إِلى الفَجرِ |
مُتَأَوِّهاً يَتلو قَوارِعَ مِن |
آيِ الكِتابِ مُفَرَّحَ الصَّدرِ |
نصبٌ تَجيشُ بَناتُ مُهجَتِهِ |
مِ الخَوفِ جيشَ مَشاشَة القَدرِ |
ظَمآن وَقدة كُلِّ هاجِرَةٍ |
تَرّاك لَذَّتِهِ عَلى قَدرِ |
تَرّاك ما تَهوى النُّفوسُ إِذا |
رغبُ النُّفوسِ دَعا إِلى المُزري |
وَمُبرأ مِن كُلِّ سيّئَةٍ |
عَفّ الهَوى ذا مرَّةٍ شزرِ |
وَالمُصطَلي بِالحَربِ يسعرُها |
بِغُبارِها في فِتيَةٍ سعرِ |
يَجتاحُها بِأَفَلَّ ذي شطبٍ |
عَضبِ المَضارِبِ قاطِع البترِ |
لا شَيءَ يَلقاهُ أَسَرَّ لَهُ |
مِن طَعنَةٍ في ثغرَةِ النّحرِ |
نَجلاء مُنهرة تَجيشُ بِما |
كانَت عَواصي جَوفِهِ تَجري |
كَخَليلكَ المُختارِ أَزكِ بِهِ |
مِن مُغتَدٍ في اللَّهِ أَو مسري |
خَوّاضِ غَمرة كُلِّ مُتلفةٍ |
في اللَهِ تَحتَ العَثيرِ الكَدرِ |
تَرّاك ذي النَّخواتِ مُختَضِباً |
بِنَجيعِهِ بِالطَّعنَةِ الشّزرِ |
وَاِبنِ الحُصينِ وَهَل لَهُ شَبهٌ |
في العُرفِ أَنّى كانَ وَالنّكرِ |
بِشَهامَةٍ لَم تَحنِ أَضلُعهُ |
لِذَوي أُخُوَّتِهِ عَلى غَدرِ |
طَلقِ اللِّسانِ بِكُلِّ محكَمَةٍ |
رَآبِ صدعِ العَظمِ ذي الكَسرِ |
لَم يَنفَكِك في جَوفِهِ حُزنٌ |
تَغلي حَرارَتُهُ وَتَستَشري |
تَرقى وَآوِنَةً يُخَفِّضُها |
بِتَنَفُّسِ الصُّعَداءِ وَالزّفرِ |
وَمُخالطي بَلج وَخالصَتي |
سُمُّ العَدُوِّ وَجابِرُ الكَسرِ |
نكلُ الخُصومِ إِذا هُمُ شغِبوا |
وَسَدادُ ثلمَةِ عورَةِ الثّغرِ |
وَالخائِضُ الغَمَراتِ يَخطُرُ في |
وسطِ الأَعادي أَيَّما خَطرِ |
بِمُشَطَّبٍ أَو غَيرِ ذي شطبٍ |
هامَ العدى بِذبابِهِ يَفري |
وَأَخيكَ أَبرَهَةَ الهِجانِ أَخي ال |
حرابِ العَوانِ وَموقدِ الجَمرِ |
بِمرشَّةٍ فَرغٍ تَثُجُّ دَماً |
ثَجَّ الغَوِيِّ سُلافَةَ الخَمرِ |
وَالضارِبِ الأخدودِ لَيسَ لَها |
أَحَدٌ يُنَهنِهُها عَنِ السَحرِ |
وَوَلِيُّ حُكمِهِمُ فجعتُ بِهِ |
عَمرو فَواكَبِدِي عَلى عَمرِو |
قَوّال محكَمَةٍ وَذو فهمٍ |
عَفّ الهَوى مُتَثَبِّتُ الأَمرِ |
وَمُسَيّبٍ فَاِذكُر وَصيّتَهُ |
لا تَنسَ إِمّا كُنتَ ذا ذِكرِ |
فَكِلاهُما قَد كانَ مُحتَسِباً |
لِلَّهِ ذا تَقوى وَذا بِرِّ |
في مخبتينَ وَلَم أُسَمِّهِمُ |
كانوا يَدي وَهم أُولو نَصري |
وَهُمُ مَساعِرُ في الوَغى رجحٌ |
وَخيارُ مَن يَمشي عَلى العفرِ |
حَتّى وَفوا لِلَّهِ حَيثُ لَقوا |
بِعُهودِ لا كذبٍ وَلا غَدرِ |
فَتَخالَسوا مهجاتِ أَنفُسهم |
وَعداتِهِم بِقَواضِبٍ بترِ |
وَأَسِنَّةٍ أُثبِتنَ في لُدُنٍ |
خُطِّيَّةٍ بِأَكُفِّهِم زُهرِ |
تَحتَ العجاجِ وَفَوقَهم خَرقٌ |
يَخفِقنَ مِن سودٍ وَمِن حمرِ |
فَتَوقّدَت نيرانُ حَربِهِمُ |
ما بَينَ أَعلى البَيتِ وَالحجرِ |
وَتَفَرَّجَت عَنهُم كَأَنَّهُمُ |
لَم يُغمِضوا عَيناً عَلى وترِ |
صَرعى فَخاوِيَةٌ بُيوتهُمُ |
وَخَوامِعٌ لحمانَهُم تَفري |